ربما - ثقافة خالية الدسم

                                     

يلجأ عادة الناس لنزع الدسم من الغذاء والشراب لأسباب عدة، أهمها أن معدتهم لا تقوى على هضم الدسم، وهؤلاء يعرفون جيداً أنهم حين ينزعون الدسم فإن الغذاء يفارق نكهته وطعمه وفائدته الغذائية أحياناً، لكن أن تنزع الثقافة من الثقافة لأن هناك من لا يقوى على هضم ما فيها فإنك بهذا تحجر على الإبداع والمعرفة والخيال.

هذا شبيه بما حدث في ملتقى القصيم الثقافي الذي حاول البعض نزع دسمه الثقافي بمعارضة لا تقوم إلا على التكفير والتحريض والتشويه، وبإجراء محاكمات فقهية لورقة تزعم أنها تدرس التحولات الفكرية في أعمال ونصوص مثقفين عربيَين هما عبدالله القصيمي وعبدالرحمن منيف. وكي نفهم منهج هذه المعارضة يجب أن نفهم أن أولى سماتها أن جميع من عارض وجود اسمي هذين المثقفين لم يقرأ كتاباً واحداً لهما بل قرأ النمائم التي نشأت حولهما. ومن أشهر التجارب التي تثبت ذلك محاولة اغتيال الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ وهو في الثمانين من عمره بطعنه في رقبته على يد شاب صغير، وحين سُئل الشاب إن كان قد قرأ شيئاً لنجيب محفوظ كانت الإجابة لا.

العام الماضي ألغت جمعية الثقافة والفنون وقبل دقيقة من رفع الستار حفلاً موسيقياً كان سيبدأ به حفل تكريم الرواد من الممثلين الذين أثروا الحركة الدرامية السعودية، والأغاني التي منعت تبث في الإذاعة السعودية كل يوم، وجرى حفل التكريم في صمت خيّم على القاعة التي استسلمت للحظر، مع أنه لم يكن واحد منهم ملحداً ولا بعثياً، لكنها الرغبة في وضع المثقفين والفنانين في دائرة من الحصار والدونية.

التجارب أثبتت أيضاً أن المعارضين يتحركون وفق منهج النميمة لا التبصّر والوعي، فيطيرون خلف أول نميمة تطلق في الفضاء، فينجح محرّضوها في إيقاد حرب ضد المثقفين تسمى حرب العامة، يستخدمون فيها كل ما يخالف الدين والمروءة من شتم وتكفير وتهديد بحجة الغيرة على الدين. بالأمس كنا نرى الذين يحتجون على الفعاليات الثقافية شباباً صغاراً لا تتجاوز قراءاتهم كتيبات يصدرها تيارهم الحركي المتشدد، فيشحنهم ضد الحياة ويوترهم بتضييقها عليهم ويكثر من أعدائهم المزيفين، لكننا على الأقل كنا نعرفهم ونعرف زعيمهم الحركي الذي ما أن ينتفخ بمجد القوة ويثرى بالمال ويصبح ضيفاً في القنوات الفضائية وفي مجلس كبار المسؤولين فإنه يعطيهم إشارة الكمون، حتى يشعر بأن مصالحه قد هددت فيعود لتحريكهم على مسرح الصراع كي يلفت النظر لقوته. اليوم لم نعد نرى هؤلاء المعارضين، بعد أن صاروا أشباحاً يختفون في «تويتر»، لا تعرفهم ولا تعرف كم عددهم وما هي سماتهم، فما الحل إذاً؟

إلغاء الفعاليات الثقافية ليس هو الحل، بل فتح أبوابها على مصاريعها، وعلى المعارضين أن يحضروا ويسمعوا أولاً ثم يحكموا، فكيف تحكم على شيء لا تعرفه؟ وكيف تجرّم قولاً مهما كان عنوانه المبدئي وأنت لم تسمعه؟ وكيف تسمح لآخر أن يملي عليك ما تعتقده؟ القصيمي ملحد وعبدالرحمن منيف بعثي علماني كافر! وهل تصدق أن النادي الثقافي في القصيم يروّج للفكر الإلحادي أو لفكر المعارضة جهاراً ونهاراً؟ الإبداع ليس له سوى هوية واحدة هي الإبداع. كما أن الفعاليات الثقافية ليست فعاليات جماهيرية ولا تقام في الأماكن العامة، ولا تحضرها الجماهير الغفيرة، هذه فعاليات لا يتذوقها إلا من يجيد هضمها، ولن يذهب إليها إلا المهتمون والمتذوقون، وحرمان المؤسسات الثقافية من دورها يجعل مدننا لا تشتهر إلا بالأسفلت وما دون ذلك.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

885 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع