عشاق فريد الأطرش يحتفلون بذكراه!
القاهرة 'القدس العربي'/ كمال القاضي:لا تزال جمعية محبي الفنان فريد الأطرش تحتفل بذكراه الى الآن برغم مرور ما يقرب من أربعين عاماً على رحيله، حيث ودع الموسيقار الكبير الحياة في 26 ديسمبر 1974، حينئذ كانت السينما تعرض له آخر أفلامه مع النجم حسين فهمي والفنانة ميرفت أمين.
داهمت الأزمة القلبية فريد ولم يستطع مقاومتها، إذ وقف الموت له بالمرصاد وهو الذي عانى من أزمات القلب منذ عام 1940 عندما فاجأته آلام القلب لأول مرة ليعتاد بعدها على المرض وزيارة الأطباء.
أجرى الموسيقار الكبير عدة عمليات جراحية لاستبدال بعض الشرايين ولكنه كان حريصاً على إخفاء حقيقة مرضه حتى لا يظنه الناس أنه يستعطفهم ويستجدي حبهم وتحمل الكثير من المشاق في سبيل إرضاء جمهوره في مصر والأقطار العربية، فلم يكن الجمهور اللبناني وحده هو المشغول بحياة الأطرش، وإنما لإحساس كل بلد عربي بأنه جزء من ثروته القومية باتت صحته موضع اهتمام الملايين بكل البلدان الشقيقة.
حصل صاحب الصوت الآخاذ على عدة جنسيات، كان أولها الجنسية السورية ثم تلاها الجنسية المصرية والجنسية السودانية، وذلك لشعور لديه بالانتماء للدول صاحبة الفضل عليه، كما اقترب من زعماء ورؤساء هذه الدول وعلى رأسها الزعيم جمال عبدالناصر الذي منحه قلادة النيل وهي أرفع وسام تمنحه الدولة لفنان أو أديب أو أي شخصية عامة أخرى.
الغريب أن ناصر لم يمنح عبدالحليم حافظ هذا الوسام برغم أنه مطرب الثورة ولسان حالها والمعبر فنياً وثقافياً عنها، ولكن لأن عبدالناصر كان حريصاً على تأكيد البعد القومي العروبي فضل أن يخص فريد الأطرش بالجائزة الكبرى وهو ما ترك اثرا إيجابيا عنده وأكد تقدير القيادة السياسية له بوصفه أحد الرموز العربية المصرية المشرفة، ومثلما ترك هذا الامتياز أثره المهم لدى صاحبه كان العكس بالنسبة لحليم، حيث أدى ذلك لمزيد من المنافسة بين الطرفين، وهذه كانت بداية الشقاق وإن ظهرت أعراضه في حفلات عيد الربيع فقيل انها كانت سبب الخلاف.
لم يعبأ ملك العود كثيرا بما يثار ضده وحوله من خلافات ومضى يستكمل مسيرته الفنية في سلام وحاول إزالة سوء التفاهم بينه وبين عبدالحليم ليتفرغ لفنه بدلا من الانشغال بالشائعات التي كانت تستهدف استقراره النفسي والفني وتعمل على تشتيته وبالفعل تجاوز الأزمة بعد استجابة المنافس الأقوى لمبادرة الصلح التي قامت بها الإعلامية الراحلة ليلى رستم آن ذلك ونجحت في تسجيلها بالصوت والصورة في لقاء تليفزيوني شهير تصافحا فيه الاثنان على الملأ وأبدى كل منهما حسن نيته تجاه الآخر.
بلغ فريد ذروة الشهرة وملك قلوب عشاقه بعد أن حصل على الشهادة الأكبر على مستوى العالم العربي كله كأحسن عازف عود في بداية الستينيات، وقد احتفى جمهوره بالفوز الساحق معتبراً إياه استفتاءا شعبيا دولياً على ريادة مطربهم المفضل وزعامته بدولة الغناء والتلحين، وكان هذا بمثابة مشاركة صريحة من فريد على اقتسام الدور الريادي مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، صاحب اللقب قبله.
بذكاء شديد تعامل عبدالوهاب مع مسألة المقارنة ولم يتحدث فيها إطلاقاً وترك من يقول يقول لتفويت الفرصة ونسيان الموضوع كأنه لم يكن باعتبار أن التجاهل هو الوسيلة المثلى لتمرير أي مشكلة فهو لا يريد أن يغضب فريد بأي تصريح ولا يعطي القضية أكبر من حجمها، ومرت الحكاية مرور الكرام وبقي الصراع محصوراً بين عازف العود وعازف الإوبوا العندليب الأسمر.
وبرغم الفارق في السن بين الاثنين ظلت المقارنة قائمة بين الموهبتين الكبيرتين ولعل صدق الأداء والتفاني هما اللذان أحدثا التنافس والتشابه بيد أن هناك ما أكد أوجه الشبه وهو البطولات السينمائية التي كان لها اعتبار خاص في المقارنة، إذ أنها خصت النواحي الاقتصادية فالنجاح يترجم عند المنتجين الى ورق بنكنوت ويرفع من بورصة المطرب في شباك التذاكر، لذا لجأ فريد إلى دخل سوق الانتاج في عدد غير قليل من الأفلام وكسب كثيراً وخسر اكثر ولكنه أمام حب الفن لم يكترث بالتضحية المالية، ون كانت المغامرات قد كلفته ما لا يستطيع تحمله وما هو فوق طاقته، حيث اضطر الى بيع عمارته الشهيرة على النيل والمعروفة باسمه الى الآن لتغطية الخسارة الفادحة بأحد أفلامه إبان وقوع نكسة 67 والذي حالت النكسة دون تسويقه حسب شهادة رئيس الجمعية التي تحمل اسمه وتدافع عن ثرائه الموسيقي.
في المقابل لم يكن عبدالحليم حافظ من المغامرين ولا المغرمين بالانتاج السينمائي فقد كان يتحسب الخسارة كما يتوقع المكسب، وعليه لم يشارك إلا في انتاج فيلماً واحداً فقط وإن كان بشكل عام خاض التجربة مئات المرات فيما هو بعيد عن السينما من خلال شركة صوت الفن التي أسسها مع محمد عبدالوهاب ومجدي العمروسي واقتصر نشاطها على انتاج شرائط الكاسيت.
ومثلما خسر أحد أفلام فريد برغم شعبيته الكاسحة خسر أيضاً حليم خسارة موازية في فيلم 'دليلة' وهو البطولة المشتركة له مع الفنانة شادية التي شاركته بطولة فيلم معبودة الجماهير وفيلم لحن الخلود ونجحا الفيلمين نجاحاً مذهلاًز
المؤكد والمستفاد من دروس وحياة النجمين الكبيرين فريد وعبدالحليم هو الدأب والإصرار على استكمال المشوار مهما كانت الخطورة والمعاناة والإحساس بالمسئولية تجاه الجمهور فليس منهما من أسقط الجمهور من حساباته أو بخل عليه بفنه وحبه والدليل أن لكلاهما الرصيد الأوفر من الأغاني والأفلام ففريد ترك ورائه أربعون فيلماً ومئات الأغاني والألحان، ومثله كان عبدالحليم وإن قل انتاجه في العدد لكنه تساوي في القيمة.
رحم الله القامتين العربيتين الكبيرتين وجدد عطرهما في ذكراهما التي تهل بين أواخر ديسمبر وأواخر مارس من كل عام.
942 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع