بغداد / الگاردينيا - كريم هاشم العبودي
رغم انهم ملأوا الدنيا وشغلوا الناس في حياتهم..
مشاهير الأدب والفن.. تواروا خلف جدار النسيان
لم تكن مهمتنا هذه المرة بالسهلة، إلا ان اصرارنا على الوفاء والالتزام لمشاهير الفن والأدب العراقي الذين تواروا تحت التراب كان الأقوى فعقدنا العزم وشددنا الرحال الى مقبرة وادي السلام، حيث قبورهم التي طواها النسيان، وقبل البدء بالتجوال كان لابد من وجود دليل يدلنا على قبورهم وسط ملايين القبور التي تحتضنها مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف، وقد اهتدينا الى أحد الدفّانة ويدعى محمد/ أبو سجاد، وما ان أخبرناه بمهمتنا حتى أبدى استعداده للتعاون معنا ولم يكتف بذلك بل أخبر زميلاً له ليكون دليلاً آخر معنا، وابتدأت رحلة البحث عن قبور المشاهير، فاختار زميلنا ابراهيم الدفان حمزة الكرعاوي ليكون دليلاً له، واخترنا نحن ابا سجاد دليلاً آخر لنا، وتوكلنا على الله، وركب كلانا الدراجة النارية لدليله، وكانت هذه الرحلة..
يا حضيري بطل النوح شالت هدية
في (1973/1/3) بطّل المطرب الريفي الكبير حضيري أبو عزيز (نوحه) على حبيبته التي (شالت) الى مدينة أخرى خارج الناصرية، الأمر الذي دعا رفيق عمره المرحوم داخل حسن الذي تألم للحالة النفسية لحضيري أبو عزيز ان يرثيه بهذه الأغنية: يا حضيري بطل النوح شالت هدية.. والخ.
ولهذا الفنان الخالد حكاية طريفة مع الوصي على العرش عبد الاله، يتحدث عنها الباحث التراثي رياض العزاوي، فقال: اعتاد حضيري أبو عزيز ركوب سيارة فارهة عند الذهاب الى دار الاذاعة اللاسلكية العراقية، وكان فناننا الكبير يعيش في ذلك الوقت عيشاً رغيداً، وكان من المطربين العراقيين القلائل الذين يتمتعون بشهرة وصيت واسع ويحاط بالأضواء والنجاح على مستوى البلاد والوطن العربي، حتى ان أغانيه كانت معروفة وتتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة بين أبناء أمة العرب وكانت أغنية (عمي يباع الورد) التي حققت رقماً قياسياً في النجاح والانتشار وغنتها أكثر من مطربة عربية وقدمت في عدد من الأفلام السينمائية، واضاف: هذه الشهرة لم يحققها مطرب عراقي من جيل حضيري ما أهلته أن يحتل مكانة ومنزلة رفيعة بين المطربين العراقيين والعرب، وأصبح أشهر مطرب عراقي في الخارج، فضلاً عن الداخل، وفي احدى المرات التي كان يستقل فيها حضيري سيارته الخاصة متوجهاً لدار الاذاعة لتقديم وصلة غنائية أو تسلم أجور عن أغانيه المذاعة، فالراحل حضيري مشهور ومعروف عنه السخاء والكرم اذ كثيراً ما ينفع المحتاجين والمساكين، وكان دائماً يمنح حرس الاذاعة مبالغ من المال يسيل لها اللعاب، وكان معتاداً على أن يمنح الشرطي الواقف بباب الاذاعة مبلغ خمسة دنانير، ويرد الشرطي الجميل بفرح وسرور وهو يرفع يده ألى أعلى بسلام تعظيم لعطاء مطربنا الكبير حضيري أبو عزيز السخي الذي يفوق كثيراً في ذلك الوقت عطاء المسؤولين وصادف ان كانت الوصي عبد الاله داخل الى مبنى الاذاعة لم يرفع الشرطي يده تحية للوصي، ما جعل الوصي يغضب ويمتعض من تصرف الشرطي بعد ان رأى سيارة حضيري يجرى لها استقبال وتعظيم، فأرسل الوصي في طلب الشرطي مستفسراً منه عن السبب وراء عدم أداء التحية له عكس سيارة حضيري، فأجابه الشرطي بأن حضيري سخي ولم يبخل عليه بمبلغ كبير، فما كان من الوصي الى ان أمر للشرطي بمبلغ (5) دنانير، وهنا ما كان للشرطي الى أن رفع يده بسلام على قدر المبلغ، والمعروف عن الوصي عبد الاله بأنه كان بخيلاً ويقتر على أبناء الشعب الفقراء، كما كان غليظ القلب صلف التصرف مع الناس، وها هو حضيري اليوم متوارى تحت التراب منذ (1973/1/3) كما يشير قبره الى ذلك من دون أن يزوره أحد من أهله أو أحبائه أو معجبيه!!
هم هاي دنية وتنكضي.. وحساب أكو تاليها
يقول الأديب المعروف (روفائيل بطي): اعجابي عظيم بأمير الشعر العامي (الملا عبود الكرخي) لأنه شاعر شعبي يتغلغل شعره في طبقات الأمة كلها، وهو يكنز في أشعاره ثروة طائلة من أحاسيس العامة وصور أفكارها ونظراتها الى الحياة، وهو يمثل عيشة طبقات الشعب ذات الصبغة المحلية البحتة أكثر مما يمثلها أعظم شاعر عندنا من شعراء الفصاحة العدنانية..
ويضيف.. قصيدته الملحمية المجرشة تسجل في رحاب الشعر العامي علامات متميزة تحكي لسامعها وقارئها حكاية عذاب الانسان حينما تجور عليه الظروف وتمعن فيه الجور وتقسو الى درجة الأسى الجارح، وياله حينذاك من عذاب مرير ويالها من صرخة مكتومة تحمل مشاعر التمرد حينما يقول:
ذبيت روحي عالجرش
وأدري الجرش ياذيها
ساعة وأكسر المجرشة
وألعن أبو راعيها
ويتابع.. عندما غنى مطرب المقام الأول في العراق المرحوم محمد القبانجي أغنية المجرشة، طلب منه أمير الشعراء أحمد شوقي أن يقرأ أبياتاً من المجرشة فما ان استوعبها حتى جن لسحرها وروعة بلاغتها..
ويستدرك.. المجرشة كانت حديث الناس آنذاك وانها طبعت أكثر من مرة وترجمت الى أكثر من لغة ودخلت الى رحاب الأدب العامي من الباب الواسع و احتلت مكان الصدارة فيها، ومعروف ان للكرخي عبود قصائد متميزة كثيرة، وها نحن نقف عند هذا الحد، فالمجرشة طويلة، فما فيها يكفي ويقول ويوحي ويبعث الشعر حيا، فلا زيادة فيه لمستزيد ولا مجال لرحابه لشارح أو قائل.. رحم الله (الملا عبود الكرخي) بقدر ما قدم للعامية العراقية من خدمات يسجلها له تاريخ الأدب العراقي بالاكبار والاعجاب وبالغ التقدير..
وها هو الكرخي راقداً تحت التراب منذ اربعينات القرن الماضي.. ولم يزره أحد هو الآخر!! وللأمانة الأخلاقية أخبرنا مرافقنا بأن هناك شخصاً ليس من أقارب الملا عبود الكرخي، بل من المعجبين بشعره قام بترميم قبره منذ سنوات، ولم يفصح هذا الرجل الطيب عن هويته..
يا طبيب صواب دلالي كلف
ولد الفنان الراحل داخل حسن علي العزاوي في قضاء الشطرة عام (1909) وبدأ حبه للغناء منذ نعومة أظفاره، وبعدها رحل الى مدينة الناصرية لغرض العمل في تصليح الزوراق، وفي عام (1927) تقدم للعمل في سلك الشرطة، وعين شرطياً، وطيلة هذه الفترة لم يترك الغناء ثم ترك سلك الشرطة في العام (1936) وسافر الى بغداد، وتقدم للعمل في دار الاذاعة مطرباً للغناء الريفي، وغنى أشهر الأطوار الريفية وأصعبها، وكان يمتاز بحنجرة قوية ونفس طويل، وكذلك بحة شجية في صوته تحمل في ثناياها الشجن والحنان، وكان صوته يمثل أوركسترا كاملة من الآلات الموسيقية، وكان يبث الشجن الدافئ في أعماق مستعميه، حيث استخدم ذكاءه رغم انه كان رجلاً أمياً، وكان يختار كلمات أغانيه التي تدخل الى قلوب مستمعيه وغنى جميع الأطوار الغنائية الريفية البوذية والمحمداوي والشطري وكذلك الاهزوجات التراثية وغيرها، وقد استفاد منه الفنان كاظم الساهر استفادة كبيرة وتعلم فنون الغناء يوم كان ضمن الكورس الخاص بفناننا الراحل داخل حسن، وكلنا يعرف بأنه اثناء الغناء كان المستمع يظنه يبكي ولا يغني لفرط ما تتغير ملامح وجهه تقطيباً وعبوساً خاصة عندما يبدأ بعصر حبات (مسبحته) كلما زادت أحزانه وانفعالاته واتخذ المسبحة جزءاً من الآلات الموسيقية التي ترافقه في الغناء وكان صوته يجمع رفيف نخيل الناصرية وغناء الصيادين وعمال الزوراق، وهدهدة الأمهات وحزن الجنوب وصدق المشاعر التي يتحلى بها ابن الجنوب، ولقد قدم الغناء المعروف بـ(الدويتو) قبل أكثر من (30) عاماً مع المطربة (بنت الريم) في أغنية (لو رايد عشرتي وياك)، وتأثر به كثير من المطربين ومن أشهرهم الفنان حسين نعمة والفنان الراحل رياض أحمد، وسجلت اسطواناته لعدد كبير من شركات التسجيل الكبيرة والمشهورة وله أكثر من (137) أغنية، وفي بداية الخمسينات بدأت مرحلة جديدة في حياة فناننا الراحل داخل حسن، حيث وجهت له دعوات من خارج العراق وسوريا ولبنان ومصر، وبدأ بتسجيل اغانيه والأطوار الريفية في احد الاستوديوهات في ذلك الوقت، وبقي في مستوى فني رفيع من حيث الجودة والغناء ورخامة صوته حتى في الأيام الأخيرة من حياته وتوفى في العام (1985) تاركاً لنا فراغاً كبيراً في الغناء الريفي.
رحم الله فناننا الراحل، وها هو اليوم مسجى تحت التراب وحيداً غريباً من الأحبة، حيث لم يزره أحد منذ سنوات وصدق قوله حينما أنشد يقول (يا طبيب صواب دلالي كلف.. لا تلجمه بحطة السماعة بعد دكات الكلب ما تنسمع، الا بين ساعة وساعة)..
غريبة من بعد عينج ييمة
اسمها الحقيقي زهرة حسين، أما أسمها الفني فهو زهور حسين، لقد غردت في سرب الغناء دون دليل أو معلم يسهل لها الطريق الطويل ومواصلة مسيرتها وحياتها، كانت بدايتها وحبها للغناء من خلال والدها حسين النقاش الذي كان مولعاً بسماع الأغاني وفنونها وأطوارها، وكان على صلة بقراء المقام العراقي وبعض المطربين السابقين، ما حفزه على شراء (كرام فون) أو كما يطلق عليه في العراق سابقاً (القوان) وهو عبارة عن جهاز يشبه المسجل تثبت في أعلاه مكبرة صوت كأنها بوق صغير مثبت في أسفلها (ابرة) وتحت الابرة توضع الاسطوانة وهي قرص بلاستيكي يشبه قرص (السيدي)..
هذا ما أخبرنا به الحاج توفيق الشيخلي المولع بالفن العراقي القديم، والذي أضاف.. دخلت (زهرة حسين) وهذا اسمها الحقيقي الى عالم الغناء عن طريق الحفلات النسائية الخاصة وبين العوائل في المحافل والمناسبات كالأعراس والختان وبين النساء فقط، وقد اشتهرت بحسن أدائها وجمال صوتها الذي تصاحبه (بحة) جميلة محببة ومميزة صارت تعرف بها فيما بعد وقد كانت علامة تعرف بها أو هوية ترافق صوتها حين أدائها أي أغنية أو طور، تقدمت زهور حسين بطلب الى دار الاذاعة العراقية وهي كلها عزم وهمة عالية بأن تكون ذات شأن في عالم الأغنية العراقية الحديثة فتم اختبارها من قبل لجنة فنية مشكلة لهذا الغرض فقرأت مقام (الدشت)، فنجحت من أول مقابلة، حيث خصصت لها حفلات دورية كل يوم خميس من كل اسبوع، وكان هذا سياقاً يعرفه المستمع وبرنامجاً تعود عليه، كانت الفنانة زهور حسين قبل دخولها دار الاذاعة في عام (_1938) تغني في ملهى الهلال وتؤدي المقامات العراقية والبستات، وقد اعتمدت في غنائها مقدمات جميلة لشعراء كبار مثل الشاعر الحبوبي، فقد غنت له القصيدة الشهيرة (اذا انت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا)..
ويتابع.. تعرف عليها الفنان المطرب والملحن عباس جميل فقدم لها الحاناً رائعة كانت بمثابة نقطة التحول في حياتها الفنية، وكان حريصاً على اختيار النص الملائم لنبرات صوتها الصداح والذي انتقل بها من ميزان الثقيل في اداء المقام الى الوزن السريع في أول أغنية لحنها لها وهي:
(أخاف أحجي وعليّ الناس يكلون) فأصبحت لها هوية جديدة تلائم الفترة الزمنية التي عاشتها في فترة الخمسينات والستينات وحينما نجحت هذه الأغنية وصارت الألسن ترددها قدم لها لحناً آخر بأغنية (يم عيون حراكة) ثم (جيت يهل الهوى).
ويستدرك.. بعد ذلك علم الشاعر الغنائي جبوري النجار بوفاة والدة المطربة، وكان على علم بمدى حبها لوالدتها فكتب لها كلمات أغنية غريبة من بعد عينج ييمه) حيث أدتها بنفسها وقد اشتهرت هذه الأغنية شهرة واسعة وأداها الكثير من المطربين والمطربات لجمال الكلمة وعذوبة اللحن..
ويختم حديث الذكريات، فيقول.. انتهت حياة هذه المطربة التي امتعت الناس بسحر صوتها وأدائها المتميز بمأساة فاجعة، وقد حدثنا عن هذه الحادثة المؤثرة التي أودت بحياتها وشقيقتها بحادث مروري مروع الفنان المرحوم عباس جميل الذي عاش معها أجمل فترات حياتها الفنية حينما قال: جاءتني الفنانة زهور بصحبة شقيقتها وزوجها بسيارة صغيرة نوع ((فولكس والكن)) وطلبت مني الذهاب معها الى الحلة لزيارة زوجها المسجون في سجن الحلة فاعتذرت لها لارتباطي بأعمال فنية لا تقبل التأجيل، وعلى طريق بغداد-الحلة، انقلبت السيارة بمن فيها بسبب سوء الأحوال الجوية وهطول الأمطار الغزيرة وصعوبة الرؤية ففارقت أختها الحياة في الحال ونقلت زهور الى مستشفى الحلة الذي رقدت فيه مدة (10) أيام وكانت العناية الصحية دون المستوى، لاسيما وان اصابتها كانت خطيرة ففارقت الحياة في العام (1964)، وبذلك سكت الصوت الصداح الذي لم يعوض حتى الآن ولم يأت مثيله.. وها هو قبرها وقد زالت معالمه وأصبحت زهور (غريبة) اذ لم يزرها أحد منذ عشرات السنين!
الله وياك عبوسي
يقول عنه الفنان قاسم الملاك: (أنا فقدت في حياتي الفنية والانسانية ثلاثة أشخاص أثروا في حياتي الفنية والخاصة أحدهم الفنان سليم البصري والآخران طعمة التميمي ووجيه عبد الغني، لقد كنت ألتقي معه في أدوار قريبة من القلب وعشت معه مدة طويلة قبل أن نكون معاً في (النسر وعيون المدينة) و(الذئب وعيون المدينة)، كان صديقاً ولي معه مواقف عديدة مليئة بالمحبة..
أما السيد عبد الحسن الحاج عبد عباس ابو صبيح الذي رافقنا بكل ود الى حيث يرقد الفنان المحبوب سليم البصري، فقال عنه عنه: (انه فنان رائع أنا أحبه، فمن منا لم يضحك لـ(نحباني للو) ومن منا لم يردد (الله وياك عبوسي) ومن منا لم يتأمل (غفوري) طويلاً وينظره من فوق الى تحت فيهتز لكلماته التي تهتز أمام (قادر بيك) أو لم يشعر بعطفه على (رحومي) أو (رجب).
ويضيف أبو صبيح.. سليم البصري عاش مع الناس وعاشت معه تلك المواقف وعشقوا منه تلك الكوميديا التي لا تنسى، الكوميديا الخالية من شوائب الضحك المصطنع أو الضحك على الذقون.. فقد عاش حياة المحلة وخبر أهلها جيداً خرج الى الناس بمسلسله الخالد (تحت موس الحلاق) فذاع صيته ووصلت شهرته الآفاق، فكانت العيون تلاحقه اعجاباً ومحبة، وهو على طبعه لم يتغير، لم يأخذ من النجومية والشهرة (ريشة) يضعها على رأسه، بل كان كما هو ذلك الانسان الهادئ، لطيف المعشر، قليل الكلام وطيبة حد الطيبة نفسها، وقد أضحك الناس من كل قلوبهم..
وللفنانة فريال كريم موقفاً طريفاً مع الراحل سليم البصري، اذ تقول: كان الراحل كلما يراني يقبلني، وفي أحد الأيام كانت احدى المناسبات الفنية في فندق الرشيد، فرأيت حجي راضي.. ومثل كل مرة قدمت له خدي كي يقبلني كما اعتاد ذلك عند كل مرة يراني، لكنه هرب مني وهو يقول لي: (هاي أشدسوين.. مرتي موجودة!!)، فقلت له: مادام هذا موقفك فلن أدعك تقبلني مرة أ خرى.. وذهب!! وبعد أيام حينما التقيته اعتذر لي، وقال انه كان يعاني مشاكل خاصة في ذلك اليوم..!!
وتضيف: الفنان سليم البصري كان كاتباً ومخرجاً وممثلاً وانساناً رائعاً طيباً للغاية ومحباً للجميع وهو فنان لا شبيه له في تلقائيته وابداعه)..
لك الرحمة ياحجي راضي.. وهاهي سنوات مضت من دون أن يزورك أحد.. بقي أن نهمس في أذن (عبوسي)
ولك عبوسي.. والله شلعت گلبي!! انها صرخات استاذك حجي راضي.. الا تسمعها؟!
السفر الى البعيد
لقد كانت أمنيته قبل وفاته ان يشاهد أول عمل مسرحي من اخراجه وهو مسرحية (يا حافر البير) وكان يردد دائماً حلمي وأمنيتي أن أشاهد الجمهور في المسرح، الا ان يد القدر كانت الأقوى حيث توفى قبل يومين من عرض مسرحيته، الفنان عبد الجبار كاظم الذي توفى في عام (1996) وهو في قمة ابداعه الفني، ويتذكر الجمهور العراقي اعماله السينمائية والتلفزيونية ومنها مسرحية (المحطة) ومسلسل (المسافر) الذي كان من بطولة الفنان الكبير كاظم الساهر ومقداد عبد الرضا والراحل خليل الرفاعي..
وها هو فناننا المبدع يسافر الى البعيد.. حيث لا أهل ولا أحبة يزورونه..
عجيبة اتگول انساني وانت قدري
حمل بيت الشعر هذا توقيع أحد معجبي الفنان الراحل رياض أحمد على قبره، توفى عبد الرضا مزهر نجم وهو الاسم الحقيقي للراحل رياض أحمد بتاريخ (1997/3/8) تتذكر ابنته (نعمة) تفاصيل اليوم الأخير في حياة والدها، فتقول..
لقد كنت طفلة الا اني أتذكر تفاصيل اليوم الأخير في حياة والدي، فأذكر انه عاد الى المنزل في وقت متأخر من الليل بعد أن أحيا احدى الحفلات الخاصة فنادى عليّ وعلى شقيقتي رحمة كعادته كل يوم حيث يقوم بايقاظنا من النوم ويطمئن علينا، كان وجهه مجهداً جداً بشكل غير مألوف، وكانت عيناه تبدوان صفراء وسمار وجهه يبدو أكثر اسمراراً، فقال لنا كلمات مازلنا نتذكرها أنا وشقيقتي بالحرف الواحد، حيث قال: (أنا تعبان جداً) وطلب أن ينام في (الهول) ففرشنا له ووضع رأسه على أرجلنا وقال: (أنا راح أروح بعيد)، فقالت له شقيقتي رحمة: سأجيء معك.
فقال لها: لا.. المكان الذي سأذهب اليه لايجوز أنت تذهبين اليه!!
بعدها نام وخرجنا منه لأنه يحب أن ينام بهدوء، واستمر في نومه طوال النهار حتى الساعة التاسعة مساءً، فكان نومه غير طبيعي، فسمعناه ينادي (لولو) وهو لقب الدلع لشقيقتي (رحمة) فأسرعت اليه شقيقتي لكنها عادت وقالت انه نائم، وبعد قليل سمعنا الصوت نفسه ثانية فاسرعنا اليه وكانت والدتي معنا، وكان يحتضّر وتصدر منه أصوات غريبة، فذهلنا لوضعه وطلبنا النجدة من الجيران وكان صديقاً عزيزاً لوالدي، وفور مشاهدته لوالدي، قال لوالدتي:
لماذا تركتيه ينام هكذا؟؟؟؟
وكان أنينه لا ينقطع، واتصلنا بأخي أحمد وذهبنا به الى مستشفى مدينة الطب في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، حيث دخل غرفة العناية المركزة لأنه كان في غيبوبة، وحاول الطبيب انقاذه الا ان محاولاته باءت بالفشل، فدخلت والدتي وهمست في اذنه:
رياض.. رياض أنا أم طيبة شبيك فهمني..
ففتح احدى عينيه ونظر اليها ثم أغمضها حتى ان الطبيب استغرب من ذلك، فعدنا الى المنزل حسب أوامر الطبيب، ولم ننم ليلتها وفي الساعة السابعة صباحاً جاء أخي أحمد وطلب ملابس له وأخبرنا انه بصحة جيدة، وبعد ساعتين أصطحبتنا والدتي الى المستشفى وهناك وجدنا أحمد يبكي ويضرب على رأسه وهو يقول: (رياض مات.. رياض مات.. يمه.. أبو طيبة مات)..
وتضيف.. توفى والدي في الساعة التاسعة صباحاً، ولم أعرف ما جرى بعد ذلك فقد أغمي عليّ.. وحين استفقت شاهدت اقرباءنا فكنت أنظر اليهم ولكن لم اعرف ما يجري.. فأتوا بوالدي الى المنزل وكنت أرتجف خوفاً عندما شاهدت التابوت ومن ثم نقلوه بسيارة الفنان سعدون جابر الى النجف الأشرف.
والآن وبعد مرور سنوات على رحيل الفنان رياض أحمد، لم يزر هذا الفنان اليوم أي من الأهل والأحبة الا نادراً جداً..
أحفاد حاكم باكستان
هو الحي الذي لايموت.. كل نفس ذائقة الموت.. هنا قبر المرحوم المغفور له سردار بازدان خان والد الجنرال محمد موسى خان الحاكم العام لباكستان المتوفى يوم الخميس (12/ جمادي الثاني/ 1388هـ) توفى في كويشه ودفن يوم الخميس (11/ ذي العقدة/ 1388هـ)..
هذه الكتابات نقشت على قبر والد حاكم باكستان، وبجانب ولده المرحوم الشاب محمد ابراهيم المتوفى في (6/نيسان/ 1970)، ودفنا في مقبرة وادي السلام بناء على وصية العائلة الحاكمة.. ولم يزرهم طيلة تلك السنوات..
شكر وتقدير
ونحن ننهي جولتنا الميدانية مع قبور المشاهير، لا يسعنا الا أن نقدم شكرنا وتقديرنا الى كل من أسهم بانجاح مهمتنا الميدانية ونخص منهم بالذكر الشيخ حسن أبو صيبع الذي رافقنا الى عدد من قبور المشاهير بسيارته الخاصة ولم يبخل علينا بكرمه، كذلك السيد مهند كريم صبار الذي رافقنا هو الآخر الى قبور أخرى بسيارته وقدم لنا معلومات في غاية الأهمية عن مدينة النجف سنقوم بتغطيتها في قوادم الأيام.
464 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع