من ملفات الاجرام العائلي المتسلسل ملف جرائم "أبو طبر" بعد مرور نصف قرن عليها تنفرد بنشرها "الگاردينيا"
جرائم "أبو طبر" سلسلة من جرائم القتل المقترن بالسرقة، والتي هزت بغداد والعراق في صيف عام 1973 ما زالت الناس التي عاشت تلك الايام تتذكرها لانها هزت المجتمع وارعبت العوائل.
وفي علم الاجرام تعتبر هذه الجرائم من نوع الاجرام السلسلي او المتسلسل (Series) وكذلك من نوع الاجرام العائلي Family Crimes (الذي تشارك عائلة المجرم معه في ارتكاب جرائمه وتسهيل ارتكابها)، وسوف أتطرق لهذا الموضوع بشئ من التفصيل في نهاية هذا المقال.
جريمة رأي عام هزت الرأي العام:
إذا كان للجريمة في العراق تاريخ يذكر، فإن (أبو طبر) يتربع على عرشها، باعتباره المجرم الأخطر في تاريخ العراق الحديث. شغل الناس وأرعبهم، وخلق حالة رهيبة من (الرعب الجماعي) بين الناس، نُسجَت حوله قصص وروايات وبرغم دفنه بعد إعدامه، إلا ان الروايات والقصص والتأويلات ما زالت تترى تلاحقه، بل لم يسلم أبو طبر من (الأدلجة) و(التسييس) و(التلفيق السياسي) خارج إطار التفسيرات الجرمية!!
لم تعد ليالي بغداد فِي صيف عام 1973 هادئة كما عهدها سكان العاصمة من قبل، فقد لزمت العوائل دورها، ولم يعد الناس ينامون على السطوح في ليالي الصيف كما هي عادتهم المتوارثة، وبدأت مظاهر الخوف والرعب الجمعي تجتاح شوارع بغداد مع حلول مساء كل يوم، نتيجة حالة الفزع التي أحدثها وقوع جرائم متتالية حدثت بأسلوب واحد وطريقة واحدة كانت ضحاياها عوائل بريئة يتم القضاء عليها بالكامل بأسلوب بشع وهو ضرب الضحايا على رؤوسهم بآلة حديدية ظن سكان بغداد أنها (طبر) وعلى هذا الأساس اطلقوا على هذا القاتل المجهول تسمية (أبو طبر).
كثيرة هي الإشاعات والروايات التي نسجها خيال الناس من سكان العاصمة (بغداد)، والعديد من محافظات العراق، صيف عام 1973 عن مجرم سفاح وحش شرس، أطلق الناس عليه تسمية (أبو طبر) لأنهم اعتقدوا أنه يفتك بضحاياه بـآلة (الطُبَر) الحديدية، ولا يتورع عن ارتكاب جرائمه ليلاً أو نهاراً، وكان ماهراً ومحترفا بحيث أنه لم يترك أثراً في مسارح الجرائم التي أرتكبها، وذهبت القصص والروايات والإشاعات إلى أكثر من ذلك بكثير، وبدأ الناس يغادرون دورهم ويتجمعون في دار احد الاقارب، وانخفضت اسعار الدور في الاحياء الراقية الى سعر خيالي في التدني والرخص، قياساً الى اسعارها الحقيقية او ما كانت عليه قبل وقوع الحوادث، وكانت النفوس الخائفة المرعوبة جاهزة لتقبل كل الاقاويل والاشاعات وتضيف عليها من عندياتها، والذين عاشوا تلك الفترة تختزن ذاكرتهم الكثير من تلك الروايات والإشاعات والتهويلات التي تصاعدت مع كل جريمة وحشية تحصل، فقد كان صوتا تحدثه قطة في حديقة منزل كافيا لانطلاق عشرات الإطلاقات النارية خشية من وجود (أبو طبر) في حديقة الدار، والطريف أنه حين كان أحد اللصوص يقع في قبضة الناس أو الشرطة، كان يصرخ (يا معودين آني حرامي .. مو ابو طبر!!) خوفا مما سيناله من ضرب لكي يقر بجرائمه لو كان أبو طبر، ولم تنقطع عملية نسج الاشاعات والحكايات إلا حين وقع (أبو طبر) في قبضة رجال الشرطة وتم عرضه من على شاشة التلفزيون وهو يعترف بجرائمه.
وسائل الاعلام العراقية نشرت اعترافات ابو طبر بعد القبض عليه وظهر في التلفزيون والصحف
لكن الوقائع التي سردت من خلال الاعترافات التلفزيونية لم تقنع كثير من المثقفين والبسطاء على السواء، فهناك ثغرات بقيت مجهولة حول دوافع هذا الشخص وهل كانت هناك جهات معينة تقف وراءه، ام انه كان يرتكب جرائمه من منطلقات فردية ذاتية اشباعاً لنزوة الجريمة والعنف في دواخله؟ تبين من خلال اعترافاته التلفزيونية التي كان يحاوره فيها أحد الضباط أنه كان يقترف جرائمه بإشراك عدد من أفراد أسرته في ارتكاب هذه الجرائم فأخذت جرائمه نمط (الإجرام العائلي) و(الاجرام المتسلسل) على غرار قصة جرائم (ريا وسكينة) الشهيرة!!.
قراءة في الملف الجنائي لابو طبر:
تقول اضبارته الجنائية انه من مواليد 1932 في قضاء المسيب بالحلة أكمل الدراسة الابتدائية عام 1946 والمتوسطة 1949 ودخل مدرسة المفوضين عام 1949 وتخرج منها عام 1951 برتبة مفوض ونسب إلى شرطة لواء الحلة، لكنه ما لبث أن فصل من الخدمة عام 1952 لأسباب مهنية ضبطية. وتمكن من إكمال الثانوية عام 1953 والتحق بكلية القوة الجوية (الطيران سابقاً) ولكنه ما لبث أيضاً ان فصل منها عام1956 وهو مازال في الصف الثالث منها لكونه تسبب عمداً في إصابة طائرة التدريب بخلل. سافر بعدها إلى الكويت عام 1957 للعمل الحر، وعاد إلى العراق عام 1959 واشتغل بوظيفة محاسب جباية في دائرة أوقاف كركوك. ولكنه ما لبث أن فصل منها لتسببه في إحداث أضرار بأموال الدولة وحكمت عليه محكمة كركوك بالسجن لمدة سنتين ونصف. ثم سافر إلى أوربا عام 1962 وتنقل ما بين بلجيكا والنمسا وألمانيا وسويسرا واليونان وإيطاليا والولايات المتحدة واستقر فترة طويلة في (ميونخ) بألمانيا الغربية حيث كان يعمل في تهريب السيارات والأسلحة من بلجيكا وألمانيا إلى اليونان وتركيا وسوريا لحساب مهربين وتجار ألمان ويونانيين. و كان يجيد إضافة إلى العربية اللغات الإنكليزية والألمانية والفارسية والكردية. يشير سجله الجنائي الى انه قد تم توقيفه عدة مرات خارج العراق بسبب التورط في حوادث شجار أو قضايا تهريب وحكم عليه في إحدى الدول الأوربية بالحبس لمدة عشرة أشهر عاد بعدها إلى العراق. كما تقول صحيفة أعماله الجنائية أنه مجرم خطر، يدخن بإفراط ويحتسي الخمور الإفرنجية والعرق، كان يهوى النساء ويقيم علاقات جنسية معهن وكان يفضل الطبيبات!! وكان لا يتردد عن قتل ضحيته إذا امتنعت عن تلبية رغباته. وقد قام عام 1970 بتزوير شهادة عدم محكومية لغرض إخفاء محكوميته الجنائية السابقة.
وسنأتي في هذه المقالة على الجرائم التي ارتكبها (أبو طبر) وما آلت إليه نتيجته، ومحاولات الاعلام اعادة قضايا ابو طبر للواجهة والتحليل بعد مرور حوالي نصف قرن عليها وما رافق ذلك من محاولات الاضافة والتحشية السياسية والايديولوجية على تلك القضايا!! وسوف نناقش كيف تم القبض على ابو طبر؟ وهل فعلا كان ابو طبر صنيعة مخابراتية؟ تابعوا الحلقات القادمة.
قبر حاتم الشهير بابي طبر الذي اعدم يوم 5/11/1974
مقالتي في مجلة الشرطة العراقية اواخر التسعينات عن فتح ملفات ابو طبر
ايو طبر
أبو طبر اسمه الحقيقي هو (حاتم) وزوجته تدعى (ساجدة) وهو ينحدر في الأصل من قضاء المسيب وكان يسكن في منطقة حي النفط قرب جامع أم الطبول، وتنقّل ما بين سلك الشرطة والقوة الجوية وتحوَّل لوظيفة مدنية بالأوقاف، وذلك بسبب سلوكه غير المنضبط ومن هنا بدأ مسيرته في عالم الجريمة، مستغلا خبراته وامكانياته الذاتية.
أبو طبر كان مجرماً ذكياً غير عادي، لكنه كان شخصاً مريض نفسيا في نفس الوقت لدرجة انه في الصباح كان يقول لجيرانه ورفاقه (متى ننجح في القبض على المجرم أبو طبر ونتخلص منه؟)، كما أنه كان يتلذذ برؤية الخوف في عيون الناس ومن المفارقات في قضية هذا المجرم أنه بعد القبض عليه ومن خلال التحقيقات معه فقد تبين أنه لم يستعمل (الطبر) إطلاقا في جرائمه بل كان يستعمل آلة حديدية تسمى (الهيم).
حاتم وعدد من اصقائه يمارس هواية رياضة الكمال الجسماني والزورخانة
شركاؤه في جرائمه:
كان أشقاء (حاتم) كل من حازم وغالب ووالدتهم وزوجة حاتم يشاركونه في جرائمه من خلال معاونته في نقل وتصريف المواد المسروقة، والتستر على أفعاله الجرمية، وبالتالي أعتبرت جرائمه من نوع (الإجرام العائلي Family Crimes) التي يقوم فيها المجرم بإشراك أفراد من عائلته في ارتكاب جرائمه، على غرار جرائم (ريا وسكينة) المصرية الشهيرة، كما أنها من نوع الاجرام المتسلسل (Series Crimes) او القاتل المتسلسل serial killer الذي يعتمد التكرار والتعدد والعود لارتكاب نفس الاساليب الجرمية.
الاثر الوحيد الذي كشفته الشرطة في جرائم ابو طبر
كان أبو طبر من نوع المجرمين المحتاطين، وكان يبذل جهده لأن تكون جرائمه من الجرائم الكاملة، أي التي لا يترك أثراً في مسرح الجريمة، فهو درس الجريمة والاجرام والتحقيق الجنائي واساليب المجرمين من خلال دراسته في اعدادية الشرطة، ومن خلال اختلاطه بعصابات التهريب في اوربا خلال سنوات هجرته الى اوربا للعمل في تهريب السيارات وتهريب الاسلحة.
الاثر الوحيد الذي تركه ابو طبر في مسارح جرائمه انطباع رجل بالجوارب ملطخة بالدم في حادث المرحوم بشير السلمان
قراءة في ملفات أبرز الجرائم التي ارتكبها ابو طبر:
1. جريمة قتل المجني عليها زوجة المرحوم (رشيد) في منطقة المنصور: حيث دخل (حاتم) إلى الدار وبصحبته ابن شقيقته (حسين علي حسون) وصادفته المجني عليها فقام بمسكها وشد وثائقها، وكمم فمها واستفسر منها عن مكان المصوغات والنقود، إلا أنها امتنعت فما كان منه إلا أن يعاجلها بضربة واحدة بـ (هيم) حديدي يحمله فلفظت أنفاسها. ثم قام بتفتيش الدار مع شريكه، إلا أنهما لم يعثرا على شيء سوى قطع زوالي قاما بوضعها في سيارة المجني عليها، ونقلاها إلى دارهما في حي النفط في (أم الطبول)، ومن ثم قاما بترك السيارة في منطقة العامرية وعاد بسيارة أجرة إلى داره.
2. جريمة قتل المرحوم عميد الشرطة المتقاعد بشير احمد السلمان وعائلته في مدينة الشرطة الأولى (قرب نفق الشرطة) : حيث دخل (حاتم) الدار مع ابن شقيقته (حسين) عن طريق تسلق الجدار إلى الدار المجاورة وبقي في حديقة الدار من الساعة الواحدة ظهراً حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل. ومن خلال دار الجيران تسلق (حاتم) الجدار عن طريق السخان ثم فتحة التبريد إلى سطح دار المجني عليه (بشير) وعائلته وكانوا نائمين على سطح الدار (كما هي عادة اهل بغداد في الصيف بسبب حرارة الجو) وبعد أن تأكد من أنهم جميعاً نائمين بدأ بقتلهم مبتدئاً بـ (بشير) حيث ضربه بقطعة حديدية على رأسه ثم ارتكب قتل زوجة بشير وهي معلمة في مدرسة ابتدائية، كما قتل ابنهما (احمد) 12 سنة طالب في الصف الرابع الابتدائي، كما قتل شخصاً رابعاً تبين أنه (إحسان جميل احمد) 21 سنة طالب جامعة وهو ابن شقيق زوجة بشير، وكان ضيفاً لديهم، ثم قام مع ابن شقيقته (حسين) بإنزال الجثث من السطح إلى داخل الدار ووضعوهم في بانيو الحمام، أما الإمرأة فقد وضعها على سرير المنام. ثم نقلا المسروقات بسيارة المجني عليه إلى دارهما ومن ثم قاما بترك السيارة خلف مستشفى اليرموك.
3. جريمة قتل عائلة المدعو (جان ارنيست) في منطقة كرادة مريم
بعد أن قام بالترصد والتأكد من قلة عدد أفراد الدار، وكان يصطحب عدته المعهودة التي استعملها في معظم جرائمه والمكونة من قضيب حديدي ومسدس وقفازات، وذهب للدار حوالي الواحدة ظهراً وبصحبته ابن شقيقته (حسين). وحين دخل حاتم الباب الخارجي وطرق الباب الداخلي فتحت له صاحبة الدار الباب وبادرها بسؤال سريع (من منكم مسافر خارج العراق؟) أجابته: (نحن مسافرون غداً)، وحين لاحظ أن الشكوك تبدو على الإمرأة تجاهه، عاجلها بضربة بالقضيب الحديدي على رأسها أسقطها صريعة أرضاً. ومن ثم جاءت ابنتها، فضربها على رأسها وسقطت صريعة على الأرض، ثم قام بفتح الباب لابن شقيقته (حسين) ثم انتقلا إلى غرف الدار فوجدا بنتاً اخرى نائمة في الفراش فضربها بنفس الآلة، ثم قام وابن شقيقته بسرقة بعض الأغراض من البيت، ونقلاها بسيارة المجني عليها إلى دارهما في ام الطبول، وبعد ان افرغ محتويات السيارة من المواد المسروقة، قام بسياقة السيارة الى منطقة مدينة الشرطة وهناك ترك السيارة وعاد الى داره بسيارة أجرة. وكان حاتم خلال عملية ضرب المجني عليهن بالقضيب الحديدي قد أخطأ وأصاب ابن شقيقته (حسين) إصابة جعلته ينزف دماً في الدار. وقد انتبه خبراء الأدلة الجنائية فيما بعد إلى وجود دماء في الدار لا يطابق صنفها مع دم المجني عليهن.
4. محاولة سرقة دار الدكتور احمد العندليب، حيث ترصد (حاتم) مع (حسين) دار الدكتور بعد أن عرف أنه غني ويمتلك نقوداً وذهباً وحين دخل الدار لم يجد أحداً وإنما قام بنقل الذهب والنقود والأثاث بسيارة إلى داره .
5. أما آخر جريمة قتل ارتكبها فهي قيامه بقتل حلاق في منطقة النعيرية والكيارة، وقام بسرقة مخشلات ذهبية ونقود وأثاث وسجاد وذلك بسيارة المجني عليه وتركها في منطقة الشعلة، وقد اشترك معه في ارتكاب الجريمة احد اقاربه.
شرطة بغداد تستنفر قوتها
على أثر وقوع الجريمة الثالثة (جريمة قتل بشير السلمان) وجَّهَ مدير شرطة محافظة بغداد برقية الى جميع أقسام بغداد، هذا هو نصها:
اللواء داوود الزهيري مدير شؤطة بغداد وقت وقوع الحوادث
اللواء داوود الزهيري في شبابه وفي شيخوخته اطال الله عمره
اللواء داوود الزهيري استاذا في كلية الشرطة للاستفادة من خبراته ومعلوماته
ليلة القبض على أبو طبر
استنفرت القوات الامنية من شرطة وامن بل حتى المرور والدفاع المدني وكذا المخابرات والحزب من اجل ملاحقة هذا المجرم والقبض عليه، واعادة مستوى الامن والطمانينة وازالة الرعب عن المواطنين.
لأول مرة في تاريخ العراق الدولة استعانت بخبراء اجانب:
ولاول مرة في تاريخ الدولة العراقية منذ 1921 تقوم باستدعاء خبراء جنائيين اجانب من فرنسا والاتحاد السوفييتي للاستعانة بهم في ضوء الوقائع والجرائم الواقعة وما افرزته من معلومات عن نوعية المجرم وشخصيته واوصافه من خلال ما تركه من آثار جرمية.
ولاول مرة تقوم الدولة بعمل منع تجوال في العاصمة بغداد واغلق مطار بغداد الدولي في وجه الرحلات الجوية يوم الجمعة الاول من رمضان 1973، واشترك الحزب مع الامن والشرطة في حملة تفتيشية شاملة في مختلف احياء مدينة بغداد وكانت ليلة باردة امضيناها في ملعب الادارة المحلية بالمنصور حيث ابتدا التجمع بعد الغروب وتم تقسيم الحضور حسب القواطع الجغرافية للعاصمة بلجان مشتركة من الحزب والامن والشرطة، وبعد منتصف الليل تم نقل الجميع بالسيارات كل الى القاطع المنسب له، وفي البداية تم نقلنا الى شعبة المامون وكان مسؤول التوزيع هو المرحوم عدنان القصاب، وكان نصيبي مع المجموعة التي تفتش مناطق ما بعد نفق الشرطة باتجاه الكنيسة ومنطقة حي الاصلاح الزراعي.
قصة القبض على أبو طبر؟
ابلاغ من مواطن كان السبب في القبض على ابي طبر
استخبرت سيطرة النجدة في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم 30/8/1974 هاتفياً من عائلة أميل رؤوف مخبرين بوجود لص داخل الدار المجاورة لهم الواقعة في شارع الصناعة والعائدة للدكتور (يوسف بولص بيدروس الجادرجي). وحضرت دورية النجدة وقبضت على المدعو (حاتم) الذي أدعى في البداية أنه ضابط طيار متقاعد!!!!، ثم تراجع وقال أنه (صاحب محل) في ناحية الاسكندرية، مما أثار شكوك دورية النجدة، وقد سلمته دورية النجدة إلى مكتب مكافحة الإجرام في الكرادة، وهناك اعترف أنه دخل الدار وهي خالية من ساكنيها عن طريق كسر الباب وخلع الشباك وقام بتجميع المواد الثمينة تمهيداً لنقلها، وعثر بحوزته على مسدس حجم 5 ملم مع شاجور و 6 أطلاقات ودرنفيس وشيش حديد (قضيب) مع حربة مع سلك طويل نهايته (جنكال) .
تفتيش منزل المتهم كان المفتاح:
وعند انتقال هيئة التحقيق إلى دار المتهم (حاتم) عثروا على كثير من المسروقات التي تطابق أوصاف المواد المسروقة من دور الضحايا . وكانت اللجنة تبحث عن (راديو مسجل) نادر النوعية، كان الجاني قد سرقه من دار المدعو (جان آرنست) وكذلك عن سروال من قماش نادر ثمين كان الجاني قد سرقه من دار (الدكتور العندليب) . وقد ضبط السروال لدى حاتم..
الأول من اليمين المرحوم بشير أحمد السلمان عندما كان مديرا لشرطة كركوك في احدى الاحتفالات
من هم الأشخاص الذين كان لهم دور في القبض على حاتم كاظم
أشار كتاب مديرية شرطة بغداد 7402 في 9/9/1974 ان الأشخاص الذين كان لهم دور في القبض على المجرم حاتم هم كل من :
1. المواطن فيصل عباس سلمان : حارس الدار العائدة للدكتور يوسف الجادرجي
2. المواطن أميل رؤوف جبوري : طبيب بيطري يسكن الدار المقابلة للدكتور يوسف وقام بتعقيب المتهم مع الحارس وأخبر شرطة النجدة .
3. المواطن سعد عبد الله حمزة / طالب يسكن المنطقة نفسها حيث دخل المتهم بعد القبض عليه .
4. دورية النجدة : كل من المفوض أحمد علوان محمد والمفوض لطيف أحمد.
5. هيئة التحقيق من مكافحة الإجرام التي حققت مع المجرم حاتم كاظم هضم وزمرته، هم كل من:
• مقدم الشرطة فيصل محجوب: مدير شرطة مكافحة الإجرام
• رائد الشرطة منذر سليم حمدي: معاون مدير مكافحة الاجرام
• نقيب الشرطة مناف عبد الكريم حسين الصالحي ضابط المكتب الجنائي
• ملازم الشرطة إدريس حسن البدراني معاون مكتب الكرادة لمكافحة الأجرام
• كما شارك معهم (18) منتسباً من شرطة بغداد (المحلية والمكافحة) كمفارز للقبض والتحري والتفتيش .
• وضباط آخرين في مكافحة الاجرام كان لهم دور في تجميع المعلومات والادلة التي تدين المتهمين المقبوض عليهم.
المرحوم المقدم فيصل محجوب
مدير شرطة مكافحة الاجرام
رائد الشرطة/ منذر سليم حمدي معاون مدير شرطة مكافحة الاجرام
النقيب عبد مناف عبدالكريم حسين الصالحي ضابط المكتب الجنائي
برنامج الشرطة في خدمة الشعب الذي كان يقدمه اسبوعيا المرحوم عبدالفتاح محمد والذي تقرر ايقافه مع حصول جرائم ابو طبر رغم انه كان من البرامج الجماهيرية لكن للدولة كان تفسير اخر فقررت ايقافه عام 1973 مع تصاعد حوادث ابو طبر وكان البرنامج يستضيف ضباط مكافحة الاجرام للحديث عن ابرز الجرائم المكتشفة
ابو طبر على التلفزيون بعد القبض عليه:
بعد القبض على ابو طبر في حي 52، كانت الناس تترقب اخبار القبض عليه ونتائج التحقيقات معه، وبعد القبض عليه يوم 30/8/1974 وخضع للتحقيق لدى مكافحة الاجرام ومن ثم لدى جهاز المخابرات وشكلت هيئة تحقيقية مشتركة من القضاء والشرطة والمخابرات، وبعد اكتمال التحقيق معه، تم اظهاره على شاشة التلفزيون وهو يُستَجْوب من قبل احد الضباط،
وفيما يلي جانب من اللقاء النادر الذي تم مع المجرم حاتم كاظم هضم (أبو طبر) والذي تم عرضه في التلفاز العراقي بعد إلقاء القبض عليه:
1- سأله المُقدِم ما أصعب جريمة ارتكبتها؟ أجاب ابو طبر: عندما قررت قتل عائلة أحد ضباط الشرطة بقيت منتظراً إياهم 12 ساعة في مكان واحد وبدون طعام.
2- ساله المذيع: (هل أصابك الخوف في عصرك الإجرامي؟) فاجابه: كل قوى الأمن لم ترعبني ولكن طفلا صغيرا أرعبني!!! فذات مرة كنت أسير في شارع الرشيد فاقتربت مني عجوز ومعها طفل صغير فأشار نحوي (بيبي هذا أبو طبر).
3- ساله المذيع (ماهو الموقف الذي تأثرت به؟) فاجابه (لا تزال صرخة الطفل الضحية تدوي في أُذني) ففي إحدى ليالي المنصور دخلت إلى منزل وكان أفراد العائلة في نوم عميق فضربتُ الأب على رأسه ثم الأخ ثم الزوجة فرأيتُ طفلاً يبلغ السادسة من العمر يرتجف تحت (البطانية) اقتربتُ منه وسمعته يبكي بصوتٍ خافت فكشفت عنه (البطانية) فصرخ بأعلى صوته ودموعه تنهال (عمو حباب لا تقتلني) فضربته بقوة على رأسه فمات.
4- ساله المذيع (هل كنت تتلذذ وأنت ترتكب جرائمك؟) فاجابه: نعم وهناك موقف أسعدني عندما كنت في اليرموك في واجب فرميتُ حجارة على احد المنازل فبدأت الإطلاقات تصدر وتبعته المنازل المجاورة بالرمي فأدركت أن الناس هنا لا تنام وكنت سعيد لأنني قذفتُ فيهم الرعب.
5- وحين ساله المذيع : أليس بإمكانكم أن تنفذوا ما تريدون من جرائم سرقة .... دون اللجوء إلى القتل ؟ أجاب حاتم : (إن سبب لجوئي إلى القتل يعود لسببين : الأول إن الخطة التي كنت ارسمها لدخول الدار مقتحماً و سيكون أصحاب الدار في حالة يقظة . . والحالة هذه لا أستطيع أن أقوم بالسرقة أو الاغتصاب .... إلا عن طريق القضاء على من في الدار . ومن ناحية أخرى إن قتل أهل الدار يفسح المجال لي للتصرف بحرية . بالإضافة إلى عامل آخر هو إني كنت تحت ظروف نفسية (....؟) تدفعني للقتل، حتى ولو تطلب الأمر شرب دماء البشر ) !!
بعد انتهاء مرحلة التحقيق صدر الحكم بالإعدام على المجرم حاتم وشركائه من عائلته وتم إعدامه لتنتهي بذلك صفحة مرعبة من تاريخ بغداد
هل كان ابو طبر صنيعة مخابراتية ؟
ومن المثير والمدهش أن تثار اشاعات بعد عقود من حصول جرائم ابو طبر مفادها ان ابو طبر لم يُعدم!! وانما اطلق سراحه وشوهد في اوربا متجولاً!!.. وهي (فبركات) من خيال مروجيها فالمجرم نال جزاءه العادل، وتم تنفيذ الحكم فيه في سجن ابو غريب، وهناك محضر رسمي بذلك، كما ان هناك ورقة وفاة باسمه، وان قبره ما زال شاهد عليه حتى اليوم يحمل اسمه ويوم تنفيذ حكم الاعدام بحقه.
قالوا انه صنيعة مخابراتية وانه مكلف من الدولة بتنفيذ تصفيات لعوائل معينة، وانا هنا اجيب:
1- إن حوادث ابو طبر اربكت الوضع الامني بل وحتى السياسي، والدولة كانت في بداية عهدها تروم استقرار الوضع الامني ولكن جرائم ابو طبر، جعلت الوضع الامني على كف عفريت.. واربكت الوضع العام للدولة.
2- ان ضحايا ابو طبر جميعهم من الناس البسطاء ممن لا دخل لهم بالسياسة.
3- لو كانت اجهزة المخابرات تريد تصفية اي من هؤلاء فلا تلجأ لهذا الاسلوب البائس في تنفيذ الجرائم.
4- لم يحصل في تاريخ العراق ان الدولة استعانت بخبرات اجنبية في محاولة كشف جرائم غامضة، الا في حوادث ابو طبر وهذا يؤكد عزم الدولة فعلا لكشف هذه الجرائم.
5- بالعكس كانت شكوك الدولة تتجه نحو الشك في كون ابو طبر صنيعة مخابرات اجنبية او مجند لها، خاصة وانه كان يتنقل في اوربا قبل عودته للعراق، ولذلك تم اشراك المخابرات في التحقيق ولم يتوصل التحقيق الى وجود اي صلة مخابراتية لابي طبر مع مخابرات اجنبية وانما جرائمه عادية.
أهم الدروس المستنبطة من تلك الجرائم
1. إن المجرم الذي يرتكب جريمته، و مهما تحوط واحترز واختفى، لابد أن يقع في قبضة العدالة وينال جزاءه العادل.
2. إن العمل العلمي الدقيق، والهادئ غير المنفعل والمستند إلى ربط الوقائع يؤدي إلى كشف الجريمة .
3. أهمية دور المواطن في الإبلاغ الفوري عن أية حالة اشتباه، والأتصال بالشرطة حين يلحظ حركة مشبوهة أو شخصا يتردد على المنطقة بوضع يجلب الريبة والشكوك.
4. أهمية مقاومة الإشاعات وعدم ترويج الأقاويل والدعايات الكاذبة التي يبثها البعض بحسن نية نتيجة الخوف والقلق، او بسوء نية من أجل خلق البلبلة والفتنة .
5. المجرم ليس مجرم صدفة بل كان يحمل استعدادا فطريا لاقتراف جرائمه فلا يتورط في ارتكاب الجرائم البشعة والجماعية غير أصحاب النيات الإجرامية والذين يمتلكون الاستعداد والتأهيل .
6. أثر واهمية دور العائلة في منع المجرم من القيام بجرائمه وعدم الانصياع لرغباته، ولو كانت عائلة (حاتم) قد وقفت ضده وضد مشروعاته الجرمية ومنذ جريمته الأولى لما أستمر حاتم بجرائمه، غير أن تستر عائلته عليه ومعاونتها له في تنفيذ جرائمه ومعاونته في اخفاء المسروقات وفي تصريفها، وعاونته في إجرامه مما شجعه على المزيد .
7. أهمية اتخاذ المواطن للاحتياطات الأمنية اللازمة لمنع المجرم من ارتكاب الجريمة.
8. ذكاء المحقق وانتباهته لبعض المسروقات من اماكن الحوادث والتي تم العثور عليها في بيت ابو طبر ومنها راديو مسجل نادر ومنها البنطال الذي سرقه من بيت احد الضحايا.
ابو طبر في ميزان علم الاجرام:
كما قلنا في البداية فان جرائم ابو طبر في علم الاجرام هي من نوع الاجرام المتسلسل Series of Crimes والعائلي Family Crimes والجرائم الأكثر وحشية وعنفاً
.. ومن امثال الاجرام العائلي المتسلسل هي جرائم (ريا وسكينة) في مصر والتي تحولت لفيلم سينمائى والى مسرحية.
وفي البداية يقول علماء الاجرام ان هنالك شروط يجب أن تتحقق لنسمي الشخص قاتل متسلسل او Serial killer وهي ان يكون قتل على الاقل ٣ أشخاص، في فترة أكثر من شهر مع وجود فترة توقف بين كل جريمة وأخرى، يمكن للتعريف ان يختلف فمثلا ال FBI ألغت فترة التوقف كتعريف للقتل المتسلسل..
لكن في الـ Criminal Psychology هنالك أهمية كبيرة لفترة التوقف او ما يسمى ب Cooling-off period لأنها تساعد في التفريق بين القاتل المتسلسل وأنواع القتلة الآخرين و أهدافهم.. هذه الفترة من التوقف تختلف من ايام لأسابيع شهور او حتى توقف لسنين ثم العودة للقتل، وبالطبع في اثناء فترة التوقف يعيش القاتل المتسلسل بشكل طبيعي ويقوم بأنشطته المعتادة.. أيضا تظهر الابحاث التي تمت على مجموعة من القتلة المتسلسلين ان نصفهم تعرضوا نفسيا لإساءة المعاملة أثناء طفولتهم، فهناك ارتباط قوي جدا بين طفولة الشخص وإمكانية ان يتحول لمجرم
٢٦٪ من القتلة المتسلسلين تمت إساءة معاملتهم اثناء الطفولة وتعرضوا لعنف "جسدي" و ٥٠٪ من القتلة تعرضوا بطفولتهم لإساءة معاملة "نفسية"
وفي علم الجريمة هناك يوجد بالطبع قتلة متسلسلين يقتلون فقط من أجل القتل، بعضهم يقتل لأنه يشعر بنشوة او استمتاع من الأمر، والبعض يقتل لوجود رغبة داخلية قوية تدفعه لذلك (مثل صوت يطالبه بذلك وهذا يعد من اعراض الـ Psychosis او الذهان) بحسب ما تم ذكره في بعض الأوراق العلمية لعلماء الاجرام. فبعضهم قد يفضل قتل الاطباء وآخر يفضل قتل الممرضات.
وفي تقرير للتحقيقات الفيدرالية FBI عام ٢٠٠٥ ذكرت فيه ثلاثة ٣ عوامل يختار القاتل المتسلسل من خلالها ضحاياه وهي:
1: الـ Availability وتعني مدى تواجد الضحية في أماكن معينة، مثلا من السهل على القاتل ارتكاب جريمة اذا علم ان المنزل لا يسكنه الا مرأة عجوز فقط.
2: الـ Vulnerability وهو مدى قابلية تعرض الضحية لهجوم من القاتل، مثلا من السهل على المجرم ان يهجم على إمرأة وحيدة "ليلا" عكس ما اذا كانت المرأة تمشي مع رجل أو حيوان مثل كلب ضخم.
3: الـ Desirability وهو توفر صفات معينة في الضحية تجذب القاتل لارتكاب جريمته على الضحية مثل لون الشعر، جنس الضحية، العمر، الملابس وغيرها.
والكثير من القتلة المتسلسلين يقومون بالاحتفاظ بجزء من الضحية او من ممتلكات الضحية وهو ما يسمى ب Trophy او تذكار و الـ Trophy من الممكن أن يكون اصبع من الضحية، أسنان، ملابس وهنالك مقالات بأغرب الأشياء التي جمعها القتلة، وغالبا ما يستخدم القاتل هذا التذكار او ال Trophy ليستطيع من خلاله القاتل عند مشاهدته لهذا الاثر من استرجاع مشهد الجريمة والتلذذ بما فعله مرة أخرى وهذا ما ذكره بعض القتلة عند سؤالهم لماذا يحتفظون بتذكار؟
وبالخلاصة:
فإن ابو طبر لم يكن مجرماً بالصدفة، ولا مجرماً طارئ، بل كان محترفا ويمتلك استعدادا تاما وتصميما اكيدا على اقتراف جرائمه فهو لم يقصد السرقة لوحدها بل تقصّد القتل والسرقة. وما تجنيدع لافراد عائلته اشقائه وزوجته واجبارهم على مشاركته جرائمه الا دليل على الروح العدوانية والنفس المستعدة لاقتراف الجريمة وتوقع نتائجها.
كلمة تحذير لابد منها:
يؤسفني ان اجد كثيرين قد لجأوا لسرقة واعادة نشر المادة المنشورة من قبلي وانتحلوها ونشروها في مواقعهم من دون الاشارة للمؤلف، كما ان البعض في العراق وفي دول اخرى استخدموا هذه المادة لانتاج (فيديوات) نشرت على اليوتيوب بهدف الاثارة والتباهي من دون ان يلتزموا بابسط اداب الملكية الفكرية في الاشارة للمصدر وحفظ حقوق المؤلف..
877 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع