كلية الطيران الملكية العراقية - تاريخ ومحطات
كنت قد تلقيت صورة الدورة الثانية في كلية الطيران الملكية موضوعة البحث، ومعها عدد من التصاوير الأخرى، من الكابتن جمال الداغستاني، وهو ابن اخي وصديقي العزيز المرحوم العميد الطيار خليل الداغستاني الذي تخرج فيها. وقد قمت بتعديلها واضافة الأسماء اليها كما موشر في الصورة. وبعثتها الى الأصدقاء والمعارف. وهنا طلب مني الأخ اللواء الركن فؤاد حسين علي ان اكتب بضعة أسطر شرحا عن الدورة الثانية ، وقد قد يتسائل بعض الاخوان عن سبب موافقتي الكتابة في هذا الموضوع ، والذي هو ليس من اختصاصي لأنني لست طيارا محترفا ولا من منتسبي قوتنا الجوية، وكان من الأجدى أن اترك الأمر لأصحابه من الأخوة الطيارين القادة الكرام فهم أولى بذلك. وهذا صحيح، لكن عذري هو أنني وان لم أكن طياراً بالمهنة، لكنني طيار بالهواية، وإنني من محبي وعشاق الطيران منذ أيام الشباب الأولى، علاوة على إن جميع من ظهر في الصورة كانوا أصدقاء لي بشكل أو آخر، عدا ثلاثة منهم وهم المرحوم آمر الكلية آنذاك ومعلم الطيران الأقدم والمرحوم الملازم الطيار غريب محمود حمو. لذا عندما اقترح علي الأخ اللواء الركن فؤاد أن اكتب بضعة أسطر تعليقا على صورة دورة الطيران الثانية التي بعثتها له، لم أجد غضاضة أن اكتب هذه الأسطر، وأستميح العذر من إخواني الطيارين ومنتسبي القوة الجوية إن كنت لم أوفق بذلك، كما أرجو من يمتلك معلومات تكمل أو تعدل ما ذكرته أن يبينها لنعدل ما جاء في هذا المقال القصير.
تأسست كلية الطيران الملكية العراقية عام 1950، والتحقت الدورة الأولى نهاية ذلك العام . ثم التحقت دورة الطيران الثانية المبينة صورتها أعلاه نهاية عام 1952 لتتخرج عام 1954. كان أول آمر للكلية هو العقيد الطيار الركن (عقيد الجو كما كان يدعى يومذاك) سالم الكيلاني، وهو من أوائل الطيارين العراقيين من الوجبات التي تخرجت في بريطانيا قبيل تأسيس القوة الجوية الملكية العراقية، وكان من الطيارين المتميزين. ساهم في تأسيس الخطوط الجوية العراقية في أوائل أيام تأسيسها، وكان على رأس ثلاثة طيارين سافروا إلى مصر عام 1938 لاستلام طائرات ( رابيد) الثلاثة التي اشترتها الحكومة العراقية لتجهيز خطوطنا الجوية بها. وكان أول من ارتدى قيافة طياري الخطوط الجوية المدنية عندما كانت خدماته معارة لها . اما المدربين والمعلمين في الكلية فكانوا عراقيين، مع عدد قليل من معلمي الطيران البريطانيين، من ذوي الخبرة والكفاءة في التدريب على الطيران.
عقيد الجو سالم الكيلاني أول آمر لكلية الطيران الملكية العراقية
عقيد الجو سالم الكيلاني يرتدي أول قيافة رسمية لطياري الخطوط الجوية العراقية عام 1938
وكانت مدة الدراسة ثلاث سنوات في الكلية، يمنح الطالب رتبة ملازم بعد إكماله السنة الثانية بنجاح، ويستمر لإكمال السنة الثالثة وهو برتبة ملازم تلميذ. وعند إكماله السنة الثالثة بنجاح يمنح بعدها جناح الطيران، ومن ثم يلتحق الطيارون الشبان إلى أسراب القوة الجوية الملكية كما كانت تسمى يومذاك.
وزير الدفاع المرحوم حسين مكي خماس يقلد الخريج الأول على الدورة الثانية الملازم الطيار خليل الداغستاني، جناح الطيران، ومكان الاحتفال في مقر وزارة الدفاع بسبب غرق أبنية الكلية عام 1954 مع معسكر الرشيد ويبدو في الصورة عقيد الجو سالم الكيلاني آمر الكلية وعدد من ضباط القوة الجوية الملكية
في بداية خمسينيات القرن الماضي لم تكن قوتنا الجوية كبيرة، لكنها كانت قد بدأت بالنهوض والنمو الواعد شأنها شأن جيشنا. ولم يكن عدد المقبولين في الدورات الأولى يزيد عدد أصابع اليد. فعدد منتسبي هذه الدورة هم 8 فقط، وأسباب ذلك كثيرة، منها قلة عدد سكان العراق يومذاك والمستوى الصحي لشباب تلك الأيام الذي لم يسمح للكثيرين منهم باجتياز للفحص الطبي للقبول بدورة الطيران. ولكن وبمرور الأيام أخذت الأعداد تتزايد بتزايد إمكانات العراق المادية وتحسن المستوى الصحي لشبابه.
كان العراق في تلك الأيام يستورد السلاح من المصادر الغربية فقط، وبالذات البريطانية، ولكن بالنسبة لطائرات التدريب في كلية القوة الجوي كانت هناك طائرات أمريكية أيضا نوع هارفارد
علاوة على الطائرات البريطانية للتدريب العتيقة مزدوجة الأجنحة من نوع ( تايكرموث) والحديثة نوع (سنجاب جبمنك Chipmunk) وهما طائرتان للتدريب الابتدائي
طائرة السنجاب للتدريب الابتدائي
بينما تستخدم طائرات ( هارفارد) للتدريب المتوسط والمتقدم . كذلك تم في عام 1953 استيراد طائرات بريطانية حديثة للتدريب هي بروفست مكبسية وتسمى عادة ( بستن بروفوست Piston Provost) .
تدرب منتسبوا الدورة الثانية على هذه الطائرات، وعند تخرجهم نسبوا جميعا إلى السرب السابع المجهز بطائرات ( هوكر فيوري) المقاتلة المكبسية وكانت طائرة مقاتلة متقدمة جداً يومذاك ، وتعتبر آخر طائرة مقاتلة مكبسية أنتجتها بريطانيا، حيث تحول الإنتاج بعدها إلى الطائرات النفاثة .
رف من طائرات هوكر فيوري العراقية يستعد للاقلاع من بريطانيا للالتحاق بالقوة الجوية العراقية في شتاء عام 1949
كان العراق يمتلك آنذاك عدد من أسراب الفيوري التي تعتبر العمود الفقري للقوة الجوية. لكن في عام 1953 بدأت القوة الجوية بالحصول على الطائرات النفاثة من نوع ( دي هافيلاند فامباير) وتم تشكيل سرب منها. وتم تنسيب بعض خريجي هذه الدورة إلى ذلك السرب للتحليق بطائرات فامباير، وكان من بينهم المرحوم خليل الداغستاني.
كما ابتعث عدد من منتسبي هذه الدورة إلى بريطانيا عام 1955 و1956 للتدرب على طائرات هوكر هنتر النفاثة الحديثة، ومنهم المرحوم الملازم الطيار غريب محمود حمو وهو من منتسبي هذه الدورة، والذي استشهد أثناء التدريب في بريطانيا على طائرة الهنتر. تدرج عدد من خريجي هذه الدورة ليصل إلى رتب عالية مثل عبد المنعم عبد الأمير، والذي تحول بعد إحالته إلى التقاعد إلى أستاذ لتدريس اللغة الإنكليزية لطلبة كلية اللغات في الجامعة المستنصرية بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في اللغة الإنكليزية، وخليل الداغستاني الذي استمر بالخدمة في القوة الجوية وكان من احسن مدربي الطيران فيها ثم تحول الى الجانب الثقافي فاشرف على اصدار كافة مطبوعات القوة الجوية ومجلاتها في سبعينيات القرن الماضي علاوة على تاسيسه لمطبعة القوة الجوية وترجمته الكثير جدا من المقارت الفنية والتعبوية وبرقي رشيد الذي استمر ووصل الى رتبة العميد قبل تقاعده وعلي عواد الذي عمل في صفوف القوة الجوية ومن ثم عمل في قسم الطيران الزراعي في وزارة الزراعة ، وكذلك محسن العمري الذي لم يستمر طويلا في القوة الجوية وتحول الى الطيران الزراعي وعصمت ملا حمادي وكان من أواخر من ترك القوة الجوية من منتسبي هذه الدورة ووصل الى رتبة لواء طيار، أما ابن العم الملازم الطيار خالد عبد الستار القيسي أطال الله بعمره ومتعه بالصحة والعافية، فقد ترك القوة الجوية بعمر مبكر لأسباب صحية، وانصرف إلى الأعمال الصناعية في القطاع المدني الخاص، وهو الذي ساعدني في تثبيت أسماء هؤلاء الأبطال من منتسبي دورة الطيران الثانية، وكانوا أعمدة القوة الجوية العراقية الحديثة التي نمت وترعرعت لتصبح اقوى قوة في المنطقة في أيام ثمانينيات القرن الماضي. رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء ومتعهم بالصحة والعافية.
1546 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع