بقلم / خالدة بابان
تعد الأسواق الموجودة في جميع أنحاء العالم ظاهـرة حضارية واقتصادية فمنها القديم ومنها الجديد،وسوق الغزل في بغداد من اشهرهـا حيث كان مركزا تجاريا لبيع الغزول القطنية والصوفية لذا كان يؤمه الرجال والنساء ،وسوق الغزل يقع قرب جامع الخلفاء في الشورجة وهـو من معالم الطراز الإسلامي في العهد العباسي وسمي بسوق الغزل نسبة الى تجارة الغزول في العصر العثماني..
والمعروف عن هـذا السوق انه يعقد غالبا أيام الجمع شأنه في ذلك شأن سوق المتنبي لبيع الكتب بالمزاد ...
ومنذ أوائل الخمسينات تحول هـذا السوق تدريجيا فغلبت عليه خصوصية بيع الطيور وبقي اسمه كما هـو ولم يتغير.. حتى منارة جامع الخلفاء بدأت ترى العجب والمفارقات الكبيرة من هذه المشاهد حيث يغرق المكان في صخب وضجيج لا الحدود لهما ، فترى عشرات المحال لبيع الطيور ومئات الباعة افترشوا الرصيف لعرض وبيع بضاعتهم من الطيور والعصافير والدجاج والبط والاسماك والأرانب والبوم والسلاحف والنسور والصقور والماشية والأفاعي والكلاب والقطط والقرود وغيرهـا من الحيوانات ..
ومع ان السوق مخصص لبيع الطيور إلا ان الباعة والتزاحم فيما بينهم في البيع والشراء وباعة الأطعمة والأشربة المشبعة بالروائح والغبار زاد هـذا التزاحم ..
ويأتي لهذا السوق هـواة ومحترفون من أطراف بغداد والمحافظات ويحملون بضاعتهم معهم ويسود السوق هـرج ومرج وتزاحم كبير ..
ومن أنواع الطيور التي تباع في هـذا السوق الحمام الهنداوي والاورفلي والألماني والبلجيكي والپاكستاني والقبرصي والأحمر والأزرق والريحاني والأصفر والزيراي والحمر المقپطات .. والهومر التي تعد من أغلى الأنواع وطيور الحب الهولندية والعادية وطيور الفنجز والكناري والبلابل والببغاوات والبجع والطواويس وأسماك الزينة ( بالمناسبة كان عندي في دارنا في السليمانية قفص كبير يحوي العشرات من طيور الحب )..
أما بالنسبة لبقية الحيوانات الموجودة في هـذا السوق فهناك الكلاب ومنها الكبيرة العادية والذئبية وكلاب حراسة مختلفة كالـ( الدوبرمان والولف والبوكسر والهاوشار والجاوجاو والپيت بول والبول دوگ وكلاب الزينة منه الپودل واليوكشاير والتيريار وبكينز وشيزو والفوكس والچي واوه وغيرهـا..) وكذلك أنواع من القطط الشامية والسيامية والفارسية .
وهـنالك آراء عديدة حول تربية الحيوانات في البيوت ،فهناك عوائل ترفض تربية الحيوانات والطيور داخل منازلها لأسباب عديدة منها ان بعضها ينقل الفايروسات والجراثيم التي تسبب الأمراض ل أفراد الأسرة وهـذا غير صحيح لان أمراض الحيوانات لا تنتقل الى الإنسان الا في حالات نادرة عند عدم غسل الخضروات والفواكه التي يتناولها الشخص ومن المحتمل ان يكون قد تبول عليها حيوان ما ..
وهـنالك عوائل ترفض تربية تلك الحيوانات بسبب معتقدات دينية او ان بعضها يجلب الحظ السيئ (الفقر) وبعض الناس يعتقد ان البيت الذي فيه كلب تحل عليه اللعنة لان الكلب يمثل الشيطان في معتقداتهم ولإن الأغلبية الساحقة في المجتمع العراقي تدين (بالإسلام) وهـذه هـي نظرة المسلمين الى بعض الحيوانات وخاصة الكلاب . ..
أما بعض العوائل فلها رأي يؤيد تربية هـذه الأنواع من الحيوانات في المنزل حيث تقول ان تربية حيوان أليف في البيت شيئ محبب للنفس ويجدون متعة كبيرة عندما يحتضنون قطا اوكلبا ( كما تفعل ابنتي الصغيرة مع قطها ) ..
ومن المعروف والبديهي ان الله (سبحانه ) خلق الحيوانات والطيور بجميع اشكالها وألوانها وأحجامها وصفاتها وطبائعها لتكملة الطبيعة وتحقيق التوازن الحياتي والبيئي وبعدم وجود هـذه المخلوقات ستكون الطبيعة جامدة .
وللحيوانات حقوقها في العناية والرعاية الصحية البيطرية ، وتصاب الحيوانات بالأمراض نتيجة لتغير الجو من حار الى بارد وبالعكس او بسبب بعض الفايروسات والأمراض الانتقالية التي تنتقل من حيوان الى آخر حيث يقوم الأطباء البيطريون بعلاجهم واعطائهم الأدوية الخاصة بهم وهـنالك تلقيحات دورية خاصة بهم ..
عموما الحيوانات والأليفة خاصة هـي مخلوقات خلقها الله عز وجل لتكون مع الإنسان لتلبية حاجاته المتعددة ، وعندنا بعض العوائل المتحضرة والميسورة تربي بعض الحيوانات في بيوتها ومنها القطط والكلاب خاصة الأجنبية ذات الشعر الطويل فهي تضفي جمالية على البيت وأصحابها يعتنون بها جداً ويقدمون لها افضل أنواع الطعام الخاص بها من المعلبات المستوردة حيث الشركات المتخصصة بهذا المجال ...
على ذكر القطط والكلاب حضرتني طرفة جميلة .. عندما كنا ساكنين في بغداد ( المنصور) ،وفي احد الأيام دخل ابني البكر آلان وبيده صندوق صغير فيه قط صغير وجميل ابيض كالثلج وقال لقد اشتريته ب 500 دينار ،أسميناه ( سلاير ) أي السفاح وقي الحقيقة لم يكن اسم على مسمى لانه كان أليفا جداً حيث كانت ابنتي الصغيرة أڤين تحممه وتنشفه وتنثر عليه ألپودرة المعطرة ولا يحرك ساكن وعندما كبر بدأ بالذهـاب الى الجيران وكان عندهـم قطة سوداء احبها ولم يستطع فراقها وشيئا فشيئا فقدناه وحزنا عليه..
ويعرض في سوق الغزل بعض الأحيان حيوانات وطيور نادره قد تصل اسعارهـا الى مبالغ خيالية ، والباعة عموما في هـذا السوق يلتزمون بتسعيرة يحددونها وفق نوع الحيوان او الطير ودرجة ندرته .. فببغاء الكاوسكا الافريقي مثلا يصل سعره الى كذا دولار او أكثر وسعر الغزال يقال ان سعره تجاوز المليون و٢٠٠ ألف دينار عراقي ..
ويلفت انتباه الزائر لسوق الغزل تجمهرالناس حول ما يعرض من حيوانات توصف بالخطيرة كالأفاعي ..
أما بائعو الديكة فحدث ولاحرج حيث يقيمون سباقات مستمرة للمنازلة بين ( ديكة الهراتية ) وكانوا ينتشرون في ساحة باب المعظم وغيرهـا من الساحات لأقامة تلك المنازلات .. وكثيرا ما كان الشخص يرى ان هـذا السوق يعمه الازدحام والفوضى والضجيج بين نداء باعة الاطعمة وتغريد البلابل وزقزقة طيور الحب وعواء الكلاب ومواء القطط وصياح الديكة والدجاج والقبجً.
قد لانتمكن من إحصاء الأنواع المختلفة للحيوانات والطيور في هـذا السوق ولا أعداد الناس الذين يرتادونه للشراء او لمجرد الفرجة ولكن من المؤكد ان ما يديم الحياة فيه هـو الدافعية المستمرة لدى الناس لاقتناء الحيوانات والاستمتاع بتربيتها ومشاهـدتها حتى وان كانت في بعض الأحيان خطيرة او غالية الثمن ...
ويعد هـذا السوق سوقا سياحيا وتراثيا يجب الاعتناء به وادامته .. فالناس يأتون اليه من جميع أطراف بغداد والمحافظات لاسيما يوم الجمعة لذا يزدحم ازدحاما لا نظير له فيأتيه المحترف والهاوي والمتفرج .. وينتمي عشاق هـذا السوق الى مختلف الطبقات الاجتماعية والانتماءات الثقافية فمنهم ضابط متقاعد وأستاذ الجامعة والكاتب والإعلامي والتاجر والصبي ذو العشر سنوات من العمر والعجوز البالغ من العمر سبعين عاما حيث يتبادلون أطراف الحديث عن نوعية الحيوانات والطيور ومواطنها ومواقيت هـجرتها وخارطة انتشارهـا وكيفية الاعتناء بها ... وتغيب أحاديث السياسة والطائفية في هـذا السوق والتي غالبا ما تتداول في الأسواق الأخرى ويطغى عليها الحديث عن الحيوانات وطبائعها في أجواء من الألفة والانسجام .. وتختفي الحياة
في سوق الغزل بعد الساعة الثالثة عصرا ويغادر الزبائن السوق بهدوء على أمل اللقاء في الأسبوع المقبل في ذات المكان ببضائع جديدة ......
1566 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع