البريد الالكتروني الشخصي وبريد موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حملا إليَّ خلال اليومين الماضيين من أكثر من صديقة وصديق شريط فيديو لم استطع إكماله في المرتين اللتين حاولت فيهما ذلك، فقد انتابني شعور بالخجل وبالأسف من أجل شخص يمكنني الزعم بأنني من أصدقائه منذ سنين.
يتضمن أغنية راقصة تمتدح رئيس إقليم كردستان وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني وتتغنى بخصاله بالطريقة التي كانت شائعة في حقبة الدكتاتوريات العربية والشرق الأوسطية التي تُشارف الآن على النهاية.
والأغنية التي عنوانها ومطلعها "بنحبك بارزاني" من الواضح أنها معمولة خارج الإقليم، فالكلام بلهجة بلاد الشام والرقص المصاحب شامي أيضاً (الدبكة) والشركة المنتجة تحمل اسم "عامودا" البلدة الكردية في شمال شرق سوريا، والمروّج لها موقع "هايدي. نت" الالكتروني المتخصص بالأغاني الكردية، بيد أن هذا كله لم يخفف من الشعور المزعج الذي انتابني وجعلني لا أواصل متابعة الشريط.
ليس السيد مسعود بارزاني في حاجة إلى أغنية كهذه، إلا إذا زحف إليه المرض المستوطن لدينا هنا في بغداد، أعني مرض النزعة للهيمنة والاستحواذ والتسلط الذي يسمم حياتنا السياسية والعامة برمتها (مصاب به والعياذ بالله كل زعماء الكتل والائتلافات والأحزاب النافذة في الدولة والذين يلهجون بذكر الديمقراطية ليلاً نهاراً، بل إن المرض اجتاح الكثير من المساعدين والمستشارين وأضرابهم).
ليس الرئيس بارزاني في حاجة لأن يكون دكتاتوراً، أو أن يراه البعض في صورة الدكتاتوريين العرب والشرق أوسطيين الذين انتهوا الآن (ومنهم من ينتظر)، وكان ثمة من يدبّج لهم قصائد المديح ويؤلف الأغاني ويلحنها ويؤديها تزلفاً وارتزاقاً، ولم ينفعهم هذا في شيء عندما حانت ساعة الحقيقة.
السيد مسعود بارزاني هو ابن مصطفى بارزاني الذي يحبه ملايين الكرد في مختلف أجزاء كردستان من دون أن يرى الكثير منهم حتى صورته أو يستمعوا إلى أغنية تعدد خصاله وتستعيد تاريخه الثوري.
صدام حسين أغرق العراق بملايين الصور وبالمئات من التماثيل العملاقة، ولم ينفعه ذلك في شيء. ولا أشك في أن الرئيس بارزاني يُدرك أن افتتاح مستشفى أو مدرسة أو معمل في مدينة كردية أو إيصال الكهرباء إلى قرية نائية أو شق طريق في المناطق الجبلية الوعرة يجلب له من الحب ما لا تستطيع أن تفعله عشرة ملايين صورة زاهية الألوان أو 100 اغنية من النوع الذي أُرسل لي عبر البريد الالكتروني وفيسبوك.
أعرف أن الرئيس بارزاني يستمع جيداً لمن يحدثه، وانه قاريء جيد للكتب والصحف، وأستغل هذه الخصيصة لأشير عليه بطلب سحب الأغنية المذكورة من التداول في المواقع الالكترونية وسواها. إن له الحق في طلب كهذا فهي تمسّه شخصياً .. إنها تسيء إليه، ومن حقه الاعتراض على ما كل ما فيه مساس بشخصه.
الرئيس بارزاني، اسمعها من صديق يُصدقك القول إنك لا تحتاج الى أغنية كهذه، ونحن لا نحتاج إلى مثلها بل أننا في أمسّ الحاجة الى ما يعزز لدينا الأمل بالخلاص من المرض المزمن للحكم في بلادنا والداء الخبيث لحكامها؛ الدكتاتورية.
904 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع