عبد السلام عارف مفجر الثورة ولسانها المحرض لقتل العائلة المالكة
مغامراته السياسية ونهايته المأساوية
اخطر مغامرة ارتكبها العقيد الركن عبد السلام عارف آمر الفوج الثالث في اللواء العشرين حين تحرك من جلولاء متوجها الى الاردن كما قيل والتي انتهت في ذلك العام 1958 .ولكن الحقيقة للاطاحة بالنظام الوطني والقومي في سورية.
ولد عبد السلام في 21 اذار /مارس عام 1921 في محلة سوق حمادة في منطقة الكرخ ببغداد وهو حي شعبي من احياء بغداد الفقيرة او المتوسطة الحال وكان والده محمد عارف الجميلي " من عشيرة الجميلات" يشتغل بزازا بالمفرد اي بائع اقمشة ، وقد انتقل من مدينة الرمادي الى بغداد.
دخل عبد السلام عارف المدارس الابتدائية والثانوية في منطقة الكرخ ببغداد وتخرج في ثانوية الكرخ الرسمية عام 1938 وبنفس السنة دخل الكلية العسكرية وتخرج فيها عام 1941 برتبة ملازم ثان وعمره لا يتعدى العشرين عاما.
واشترك في حركة مايس 1941 فكان آمرا لرعيل المدرعات في القوة الالية ومهمته محاصرة القصور الملكية
دخل عبد السلام عارف المدارس الابتدائية والثانوية في منطقة الكرخ ببغداد وتخرج في ثانوية الكرخ الرسمية عام 1938 وبنفس السنة دخل الكلية العسكرية وتخرج فيها عام 1941 برتبة ملازم ثان وعمره لا يتعدى العشرين عاما.
وفي السنة نفسها ارسل عبد السلام عارف في دورة للالتحاق بالقطعات العسكرية البريطانية في دسلدورف بالمانيا الغربية للتدريب ، وبقي فيها حتى عام 1956 وعاد الى بغداد وبلغ للاستعداد للسفر مع اللواء التاسع عشر الذي يقوده قاسم الى الاردن.
وفي تشرين الثاني 1956 تحرك اللواء التاسع عشر الى المفرق على الحدود العراقية الاردنية ليكون على اتم الاستعداد لمعاونة الاردن ضد اسرائيل بينما كان الغرض الحقيقي من تحركه هو تهديد سوريا واسقاط نظامها التحرري وضمها الى العراق الملكي منتهزا فرصة الاعتداء الثلاثي على مصر ،
كان عبد الكريم قاسم قد ادخل عبد السلام عارف في حركة الضباط الاحرار سنة 1957 عندما كان الاخير آمر فوج في لوائه بالاردن ، ففرضه ايضا عضوا بالخلية الجديدة التي تم الاتفاق على تشكيل لجنة مركزية عليا تتولى الاشراف على قيادة حركة الضباط الاحرار واختير الزعيم عبد الكريم قاسم رئيسا لها.
لقد وضع خطة الاستيلاء على اللواء العشرين الزعيم عبد الكريم قاسم بالتعاون مع العقيد عبد السلام عارف آمر الفوج الثالث في اللواء العشرين والمقدم عبد اللطيف الدراجي آمر الفوج الاول . وتضمنت الخطة اقناع آمر اللواء الزعيم الركن احمد حقي محمد علي الذي لم يكن من الضباط الاحرار. بان يستصحب المقر المتقدم وجماعة استطلاع وماوى اللواء ويسبق الرتل الى مدينة الفلوجة الواقعة على نهر الفرات غربي بغداد بمسافة ستين ميلا لاختيار معسكر مؤقت يقضي فيه اللواء ليلته ثم يتابع مسيرته في اليوم التالي باتجاه الاردن .
وعندما تسلم عارف قيادة اللواء سار في مقدمة الرتل وبدأ في اعطاء وقفات قصيرة متعددة لتقليل سرعة المسير وترك فجوة بعيدة بينه وبين آمر اللواء وجماعة الاستطلاع التي تحركت باتجاه بغداد وكان يتابع مراحل تقدمها بواسطة جهاز اللاسلكي. ولما تاكد عبد السلام عارف من اجتياز آمر اللواء مدينة بغداد في طريقه الى الفلوجة قرر اعطاء وقفة طويلة في نقطة ( كاسلزبوست) الواقعة على بعد خمسة عشر كيلومترا من بغداد. وعندها قرر هو والضباط الاحرار في اللواء الاستيلاء عليه ، في ذات الوقت كان الزعيم عبد الكريم قاسم قد وضع اللواء التاسع عشر في حالة الانذار وتهيأ للزحف على بغداد حالما يستلم اشارة من عبد السلام عارف بدخوله الى بغداد
تحرك اللواء العشرون من جلولاء بشكل طبيعي وقد ودعه اللواء الركن غازي الدغستاني قائد الفرقة الثالثة وكبار الضباط منهم عبد الكريم قاسم نفسه والزعيم الركن احمد صالح العبدي الذي لم يخبر بالحركة لحد ذلك الوقت ، واجتاز ذلك اللواء بعقوبة في طريقه الى بغداد..
وتوقف اللواء منتصف الطريق عند منطقة خان بني سعد بدأ عبد السلام عارف آمر الفوج الثالث من اللواء يسيطر على اللواء ويوزع العتاد كما قام باعتقال العقيد الركن ياسين محمد رؤوف آمر الفوج الثاني لرفضه الانضمام للثورة وحل محله عادل جلال. وبعد انجاز هذه الاجراءات تحرك اللواء نحو اهدافه بعد التقائه الادلاء .
ودخل بغداد فجر يوم 14 تموز 1958 حبث توزعت القطعات على الاهداف المرسومة اذ وصلت قوة عسكرية الى مبنى اذاعة بغداد بقيادة عبد السلام عارف وسيطرت عليه حيث اتخذ عارف مقر جمعية الشبان المسلمين المجاور للاذاعة مقرا له ثم انتقل الى دار الاذاعة ، وهكذا نفذ الفوج الثالث من اللواء العشرين بقيادة عبد السلام عارف واجبه كله وكذلك نفذ الفوجان الاول والثاني واجبهما دون صعوبات تذكر لعدم وجود مقاومة تحول دون ذلك.
وفي الساعة السادسة صباحا بدأ عبد السلام عارف باذاعة البيان الاول للثورة.أي أن عبد السلام عارف قاد من خلال مغامراته إنقلابين الاول على اللواء العشرين والثاني على النظام الملكي
واستمر عبد السلام عارف باذاعة بقية البيانات المعدة مسبقا بصوته ، كما اخذ يعمل على اثارة حماسة الجماهير لمساندة الثورة.
فهذا عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم نفذا الثورة وكان لسانها السليط طيلة يومها الاول ، إذ كان يحرّض الجماهير باعلى صوته النكير على قتل وحرق وسحل( ولم يكن ليفعل هذا لولا سابق تصميم وإتفاق وبعد فلماذا يتبرأون الآن مما كانوا به يفتخرون ويتباهون به الامم والشعوب ؟ ويلقون به الله فخورين بما قدموا من عمل وما كسسبوا من أجر. هؤلاء الخونة)وكان مع عبد السلام وهو في دار الاذاعة صديقين فارسلهم في الساعة الخامسة والنصف فجرا الى قصر الرحاب لتهييج الناس، ووصلوا الى القصر ولم يكن جيش الثورة قد وصل اليه بعد. ولكن ما أن وصل الجيش حتى إنسحب صديقا عبد السلام غير انهم ما كادوا يغادرون قصر الرحاب حتى كانت جثث العائلة المالكة تتساقط على الارض بسلاح النقيب عبد الستار سبع العبوسي الذي لم يكن من ضباط الثورة لا من قريب ولا من بعيد وإنما كان ضابط خفر في معسكر الوشاش القريب من قصر الامير عبد الاله. وما ان رأى العبوسي حركة الجيش فهزته الحمية واخرج من مستودع العتاد مدفع بازوكا وذهب به الى القصر واطلق منه ثلاث قذائف وخرج الملك وولي العهد والعائلة المالكة اخذ عبد الستار يمشي امامهم ثم استدار فجأة الى الخلف وفتح عليهم ورماهم بمخزن كامل 30 طلقة ثم استبدل المخزن ورماهم بمخزن آخر بالكامل ايضاً.
ولما احس العبوسي بشناعة ما فعله هرع الى الاذاعة رأساً لينقل الخبر خائفا فزعاً الى الرجل (المؤمن الصالح)..أه وقال " عبد السلام ولكن عبد السلام طمأنه وهنأه وقال عن المغدورين " خرفان وانذبحوا". بل أن قائدي الثورة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف كرموا العبوسي على جريمته هذه فتم تعيينه معاونا لمدير السجن المركزي بباب المعظم.
اذ يقول يونس بحري الذي اعتقل صبيحة يوم 14 تموز ونقال الى سجن ابو غريب ثم الى السجن المركزي بباب المعظم فكان العبوسي قاتل العائلة المالكة في يديه كل الصلاحيات فيما مدير السجن انور عبد القادر الحديثي لا يحل ولا يربط فالعبوسي هو الكل بالكل في السجن فهو يستطيع اطلاق سراح من يشاء واعتقال اي شخص يشاء .
ويضيف يونس بحري في مذكراته قائلا: روي لي المرحوم سعيد قزاز وزير داخلية العراق ونحن في سجن الاحداث ببابالمعظم ، كيف علم بنبأ الانقلاب العسكري فقال: كنتُ في داري اضع تقريراً عن الحالة في العاصمة بغداد .
وأنا لن أنم في ليلة 13/14 تموز 1958 ففي الساعة الرابعة والنصف صباحاً زارني السيد بهجت العطية مدير الامن العام ومعه مساعده المرحوم نائل فاكد لي السيد العطية بأن اللواء العشرين الذي سيمر ببغداد في طريقه الى الاردن سيقوم بإنقلاب عسكري . وكان قد اتصل به المفوض خضر العبيدي آمر مخفر جسر الخر القريب من قصر الرحاب وابلغه بأن العقيد عبد السلام عارف مرّ بالمخفر وتوقف عنده حيث اتصل تلفونيا بمعسكر الوشاش وطلب مخاطبة الرئيس الركن عبد الستار سبع العبوسي ، ثم التفت اليه وقال "اعط العقيد ياسين محمد رؤوف الموجود في سيارتي جرعة ماء.
وقال العبيدي للقزاز ولما جئت الى العقيد ياسين رأيته موثوقاً بالحبال وهو يئن من شدة الالم فلقد كان يتحمل الضرب بالعصي منذ مغادرته بعقوبة الى بغداد. وبعد أن شرب العقيد ياسين الماء قال لي ما معناه انهم سيحتلون بغداد ويعلنون الجمهورية ويقتلون نوري السعيد والعائلة المالكة ،إخبر مدير الشرطة ومدير الامن العام.
وخرج العقيد عبد السلام من المخفر وكنت أقف عند المدخل بعيداً عن سيادته فقال لي: أنت ورجالك تحت الانذار فلا تدع أحد يغادر بغداد الا بأمر مني :انني ساكون بدار الاذاعة فاتصل بي تلفونيا عند اللزوم.
ولعل الضباط الاحرار قد احسوا ببشاعة وشناعة وفظاعة ما بدأوا به عهدهم المجيد وصار سمة الحكم في العراق منذ ذلك الحين ولعلهم احسوا بذلك فاستيقظت ضمائرلاهم فبدأوا يحاولون البراءة مما فعلت أيديهم والادعاء بأنه كان من عمل الجماهير ، وهكذا يضيفون الكذب الى سوء الصنيع.
إن الحقيقة التي لاشك فيها أن قتل الملك والامير عبد الاله ونوري السعيد كان أمراً مقرراً ومتفقاً عليه لأن إفلات أي واحد من هؤلاء معناه تعريض الثورة للخطر وهو الدرس الذي تعلموه من تجربة 1941 ولذا صار القضاء على هؤلاء الثلاثة الهدف الاول لثورة 1958 كما قال ذلك العبوسي في رسالى له الى المؤرخ العسكري خليل ابراهيم حسين "انني تصورت انهم سيعودون كما عادوا في حرة مايس1941 واعدموا الضباط الاربعة".
ولماذا نشتط في البحث والاستدلال وأمامنا حقائق ثابتة وبراهين قاطعة لايأتيها الشك ولا تقبل الجدال . فقد حسم مخططوا الثورة ،إن كان لها خطط ومخططون الامر صراحة وعلنا . فقد قرروا في احدى الخطط ان تتم عملية إغتيال الملك والامير عبد الاله عند حضورهما الحفلة السنوية التي تقيمها كلية الاركان العسكرية لتكريم خريجيها ثم إرتؤي العدول عن هذه الخطة لما تسببه من وقوع ضحايا كثيرة بريئة من بين المدعوين ومن الضباط انفسهم.
وأكثر من هذا فقد وصل خبر إعتزام القتل الى الساسة فيقال أن السياسي العراقي ( كامل الجادرجي) سئل عن رأيه في قتل الملك وعبد الاله ونوري السعيد فأجاب " كم خروف يذبح في بغداد كل يوم" فقيل له ثلاثة آلاف. فقال "ماذا سيحدث لو صاروا ثلاثة آلاف وثلاثة". واذا ارتاب القاريء في صحة هذه القصة فما رأيه بأن راويها هو( رفعت الجادرجي) ابن كامل في كتابه عن ابيه ،إذ قال أن اباه كان يأخذ على حسين جميل عدم موافقته على قتل العائلة المالكة حين جرى بحث هذا الموضوع أمامه فوافق الجميع بإستثناء حسين جميل.
وكذلك ما يرويه رفعت أيضاً عن ضيق أبيه يوم الثورة بسبب عدم القاء القبض على نوري السعيد وإنتقاده لحكومة الثورة لقلة مبلغ المكافأة المخصصة لمن يقتل نوري.
وانه لامر مؤسف أن تصدر مثل هذه الاقوال والافعال من رجل عُرف بأنه رجل الديمقراطية في العراق ، فلا عجب ولا عتب على أيتام النازية ومنهم صديق شنشل وزير الارشاد في حكومة الثورة الذي أنساه الشيطان كل سنن الاخلاق والاديان والقوانين فإستباحت ذمته قتل رجل لم تثبت إدانته بعد فاعلن بأنكر الاصوات رصد مكافأة من مال الشعب بطبيعة الحال لمن يدلي على نوري السعيد أو يأتي به حياً أو ميتاً.
فهل كان لصديق شنشل أن يقدم على مثل هذا العمل والوعد بهذا المال لو لم يكن موعزاً اليه من رجال الثورة؟.
كما اخذ عبد السلام عارف يزور المحافظات ويلقي خطبا كرسول للثورة، وقد جرت على عبد السلام عارف خطبه المرتجلة كثيرا من المشاكل.
كانت تثيرها في وجهه عناصر محسوبة على الحزب الشيوعي فتقاطع خطبه بهتافات معادية له ، خاصة ان عبارات مضحكة وغريبة كانت ترد في خطبه كان يصف الثورة بانها ، الهية سماوية خاكية او يذكر اسم جمال عبد الناصر فيثير حفيظة عبد الكريم قاسم
بدأ الخلاف ياخذ طريقه بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف واخذ هذا الخلاف يؤثر في الشارع وتتناقله الالسن واخذ القوميون بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي يؤيدون عبد السلام عارف ويرفعون شعار الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة في حين التف الشيوعيون حول عبد الكريم قاسم ورفعوا شعار الاتحاد الفيدرالي والصداقة السوفييتية. ..
شعر عبد السلام ان نجمه بدأ في الافول فاخذ ينشط في استقطاب الضباط القوميين حوله ولكن بعد فوات الاوان لان عبد الكريم نجح في جمع الانصار الذين وجدوا الثغرة المناسبة للنفوذ منها لعلهم يجدون المناصب او في الاقل الاماكن بين الضباط الثوار والتف حول عبد الكريم عدد كبير من امثال هؤلاء الضباط في وقت لم يجد فيه عبد السلام نصيرا له حتى من بين اخوانه الضباط القوميين.
وعقب قيام حركة 8 شباط/فبراير 1963 اصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة البيان رقم 15 الذي تم بموجبه تاليف المجلس الوطني لقيادة الثورة وخوله ممارسة السلطة العليا في الجمهورية العراقية بما فيها السلطة التشريعية وصلاحيات القائد العام للقوات المسلحة وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.
واصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة البيان رقم 17 في 8شباط/فبراير 1963 الذي تم بموجبه اختيار العقيد عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية جاء فيه( استنادا لما جاء في بياننا رقم 15 انتخب المجلس الوطني لقيادة الثورة من بين صفوفه السيد عبد السلام محمد عارف رئيسا للجمهورية حتى انتهاء فترة الانتقال .
كما اصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة قرارا برقم 2 تم بموجبه منح العقيد الركن عبد السلام محمد عارف رتبة مشير ركن. جاء فيه( بناءا على ما ابداه العقيد الركن عبد السلام عارف من خدمة جليلة للبلاد والامة العربية في ثورة الرابع عشر من تموز 1958 . ونظرا لما قام به من عمل باهر في ثورة الرابع عشر من رمضان 1382 الموافق للثامن من شباط 1963 فقد قرر المجلس الوطني لقيادة الثورة ما يلي:
اولا- الغاء المرسوم الجمهوري المرقم 274 والمؤرخ 11/9/1958 الخاص باعفاء العقيد الركن عبد السلام محمد عارف من منصب معاون القائد العام للقوات المسلحة في حينه.
ثانيا- منحه رتبة مشير ركن اعتبارا من 8/2/1963 .
ثالثا- اعتبار الفترة الواقعة بين 11/9/1958 و 8/2/1963 خدمة له لغرض احكام قانون خدمة الضباط وقانون التقاعد العسكري
. سياسة عبد السلام الداخلية
في سياسته الداخلية لم يكن عبد السلام عارف واضحا او مفهوما فهو ينادي بالاشتراكية ، وقد تم في عهده تاميم البنوك وشركات التامين وكبريات الشركات الصناعية والتجارية في العراق، ولكنه – في مجالسه الخاصة- كان يلعن الاشتراكية ويحاول التنصل منها.
يقول نقيب الصحفيين العراقيين فيصل حسون( لم يكن عبد السلام بطبيعة تكوينه مستعدا ليأتي بوزراء يقولون له "لا" وهكذا ضعف الحكم وما كان بوسعه ان يحظى بالعطف لا من الداخل ولا من الخارج.اذ كانت شخصية عارف لاتستهوي ذوي السابقة في العمل السياسي ممن لو اتيح لهم التعاون معه بالاسلوب السليم ربما استطاعوا ان يخرجوه من الحلقة المفرغة التي كان يدور فيها ).
ادرك عبد السلام عارف وهو المعروف في اوساط الجيش وهو الذي جمع انصاره من رجال الجيش ليطيح بسلطة حزب البعث صبيحة يوم 18 تشرين الثاني /نوفمبر 1963 ويزيحه عن الحكم ويصبح رئيسا للجمهورية فعلا وليس مجرد رمز ادرك ان الجيش هو مصدر الخطر على كل حاكم ، فعمل على استقطاب قادته اذن، وجعل من الجيش ركيزته في الحكم وسنده الذي عليه يعتمد. فلم يكن عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس قيادة الثورة فحسب بل ورئيسا لاركان الجيش ايضا.
كان اغلب الذين استعان بهم عبد السلام عارف في حركته الانقلابية ضد سلطة البعث عام 1963 من المؤمنين بالقومية العربية وبوجوب تحقيق الوحدة مع مصر – عبد الناصر – ومن المحبذين للتيار الذي اطلقه جمال عبد الناصر.
وسار عبد السلام عارف في الطريق الوحدوي ، الطريق الذي بشر به منذ الايام الاولى للثورة . الا ان النظرة الى الوحدة بعد ان اصبح عبد السلام رئيسا للجمهورية اضحت غير النظرة التي كان يرى من خلالها عندما كان ضابطا برتبة عقيد ، وبدأ القريبون منه والبعيدون يتحسسون هذا التغيير.
لكن عبد السلام ظل يساير الاحداث فلم يعلن حتى النهاية عن رفضه الالتقاء مع القاهرة ، ولم يعمل في الوقت نفسه بجدية واخلاص لتحقيق هذا الالتقاء
واتخذت محاولات التقرب والدمج ، صورا واشكالا عديدة ،مرة مجلس رئاسة مشترك ، واخرى قيادة سياسية موحدة، وبين حين وحين لقاءات دورية منتظمة وغير منتظمة ، ثم اجراءات لتحقيق التماثل بين البلدين ، واصدار قوانين التاميم والتمهيد للاشتراكية واقامة اتحاد اشتراكي عربي.
وبدأ الانفصام بين عبد السلام وبين العناصر الوحدوية وتمت القطيعة اثر المحاولة الانقلابية الفاشلة الاولى التي قادها عميد الجو عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقائد القوة الجوية ضد الرئيس عبد السلام عارف في ايلول /سبتمبر. 1965 .
وهكذا انفرد عبد السلام بالسلطة ، ومع ان ظروف العراق كانت تسمح له بان يحكم طويلا ، اذ اصبح الرجل رزينا في تصرفاته ، مقبولا في سلوكه ، غير مندفع او متهور كما كان في بداية عهده بالحكم، الا ان المرض داهمه اذ كان يعاني من قرحة في المعدة لا تجعل الطعام يستقر فيها الا قليلا، فاصابه هزال ظاهر مخيف ثم اصابته اللوكيميا او سرطان الدم الذي اضطره الى اجراء عمليات نقل واستبدال دم عدة مرات.
شهادة عبد الهادي البكار:
عن العلاقات المتأزمة بين الرئيسين عبد الناصر وعبد السلام عارف يتحدث الاعلامي السوري عبد الهادي البكار القومي والناصري التوجه في مذ1كراته فيقول :
في الوقت الذي كان فيه عبد الحميد السراج وأعوانه كعبد الوهاب الخطيب وممدوح الاحدب وكثيرون من عناصرهما يرابطون في العراق سراً فوق اراض العراق يتحركون في الظلام بهدف تنفيذ عملية أو عمليات لم أكن على علم بها ، ربما تك منها عملية محاولة إسقاط نظام عبد السلام عارف بالانقلاب الفاشل الذي قام به وزير الدفاع ، قائد القوات الجوية العراقية ، رئيس الوزراء عارف عبد الرزاق ،إلا أن العملية الناجحة الخاصة بسقوط أو إسقاط نظام عبد السلام عارف لم تكن في شكل إنقلاب ، وإنما هي أخذت شكل( سقوط) طائرة مروحية كان يستقلها بسبب عاصفة هوائية. وفي حقيقة الأمر كانت العاصفة التي اسقطت طائرة عبد السلام عارف عاصفة سياسية. فقد كانت العلاقة بين عبد السلام عارف وجمال عبد الناصر قد وصلت يومئذ الى حالة من ( عدم الثقة المتبادلة) وعدم( الاستلطاف المتبادل) ما تزال اسرارها غير معلنة حتى يومنا هذا فقد كان جمال عبد الناصر في تلك الفترة لايثق بعبد السلام عارف ، وكان عبد السلام عارف يكره خلالها جمال عبد الناصر كرهاً شديداً لكن الظروف الموضوعية كانت تفرض على الرجلين يومئذ عدم البوح بما اصاب العلاقات المصرية – العراقية من إنهيار غير معلن جعل عبد الناصر يصرف النظر نهائياً عن محاولة إسقاط النظام السوري بعملية عسكرية تنطلق من الاراضي العراقية بعد أن تسربت اسرارها الى المخابرات الامريكية . فمن الذي سرب تلك الاسرار الى واشنطن؟ وهل كان من مصلحة عبد السلام عارف الشخصية ألا يعود جمال عبد الناصر الى الهيمنة على سوريا مرة أخرى؟ ( عبد الهادي البكار، اسرار سياسية عربية ،دار الخيال – القاهرة – الطبعة الاولى 2000 ص 63- 70) .
عبد السلام ورحلة الموت
عن مصرع الرئيس عبد السلام عارف يتحدث نقيب الصحفيين العراقيين فيصل حسون الذي رافق الرئيس عارف ضمن مجموعة من الصحجفيين العراقيين الى محافظة البصرة فيقول: لم يدر في خلدي وأنا اصعد الى طائرة الخطوط الجوية العراقية المتجهة من بغداد الى البصرة الساعة الثامنة من صباح يوم الاثنين الحادي عشر من نيسان/ابريل 1966 أنني سأشهد احدى المآسي التي يحفل بها تاريخ العراق.
لقد دُعيت مع نفر من الزملاء الصحفيين لنواكب جولة يقوم بها عبد السلام عارف رئيس الجمهورية وبعض الوزراء في ارجاء محافظة البصرة للاطلاع على المشروعات التي أنجزت ولافتتاح بعضها ولوضع الحجر الاساس لمشروعات جديدة. وكانت هذه الجولة مطلباً ملحاً لمحافظ البصرة الشاب محمد الحياني الذي دفعه طموحه الى أن يستميت في إقناع رئيس الجمهورية بزيارة المحافظة الكبيرة ، وهي زيارة حددت لها مواعيد سابقة ثم الغيت بسبب الارتباطات ومعاكسة الظروف.
وفي ذلك الصباح وقبل أن نتخذ مقاعدنا في جوف الطائرة ، رأيتُ الرائد عبد الله مجيد السكرتير العام لرئاسة الجمهورية والعميد الركن زاهد محمد صالح كبير مرافقي رئيس الجمهورية وابراهيم الولي نائب رئيسالتشريفات قد تعجلوا السفر معنا الى البصرة ليكونوا باستقبال عبد السلام عندما يصل اليها في اليوم التالي.
صحيح أنني لم أكن متفائلاً من الرحلة ، وصحيح أن الهواجس كانت تملأ رأسي ولكنني لم أتصور أبداً أن يحدجث ما حدث بعد يومين إثنين وعلى تلك الصورة الرهيبة. أنني عندما دُعيت للسفر الى البصرة خشيتُ أن أدعى الى مرافقة رئيس الجمهورية في الطائرة التي ستقله الى هناك.، ولذلك بادرتُ الى طرح إقتراح على موظفي القصر الجمهوري بأن من الافضل أن يسبق الصحفيون رئيس الجمهورية في الذهاب الى البصرة ليكونوا عندئذ أقدر على نقل الاستقبالات والاحتفالات التيتقام له هناك مما لو جاءوا على متن طائرته.
تجنب مرافقة عبد السلام
وكان الدافع الى تجنب مرافقة عبد السلام في طائرته أنني ومنذ اكثر من ستة شهور كنتُ مقتنعاً بأن حياة الرجل معرضة لمؤامرات ربما كان ركوبه الطائرة هو ساعة الصفر لتنفيذ إحداها ، ولا داعي للمغامرة فيهذا المجال وما دام بالامكان تفادي المخاطر – وقد جاءت قناعتي بأن عبد السلام لن ينجو من المحاولات التي تريد رأسيه بعد أن تزايد عدد خصومه وبعد أن إنفرد بالسلطة إثر المحاولة التي قام بها عارف عبد الرزاق في ايلول 1965 لاقصائه عن الحكم وهو في الرباط يحضر مؤتمر القمة العربي الثالث، وقد قامت احدى الطائرات العسكرية تبحث عن الطائرة العائدة من المغرب – مرورا بالقاهرة ، لتسقطها وتقضي عليه وهو فيها.
عبد السلام وخطر الاغتيال
ويواصل فيصل حسون حديثه فيقول: وفي عصر احد الايام من شهر آذار 1966 كنتُ اقف على احد ارصفة ساحة الوثبة – المشهورة سابقا بساحة القاضي – بشارع الرشيد في قلب بغداد عندما لمحت سيارة تقف في وسط الساحة قبل أن تعبر الجسر متجهة نحو جانب الكرخ ، وقد وقفت السيارة الاخرى منتيجة إشارة من شرطي المرور الذي كان يحاول تنظيم المرور في تلك الساحة المزدحمة دائماً، وشد إنتباهي أن أرى عبد السلام وهو يقود السيارة بنفسه وقد جلس بجانبه سكلاتيره عبد الله مجيد.
وكان ميسوراً جداً أن يتم إقتناص الرجل الذي خرج في رابعة النهار دون حرس ولا حماية . وقد راودني هذا الخاطر وتصورت ما كان يمكن أن يحدث لو أن رصاصة من عابر سبيل إنطلقت لتصيب هذا الهدف الذي تتمنى جهات لا تحصى أن تنال منه مقتلاً. ولم استطع أن اخفي تحليلاتي وهواجسي عن عبد السلام عندما قابلته بعد ذلك بيومين – وقبل ان أتوجه الى القاهرة لحضور العيد المئوي للصحافة العربية بمصر – فقلتُ له : كيف تعرّض نفسك للخطر على هذا النحو ؟ فقال بلهجته الاستفزازية المتحدية المعروفة: أتتصور أنني أخاف؟ إن الاعمار بيد الله " وقل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا". قلتُ له ليست المسألة أن تخاف إنما هناك في إعتقادي مصلحة البلد التي يجب أن نضعها فووق كل إعتبار ، فهل ان الاعتداء عليك في مثل هذه الظروف سيكون في صالح البلد؟ أنني أقول لا. ليس حرصاً عليك شخصياً إنما حرصا على مصلحة البلد. ولذلك تجدني اطالبك بالاحتراز / مع إيماني العميق بأن الاعمار بيد الله ولن يبصيبنا الا ما كتبه الله لنا. وهنا أطرق برأسه مفكراً بضع ثوانٍ قبل أن يقول لي مؤمنا على وجهة نظري : إن الحق معك.
أقـلام مسدسات صامتة
وفي البصرة وفي مساء يوم 11نيسان 1966 ( ليلة وصول عبد السلام اليها) كنا مدعوين لتناول طعام العشاء في منزل عبد العزيز بركات . وكان يجلس في احد الاركان في صالون الاستقبال العقيد الركن شفيق الدراجي مدير الاستخبارات العسكرية منهمكاً في حديث مع العميد الركن زاهد محمد صالح وهما يبحثان إجراءات الأمن المتخذة في البصرة خلال زيارة رئيس الجمهورية وجولاته في أنحاء المحافظة. كان يجلس بجانبي الرائد عبد الله مجيد وكنا نتحدث عن الحفل الختامي لدورة كأس العرب لكرة القدم الذي أقيم على ملعب ساحة الكشافة ببغداد قبل خمسة ايام وحضره رئيسالجمهورية ثم نزل بنفسه الى الساحة ليوزع الكؤوس والجوائز على الفريقين العراقي والسوري في المباراة الاخيرة.
وقد إندفع الجمهور الى الساحة واضطرب النظام وإختلط الحابل بالنابل وإنهارت كل إجراءات الأمن ووسائل السيطرة لحفظه. وكان من السهل إغتيال عبد السلام الذي شعر بحراجة موقفه فتجسدت مخاوفه في نظرته المتوجسة التي نقلها التلفزيون لمشاهديه. وسألاتُ عبد الله مجيد : لماذا يحدث هذا؟ ولماذا تتعرض حياة رئيسالجمهورية للخطر على هذا النحو؟ فقال لي ويا للغرابة ما قال :إننا لم نستطع تفادي ما وقع مع تقديرنا لخطورة الموقف خصوصاً وأن معلوماتنا تؤكد إن البعثيين قد حصلوا على مسدسات كاتمة للصوت وبحجم قلم الحبر.
هكذا كنتُ المح النهاية ، ولكن خيالي لم يغادر منطقة التشؤم.أما موعد النهاية والاسلوب الذي تمت به فلم يخطر على بال، بل ماكان لانسان أن يتكهن بهما، حتى ولو كان من ابرع الفلكيين.
منهاج مثقل وحفلة مثيرة
وأطل صباح الثاني عشر من نيسان وهبط بمطار البصرة رئيس الجمهورية ومرافقوه من الطائرة.
وفي المساء كانت هناك حفلة عشاء أقامها وجوه مدينة الزبير دعي اليها كبار الشخصيات الرسمية والشعبية ورؤساء البعثات القنصلية العربية والاجنبية. وعندما اقبل موكب رئيس الجمهورية كان هناك عدد كبير من الشباب يستقبلونه بالهتافات والتصفيق.
وإتخذ عبد السلام مقعده والى جواره محمد الحياني محافظ البصرة وكبار الموظفين وبينما كنا مستغرقين بالحديث انا وعبد المجيد سعيد مدير الموانيء العام تعالت الهتافات من الشباب المتحلق على ابواب المكان ، وكانت كلها للوحدة العربية .. وبدأ منهاج الحفل بكلمات وقصائد ترحيب تلقاها عبد السلام بسعادة بالغة. ثم حدثت مفاجأة على غير إنتظار ، فقد إرتفع من احد زوايا المكان هتاف معروف يفول(وحدة والرئيس ناصر) وإتجهت الانظار الى عبد السلام تستقريء أثر هذا الهتاف في نفسه وكان إطلاقه دون ريب بمثابة اللغم الموقوت، وقد إستقبله عبد السلام بالامتعاض الشديد ولم يستطع أن يكبت عواطفه فامتقع وجهه وشحب وكأنه أصيب بطعنة خنجر.حتى انه عندما دعي لالقاء كلمة وسط هتافات البعض توجه الى منصة الخطابة واستهل حديثه بالرد على اصحاب هتاف الوحدة قاءلاص" إن الوحدة لاتقوم على الاشخاص لأن الاشخاص زائلون والوحدة لابد أن تتحقق. ثم إنتقل بالكلام الى الخليج العربي فتحدث عن المؤامرات التي تحيكها الدول الاستعمارية وخاصة بريطانيا لتطوق العراق من الجنوب وتسد عليه منفذه البحري الوحيد.
وبدأ يندد بالالاعيب البريطانية ويشتم الانكليز بعبارات نابية لا تليق برئيس الجمهورية . وكان بين رؤساء البعثات القنصلية الحاضرين قنصل بريطانيا في البصرة. ويبدو أن المتصرف محمد الحياني لاحظ ذلك فاراد أن ينبه عبد السلام ليخفف من لهجته ومن حدة العبارات التي استخدمها في شتم بريطانيا ، فإقترب من رئيسالجمهورية وهمس في اذنه قائلاً :أرجو أن تلاحظ أن القنصل البريطاني بين الحاضرين . كان يمكن أن يمر ذلك كله دون أن يشعر به أحد، ولكن عبد السلام بدلاً من أن يأخذ بنظر الاعتبار ملاحظة الحياني ،أو يهملها دون أن يلفت الى ذلك إنتباه أحد ، فقد صاح مستنكراً - ولم نكن بعد قد عرفنا ما الذي همس به اليه الحياني – قائلاصس وماذا يعني ..؟ هل أنا خائف منه.؟ وإرتسمت الحيرة على وجوه الحاضرين وساد الصمت الرهيب لحظات والجميع يسألون أنفسهم من هو الذي لا يخاف منه عبد السلام ؟ وماذا قال له الحياني لينفجر بالرد عليه هكذا. وقبل أن يذهب السامعون في تفسيراتهم مذاهب مذاهب شتى وفرّ عليهم عبد السلام مؤونة الحيرة والبحث والتفكير وواصل كلامه موضحاً تلك الالغاز قائلاً" يقول لي أن القنصل البريطاني حاضر، وماذا يعني هذا ؟ هل أنا أخاف من أحد؟".
وانا همست في لاذن عبد المجيد سعيد وأنا اقدر الحرج الذي سيسببه هذا التصرف قائلا "ماذا حدث لصاحبك؟ هل لم تبدله الاحداث؟" ورد عليّ الرجل بأسى "إن عبد السلام لا يمكن ان يتبدل". وتصورتُ أن القنصل البريطاني سيترك الحفل على الاقل تعبيراً عن إحتجاجه ، ولكن لم يفعل.( فيصل حسون، مصرع المشير الركن عبد السلام عارف، هل كان نتيجة مؤامرة ، أم من صنع القضاء والقدر؟دار الحكمة – لندن لصاحبها الاستاذ حازم السامرائي، الطبعة الاولى 1995، ص 31-39).
عبد السلام عارف .. أشبه بالحصان الجامح
مرّ حكم عبد السلام عارف منذ 8شباط/فبراير 1963 وحتى مصرعه بحادث سقوط طائرة الهليكوبتر في 13 نيسان/ابريل 1966 بعدة مراحل وكان في كل مرحلة من هذه المراحل يغير جلده فعارف لم يكن من النوع الذي يقبل المشاركة في السلطة فقد كان يعمل بدهاء وتصميم على التخلص من اركان التحالف الذي اوصله الى الحكم في كل الاوقات وكان مصمما في قرارة نفسه على انهاء خصومه وكافة الكتل القومية الموجودة فبعد سقوط النظام الملكي ينكر بسرعة لاقرب المقربين الية وبعد سقوط حكم الفريق قاسم واصبحت لحزب البعث سلطة واسعة النطاق وتركزت خيوط الحكم الرئيسة كلها تقريبا في يده وتم تعيين عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية وكان المنصب له صفة تشريفية لا اكثر واصبحت قيادة الحرس القومي تتصرف كما لوكانت هي السلطة العليا واضحت متهورة ومهووسة بالسلطة الى درجة ان رجالها كثيرا ما اوقفوا ضباط الجيش وفتشوهم بل اساءوا معاملتهم .فالحقت بالحزب اكبر الاذى وشوهت صورته في اذهان الناس مما ادى بالتالي الى اثارة الخلافات داخل قيادات الحزب نفسه وحدث نتيجة ذلك انشقاق كبير معلن واصبح الحزب في حالة من العزلة الجماهيرية في الداخل وخاصة الاكراد والشيوعيين والقوميين والناصريين اضافة الى العزلة العربية وخاصة من قبل الجمهورية العربية المتحدة والدولية وبالذات من قبل الاتحاد السوفييتي فلم يجد النظام له سندا يعتمد عليه .
كل هذه الامور جعلت الرياح تهب في صالح الرئيس عبد السلام عارف ففي 18 تشرين/نوفمبر 1963 وهنا ما لبث ان استغل عارف الخلافات والانحرافات في الحزب لصالحه فتنكر لهم وقام بانقلاب ضدهم متحالفا مع بعض الضباط البعثيين والناصريين وبالتنسيق مع شقيقه عبد الرحمن عارف قائد الفرقة الخامسة والعميد عبد الكريم فرحان قائد الفرقة الاولى والعميد سعيد صليبي آمر الانضباط العسكري واللواء طاهر يحيى رئيس الاركان وعميد الجو حردان عبد الغفار قائد القوة الجوية لاسقاط نظام البعث من خلال ائتلاف عسكري وبعثي وناصري وكان من بين العناصر الناصرية العميد الركن محمد مجيد مدير التخطيط العسكري والعميد الركن عبد الكريم فرحان والعقيد الركن الطيار عارف عبد الرزاق والعقيد الركن هادي خماس رئيس الاستخبارات العسكرية والمقدم الركن صبحي عبد الحميد . اما البعثيين فمنهم المقدم عبد الستار عبد اللطيف وزير المواصلات وعميد الجو حردان التكريتي واللواء احمد حسن البكر.
ولكن ما ان استقرت الامور لصالح الرئيس عارف حتى اخذ يتخلص من البعثيين اولا ففي 4 كانون الثاني /يناير 1964 الغى منصب نائب رئيس الجمهورية الذي كان يشغله احمد حسن البكر وعينه سفيرا بوزارة الخارجية وفي اليوم نفسه اصدر عارف مرسوما باقالة السيد عبد الستار عبد اللطيف من وزارة المواصلات وحل محله السيد حسن الدجيلي وتم تعيين عبد اللطيف سفيرا في وزارة الخارجية 0 2 اذار /مارس 1964 صدر مرسوم باعفاء حردان من منصبه كنائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير للدفاع حيث شغله رئيس الوزراء الفريق طاهر يحيى وتم تعيينه سفيرا في وزارة الخارجية .وفي 9/3/1964 تم تعيين حردان سفيرا في السويد
ولم يكتف عبد السلام عارف في التخلص من البعثيين الذين ساندوه في حركته بل اخذ يبتعد شيئا فشيئا عن الوحدة واخذ يميل نحو تقارب اكثر واقعية وعلى مراحل مما جعل العناصر الناصرية تبتعد عنه فيما بعد وبلغ ذروة الابتعاد هذا في نيسان 1965 حينما رفض الرئيس عارف مطالب الوزراء الناصريين بالسيطرة على التجارة الخارجية وقدموا استقالاتهم
3167 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع