حرب المعلومات اضافة جديدة لفن الحرب في القرن ٢١
اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس
مقدمة
1. شهد العقد الأخير من القرن العشرين احداثاً سياسية وستراتيجية وعلمية كان لها اثراً كبيراً على العالم. فمن الناحية السياسية شهد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء فترة الحرب الباردة. ومن الناحية العلمية شهد تطوراً هائلاً في العلوم والمخترعات ولاسيما في مجال الحاسبات الالكترونية والمعلوماتية، ومن الناحية الاستراتيجية شهد عدداً من الصراعات والحروب التي استخدمت بها هذه التقنيات الحديثة، ليس الحروب النظامية وحسب، بل الحروب اللامتماثلة ASSYMETRIC WARFARE وحروب الإرهاب ومقاومة الإرهاب وغيرها من الحروب والصراعات وما تبعها من ثورات او حركات الربيع العربي والتي مازالت نتائجها تتفاعل حتى الان.
2. وفي خضم هذه الأحداث المتلاحقة ظهر مفهوم جديد للحرب، تبناه عدد من المفكرين والمنظرين في الاستراتيجية والسوق وفن الحرب، ألا وهو (حرب المعلومات) INFORMATION WARFARE، لينظم بذلك إلى المفاهيم المتداولة حالياً مثل (الحرب النووية)، و (الحرب الكيمياوية) (والحرب الالكترونية) وغيرها. فهل ستكون كذلك حقاً.
3. ونظراً لأن التواصل مع متطلبات العلم العسكري وفن الحرب هو من أهم متطلبات منتسبي الجيوش العصرية، والتي عليها أن تكون مستعدة للدفاع عن بلادها في مختلف الظروف، ولمواكبة هذه العلوم العسكرية وضمان عدم التخلف فيها من خلال الاطلاع على أحدث نظريات الحرب. اصبح من المهم دراسة هذا الموضوع، دراسة وافية، لكي يمكن فهم ما يفكر به الأعداء والخصوم والاستعداد لمجابهة هذه الأفكار، بأفكار وأساليب ناجعة ومفيدة، وبناءً على ذلك رأيت من المناسب أن اتناول هذا الموضوع، الذي يعتبر من المواضيع الحديثة جداً في مجال فن الحرب.
4. الغايـة: مناقشة (حرب المعلومات) كمصطلح وكنوع جديد من الحروب والتطرق باختصار لمكوناتها وتاثيراتها على الأفكار والأساليب السوقية المعمول بها عالمياً وسوف اتناول ذلك تحت العناوين الرئيسية الآتية: -
أ . التكنلوجيا والمجتمع والحرب.
ب. حرب المعلومات تعاريف ومصطلحات ومفاهيم .
د. مكونات حرب المعلومات ومفاهيمها
التكنلوجيا والمجتمع والحرب
5. يرى المؤرخون العسكريون المعاصرون ان فن الحرب قد تطور بشكل موازٍ لتطور المجتمع البشري (1). وهم يقسمون هذا التطور إلى حقب تاريخية أو (موجات) رافقت كل موجة تطورات أو (نفذات) تكنلوجية لازمت ذلك العصر. كانت الموجة الأولى هي الموجة (الزراعية)، والتي امتازت بنجاح الإنسان بتدجين الحيوانات، واكتشاف الزراعة. أما الموجة التاريخية الثانية فهي الموجة (الصناعية)، والتي امتازت بظواهر اختراع المكائن والمكننة، والانتاج الكمي، وتخصص العمالة. أما الموجة (البازغة) الحالية أي الموجة الثالثة فهي موجة (المعلومات) والمتميزة بما يعرف بـ (الأرقمة) Digitization والحواسيب، وتكنلوجيا المعلومات.
6. ويرى هؤلاء المؤرخون ان غايات الحروب في كل عصر من العصور التاريخية تتأثر بالظروف الاجتماعية الصناعية السائدة في ذلك العصر أو الحقبة. ففي عصر الزراعة كانت الحروب الناجحة تقاس بالتمكن من احتلال اقاليم العدو والسيطرة عليها وعلى مواردها. أما في عصر الصناعة، فان غايات الحروب هي النجاح في تدمير الامكانات الانتاجية للعدو، او التفوق عليه في مجال الانتاج الصناعي، فاذا كان المنطق والافتراض صحيحاً، فان حروب المستقبل سوف تشن من أجل السيطرة على المعلومات والمعطيات التفصيلية وموارد المعرفة وتسهيلاتها.
7. أما بالنسبة للأسلحة المستخدمة في الحروب، فهي ايضاً تعد انعكاساً للحقبة التاريخية للحرب، فمثلاً سادت الأسلحة التقليدية ذات السبطانات المحلزنة كالبنادق والمدافع والرشاشات والدبابات والطائرات والسفن الحربية في حقبة عصر الصناعة، أما في حقبة عصر المعلومات فان التفوق سيكون حتماً للأسلحة الدقيقة والموجهة عن بعد. أما فيما يتعلق بالتنظيمات العسكرية للجيوش فيرى الدارسون ان الشكل الهرمي لسلسلة القيادة العسكرية المبنية اساساً على مركزية القرار بدرجة أو أخرى سيصبح شكلاً طولياً افقياً للحصول على درجة أكبر من اللامركزية في القرار، شأنها في ذلك شأن تنظيمات الشركات في عالم الأعمال التجارية وغيرها والمترابطة بينها بواسطة شبكات المعلومات، للتمكن من مجاراة سرعة نقل المعلومات من مكان لآخر ضمن هذه الشبكة. وستصبح التشكيلات العسكرية المتكاملة اشبه ما يكون بعقدة المواصلات.
حرب المعلومات (IW)
9. هناك عدد من التعاريف لمفهوم حرب المعلومات (2). كان التعريف الاول الذي ظهر لها في نهاية القرن المنصرم يراها على انها " العمليات المتخذة من اجل الحصول على التفوق في مجال المعلومات الضرورية لاسناد الاستراتيجية العسكرية الوطنية وذلك من خلال التاثير على منظومات المعلومات والمعلومات الخاصة بالخصم، وبنفس الوقت المحافظة على وحماية منظومة معلوماتنا ومعلوماتنا الخاصة "(3). وهكذا ظهرت بعض المفاهيم والمصطلحات الخاصة بحرب المعلومات، قسم منها مفاهيم ومصطلحات قديمة، واخرى جديدة منها مثلاً:
آ. حرب القيادة والسيطرة ( C2W)
ب. الحروب المعتمدة على الاستخبارات ( IBW)
جـ. الحرب الالكترونية ( EW)
د. العمليات النفسية ( PSYOPS)
هـ. هجمات (الهاكرز) على نظم المعلومات (*)
و. حرب السبرانية (**)
10. الا ان التعريف المشار له آنفاً قد تطور ليصبح مؤخراً كالآتي " حرب المعلومات هي عمليات المعلومات التي تنفذ خلال اوقات الازمات او الصراع من اجل تحقيق اهداف محددة ضد خصم/ خصوم محددين "(4). وهكذا نرى ان حرب المعلومات يمكن ان تشن خلال الحرب في مجالات تقع ضمن او خارج ميدان المعركة العسكرية التقليدية. لذا فان حرب (القيادة والسيطرة) بصفتها جزء من (حرب المعلومات) ما هي الا تطبيقات حربية ضمن العمليات العسكرية تستهدف بصورة خاصة مهاجمة او الدفاع عن منظومات القيادة والسيطرة. على ان الاساليب والطرق المتبعة في شن حرب (القيادة والسيطرة) مثل (العمليات النفسية، والمخادعة، وعمليات الامن، والحرب الالكترونية) علاوة على اساليب اخرى غير تقليدية تركز على منظومات المعلومات، يمكن ان تستخدم لتحقيق اهداف (حرب المعلومات) التي هي خارج نطاق منظومة الهدف المحدد لحرب القيادة والسيطرة المشار اليه آنفاً.
11. ويرى الباحثون الاستراتيجيون والمنظرون الحربيون، انه لاجل ان يكون مفهوم حرب المعلومات مفهوما حقيقيا وليس مجرد مصطلح آخر يضاف الى المصطلحات الحربية المتداولة، ينبغي ان تكون هناك أطر عملية لتنفيذه. ففي المستويات النمطية، يتفق المفكرون ان هذه الحرب يمكن ان تشمل مستويين، هما الاول، ويخص مستوى القوات العسكرية المسلحة، والثاني، ويخص المجتمع المعادي ككل، وهذا ما سنتطرق اليه باختصار في فقرات لاحقة (5). اما من حيث التنفيذ الميداني الفعلي فان من هذه الاطر، هو التغيرات المتوقعة في الهياكل التنظيمية للقوات المسلحة. ان الهيكل التنظيمي الوظيفي للقوات المسلحة الذي كان سائدا في عصر الصناعة والذي كان مصمما لتنفيذ القرارات المتخذة مركزياً، قد اخذ يميل تدريجيا الى ان يأخذ اشكال التنظيمات المشتركة ذات الاحساس الشامل بالمواقف الكبرى، والذي يمكن ان يطلق عليه ( شبكة تكنلوجيا المعلومات ) . ان التنظيمات المقترحة لجيوش القرن 21 يمكن ان يطلق عليها ( التنظيم الشبكي) بدلاً من التنظيم الهرمي. ويرى الباحثون في هذا المجال ان القوات البرية في تنفيذها لمهماتها سوف لن تعتمد على اساليب تحقيق الاهداف المخصصة لها بالاسلوب التعاقبي، بل انها ستعمد الى الاسلوب المتزامن لتحقيق الاهداف، من خلال الاستفادة من النظم الحديثة) . ان هذا الامر يمكن ان يتحقق من خلال ما يعرف بعملية (الارقمة) DIGITIZATION. فما هي الارقمة؟
12. الارقمة تعرف الارقمة على انها (استخدام تقنية المعلومات من اجل الحصول على، وتبادل واستخـدام المـعلومات الرقمية بالوقت المناسب خلال فضاء المعركة BATTLESPACE (***) . تلك المعلومات المنسبة لتلائم احتياجات كل متخذ قرار (قائد) وكل رامي وكل مساند، بما يسمح لكل منهم الحصول على نظرة واضحة ودقيقة لفضاء المعركة الضروري لتنفيذ الخطط المكلفين بتنفيذها) (6). ان النتائج الرئيسية لهذه الارقمة تتجاوز كثيرا مفاهيم مضاعفات القوة النارية المجردة، وذلك لانها ستؤدي الى تامين ما يعرف بـ (الادراك المشترك لمعطيات الموقف). وفي مثل هذه البيئة فان الفائقية المعلوماتية تصبح بحق ساحة التنافس الرئيسية، وذلك لان التفوق في المعلومات في مجال استمكان وتحديد مواقع العدو، قد تكون حاسمة، إذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الدقة الفائقة والقدرات التدميرية العالية للاسلحة المعاصرة.
13. شبكات تقنية المعلومات: تعمل هذه الشبكات، نظريا على اساس تأمين المواصلات والاتصالات مابين (العقد)(****) ، هذه العقد يمكن ان تكون عبارة عن افراد او جنود يعملون على الحواسيب ، او محطات عمل WORK STATIONS متعددة ، او من شبكات صغيرة بحد ذاتها . لذا فان قوة الشبكة انما تكمن بشكل اساسي في نوعية الارتباط بينها، وليس على العقد الفردية المكونة لها. وفي المجال العسكري فان الهدف المهم الواجب معالجته والتعامل معه سيكون جوهر الشبكة -أي فكرة الترابط بين مكوناتها -وليس مكوناتها. وهكذا اذا ما طبقنا النوعين او النمطين العامين الرئيسيين المذكورين آنفا، يمكننا الحصول على صورة اوضح لحرب المعلومات، ذلك الوضوح الذي يبين ان بؤرة الاهتمام في حرب المعلومات هي، قوة الترابط في ميدان المعركة بين مكونات القطعات (العقد)، وقوة الترابط في المحيط الاجتماعي للخصم في المجال الاعلى من ميدان المعركة.
مكونات حرب المعلومات ومفاهيمها
14. يرى الباحثون الاستراتيجيون المختصون في تحليل فن الحرب (7)، ان حرب المعلومات لها مكونان اساسيان هما ، حرب الشبكات NETWAR ، وحرب السبرانية SYBERWAR . ولاجل الاستزادة من الوضوح في هذا المجال، على المرء ان يدرك اهمية ظاهرتي، التطورات التنظيمية التي تعتبر اساسا لثورة المعلومات، وفكرة الترابط بحد ذاتها.
15. حرب الشبكات NETWAR: تعرف حرب الشبكات بأنها (صراع ذو علاقة بالمعلومات، يدور على مستويات عليا بين الشعوب او المجتمعات. وذلك لتشويش، او تدمير ، او تطوير افكار او معلومات الشعب او المجتمع الهدف ، سواء كانت متعلقة به كشعب او مجتمع ، او تلك المتعلقة بالعالم من حوله )(8) . ويرى آخرون(9) ان تعريف حرب الشبكات هو (مهاجمة او الدفاع عن الترابط الاجتماعي)، أي بمعنى آخر ان حرب الشبكات تشير الى صراع ذو علاقة بالمعلومات، غايته تدمير ترابطه المجتمع المعادي، وبنفس الوقت حماية مجتمعنا من محاولات العدو المماثلة. وتتضمن الاهداف هنا مواصلات واتصالات ذلك المجتمع، والتعاملات المالية له، ومنظومة النقل والتنقل، ومصادر الطاقة وشبكات الاتصالات بينها. وفي الوقت الذي يكون فيه اضعاف او تدمير امكانات العدو المادية في هذه المجالات امرا حيوياً، الا ان التركيز الاساسي هنا يكمن في مهاجمة او الدفاع عن الروابط الضرورية لاستمرارية الحياة والعمل في المجتمعات العصرية. ويجادل البعض هنا، انه اذا كانت هذه هي كل ما تعنيه حرب الشبكات، فلا شيئ جديد فيها، وهي لاتستحق ان تعتبر امرا مثيرا، اذا يكفي اللجوء الى اساليب الدعاية والدعاية المضادة واساليب الحرب النفسية المعروفة فعلاً والتي طبقت في حروب سابقة (10).
16. وهنا يرى الباحث ان مفهوم حرب الشبكات سوف تتجلى فائدته الى الدرجة التي يستحق معها ان تعتبر شكلا جديدا من اشكال الحرب في حالة ما اذا تمكنت من التاثير فعلا على نشاطات واعمال الخصم، وذلك اذا كان مجتمع الخصم متطورا، ويعتمد بدرجة كبيرة على وسائل المواصلات والاتصال الحديثة والشبكات المعلوماتية في تسيير اموره اليومية وغيرها، واذا ما كان الشعب مثقفا ومتطورا. اما المجتمعات الاقل تطورا، والاقل اعتمادا على التقنيات الحديثة المشار اليها، فان اساليب حرب الشبكات المار ذكرها، ولاسيما الفعاليات النفسية ومحاولات التشويش على او تطوير افكار الشعوب والمجتمعات سوف لن تكون مؤثرة بالدرجة المطلوبة، عندها سيتم اللجوء الى اساليب واسلحة تقليدية معروفة تعتمد على الدقة في الاصابة وسرعة في الاستجابة.
17. وفي هذا المجال نرى ان مفهوم (حرب الشبكات) سيصبح اكثر وضوحا، عندما يدرك المرء، ان الاشكال الجديدة للتنظيمات البشرية تجعل من الضروري ايجاد افكار جديدة لخوض النزاعات. وكلما يزداد اعتماد المجتمع على الشبكات، ستظهر نقاط قوة ونقاط وهن جديدة، مما يقتضي تحليلها لاستثمارها في تعزيز الامن الوطني والقومي.
18. حرب السبرانية CYBERWAR: يعرفها البعض بانها (11) ( ادارة ، او التهيؤ لإدارة عمليات عسكرية بموجب مبادئ الحرب ذات العلاقة بالمعلومات ، وهي تعني تعديل توازن المعلومات والمعرفة لجعله في صالحنا ) كما انها تشير الى حصول تبدل في طبيعة الحرب ، لكنها لا تتطلب بالضرورة وجود التكنلوجيا المتقدمة . ان التقدم الاجتماعي الذي اشرنا اليه في الفقرات السابقة، والذي يتضح بتزايد اعتماد مؤسسات المجتمع على شبكات تقنية المعلومات، سيؤدي، دون شك الى ان تتأثر به المؤسسة العسكرية، وان يتزايد اعتمادها في اعمالها على الترابط الشبكي ايضاً. وهذا يعني ان تاثير تقنية المعلومات واساليب العمل الشبكية على عمل القوات المسلحة في ميدان المعركة التقليدي ودرجة الترابط بينها سيكون كبيرا جداً. وعلى هذا الاساس فان التعريف الاحدث لحرب السبرانية هو (ادارة، او التهيؤ لادارة عمليات عسكرية ضد، او دفاعا عن الترابط العسكري) (12). ان هذا المفهوم لحرب السبرانية يوسع من نطاقها، من مجرد التركيز على (حرب القيادة والسيطرة) المشار اليها آنفاً، الى مجالات اوسع. فبازدياد درجة اللامركزية في التسلسل الهرمي في القوات المسلحة، وبتفلطح وانبساط ذلك الترتيب الهرمي، بحيث يصبح ترتيبا خطيا ، ومعتمدا على الاسلوب الشبكي في العمل ، فان درجة انسيابية المعلومات ومدى دقتها ، وموثوقية المعلومات المتداولة ، تصبح هي ما ينبغي الحصول عليه ، بدلا من النزاع حول السيطرة على المعلومات.
19. وفي تصور لشكل العمليات العسكرية المحتملة في القرن 21 ، يرى بعض المنظرين العسكريين (13)، ان المعلومات والترابط واساليب العقد ، ستؤدي الى تغير التنظيم العسكري من التنظيم الهرمي الى التنظيم المفلطح المنبسط الخيطي ، كما سبق واوضحنا . وهذا يعني ان التركيز في الميدان سيتحول من استهداف العقد نفسها، الى استهداف الترابط بين هذه العقد. واذ ما اريد الفوز بحرب السبرانية لتحقيق النصر في مجال الطيف الالكترومغناطيسي، فان الجانب الذي يتمكن من الحصول على الفائقية في هذا المجال، سيتمتع بحرية عمل اكبر على خصمه، وذلك لانه سيتمكن من الإبصار ( الرؤية)، واتخاذ القرار، والتحرك بسرعة تؤدي الى التغلب على الخصوم . ونظرا لان عمليات القوات العسكرية التي تستخدم الشبكات في اعمالها ستكون معتمدة على درجة الترابط فيما بينها، لذا فان القتال سيتضمن بالضرورة مهاجمة هذه الارتباطات، اذ ان الفائدة المحتملة من توفر درجة اكبر من الترابط العسكري، تعني امتلاك درجة اكبر من القدرة على التدمير. ويتبلور هذا في امتلاك قدرة متزايدة على معرفة اماكن تواجد العدو، والقدرة على ضربه واصابته بدقة قبل ان يتحرك ويبدل اماكنه. ويبدو ان ميدان المعركة الرقمي، المعتمد على اساليب الادراك المشترك للموقف قد تمكن من حل المعادلة الصعبة القائلة " ان قابلية الحركة العملياتية لم تتمكن ابدا من مجاراة قدرة الاستخبارات في تزويدنا بنوايا العدو المحتملة "، وذلك لان في ميدان المعركة الرقمي، حيث تستخدم امكانات (المنظومة المتكاملة لمسرح العمليات الخاصة بربط وسائل الاستشعار -الرماة ) (14 قد جعل سرعة اكتشاف العدو ورد الفعل على تصرفاته ، تتم بدرجة اسرع من تحرك العدو نفسه . ويمكن لمضاعف القوة هذا ان تزداد قيمته اذا ما نفذ في اطار قوات عسكرية تستخدم الاساليب الشبكية في ترابطها.
20. واستطرادا من هذه المنطلقات يمكن القول ان الاساليب الحديثة في القتال في ميدان المعركة الرقمي ضمن حرب المعلومات قد ادت الى تفعيل مبدأ الاقتصاد بالقوة وسرعة التحشد، بدرجة اكبر، والى استنباط اساليب جديدة في تطبيق مبدأ الامن في الميدان. ففي الاساليب التقليدية كان يتعين على القائد الميداني ان يوفر الامن لاجنحته ولاحتياطاته وللمناطق الخلفية في منطقة مسؤوليته بتخصيص قوات مقاتلة لتوفير ذلك الامن. على انه يمكن للمرء ان يستنتج انه اذا امكن للقائد ان يحصل على صورة شاملة لمنطقة العمليات من خلال مايعرف بـ ( الابصار من القمة) ، أي ان يبصر ميدان المعركة اما بواسطة الاقمار الصناعية الموضوعة في المدار المناسب فوق الميدان او من الطائرات المحلقة فوقه ، والتي تبث الصور بواسطة الاساليب الرقمية مباشرة الى مقر قيادته والى الشبكات المرتبطة بها ، أي انه يمتلك معلومات حقيقية التوقيت REAL TIME ، فانه سيتمكن ان يعرف وجود ام عدم وجود التهديدات المعادية ، وان يراقب هذه الاجنحة والمناطق الخلفية وغيرها ويتابعها لحظة بلحظة ، مما سيمكنه من سحب قطعات الحماية غير الضرورية اذا لم يكن هناك تهديدات لهذه المناطق ، وبذا يمكنه استخدام القطعات هذه في اماكن اخرى لتعزيز جهوده هناك وادام التفوق على العدو . وهكذا نرى ان الترابط العسكري لا يؤدي الى زيادة القدرة التدميرية للقوات وحسب، بل الى زيادة عدد القوات المقاتلة المتيسرة للقائد الميداني.
21. تساؤل بعد هذا العرض السريع، يمكن للمرء ان يتسائل، هل ان حرب المعلومات هي حقا نوع من الحروب الجديدة المضافة الى فن الحرب؟ وهل ان الاساليب المعروضة آنفاً ممكنة التطبيق فعلاً؟ ان الابحاث تشير الى ان هذه التساؤلات كانت قائمة منذ ان طرح مفهوم حرب المعلومات لاول مرة عام 1993، لكنها اخذت بالتناقص من جراء ازدياد عدد البحوث فيها والقيام بالتمارين المختلفة حولها، مما ادى الى تقليص هامش الغموض فيها وزيادة وضوح افكارها، والى احتمال اكتسابها منزلة الفن المضاف الى فن الحرب في القرن 21
الخلاصة
22. الحرب كونها ظاهرة انسانية تتطور بتطور الانسان والمجتمعات البشرية، فاذا كانت الحقبة التاريخية الاولى أي حقبة الزراعة قد امتازت باساليب معينة، وتبعتها حقبة الصناعة التي اختلفت فيها اساليب الحروب، فان الحقبة التاريخية الحالية، وهي حقبة تكنلوجيا المعلومات تتطلب انواع جديدة من اساليب ادارة الصراع، وقد اتفق الباحثون على تسمية هذه الاساليب بحرب المعلومات Information Warfare.
23. تمتاز حرب المعلومات بكونها تركز على تمكين الجانب الصديق من استثمار امكانيات منظومات المعلومات المتوفرة وبنفس الوقت منع العدو من الاستفادة منها ومن تسهيلاتها وتتجلى حرب المعلومات في نوعين من اساليب الصراع هما:
آ. حرب الشبكات: وهي الموجه بشكل اساسي نحو مجتمعات العدو.
ب. حرب السبرانية: وهي موجهة بشكل اساس نحو قوات العدو العسكرية
24. ان حرب المعلومات ان كانت مؤثرة بشكل واضح في بيئة الكترونية تتجلى في ميدان المعركة الرقمي حيث تستخدم الاسلحة العصرية المتطورة، الا انها يمكن ان تطبق ايضا ضد اعداء اقل تطورا وباستخدام اسلحة دقيقة ذات قدرة عالية على التدمير. وان المجتمعات التي تعتمد على الاساليب الرقمية والاتصالات الشبكية هي اكثر عرضة للتاثر باساليب حرب المعلومات.
اللواء الركن
علاء الدين حسين مكي خماس
الهوامش
(1) الفن توفلر ، الموجة الثالثة ، نيويورك 1991
(2) ريشارد هاركنت ، حرب المعلومات والردع، مجلة باراميترز ، خريف 1999، ص ص 93-107
(3) المصدر نفسه.
(*) الهاكرز ، مصطلح يصف قراصنة شبكات المعلومات ، ومخربي البرامج ، ومقتنصي المعلومات او مخربيها بواسطة مختلف الوسائل ، وبشكل خاص على شبكات الانترنت.
(**) السبرانية ، مصطلح يتضمن مجموعة وسائل الاتصال والمواصلات واساليب ايصالها الى مقاصدها، بما فيها المعلومات نفسها . وهو علم حديث ، يستخدم في علوم الاتصالات والمواصلات
(4) المصدر نفسه.
(5) ليبيكي، مارتن، وجون اكيلا،
(***) فضاء المعركة يعني ميدان المعركة بكافة ابعاده ، بما فيها البعد الفضائي .
(6) أودر، جوزيف ، ارقمة ميدان المعركة ، مايس 1994، ص 38.
(****) العقد ، جمع عقدة ، تعبير او مصطلح يشمل مجموعة من الادوات والتجهيزات والاشخاص ، والتي تكون نظاما SYSTEM متكاملاً . وفي المجال العسكري الحديث موضوع بحثنا هذا ، فالعقدة تكاد تتشابه مع (الجحفل ) اذا ما فكرنا بالقطعات المقاتلة ، كما انها تشمل مراكز زمقرات القيادة والسيطرة العملاتية والادارية ، وكل ماله علاقة بالادارة الحربية واللوجستية .
(7) اركيلا ورونفيلدت،ص 144،47-146
(8) المصدر نفسه .
(9) ريشارد هاركنت ، مصدر سابق.
(10) ليبيكي ، مصدر سابق.
(11) اركيلا ورونفيلدت ، مصدر سابق.
(12) هاركنت ، مصدر سابق.
(13) آرثر دي غروت و دافيد نيلسون ، المعلوماتية والقوة القتالية ، ملتري ريفيو العدد 75( ت1-ك1) 1995 ، ص 58.
(14) راندال باودش، الثورة في الشؤون العسكرية ، الجيل السادس، ملتري ريفيو ، مصدر سابق.
531 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع