زينب حفني
هل حرية التعبير لابد أن تُرافق الإبداع إلى نهاية الدرب، أم أنهما خطّان مختلفان من الصعب أن يلتقيا؟! هل القيود الموضوعة على حريّة التعبير، ساهمت في تراجع الإبداع كما يرى البعض، أم أن هذا القيد كان محفّزاً لدى البعض الآخر ليُناضل كي يخرج إبداعاً متألقاً إلى النور؟!
لفت نظري مؤخراً، مقال جميل للكاتب جعفر الشايب، يتحدّثُ فيه عن القرار الذي قامت بنشره الصحف السعودية، حول منع الفنادق وصالات الاحتفالات والأسواق التجاريّة، من إقامة المعارض التشكيليّة أو الفوتوغرافيّة، مشترطة موافقة رسميّة لإقامتها وإلا سيتعرّض القائمون عليها لعقوبات!
«الشايب» تابع كلامه، بالتحدّث عن القيود الموضوعة على الإبداع داخل السعوديّة، وكيف تؤدي هذه القيود مع مرور الوقت إلى جعل المبدع حبيس ذات أفكاره، وتقف حاجزاً أمام انطلاقاته الفكريّة! وأن المبدع لحظتها أمامه خياران لا ثالث لهما.. إما قتل إبداعه، أو الانتقال إلى بيئة أخرى تُتيح له مجالاً واسعاً لإبرازه!
أثار مقال «الشايب» مواجعي، وعدتُ بذاكرتي إلى الوراء لقرب عقدين من الزمن، عندما تمّت مصادرة مجموعتي القصصية (نساء عند خط الاستواء) بحجة أن محتواها يُسيء إلى مجتمعي السعودي! ومرّت الأيام لتبقى القيود محكمة، حتّى جاءت الإنترنت مع وسائل التواصل الاجتماعي، لتكسر هذه الأغلال، ويتعلّق بها الجميع كونها أصبحت متنفساً لكل من يُريد أن يُبدي رأيه حول سلبيات مجتمعه، أو في قول ما تجيش به نفسه!
هل وزارة الإعلام السعودية وراء هذا القرار المجحف في حق الحريات، وفي حق المبدعين؟! هل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قامت بالضغط على الوزارة لتفعيل هذا القرار، بحجة حماية المجتمع من إبداعات المبدعين التي يرون معظمها خارجاً عن خطوط الدين؟! لا أعرف حقيقة من المتورّط الحقيقي في السعي لنحر الإبداع على عتبات كبت الحريات!
الكتاب السعودي تحديداً بالرغم من تأثير الثورة المعلوماتية على كافة المجتمعات، إلا أنه ظلَّ أسيراً، يُواجه شروطاً تعجيزيّة لنشره بالداخل، مما دفع المبدع السعودي إلى ترحيل قلمه، ليُصبح فريسة سهلة لعدد من دور النشر العربية، التي للأسف استغلت بمهارة هذا الظرف في فرض شروطها على الأديب السعودي لثقتها بأن ليس أمامه خيار آخر!
في أوروبا يلفت انتباهك انتشار أعمال فنانين تشكيلين على الأرصفة وبأنفاق القطارات. وتُراقب بإعجاب مشهد النُصب الموضوعة لعرض مختلف الكتب بأيام الآحاد أمام المارة في أهم شوارعها، دون أن تضع الدولة عقبات أمام الفنانين، أو تُلاحق إبداعاتهم، وهو ما انعكس بالطبع على نوعيّة أعمالهم التي تنبض بالحريات الشخصيّة!
هل القيود تقتل الحريات؟! هناك من المبدعين من لا يقوى على الاستمرار في هذه الأجواء القاتمة، ويقرر الهجرة خوفاً من أن يتسبب هذا القيد مع مرور الوقت في تدمير إبداعه! وهناك من يصمد ويحمل الأمل في جنبات نفسه، ويُجاهد بكل ما يملك من قوة، لإيمانه بأن عليه أن يُواجه هذا التيار الظلامي لإظهار فنّه الذي يهدف من ورائه لتغيير مجتمعه نحو الأفضل!
الإبداع الحقيقي بحاجة دوماً لهواء نقي كي يتنفّس بعمق، لكنني أرى كذلك، أن تقييد حرية المبدع يدفعه في الأغلب إلى تفجير معاناته ولو بشكل مأساوي، في إخراج رواية أو قصة أو لوحة معبّرة أو مشهد سينمائي. هذا الصدق الذي ينزُّ من فكر المبدع، هو الذي يُخلّد عمله، ويُجبر الناس على التفاعل مع إبداعاته. وهناك أمثلة لمبدعين عالميين أخرجوا أجمل ما عندهم في سنوات القمع الفكري والسياسي بأوطانهم. القطار السريع من الصعب أن يُوقف اندفاعه أحد مهما طال طريق النهاية!
1414 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع