الفسيفس و أصل التسمية!!!
في غمرة الاحتفالات بعيد الفصح المجيد وقيامة السيد المسيح (ع) المباركة؛ تتم الاحتفالات يوم السبت والأحد بعد الجمعة العظيمة
بين العوائل والأصدقاء ومن ضمن هذه الاحتفالات تحلق افراد العائلة حول مائدة الطعام التي يكون الفسيفس فيها سيد الوجبة الرئيسية بلا منازع ونحن على أبواب عيد الفصح والقيامة بتقويم الكنيسة الارثوذوكسية الشرقية والمصادفة هذا العام من الثالث لغاية السادس من شهر أيار.
لقد طلبت مني تالة ، كبرى احفادي التي زارتنا وعائلتها من بلاد السلام والاحلام (سويسرا) بتحضير وجبة الفسيفس اسوة بالإخوة المسيحيين ليتسنى لهم الاجتماع ببقية الفرع الكندي من عائلتنا حول مائدة الفسيفس لفرصة تواجده في الأسواق في مثل هذه المناسبة وانعدامه معظم الاحيان وكانت فرصة ثمينة لإظهار مواهبي في فنون تحضير هذه الوجبة والفضل يعود بالاعتماد كلياً على كتاب دليل الطبخ والتغذية للسيدتين نزيهة اديب وفردوس المختار الذي لم يفارقني منذ ساعة مغادرتي العراق الى بلدان الاغتراب ليومنا هذا والذي اعتبره من الكنوز النادرة التي لا غنى عنها.
وينفرد العراقيون بهذه التسمية لهذا النوع من الطيور الداجنة والتي تعرف في البلاد العربية بالدجاج الرومي او الحبش او الغرغر او البيبي.
أصل تسمية (فسيفس)
يطلق العراقيون حديثا اسم فسيفس على الديك الرومي وهي تسمية اختصوا بها دون باقي الدول العربية.. اذن من اين اتت هذه التسمية؟ لو راجعنا تراث العراق القديم اللغوي لوجدنا ورود ذكر نوع من الطيور الداجنة في الكتابات المسمارية تقرأ paspasu ( باسبسو ) وبديهيا الابدال اللغوي بين الباء والفاء معروف فتكون اللفظة الاصح ( فاسفسو ) وبمرور الوقت حرفت الى فسيفس ، احتار المترجم الاوربي بتأويل كلمة paspasu فمرة يقول انها ( نوع من البط كبير الحجم ) ومرة يترجمها ( طاووس ) ولان اهل العراق ادرى بلغاتهم فنقول ان paspasu هي الديك الرومي لان هذه التسمية لازالت موجودة وحية الى الان على لسان الاحفاد ، ونضيرها السومري UZ.MUŠEN .
*من صفحة : د. اميرة عيدان مختصة بالآثار في وزارة الثقافة العراقية*
كذلك يطلق العراقيون كلمة علي شيش على هذا الطائر ربما لاعتقادهم بأن موطنه الأصلي بلاد الشيشان
وقديماً افتتح مطعم علي شيش في ساحة النصر ببغداد لتقديم وجبة الفسيفس ولم يلق نجاحاً في استمراريته لان أصحاب العقول الضيقة اجبروا صاحب المطعم لتغيير الاسم ظناً منهم ان له علاقة تهكمية باسم الامام علي (ع) ولم يتوانوا عن مضايقته الى ان تم غلق المطعم اكراهاً.
كذلك يسمى في العراق بالدجاج الهندي واعتقد ان هذه التسمية من افرازات تداخل وتأثير اللغة التركية ابان الحكم العثماني لان نفس التسمية تطلق على الفسيفس في تركيا ظناً منهم ان موطنه في الهند وفي الهند يسمونه دجاج بيروفي وفي روما اسمه دجاج فرنسي وفي فرنسا اسمه دجاج كوبي وفي كوبا اسمه دجاج استرالي وفي استراليا اسمه دجاج مغربي وكل العالم يتبرأ منه علماً بان تسميته ترجع لحادثة او موقف معين ليتم اطلاقها على هذا الطائر الذي كما وصفه أحد الظرفاء بانه "اما ديك بارك الله فيه او نعامة باءت بغضب الله".
تطلق تسمية تركي باللغة الانكليزية على هذا النوع من الطيور اذ ساد اعتقاد أن موطنه الأصلي هو أفريقيا التي كان البريطانيون وقتها يعتقدون أنها موطن الأتراك مما حدا بالحكومة التركية لتغيير اسم الدولة ليصبح (Türkiye) كما تكتب وتنطق باللغة التركية وكطلب من وزير خارجية تركيا للأمم المتحدة بتغيير الاسم رسمياً لفصل التسمية عن الدلالات السلبية.
في أمريكا الشمالية يتم الاحتفال بعيد الشكر وعيد الميلاد إضافة لعيد الفصح بتقديم وجبة الفسيفس الرئيسية في هذه الاحتفالات العائلية التي هي مناسبة لتجمع افراد العائلة التي عادة ما تكون مبعثرة ومشتتة لأسباب عدة منها العمل وبعد المسافات والاحوال الجوية ومشاغل الحياة الكثيرة جداً والجميع حريصون على الاجتماع في هذه المناسبات حول مائدة الفسيفس للاحتفاظ بالتواصل العائلي الذي يعود الفضل فيه الى الفسيفس ولولاه لما اجتمعت العوائل لإحياء ترابطها. بعد الانتهاء من مراسيم الاحتفالات يأخذ افراد العائلة المتبقي من الفسيفس الى مقار العمل كوجبة غداء في اليوم التالي لعرض مهاراتهم في الطهي وخصوصاً الحشوة الداخلية ويكون موضوع حديثهم لذلك اليوم بلا ملل او كلل ليعاودوا نفس المباراة في العام التالي وكل هذه الطقوس مردها الى الخواء والدفئ العائلي الذي يفتقدونه في مجمل حياتهم الاجتماعية.
ويرجع السبب في أن يصبح الديك الرومي أكثر شيوعاً في أعياد الميلاد، هو أن المزارعين يعتقدون أنه سيكون أكثر فعالية من حيث التكلفة للحفاظ على الدجاج والأبقار، حتى يتمكنوا من إنتاج البيض والحليب منهما.
هناك تقليد ثابت متبع في البيت الأبيض للعفو عن الديك الرومي في عيد الشكر من قبل الرئيس الأمريكي في كل عام أواخر شهر تشرين الثاني للتأكد من ان هذا الطائر لن يقدم كوجبة طعام على مائدة عيد الشكر الرئيسية ويرجع هذا التقليد الى الرئيس الأمريكي ابراهام لنكون تبعه بعد ذلك الرئيس جون كندي الذي دعا للمحافظة على هذا التقليد حيث تقام فعاليات إعلامية في حديقة الورود بالبيت الأبيض للتحدث قليلاً حول الديك الرومي والعطلة القادمة قبل منح العفو الرئاسي.
يعتقد بان الهنود الحمر هم اول من عرف هذا النوع من الطيور وموطنه امريكا الشمالية وكانوا يعتزون بهذا الطائر ويزينون رؤوسهم بريشه مفخرة واعتزازاََ اما زعماء القبيلة فيزينون أنفسهم بريش النسر الأمريكي الاصلع النادر والباهض الثمن.
وعرفه الاوربيون في القرن السابع عشر عند هجرة الاوربيين الى قارة أمريكا هرباً من اضطهاد الكنيسة الإنكليزية لهم وكان وصول المهاجرين في شهر تشرين الثاني هو بداية فصل الشتاء الذي يتميز بالبرد القارس والأمطار الغزيرة والثلوج وهلك عدد كبير من المهاجرين بسبب جهلهم بطرق الصيد والزراعة، قبل أن يشرف الهنود الحُمر على تعليمهم طريقة صيد الطيور والحيوانات والأسماك وزراعة الذرة.
وقرر المهاجرون الاحتفال بنعم الله عليهم، حيث دعوا الهنود الحُمر للاحتفال معهم بما أسموه «عيد الشُكر» لشكر الله على نعمه وبركاته التي انعم فيها عليهم، وتناولوا خلال الحفل الديك الرومي وعيد الشكر في كندا يختلف موعده عن أمريكا ويقترن بموسم الحصاد ونهاية الحرب العالمية الأولى ليدمج الاحتفالين بعطلة واحدة في ثالث يوم اثنين من شهر تشرين الأول ليتم فصلهما لعطلتين بعد عام ١٩٣١ ليصادف عيد الشكر ثاني يوم اثنين من شهر تشرين الأول.
ويبقى الفسيفس العراقي أجمل من باقي طيور الفسيفس حول العالم لتميز ريشه بالألوان الزاهية والتي عادة تكون بيضاء او بيضاء داكنة في بقية هذه الفصيلة من الطيور الداجنة والبرية كما يسمونها في كندا وكل عام والجميع بخير.
علي غالب البصام
2611 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع