أكل شوارع

                                          

                                                                 دلع المفتي

بالنسبة لأمي أطال الله في عمرها، أي طعام لا يكون المطبخ البيتي مصدره يعتبر أكل شوارع، حتى إن كان مطبوخاً في أرقى المطاعم، أو كان من أرقى الأصناف، وحتى لو كان مستورداً من سويسرا، فبما أنه أتى من خارج البيت فهو - باختصار - أكل شوارع.

ولأكل الشوارع في ديرتنا قصص وليست قصة واحدة، بعد أن صرنا بلداً يستمد شهرته من أكل الشوارع ولا فخر. تمشي في شارع فتجد بين المطعم والمطعم مطعماً، وبينهما وبين المطعم اللاحق مشروعاً قيد البناء كتب على جداره «مجمع مطاعم»، إذ يبدو أن مطعماً هنا ومقهى هناك لم يعد يكفينا، بل أصبحنا نبني مجمعات كل واحد منها يضم العشرات من المطاعم، لتسد «حاجة» السوق التي لا يبدو أنها ستسد قريباً.
وفي تقرير نشره الزميل خالد كبي ونشرته القبس، منذ أسابيع، ظهرت حقيقة مؤلمة، وهي استشراء «بيزنس» المطاعم في الكويت، وبدرجة تفوقت فيها على «أم المطاعم»، الولايات المتحدة. فبينما في أميركا بكبرها وولاياتها وملايين سكانها هناك مطعم لكل 600 فرد، نجد في «حتة» الكويت «الصغيرونة» هناك مطعم لكل 163 فرداً من السكان.
بيد أن الخطر ليس في العدد فحسب، فمن المعروف أن دول الغرب وعجلة السرعة التي يعيشون بها تجعل الشخص عاجزاً عن تحضير الطعام لنفسه وتجهيز وجبات منزلية يومية، مما يجعلهم يلجأون إلى المطاعم توفيراً للوقت والجهد الذي يقضون معظمه في العمل والتطور والتنمية، وما إليه من أمور ليست في حسبتنا. أما نحن، فنتوجه إلى أعمالنا في منتصف النهار، لنوقع الحضور ثم نشرب استكانتين شاي ونغادر، أو لا نحضر البتة. زد عليه، أن في «معظم» بيوت الكويت عدد الخدم والطباخين يزيد على تعداد أهل البيت، ويومياً توضع على طاولة الطعام أصناف عدة من الوجبات المنزلية، ومع ذلك يلجأ الناس إلى أكل المطاعم، فطوراً وغداء وعشاء. لا اضطراراً، ولا حاجة، ولا منفعة، بل للتسلية والتغيير فقط.
لا نحتاج إلى دراسات وإحصائيات لاستنتاج الكارثة الصحية التي نواجهها، فبجولة قصيرة في شوارع الكويت نتأكد بالعين المجردة أننا نتبوأ المركز الثاني عالمياً في السمنة، هذا عدا السكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول وباقي ما تبقى من أمراض لا تأتي إلا مع ما يدخل الفم من دهون وشحوم وسكريات وأصباغ ومواد حافظة التي هي أهم مكونات أكل الشوارع.
يقول الخبراء إن هناك عوامل عدة ساهمت في زيادة الطلب على «أكل الشوارع» في الكويت، منها ارتفاع مدخول الأفراد، والأهم قلة مصادر الترفيه الأخرى، فإذا لم يجد الناس مجالاً للتسلية والترفيه.. أكلوا.. وحمدوا الله ثم الحكومة لانتهاجها سياسة، كتم الأنفاس وسد الأفواه بأكل الشوارع!

دلع المفتي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
dalaaalmoufti@

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1287 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع