٥٠عاما على افتتاح ملعب الشعب الدولي
لم يعرف العراق ملعبا متكاملا للعبة كرة القدم سوى ملعب الكشافة، الذي لا يتناسب والمزايا الدولية للملاعب الكبيرة، على الرغم من ان هذه اللعبة دخلت العراق منذ أوائل القرن العشرين وأصبحت اللعبة الرياضية الأولى لدى العراقيين. حتى افتتاح ملعب الشعب الدولي في السادس من تشرين الثاني من عام 1966.
يقع ملعب الشعب في بغداد جانب الرصافة وضع حجر الأساس له عندما كان عبد الكريم قاسم رئيساً للوزراء سنة 1961 يومها كانت تلك الأرض شاسعة وخالية وبطلب من الرئيس تم بناء الحجر الأساس ووضع حينها مبلغاً رمزياً واحتشدت الجماهير من حوله والقى كلمة سمعها العراقيون عبر وسائل الإعلام صرح فيها انه يعمل لإنشاء ملعب دولي كبير
وجاء العمل به عن طريق اتفاقية بين حكومته وشركة (كولبنكيان) البرتغالية والتي مقرها في لشبونة ويشرف على إدارتها (كالوست سركيس كولبنكيان) وهو رجل الأعمال الثري الأرمني العراقي الأصل وكان كالسوت يملك حصة من نفط العراق ويحتفظ بنسبة 5% من مجموع الأسهم وتم العمل الحقيقي لبناء هذا الملعب في عهد عبد السلام عارف ليكون أكبر ملعب في العراق ويتسع إلى 50 ألف متفرج.
بلغت كلفة تشييد ملعب الشعب الدولي مليون دينار عراقي وبني على مساحة 200 الف متر ويحتوي على مضمار لألعاب القوى ويضم مجمع ملعب الشعب أيضا ملعبين للتدريب وملاعب أيضا لكرة السلة والطائرة واليد وملعبا للتنس وكذلك المسبح الأولمبي ويحتوي الملعب على أربعة ابراج للانارة الليلية، وجرت عليه مباراة الافتتاح الودية التي جرت بين منتخبنا العراقي ونادي بنفيكا البرتغالي الذي حصل في نفس العام على المرتبة الثالثة في بطولة كأس العالم التي أقيمت في إنكلترا.وقد خسر منتخبنا بهدفين مقابل هدف واحد تقدم النادي البرتغالي بهدف ثم ادرك منتخبنا التعادل عن طريق لاعبنا الدولي قاسم محمود المعروف بــ (زويه).وقبل نهاية المباراة بدقائق سجل اللاعب اوزبيو هدف الفوز لبنفيكا في مرمى حارس منتخبنا الوطني حينها المرحوم حامد فوزي..لتنتهي المباراة بفوز النادي البرتغالي 2-1 في أول مباراة تقام على ملعبنا الدولي.
بداية فكرة بناء الملعب:
رغم ان الملعب كان يشكل حاجة اساسية للحركة الرياضية في العراق لعدم امتلاك العراق ملعبا بمواصفات دولية يسع لاعداد غفيرة من المتفرجين. الا ان انشاء الملعب تعود قصته الى حضور الزعيم عبدالكريم قاسم رئيس الوزراء المباراة النهائية لدوري الجيش بين فريقي القوة الجوية والفرقة الثالثة. وبعد إنتهاء المباراة إجتمع الزعيم باللاعبين، وطلب منهم أن يعرضوا عليه إحتياجاتهم، وكل مشاكلهم، فطلب بعض اللاعبين دوُراً سكنية، والبعض الآخر طالب بتحسين ظروفه المعيشية، وحين وصل الدور للاعب إلبرت خوشابا قال له:نحن بحاجة ماسة إلى ملعب دولي ياسيادة الزعيم فملعب الكشافة ملعب صغير، وبائس (وكله طسَّات وعٍكَّر..)
فضحك الزعيم، وقال: إتدللوا، راح نبنيلكم ملعب كبير.
فكان ملعب الشعب بعد ان أتفق الزعيم مع شركة كولبينكان!.. وكان من المؤمل انشاء ملعب آخر مماثل في جانب الكرخ وتحديدا عند موقع ملعب الادارة المحلية بالمنصور.
في أواخر عام 1959 أستقبل الزعيم عبد الكريم قاسم (رئيس وزراء الجمهورية العراقية) بمكتبه في وزارة الدفاع وفداً رفيعاً من مؤسسة (كالوست كولبنكيان) للاعمال الخيرية والتعليمية والفنية والعلمية التابعة لرجل الأعمال الأرمني الراحل في عام 1955 كالوست سركيس كولبنكيان فحوى اللقاء كان يخص عرض الشركة الذي قدمته لحكومة العراق، والقاضي بمنح نسبة من المُنحة الثابتة من النفط العراقي المخصصة لها لتنفيذ مشاريع تنموية وإعمارية في بغداد، على أن يكون اختيار تلك المشاريع ونوعيتها للحكومة العراقية، والريع "من حصة العراق النفطية" مقدما من الشركة التي تحتكر خمسة بالمائة منه.وأخيرا تمخضت عن تلك الاتفاقية صروحا مقترحة من قبل حكومة العراق وممولة من قبل مؤسسة (كالوست كولبنكيان) وهي:
المتحف العراقي – المسرح الوطني – مدينة الطب - ملعب الشعب الدولي لكرة القدم اضافة الى ما يقارب من الـ100 زمالة دراسية عراقية لأرقى الجامعات في الولايات المتحدة وبريطانيا لتخريج الكفاءات التي تخدم الوطن.
كما ان الاعلان التاريخي عن انشاء ملعب الشعب الدولي كان قد جاء من خلال خطاب الزعيم عبد الكريم قاسم الذي ألقاه في ملعب الكشافة بتاريخ 21نيسان/أبريل من عام 1960 وأمام أكثر من 15 ألف مواطن والذي أعلن فيه انشاء ملعب جديد بالعراق اسمه ملعب الشعب.
أرقام عن ملعب الشعب:
- كلفة البناء (1 مليون دينار عراقي) - المساحة الاجمالية 200 ألف متر مربع
- السعة الاجمالية 45 ألف متفرج - مضمار لالعاب القوى مغطى بالتارتان
- يحتوي على 18 بوابة دخول موزعة على الجهتين -أبراج إنارة ترتفع عن الأرض بمسافة 55 مترا على وفق المواصفات العالمية.
- مساحة خارجية لوقوف السيارات تبلغ 40 الف متر مربع تسع لوقوف 4 الاف سيارة
يوم استوعب الملعب 85 الف متفرج:
من غرائب ملعب الشعب ايضا فعلى الرغم من كونه ملعبا مخصصا شبه كليا لكرة القدم وقضى جل عمره بمبارياتها مع بعض الفعاليات المعدودة التي ذكرناها الا أن ما يـُشهد له أن أكبر نسبة حضور جماهيري في تاريخه شهدها ليس لمباراة كرة قدم ولكن لنزال مصارعة بين عدنان القيسي ومصارع كندي بلغت نسبة الحضور فيه الى 85 الف متفرج!! والسبب ان الملعب سعته القصوى 50 ألف لكن نزال المصارعة كان وسط حلبة صغيرة في منتصف ساحة اللعب أي أن للجمهور مساحات متاحة بالنزول الى أرضية الملعب بالكامل.
وصف مباراة الافتتاح
كانت المباراة التي ستجرى في الافتتاح بين منتخب بغداد وبنفيكا وكان مقررا ان يصل الفريق قبل يوم ولم يصل الا في يوم المباراة بزيارة استمرت لمدة 30 ساعة فقط من ضمنها المباراة. كان منتخب بغداد قد استعد للمباراة بمعسكر داخلي في فندق تايكربلاس لمدة اسبوعين، خاض خلالها مباريات تجريبية فاز على منتخب البصرة 3 –صفر وعلى منتخب كركوك 3- صفر.اما اللاعبون الذين تم استدعاؤهم فكانوا:
المرحوم الحارس حامد فوزي ومحمد ثامر ولطيف شندل وقيس حميد وحسين هاشم وشامل فليح ومحمود أسد ومظفر نوري وسلمان داود وحسن علي وقاسم محمود “زوية وصاحب خزعل وجبار رشك ومحمد شعيطة ونوري ذياب والمرحوم عبد كاظم وكوركيس اسماعيل والبرت خوشايا وشدراك يوسف وباسل مهدي وتغيب عن المباراة هشام عطا عجاج لاصابته. وحضر المباراة نحو 50000 الف متفرج امتلأت بهم كل زوايا ومدرجات الملعب وكان للسمعة الكبيرة التي يتمتع بها نادي بنفيكا اثر كبير في استقطاب هذا العدد الهائل من المتفرجين الذين جاءوا للتمتع بمهارات تسعة من افضل لاعبي المنتخب البرتغالي الذي فاز يومها في بطولة كأس العالم عام 1966 على المنتخب البرازيلي 3-1 يوم كان يقوده اللاعب الكبير بيليه وما ان اطلق فهمي القيماقجي صفارته حتى بدأت المباراة، تناقل لاعبو بنفيكا كرات حلوة تسيدوا فيها وسط الملعب وظهر واضحا تفوق الفريق البرتغالي في نقل الكرات واختراق الدفاع وتحصيناته خصوصا من ناحية المدافع الايمن حسن بلة الذي واجه صعوبة بالغة في السيطرة على تحركات مهاجم بنفيكا اللاعب سيماش الذي اسقط لاعبنا اكثر من مرة على الارض بعد مراوغته الناجحة التي شدت اليه الانظار، سجل الفريق الضيف هدفه الاول في الدقيقة 35 من لشوط الاول اثر تعاون بين اوزيبيو المهاجم الايمن وتورش مهاجم اليسار فمن داخل منطقة الجزاء ناول اوزبيو الكرة الى تورش الذي سددها براسه الى مرمى حامد فوزي العملاق الذي عجز عن ردها فهزت الكرة الشباك معلنة تسجيل الهدف الاول في تاريخ ملعب الشعب واستمرت سيطرة نادي بنفيكا على الشوط الاول الذي شهد تسديد ضربات صاروخية نحو حامد فوزي الا انه كان بالمرصاد كما شهد الشوط الاول ابداعا في حركة اللاعبين البرتغاليين وقدم سيماش قمة فنون الكرة من المراوغة والتنقل في زوايا الملعب واركانه وتلاعب بمدافعنا الايمن حسن بلة كما يشاء ولولا براعة حامد فوزي لارتفع رصيد بنفيكا من الاهداف وقد اضاع المهاجم العراقي البرت خوشابا في الدقيقة (14) فرصة ذهبية عندما انفرد بحارس مرمى بنفيكا وسدد الكرة لكن بيربرا حارس بنفيكا تمكن ان يبعدها في اخر لحظة وانتهى الشوط الاول بتقدم بنفيكا (1-صفر).
وفي الشوط الثاني اظهر الفريق العراقي كفاءة وكان الواثق من نفسه وتمكن لاعبونا من ان ينقلوا الكرات الجميلة بفضل انتشارهم الجيد ولياقتهم البدنية العالية وبلغت المباراة ذروتها في الدقيقة العاشرة من الشوط الثاني عندما سجل فريقنا هدف التعادل بعد سلسلة مناولات متقنة بين باسل مهدي والبرت خواشابا ومن الاخير الى قاسم محمود (زوية) الذي سدد قذيفة هزت شباك بنفيكا بعنف معلنا تسجل هدف التعادل لمنتخب بغداد الهبت هذه الكرة حماسة المشجعين الذين راحو يصفقون ويشجعون بجدية مطالبين بهدف اخر يريح قلوبهم ويمنحهم الشعور السعيد بالفوز على اقوى فريق في العالم عام 1966 الا ان لاعبي بنفيكا لم يستسلموا ابدا وراحوا يهاجمون من جديد لينقذوا سمعتهم الكروية كلاعبين عالميين وبعد سجال بين الفريقين يحتسب الحكم فهمي ضربة حرة مباشرة على الفريق العراقي خارج منطقة الجزاء ضد اللاعب صاحب خزعل تقدم لها المدافع الايمن كابن وسددها بقوة نحو الزاوية وسجل الهدف الثاني لبنفيكا في الدقيقة 35 من الشوط الثاني وسط دهشة المدافعين الذين قفوا يراقبون الكرة وهي تهز شباكهم متفرجين برغم محاولة حامد فوزي بردّها. بعد هذا الهدف، لم يتمكن مهاجمونا من تسجيل هدف التعادل برغم كل المحاولات التي بذلوها لتنتهي اول مباراة تقام في ملعب الشعب بفوز بنفيكا على منتخب بغداد 2-1 مثل نادي بنفيكا كوستار بيريرا لحراسة المرمى وكابن البرتو وجاستو وكروش وسانتانا وكلادو اوكستو وتوريش ونلسن وأوزيبيو وليماش. ارتدى لاعبو بنفيكا الفانيلات الحمر، فيما ارتدى منتخب بغداد الفانيلات البيض.
قاد المباراة الحكم فهمي القيماقجي وساعده سعدي عبدالكريم وحسين اديب. بعد المباراة ابدى اللاعب العالمي اوزيبيو اعجابه باللاعبين حامد فوزي وقاسم زوية وشدراك يوسف والبرت خوشايا وقال انه فوجئ بالمستوى الرائع الذي ظهر عليه منتخب بغداد، كما ابدى اعجابه بالمشجعين وعددهم الكبير.
ذكريات اللاعب قاسم محمود (زوية)
يقول اللاعب قاسم زوية: مازلت استذكر بمحبة كبيرة افتتاح ملعب الشعب ومباراتنا مع نادي بنفيكا واذكر ايضَا ما كان قبل هذا اللقاء اذ اننا كنا نتدرب في مدرسة التدريب الرياضي في معسكر الرشيد التابع لالعاب الجيش وكان التدريب صباحًا وعصرًا، ثم قل عندما دخلنا في اسبوع المباراة وقبل يوم من المباراة دخلنا معسكرًا في فندق (تايكرس بالاس) في شارع الرشيد.. وهذه المباراة لها طعم لان الفريق البرتغالي كان عالميا وظهر صيته وكان اللاعبون فيه مشهورين ولهم وزن وعندما جاءوا، رأيناهم... هم صحيح لاعبون مميزون ولكنهم لم يختلفوا عنا كأجسام ولن ينقصنا سوى التدريب الصحيح الذي تواكبه المنتخبات العالمية، وما اريد ان اذكره هنا اننا كنا قد سافرنا قبل وقت من هذه المباراة الى تركيا للمشاركة في بطولة المجلس العسكري جلبنا احذية ذات نتوءات (استدات) بارزة على غير ما كان موجودا في العراق من احذية (الاديداس والبوما) ذات (الاستدات)غير البارزة، وقد استخدمنا الاحذية التركية لان الثيل كان (ثخينا)، وكانت تحدث صوتًا قويًا مزعجًا يضرب في الرأس وعندما قال لنا ابراهيم الشيخ مدير العاب الجيش تفضلوا رئيس الجمهورية يريدكم على المنصة ان تسلموا عليه اخذونا من وراء الملعب فنزعت الحذاء وانتعلت مداسا بدلا عنه.
ويضيف قاسم مستذكرًا هدفه الذي كان علامة فارقة في حياة ملعب الشعب حيث انه الهدف العراقي الاول في شباك مرماه: المدرب المرحوم عادل بشير كان يستأنس برأي اللاعبين فحين قال لي انا الذي العب في مركز خارج اليسار مع من تنسجم قلت له: اريد البير خوشابا لأننا نلعب معًا في فريق المصلحة، والهدف الذي سجلته جاء من هات وخذ بيني وبين البير على مدافعي بنفيكا ومن ثم سددت الكرة قوية لتذهب الى المثلث وتهز الشباك، لا اقول انني لم افرح ولم اشعر بسعادة.. بل فرحت وشعرت بسعادة لاسيما ان الهدف سجل في مرمى حارس مرمى عالمي ومن بين مدافعين لعبوا في كأس العالم، لم اشعر بعد المباراة بالفرح بقدر ما انزعجنا كفريق كامل من الهدف الثاني الذي سجله (بنفيكا) والذي كان بسبب سهو من المرحوم حامد فوزي حارس مرمانا حيث كان يتكلم مع المدافعين قبل تنفيذ الضربة التي كانت من وسط الساحة وقد اثر علينا كثيرا هذا الهدف وكنا نتمنى ان نخرج متعادلين لان التعادل له قيمته، شعرت بطعم الهدف الذي سجلته ولكن الهدف الثاني اذهبه، وما يجب قوله ان الفريق كان عائلة واحدة وعلى الرغم ان فيه لاعبين اميين ولكنهم كانوا يجيدون اللعب في مراكزهم ويلتزمون جدا بتعليمات المدرب.واكد قاسم : هذا الهدف والافتتاح الجميل لملعب الشعب يجعلني كل عام استعيد ذكريات الماضي، وافرح عندما اسمع ان الناس تذكرني بخير كأنجاز عمل جيد وافتخر ان الناس تمتدحني.
المصدر / المدى
اعداد/ذاكرة عراقية
1400 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع