رئيس الوزراء العراقي المقدم عبد الرزاق النايف البداية.. والنهاية وإنقلاب ٣٠ تموز ١٩٦٨
يتحدث الفرحان عن الاستقالة في مذكراته فيقول" ركب الغرور مجموعة الداوود – النايف، وشجعها ضعف رئيس الجمهورية، وإستجابته لجميع الطلبات والمقترحات ،وثقته المطلقة بها، وبدأوا يعملون لإقصاء عبد الرحمن عارف، وإحلال العقيد إبراهيم الداوود محله. وجرى الإتصال بصعب الحردان آمر الانضباط العسكري وغيره. وعهد الى العميد الركن فيصل شرهان العرس مهمة التحقق من نوايا الداوود، فزاره وتحدث معه. وقال له الداوود معتدا ومتباهيا " لقد كان جمال عبد الناصر برتبة مقدم أما أنا فعقيد.
بداية العد التنازلي لحكم الرئيس عارف ورئيس وزرائه طاهر يحيى.
وكانت بداية العد التنازلي، إستقالة رئيس الحكومة طاهر يحيى، إذ توقع عبد الرحمن الداوود آمر لواء الحرس الجمهوري، وشريكه عبد الرزاق النايف معاون مديرالاستخبارات العسكرية، مجيء حكومة جديدة، بشروط تضر بخططهما وأهدافهما. وقد يكلف طاهر يحيى نفسه فينتقم منهما، لما أصابه ،
إتصل عبد الرزاق النايف بعبد العزيز العقيلي وأحمد حسن البكر ورجب عبد المجيد وعبد الستار عبد اللطيف، وكان يفضل الاتفاق مع عبد العزيز العقيلي، لولا شروطه القاسية وصلابته وعدم مرونته ، وأخيراً تم الاتفاق مع أحمد حسن البكر، الذي كان سخياً مع المتامرين، الى درجة كبيرة.
فقد وافق البكر على جميع الطلبات ،لأنه سيسترد كل شيء بعد حين. ودوت بضع طلقات قرب القصر الجمهوري إستسلم على أثرها عبد الرحمن عارف،. ثم نقل الى بيت حردان التكريتي وتقرر نفيه الى الخارج، فإختار الإقامة في تركيا"(عبد الكريم فرحان ، حصاد الثورة ص 237 ).
فجر يوم السابع عشر من تموز 1968 تجمع اعضاء قيادة حزب البعث في بيت ( عبد الكريم الندا) شقيق زوجة البكر في منطقة الصالحية ببغداد ووزعت عليهم الاسلحة العسكرية الحقيقية في حدود الساعة الثانية واربعين دقيقة صباحاً تتقدمهم سيارة يقودها حردان التكريتي والى جانبه احمد حسن البكر
ويجلس خلفهما صالح مهدي عماش وانور عبد القادر الحديثي تتبعهما سيارة عسكرية مغطاة تحمل كلا من صدام حسين وطه ياسين رمضان وجعفر الجعفري وذياب العلكاوي وعزة الدوري وسعدون شاكر وعبد الامير ناجي البلداوي وبرزان ابراهيم الحسن.
ووضع كل من صدام والاخ غير الشقيق لصدام برزان على اكتافهم رتبة ملازم اما الضباط المتقاعدون فحملوا رتبهم العسكرية . وكان البكر حملا رتبة عميد .
وكان البعثيون قد تجمعوا ليلة الانقلاب في اربعة اماكن هي بيت أديب المفتي وبيت سعد الراوي وبيت كريم الندا وبيت ضياء جعفر بالقرب من مستشفى الطفل العربي عند المدخل المؤدي الى القصر الجمهوري ومجموعة اخرى تجمعت في حدائق الكازينو المجاورة لمطار المثنى.
في هذا الوقت كان النايف قد سيطر وزارة الدفاع فيما سيطر الداوود على مبنى الاذاعة والتلفزيون في الصالحية.
في هذا الوقت تحرك اللواء العاشر من مقره في الورار بالانبار 120 كم غربي بغداد الذي يعد من افضل الوحدات المدرعة تسليحاً يقوده العقيد الركن حماد شهاب وعسكر في منطقة ابي غريب على مشارف بغداد ليكون على استعداد لدخول بغداد في الوقت المناسب.
وصل البكر الى باب مقر كتيبة دبابات الحرس الجمهوري ومعه انور عبد القادر الحديثي واعطى سعدون غيدان الاوامر الى الحرس الخاص بفتح الباب لهم واستخدمت الكتيبة كمقر عمليات لقادة الانقلاب مع تسليمهم الدبابات للسيطرة على الوضع المحيط بالقصر الجمهوري.
اثناء دخول الانقلابيين الى داخل الكتيبة سالفة الذكر استيقظ الحرس على صوت الدبابات وتم ابلاغهم بأن طاهر يحيى يريد الاطاحة برئيس الجمهورية عن طريق الانقلاب وان هذه القوة الداخلة الى كتيبة الدبابات جاءت لمساعدة الرئيس وفك الحصار عنه.
إتصل حردان التكريتي من داخل كتيبة الدبابات هاتفياً بالرئيس عبد الرحمن عارف الذي كان نائماً داخل القصر الجمهوري والذي احاطت به الدبابات من كافة الاتجاهات وطلب من أن يسلّم نفسه لأن القصر محاصر .
وحاول الرئيس الاتصال بضباط القصر حيث اتصل بعبد الرزاق النايف مستفسرا عن الموضوع فأخبره أنه لا يعلم شيئاً وأنه الان محاصر في وزارة الدفاع .
كذلك اتصل بالنايف ملازم قيس نجل الرئيس عبد الرحمن عارف مستفسراً عن والده فاكد له انه لا يعرف عنه شيئاً في الوقت الذي كان احد المشاركين في الانقلاب .
كذلك إتصل الرئيس عارف مع كل من ابراهيم وسعدون غيدان وأخبروه بأن المقاومة لا تجدي نفعاً فالجيش في ثورة والقصر محاصر . واطلقت إطلاقات تحذيرية من الدبابات نحو القصر . وقد كانت اسلاك الاتصال قد قطعت من قبل رجال الانقلاب باستثناء الهاتف الذي يربط كتيبة الدبابات وغرف نوم الرئيس.
وعندما وجد الرئيس عارف نفسه محاصراً من جميع الجهات وأن ضباط القصر كانوا على رأس الانقلاب ،إتصل بعد نصف ساعة تقريباً من المكالمة الاولى بالانقلابيين واخبرهم باستسلامه وطلب منهم ارسال شخص لغرض مرافقته.
فذهب انور عبد القادر الحديثي الى مقر الرئيس بسيارة جيب وجاء به الى قيادة الحرس الجمهوري حيث يوجد الجميع وصافح البكر معاتباً القيادات لخيانتهم ثم هنأهم على نجاح الانقلاب. وقد كان الرئيس متفاجئاً منذهلاً لما جرى والحقيقة أنه لم يكن جباناً وانه في اكثر من مناسبة كان عسكريا شجاعاً ساهم في ثورة 14 تموز 1958 مساهمة فعالة
ففي يوم 17 تموز 1968 ، حين أعلن البيان الأول من إذاعة بغداد، الذي كتبه واعلنه الفريق حردان التكريتي بنفسه . عبر إذاعة بغداد في الساعة السابعة من صباح السابع عشر من تموز 1968 ،إيذاناً بنجاح الانقلاب العسكري ، لم يكن مفاجأة للقوى والأطراف الحزبية والسياسية وخصوصاً الرئيسة منها، التي كانت تتابع الأزمة السياسية، التي إشتعلت في التاسع من الشهر نفسه، بين رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف ورئيس وزرائه الفريق طاهر يحيى جاءفيه:.
ايها الشعب العراقي الكريم
إن قيادة الثورة تبارك لكم ثورتكم الاصيلة، في غاياتها ومقوماتها ، لانها منكم واليكم ،أعدها وفجرها أبناء بررة من قواتكم المسلحة ، وطلائعكم الثورية عاهدوا الله والشعب والوطن ، على أصالتها ، والحفاظ عليها، مستفيدين من الدروس والعبر ، التي مرت بوطننا العزيز ، وهي تعاهدكم على العمل الجاد المثمر ، لتحقيق ما تصبون اليه من عزة وكرامة ورفاه.
ليعش شعبنا البطل وقواته المسلحة ، ولتندحر الى الابد قوى الشر والعمالة والتبعية والطغيان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التوقيع
مجلس قيادة الثورة
صدر البيان رقم 11 بأنتخاب السيد احمد حسن البكر رئيسا للجمهورية. وفيما يلي نص البيان:
بسم اللة الرحمن الرحيم
بيان رقم 19
استنادا الى البيان رقم 2 الصادر في 17تموز1968 قرر مجلس قيادة الثورة تشكيل الحكومة على النحو التالي:-
السيد عبد الرزاق النايف رئيسا للوزراء
الدكتور ناصر الحاني وزيرا للخارجية
السيد ابراهيم عبد الرحمن الداود وزيرالدفاع
السيد صالح كبة وزيرا للمالية
السيد صالح مهدي عماش وزيرا للداخلية
السيد مصلح النقشبندي وزيرا للعدل
الدكتور احمد عبد الستار الجواري وزيرا للتربية
السيد انور عبد القادر الحديثي وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية
الدكتور عزت مصطفى وزيرا للصحة
الدكتور طه الحاج الياس وزيرا للثقافة والاعلام
السيد محمود شيت خطاب وزيرا للمواصلات
السيد محسن القزويني وزيرا للزراعة
السيد عبد المجيد الجميلي وزيرا للاصلاح الزراعي
السيد احسان شيرزاد وزيرا للاشغال والاسكان
الدكتور محمد يعقوب السعيدي وزيرا للتخطيط
الدكتور عبدالله النقشبندي وزيرا للاقتصاد
السيد خالد مكي الهاشمي وزيرا للصناعة
الدكتور مهدي حنتوش وزير النفط والمعادن
الدكتور غائب مولود مخلص وزيرا للشؤون البلدية والقروية
السيد ذياب العلكاوي وزيرا لرعاية الشباب
السيد محسن دزه ئي وزيرا لاعمار الشمال
الدكتور عبد الكريم زيدان وزير الدولة لشؤون الاوقاف
السيد جاسم كاظم العزاوي وزيرا للوحدة
الدكتور رشيد الرفاعي وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية
السيد ناجي عيسى الخلف وزير الدولة
السيد كاظم معلة وزير الدولة
التوقيع مجلس قيادة الثورة
كتب ببغداد في اليوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1388هجرية المصادف لليوم الثامن عشر من تموز 1968 ميلادية
اقصاء عبد الرزاق النايف
انقلاب عسكري آخر في 30 تموز 1968
شهادة صلاح عمر العلي:
بدأت بوادر الخلاف بين حزب البعث وكتلة عبد الرزاق النايف ، فلم يكن أحدهما مرتاحاً لوجود الآخر في السلطة إلا أن الظروف هي التي جمعتهم في هذه التركيبة غير المتجانسة.
وكانت صحيفة البعث( الجمهورية) وصحيفة النايف ( الثورة) على تناقض . وبلغ حد التناقض الى درجة أن أمر النايف بدمج الصحيفتين يوم الرابع والعشرين من عام 1968 وطرد المحررين البعثيين من جريدة الجمهورية فضلا على إبعاد البعثيين من دار الاذاعة .
وفي الخامس والعشرين من تموز عام 1968 إجتمعت القيادة القطرية في منزل صالح مهدي عماش بغياب البكر وتمّ وضع الخطة التي تقضي بالتخلص من عبد الرزاق النايف ، كانت قطعات عسكرية عراقية في الاردن
فتقرر أن يذهب ابراهيم الداوود لتفقدها على ان يرسل سراً في الوقت نفسه اعضاء المكتب العسكري في الحزب لاعتقاله هناك . فيما يتم تنفيذ الشق الثاني من الخطة المتعلقة بعبد الرزاق النايف.
هناك مسألة لم تستوقف رئيس الوزراء عبد الرزاق النايف .ففي يوم السابع والعشرين حصلت تغييرات في الحراسة الذين فتحوا البوابة للنايف دون تأدية التحية ، ورفض الحراس دخوله حتى تمّ إبلاغهم أنه رئيس الوزراء عبد الرزاق النايف . اذ كان النايف مشغولا في المؤتمرات والمقابلات . كانت هناك تحذيرات تصل للنايف من قبل بعض الضباط عن وجود تحركات مريبة لمدنيين وعسكريين بعثيين يترددون على القصر الجمهوي مما دفع الداوود الى استيضاح الامر من البكر الذي طمأن الداوود محولا الموضوع بسؤاله للداوود عن موعد زيارته للاردن لتفقد قطعات الجيش العراقي . وقد رد عليه الداوود سوف يكون بين السابع والعشرين والثلاثين من تموز..
في التاسع والعشرين من تموز غادر ابراهيم الداوود على رأس وفد عسكري لزيارة الاردن لتفقد القطعات العسكرية العراقية هناك واجراء محادثات مع المسؤولين الاردنيين . وكان في استقباله لدى وصوله الى عمان عاكف الفايز وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء ووزير المواصلات ونائب رئيس اركان الجيش الاردني وسفير العراق لدى الاردن عبد الحميد نعمان . ثم تفقد الداوود القطعات العراقية المرابطة في الجبهة الامامية.
في هذا اليوم اجتمعت القيادة القطرية ببغداد ترأس الاجتماع صدام حسين وقرر معهم تصفية عبد الرزاق النايف وذلك في يوم الثلاثين من تموز بعد وليمة الغداء يدعو لها. واتصل صدام بعدد معين ممن يثق بهم وطلب منهم الحضور الى القصر الجمهوري في الموعد المقرر وهم برزان التكريتي وجعفر الجعفري وسعدون غيدان وسعدون شاكر وصلاح صالح وكامل ياسين وعجاج احمدهزاع. ثم اتصل بحراس الباب الخارجي للقصر وطلب منهم أن يسمحوا لهم بالدخول في الموعد المحدد.
في الوقت نفسه هيأ آمر اللواء العاشر العميد حماد شهاب بعض الدبابات الموجودة بلوائه القريب من بغداد ووضعها تحت إمرة ضباط البكر. واحكم حردان سيطرته على قاعدتي بغداد والحبانية الجويتين.
عرض صدام على البكر ما تمّ في إجتماع القيادة فوافق البكر على قرارها . فيما اخبر صدام حسين حماد شهاب بأن العملية سوف تتم وقال له عليك أن تتوجه الى اللواء العاشر على الفور وتتتحرك لتطويق القصر الجمهوري.
تلقى عبد الرزاق النايف دعوة الى الغداء من احمد حسن البكر وحاول النايف أن يعتذر لكن البكر قال إن الغداء هم لحم غزال والغزال لا يمكن تفويته.
جاء النايف الى الدعوة واستقبله البكر مرحباً به وتناقشا في امور عديدة بحديث طويل ، كان مع النايف عدد من المرافقين محدودا مع ملاحظته وجوه عسكرية غريبة في أروقة القصر الداخلية . كما كان وزير المالية( صالح كبة) في القصر التقى به واعتذر منه لعدم تمكنه من الاجتماع معه حتى ذلك التاريخ.
كان الغداء طبيعيا طلب البكر منه الاجتماع في المكتب وقد عاتب النايف البكر لأنه إتصل بالاذاعة مستخدما الكلمات وحدة – حرية- اشتراكية في بعض الاوراق والبرقيات التي تخص الدولة . وقد ذكّر النايف البكر بالاتفق على عدم الحزبية في العمل. وعلى مائدة الطعام كان البكر يجلس والى جانبه النايف وحردان وحماد شهاب وسعدون غيدان وصالح مهدي عماش.
وفي الغرفة المجاورة جلس عدد من اعضاء القيادة والجهاز السري لحزب البعث الذي يحمل اسم (مكتب العلاقات العامة) منهم صدام حسين و صلاح عمر العلي وذياب العلكاوي. وبعد الانتهاء من تناول الطعام توجه صدام ومعه صلاح عمر العلي وذياب العلكاوي وبرزان التكريتي نحو مكتب البكر ودخلوه مشهرون مسدساتهم فيما كان النايف جالس وظهره الى باب الغرفة فدخلوا عليه صارخين بصوت واحد لا يسمعه من في الخارج . وتظاهر البكر بالانفعال. خاطب صدام النايف قائلا نحن لن نقتلك هذا ما لك علينا اما الذي عليك لنا فهو أن تخرج من العراق فأين تريد أن تتوجه في اي سفارة؟
قال النايف الى لبنان.
اجابه صدام لا.
قال الجزائر
قال صدام لا. اذن المغرب
قال النايف. اجابه النايف موافقون.
كان عدد حراتس النايف 12 حارسا ما زالوا في فناء القصر تم اعتقالهم وتجريدهم من السلاح ثم اعتقلوا . كل ذلك جرى خلال مأدبة الغداء. وطلب صدام من حردان تأمين طائرة في معسكر الرشيد لنقل النايف الى المغرب.
وخرج النايف والى جانبه صدام حسين وهما يسيران بهدوء والحرس الجمهوري يؤدي التحية لرئيس الوزراء . وعند الباب الرئيس ركب النايف السيارة والى جانبه صدام وفي المقعد الامامي جلس الى جانب السائق صلاح عمر العلي وتوجهوا الى معسكر الرشيد حيث كانت الطائرة في إنتظار النايف حيث رافقه في سفرته برزان التكريتي وسعدون شاكر وجعفر الجعفري ومعهم اسلحتهم حتى المغرب ثم عادوا الى بغداد. ( علياء صابر الخالدي ، المصدر نفسه، ص 109 -117
الرئيس البكر يذيع بيانا باقالة وزارة النايف
اذاع السيد احمد حسن البكر رئيس الجمهورية من اذاعة وتلفزيون بغداد في الساعة الثامنة والدقيقة العشرين من مساء اليوم بيانا اصدره مجلس قيادة الثورة تحت رقم 27 هذا نصه::
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان رقم 27 من مجلس قيادة الثورة الى الشعب العراقي العظيم
ياجماهير شعبنا العظيم:
ان ماوقع في السابع عشر من تموز المبارك، لم يكن حدثا طارئا في حياة شعبنا، ولم يكن انقلابا عسكريا، يضيف رقماً جديداً الى سلسلة الانقلابات، التي شهدها وطننا العربي، وإنما هو نقطة تحول كبرى في تاريخ العراق المعاصر، وأمتنا العربية المجيدة، وثمرة من ثمرات كفاحنا المرير، وحصيلة التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا، بقيادة طلائعه الثورية، عبر المسيرة الدامية للسنوات المرة، بعد الثامن عشر من تشرين.
لقد كانت ثورة السابع عشر من تموز المبارك عام 1968، إمتداداً طبيعياً لثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 وتعميقاً للاتجاة التقدمي الوحدوي، الذي قامت من أجله ثورة الرابع عشر من رمضان عام 1963.
أيها الشعب الأبي ُإن قصة ثورتكم في السابع عشر من تموز، قصة مريرة شهدت أيام الاعداد لها، ولحظات تفجيرها محاولات التفاف بشعة للاجهاز عليها، وتحويلها الى مجرد إنقلاب عسكري، يستبدل حكاماً بآخرين، ويرضي غرور وطموح بعض العناصر المغامرة، من طلاب الوجاهة والسلطة.
ولقد بدأت أول خيوط التأمر، حينما فوجئت قيادة الثورة، بأن ابراهيم عبد الرحمن الداود، قام خلافاً لما كان متفقاً عليه، بإبلاغ عبد الرزاق النايف بموعد تنفيذ الثورة، والاتفاق معه على أن يكون رئيساً للوزراء، وبذلك وضعت الثورة أمام إختيارين لا ثالث لهما، أما القبول بالأمر الواقع، وأما رفض الصيغة المفاجئة هذه، وتعريض قوى الثورة الى ضربة ماحقة، تذهب بكل آمال الشعب وتفرّط بقواه الثورية المنظمة.وقد إضطرت قيادة الثورة، للأخذ بالحل الأول، رغم صورته المظلمة، وبذلت كافة الجهود المخلصة، لوضع هذه العناصر على الطريق السوي، وجعلها ملتزمة بالمنطلقات الرئيسية للثورة، والتي يشكّل البيان الأول حدها الأدنى.
يا أبناء شعبنا العظيم: إن عملية الالتفاف على الثورة والخروج على مبادئها واهدافها الاساسية، إستمرت بعد عملية التنفيذ، وتجسدت بصيغ مسخت صورة الثورة الحقيقية، ولاحت في الافق ملامح سود، تنذر بوقوع مذابح دموية بين صفوف شعبنا وقواته المسلحة، إلا أن حرص قيادة الثورة على سلامتها وديمومتها، وتجنيب شعبنا ويلات حرب أهلية محتملة ، تلطخ راية الثورة البيضاء بدماء شعبنا، جعلنا نقبل مضطرين بصيغ وإجراءات، لم ترتفع الى الحد الادنى من متطلبات مرحلتنا التاريخية .لقد تجاوزت تصرفات هؤلاء عن مجرد كونهم طلاب حكم، الى محاولة قيادة الاتجاه المضاد للثورة للاجهاز على اهدافها وادواتها الى الابد، وبرزت محاولتهم التخريبية التأمرية هذه من خلال مايلي:-
أولاً- إبعاد العناصر التقدمية التي كان المتفق على إشراكها في الوزارة، وإستبدالها بعناصر رجعية تمثل إمتداداً للحكم المندثر.
ثانياً- الخروج على قرارات مجلس قيادة الثورة، ومبدأ القيادة الجماعية للحكم.
ثالثاً- العمل على جعل الوزارة بديلا عن مجلس قيادة الثورة، لتمريركافة القرارات والاجراءات المضادة للثورة وإتجاهها التقدمي.
رابعاً- تمكين العناصر الرجعية المشبوهة والمرتشية، من التسلل الى أجهزة الدولة الحساسة.
خامساً- العمل على إستقطاب العناصر المعادية للثورة، والتحفز للانقضاض عليها.
سادساً- عرقلة الإجراءات الجدية، الرامية لضرب العناصر المشبوهة والمرتبطة بشبكات التجسس الاجنبية، والتي تحتفظ دوائر الأمن وأجهزة الدولة الأخرى، بادق المعلومات عنها.
سابعاً- إعتقال عناصر لم يكن متفقا على إعتقالها.
ثامناً- توجيه أجهزة الاعلام بأتجاه مغاير لمنطق الثورة، وجعلها منبراً لترسيخ الاتجاه الرجعي وتحطيم معنوية الجماهير.
تاسعاً- التمهيد لالغاء بعض القوانين التقدمية، وتجميد أية فكرة تهدف الى دفع الثورة، في المسالك التي رسمت لها، والتي ترمي الى إقامة مجتمع حر وحدوي تقدمي مؤمن بدور الشعب وقواه المنظمة، وقد وصلت الأمور الى حد المباشرة الفعلية في جلسة مجلس الوزراء، المنعقدة في 28_7_968 عندما طرحوا فكرة الغاء شركة النفط الوطنية، وكادوا أن يحققوا ذلك، لولا موقف العناصر التقدمية داخل مجلس الوزراء.
ياجماهير شعبنا الابي.
أن حرصنا على سلامة أرضنا، ومستقبل أجيالنا، قد دفعنا الى إتخاذ القرارات التالية:-
أولاً- إقصاء السيد عبد الرزاق النايف والفريق إبراهيم عبد الرحمن الداود من عضوية مجلس قيادة الثورة وإحالتهما على التقاعد.
ثانيا- إقالة وزارة السيد عبد الرزاق النايف.
ثالثا- تعين السيد احمد حسن البكر رئيس الجمهورية قائدا عاما للقوات المسلحة.
التوقيع : مجلس قيادة الثورة
. وعقب الاطاحة برئيس الوزراء عبد الرزاق النايف وصاحبه ابراهيم الداوود وزير الدفاع يوم 30 تموز 1968 شغل حردان التكريتي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع.
بيان رقم 32
التشكيل الوزاري الجديد
أصدر مجلس قيادة الثورة البيان رقم 32 أعلن فيه تشكيل الوزارة الجديدة، وفيما يلي نص البيان:-
بسم اللة الرحمن الرحيم
بيان رقم 32 صادر عن مجلس قيادة الثورة
إستنادا الى البيان رقم 30 الصادر من مجلس قيادة الثورة .قررنا تشكيل الوزارة على النحو التالي:-
السيد احمد حسن البكر رئيسا للوزراء
الفريق الطيار الركن حردان عبد الغفار التكريتي نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع
الفريق الركن صالح مهدي عماش نائبا لرئيس الوزراء ووزير الداخلية
السيد عبد الكريم عبد الستار الشيخلي وزيرا للخارجية
السيد امين عبد الكريم وزيرا للمالية
السيد مهدي الدولعي وزيرا للعدل
الدكتور احمد عبد الستار الجواري وزيرا للتربية
السيد انور عبد القادر وزيرا للعل والشؤون الاجتماعية
الدكتور عزت مصطفى وزيرا للصحة
السيد عبد اللة سلوم وزيرا للثقافة والاعلام
السيد محمود شيت خطاب وزيرا للمواصلات
الدكتور عبد الحسين وادى العطية وزيرا للزراعة
السيد احسان شيرزاد وزيرا للاشغال والاسكان
الدكتور جواد هاشم وزيرا للتخطيط
الدكتور فخري ياسين قدورى وزيرا للاقتصاد
الدكتور رشيد الرفاعي وزيرا للنفط والمعادن
الدكتور غائب مولود مخلص وزيرا للشؤون البلدية والقروية
السيد شفيق الكمالي وزيرا لرعاية الشباب
السيد محسن دزه ئي وزير لشؤون الشمال
الدكتور عبدالله الخضير وزيرا للوحدة
السيد عدنان ايوب صبري وزيرا للدولة
السيد حامد الجبوري وزيرا للدولة
السيد طه محي الدين وزيرا للدولة
الدكتور حمد دلي الكربولي وزيرا للدولة
كتب ببغداد يوم الاربعاء الموافق 6 جمادي الاول عام / 1388 هجرية المصادف 31 تموز عام / 1968 ميلادية.
السيد احمد حسن البكر / رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء
وأصدر مجلس قيادة الثورة قيادة الثورة في جلسته المنعقدة بتاريخ 14/8/1968 قرارأ، تم بموجبه تعيين الفريق الركن الطيار حردان عبد الغفار التكريتي نائباً للقائد العام للقوات المسلحة . بتوقيع اللواء احمد حسن البكر رئيس مجلس قيادة الثورة والمنشور في الوقائع العراقية بتاريخ 21 أب 1968 .
عبد الرزاق النايف من الاقصاء الى الاغتيال.
قرار اغتيال عبد الرزاق النايف عام 1978
إن ما تقدم من احداث كان محفزا لصدام حسين ليستنفر مخابراته وبالاخص سعدون شاكر لوضع خطة لاغتيال النايف . وقد وضعت هذه الخطة بالفعل موضع التنفيذ بعد أن وردت معلومات تفيد بأن النايف على وشك اصدار كتاب يحمل عنوان ( الانقلاب الابيض) يتضمن الاتصالات والمشاورات التي جرت من قبل جماعة إنقلاب السابع عشر من تموز 1968 والجهات الاقليمية والدولية وشركات النفط الاجنبية في الاشهر الاخيرة التي سبقت موعد الانقلاب وفيه يستعرض النايف الاسباب التي دعت مجموعته للتحالف مع حزب البعث دون القوى والحركات السياسية الاخرى للانقلاب على حكم عبد الرحمن عارف وطاهر يحيى.
كانت انباء إنجاز الكتاب والمعلومات التي يتضمنها تقضّ مضاجع صدام وتسبب له هيستريا بعد أن أبلغه أحد اقارب النايف من الذين اطلعوا على مسودات الكتاب بأن فصلاً مستقلاً في الكتاب يتناول فيه كيف أن شركات النفط والسفارات الاجنبية التي تمّ الاتصال بها لدعم وتأييد الانقلاب أصرت على ضرورة التعاون مع حزب البعث.
الكتاب في الحقيقة لو قدر له الصدور والانتشار لاحدث ضجة كبرى ليس في العراق فحسب وإنما في المنطقة بأسرها لما يتضمنه من معلومات وتفاصيل عن انقلاب تموز عام 1968 . وكان النايف يؤكد أن كتابه هذا هو نقد للدور التخريبي الذي قام به شخصياً وفضح مواقف وادوار حلقاته الذين إنقلبوا عليه بعد ثلاثة عشر يوما واجبر على الاستقالة ومغادرة العراق .
وذكر وليد الخيال في مذكراته :
كنتُ في مؤتمر طبي في لندن وفوجئتُ بوجود عبد الرزاق النايف كان متخفياً في فندق ( كمبرلاند) حيث كان مقر إقامتي . وقد طلب مني أن ننتقل الى غرفته وهي في الفندق نفسه للتحدث بعيداً عن المراقبة واعلمني بأنه يتأسف لكل ما حدث له من ثقته بالقياديين البعثيين وتنفيذ طلبهم . ولما سألته عما يعمل حاليا وهو في المنفى أجابني بصراحة أنه عميل للمخابرات الامريكية ويكلف ببعض الواجبات وهو قريباً سيسافر الى طهران لتنفيذ عملية مكلف بها بعد أشهر من هذا اللقاء تم إغتياله.
تفاصيل عملية الاغتيال
إستدعى صدام حسين أحد أقارب النايف وطلب منه السفر الى ابي دريد –عبد الرزاق النايف – ونقل رسالة مزورة من احمد حسن البكر اليه يعبر فيها عن ندمه الشديد وحزنه الكبير للفراق الذي حصل بينهما مؤكدا أن المستقبل كفيل بتصفية القلوب . وتقول الرسالة أيضاً أن البكر بصدد إقالة صدام حسين من منصبه وتقديمه للمحاكمة وان الجيش والقوات المسلحة معه في ذلك ، لذا فإنه يناشد صديقه وحليفه السابق – اي عبد الرزاق النايف – بالتوجه الى لندن وإنتظار الانباء السارة والعودة الى بغداد معززاً مكرماً ليتولى مسؤولية ويعود الحق الى نصابه .
صدّق النايف ما جاء في الرسالة ما جاء في الرسالة (المزورة) وأقنعه قريبه بأن البكر سلمه الرسالة بسرية تامة وحمّله تحياته اليه. واتفق عبد الرزاق النايف وقريبه السفر الى لندن وانزل النايف في واحد من افخم فنادقها في الوقت الذي كان سعدون شاكر وبرزان التكريتي وكاظم مسلم ومنصورابو الخيل وآخرون قد شكلوا فريقاً من عناصر المخابرات لتصفية عبد الرزاق النايف في الفندق الذي نزل فيه. في حين ان عبد الرزاق النايف إستثمر وجوده في البيت وأكمل كتابة مذكراته ولم يبق شاردة ولا واردة الا وذكرها وسلم مذكراته في السادس من تموز 1978 الى الروائي احمد دايح الدوري لنشرها لكن لم يمر على تسليمه المذكرات ثلاثة ايام حتى اغتيل النايف في لندن واختفى الدايح واختفت المذكرات.( علياء صابر الخالدي ، المصدر نفسه، ص 147 -151).
كانت المشكلة التي صادفتهم أن القتلة الذين اوكلت اليهم مهمة اغتيال النايف شباب صغار السن ولم يسبق لهم التعرف على شخصية النايف وصوره التي عرضت عليهم ولا تكفي لتشخيصه بشكل جيد والحل لهذا الاشكال فقد طلب من قريب النايف أن يزوره في الفندق ويطلب منه النزول الى صالة الاستقبال لابلاغه خبرا عاجلاً من البكر في بغداد وعند لقائهما يأخذه قريبه الى جهة مدخل الفندق ، وهناك يكمن إثنان من القتلة يتربصان ويبدأ أحدهما بإطلاق النار على النايف مباشرة ويتولى الثاني عملية التغطية وحماية القاتل.
في التاسع من تموز عام 1978 كان القريب يصطحب النايف بإتجاه باب الفندق الرئيس عندما إنهمر الرصاص على النايف وسقط على الارض يتخبط بدمائه وهو ينظر بأسى الى قريبه الذي قام بحركات مسرحية كالبكاء لابعاد الشبهة عنه وفرّ القاتل بمساعدة زميله خارج الفندق ، لكن بوابا في الفندق تمكن من اللحاق بالقتلى والقى القبض عليهم.
اما الرواية الاخرى لاغتيال عبد الرزاق النايف تذكر :
أن الحكومة العراقية وجدت أن وجود النايف في عمان يشكل خطراً عليها لاتصاله بقوى دولية ومنها الولايات المتحدة الامريكية ، فقررت باسرع ما يمكن إلا أنها لا تريد أن تؤثر العلاقة بينها وبين الاردن اكثر ما يجب لذلك اتصلت باحد عملائها للاستعانة به واخراجه من الاردن الى بلد آخر فدعاه يحيى قاسم وهو محام من الموصل وصاحب صحيفة الشعب في بغداد وكان قد انضم الى كتلة صالح جبر في العهد الملكي وكان من اصدقاء النايف فدعاه يحيى لزيارة لندن وربما أغراه بالعمل ضد العراق فذهب الى لندن فارسلت الحكومة العراقية زمرة لاغتياله يقودها سعدون شاكر.
وقفت الزمرة مع سعدون شاكر في باب الفندق الذي يقيم فيه ، وعند خروجه من الفندق أشار سعدون شاكر اليه لأن الزمرة لا تعرفه فاطلقوا النار عليه بعدها ذهب يحيى الى البرازيل اقيم فيها ولعل تكون الحكومة العراقية تعطيه راتباً أو مخصصات لأنه توطأ معها في قتل النايف.
المحكمة البريطانية تبريء يحيى قاسم
لم تقتصر متابعة البعث العراقي لخصومه السياسيين على العراق فحسب بل تعدته بعيداً الى دول اخرى كثيرة، فإغتيل حردان التكريتي في الكويت في اذار 1971 وقُتل فؤاد الركابي في تشرين الثاني 1971 وهو يقضي فترة سجنه في بعقوبة ، وقبله في شهرآب أغتيل عبد الكريم مصطفى نصرت .
في رواية اخرى تقول :ثم جاء الدور على عبد الرزاق النايف ، وهو أحد إثنين دبرا الاطاحة بالنظام العارفي السابق . وكان النايف يتوقع إغتياله ، ولمعرفته بأساليب القتلة الذين يبعثهم الحزب لتنفيذ مقرراته السرية ، فقد إتخذ جانب الحيطة والحذر وهو في مسكنه بلندن. ولهذا فقد تجنب الاجابة عندما التقاه عراقي يدعى يحيى قاسم وسأله عن تفاصيل منهاجه اليومي، وعن عاداته في السير والتنقل إن كان يذهب ماشياً أم بالسيارة.
وقد عاد يحيى قاسم وطلب زيارته في بيته في المساء، وطلب منه أن ينتظره عند الباب.. ورغم رفض النايف قبول الزيارة ، فقد جاء يحيى قاسم في الوقت المحدد ، وعندما دق الجرس وفتح الباب ، برز من خلف يحيى قاسم ثلاثى شبان سمر اللون وذوو تقاطيع شرقية ، وإنهالوا برشاشاتهم الاوتوماتيكية بسيل من الرصاص ،إستطاع النايف ان ينجو منه، لكن أصيبت حرمه برصاصة في كتفها وفرّ الرجال الاربعة.
وعندما القي القبض على يحيى قاسم فيما بعد ، وأحيل الى المحكمة بتهمة المشاركة في القتل ، وسئل عن سبب هروبه أجاب أنه محكوم عليه بالاعدام في العراق ولا يستطيع إلا أن يفعل ما يؤمر به، لأن بلادي ليست مثل بلادكم. وإعترف بأنه كان يصدر جريدة باسم الشعب في بغداد. وقد طالب الادعاء العام إدانته بالجريمة إلا أن المحلفين قرروا عدم الادانة
شهادة علي النايف
تحدث علي النايف عن إغتيال والده قائلاً:
وصلنا الى لندن في الاول من تموز عام 1978 والدي وصل في السابع منه قادما من عمان .أمضيتُ مع أبي يوماً جميلاً زرنا متحف الشمع ومتنزها للاطفال . وفي اليوم التالي لم أره . خرج صباحاً وعاد متأخراً في حدود العاشرة ليلاً. أبلغ والدتي أنه ذاهب لتناول العشاء فأصرت على مرافقته . كان العشاء مع عبد الحميد الخربيط واعتقد أنه كان في نادي ( سبورتنغ) ربما وجوده هو ما يفسر قلق والدتي واصرارها على الحضور ، ظهور عبد الحميد الخربيط في حياتنا في عام 1975 كنا نرى الخربيط مرات عدة في السنة حيث كان يزعم أنه يسعى الى ترتيب العلاقات بين السلطة ووالدي.
وفي التاسع من تموز صباحاً قبلني والدي وقال لي أنا خارج واعود في الحدية عشرة . طلبتُ منه أن يصحبني الى مكان معين فوعدني بذلك لدى عودته . وفي الساعة الثانية عشرة إتصل وقال إنه آت اتلى المنزل . وكنا بإنتظاره ، وفيما كنتُ أشاهد التلفاز في حدود الساعة الرابعة بعد الظهر قطع التفاز البرنامج لتقديم خبر عاجل ، وظهر فندق ( أنتركونتيننتال) ورجال الشرطة يتمشون أمامه وسمعتُ إطلاق نار حصل وان المستر عبد الرزاق النايف أصيب . نظرت الى والدتي فلاحظت أنها لم تعرف ماذا يجري كانت لغتها الانكليزية ضعيفة سألتني ما بي فقلتُ لها أنهم يتحدثون عن اصابة شخص اسمه عبد الرزاق . فجأة ضربت والدتي على رأسها واصيبت بنوع من الانهيار وطلبت مني الاتصال بالشرطة للتحدث معهم .إتصلت وقلت لهم إن شخصاً إسمه عبد الرزاق تعرض لاطلاق نار فمن هو . بعد تردد أكد الضابط وقوع حادث وطلب مني ابلاغ والدتي أن والدي في مستشفى( سانت ماريز) سألته أين اصيب فأجابني في كتفه ونزلنا بسرعة واستقلينا تكسي الى المستشفة . كل ما نعرفه أن شخصاً نزل مع والدي الى بهو الفندق مودعا وفور خروج والدي من الفندق كان القاتل بإنتظاره وعجله برصاصات عدة . حضر محقق من اسكوتلند يارد واخرج أمامنا الجواز الاردني الدبلوماسي الذي كان يحمله والدي ومكتوب فيه دولة عبد الرزاق النايف .
( علياء صابر الخالدي ،المصدر نفسه، ص 152 – 154).
وبعد مطاردة الشخص الذي اطلق النار في شوارع لندن اعتقلته رجال الشرطة بمساعدة احد بوابي الفندق القريب من الحادث .اما عبد الرزاق النايف الذي اصيب فقد نقل الى المستشفى حيث احتجز في وحدة العناية المركزة لمدة أثنتي عشرة ساعة تقريباً وقد توفي في وقت متأخر من ليلة الاحد المصادف التاسع من تموز عن عمر يبلغ سبعة واربعين عاماً.
كان القاتل ضابط في المخابرات العراقية برتبة نقيب في شعبة العمليات الخارجية وإسمه الحقيقي قحطان السامرائي وقد زود بجواز سفر بحريني يحمل اسم ( سالم أحمد حسن)
وذكرت وكالة رويترز أن المسلح اطلق النار على عبد الرزاق النايف عندما كان الاخير يهم الصعود الى سيارة اجرة امام احد الفنادق في العاصمة البريطانية . واضافت أيضاً أن المسلح إعتقل من قبل حارس بوابة الفندق وشخصين آخرين.
وبعد إنتشار الخبر في لندن غادر الى باريس كل من منصور ابو الخيل وكاظم مسلم وكانا في السفارة العراقية يتبعان عملية الاغتيال واقتيد القاتلان الى التحقيق حيث بدأ التحقيق في الحادي عشر من تموز عام 1978 واستمر لمدة ثلاثة ايام.
وقد أمرت المحكمة الجنائية البريطانية باستمرار احتجاز المتهمين باغتيال عبد الرزاق النايف وقد رفضت المحكمة طلب الدفاع اطلاق سراحهما بكفالة لخطورتهما وخضوع جريمتهما لقوانين مكافحة الارهاب.
حكم على القاتل المنفذ بالسجن خمس وعشرين عاما وعلى زميله ببضع سنوات . وبعد أن أنهى المجرم محكوميته واطلق سراحه مارس نشاطه الاعلامي وهو الدفاع عن نظام حزب البعث متخذا من صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن ساحة لهذا النشاط . اما زوجته ذكرى عبد القادر الصحفية في الاذاعة والتلفزيون ببغداد فقد طلقته بعد ارتكاب الجريمة وتزوجت احد اقاربها لتقطع كل صلة او علاقة به.
اما المسؤول العراقي فقد غادر لندن ولم يظهر اسمه في التحقيقات لانه جاء بجواز دبلوماسي واسم مستعار . اما عبد الرزاق النايف فقد دفن في مقبرة ( السحاب) في الاردن.
في بغداد عقد إجتماع حزبي بعد فترة قصيرة من إغتيال النايف ، إذ إعترف صدام حسين بأنهم قتلوا النايف لانه بدأ يعمل ضد العراق ، وذهب الى ايران وقابل البارزاني في شمال العراق مؤكدا على ان المعلومات المتوفرة لدينا بأنه قابل ( موشي دايان) وزير الدفاع الاسرائيلي .( علياء صابر الخالدي ، المصدر نفسه،ص 154 -157).
1527 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع