أهمية حركات التضامن العالمية في تحقيق والعدالة للعراق

                                       

                            هيفاء زنكنة

تحت شعار ‘العدالة للعراق’، عقدت الشبكة الدولية المناهضة للاحتلال (IAON) اجتماعها السنوي في العاصمة البرتغالية/ لشبونة في الفترة من 11-13 تشرين الاول/اكتوبر. حضر المؤتمر اعضاء من البرتغال، الجزائر، بلجيكا، فرنسا، العراق، الأردن، هولندا، أسبانيا، سويسرا، السويد والمملكة المتحدة تمثيلا للعديد من المنظمات غير الحكومية الدولية، لمناقشة التطورات في العراق ومستقبله.

وتمثل هذه الشبكة من المنظمات والناشطين المستقلين الذين ساهموا في دعم الشعب العراقي منذ بداية الحصار عام 1990، ومن العاملين في دعم قضية الشعب الفلسطيني، وقضايا شعوب العالم الثالث، ورفض التدخل الإستعماري في المنطقة والعالم.
ان البيان الختامي لمؤتمر لشبونة مغاير لما تعودناه من بيانات حافلة بالرطانة والتكرار. اذ يقدم لنا صورة واضحة عن الوضع الحالي بكافة اشكالياته مؤكدا على ان العراق لايزال محتلا: ‘ حتى بعد أن اضطّرت الولايات المتحدة لسحب قواتها القتالية، تحت ضغط مقاومة شعب العراق للاحتلال، فما زال عشرات الآلاف من المستشارين، والموظفين والمتعاقدين وأفراد الأمن، في جميع أنحاء البلاد يعملون لضمان بلوغ أهداف الاحتلال. وتواصل القوى الأجنبية والإقليمية التنافس على النفوذ والهيمنة على العراق، بما في ذلك التدّخل مع الميليشيات وارتكاب الجرائم ضد الشعب العراقي.’ يؤكد البيان على ان الشعب، كما تدل التظاهرات المستمرة بارجاء البلاد، ينبذ الطائفية والعنف ومصمم على ازالة آثار الاحتلال. و’أن العملية السياسية والنظام المفروض على العراق هما مكملاّن لبعضهما البعض ويعدّان استمرارا ً لاستراتيجية الولايات المتحدّة في سياسة فرّق تسُد على مقاومة العراق للامبريالية والليبرالية الجديدة. أن سياسة النظام الحالي تعتمد على الانتقام والتقسيم الطائفي وتشجيع الأعمال الإرهابية ضدّ السكان المدنيين لمنع العراق من استعادة سيادته بعد عقود من العقوبات والحروب والاحتلال’.
كما يقدم البيان خطة لعمل منظمات التضامن بأهداف أو مسارات صيغت بعناية وواقعية. أول هذه المسارات استمرار نشر وتبادل المعلومات حول المقاومة الشعبية للطائفية واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان وتنسيق الجهود للضغط على البرلمانات الوطنية والاتحاد الأوروبي، لتشجيع الحكومات وهيئات الأمم المتحدة لتقوية معارضتها على استمرار الانتهاكات المنهجية، الواسعة النطاق، لحقوق الإنسان من قبل السلطات، وخاصة استخدام عقوبة الإعدام. ويندرج في هذا المسار دعم التوصيات الهامّة في التقرير الصادر عن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بما في ذلك اعادة تعيين مقرّر خاص للامم المتحدة للعراق لمراقبة احترام حقوق الإنسان عن كثب. ومن الأهداف أيضا العمل على رسم استراتيجية قانونية لمحاسبة المسؤولين، قانوناً، عن جرائمهم في العراق والمطالبة بتعويض الضحايا. العمل على إجراء تحقيقات دولية، مستقلّة، بشأن استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة وتزايد اعداد الولادات المشوهة في الفلوجة والبصرة وغيرها من الأماكن. وقد طرحت في هذا الصدد ضرورة التحقيق بشأن استخدام أراضي العراق مكبّاً للمواد المشعة والكيميائية الخطرة.
تمت خلال المؤتمر، الذي عقد على اساس تطوعي وبلا تسويق لاجندة جهة مانحة حيث دفع المشاركون نفقات سفرهم واقامتهم، مراجعة وتقييم عمل المنظمات خلال العام الماضي . لوحظ بان في الامكان تقسيم نوعية العمل المنجز الى عدة مستويات من بينها السياسي المستند الى تشكيل مجموعات ضغط على الحكومات واعضاء البرلمان بالاضافة الى التوعية وابقاء العراق حيا اعلاميا، وبشكل مستمر، لئلا تنسى مجازر وتخريب وفساد الاحتلال وحكوماته وتطمر تحت ستار ‘ العراق الجديد’. شمل الحراك التضامني، ايضا، اطلاق مبادرات ثقافية وفنية . اذ قامت المنظمة السويدية بتنظيم لقاءات مع الاكاديمي والفنان العراقي هاشم الطويل لالقاء عدد من المحاضرات حول تدمير الثقافة وتنظيم مسيرة تذكيرا بنهب المتحف العراقي وتخريبه.
في لندن، قامت ‘تضامن المرأة العراقية’ بعقد مؤتمر بعنوان ‘يوم عادي في العراق’، بالتنسيق مع الملحقية الثقافية الفنزويلية في قاعة بوليفار. ركز المؤتمر من خلال مشاركة باحثين وكتاب وفنانين وناشطين، وعبر قراءة شهادات لنساء عراقيات، على الجوانب السياسية والاقتصادية، والثقافية والحقوقية بعد مرور عشر سنوات على غزو واحتلال العراق. كما قامت ‘ تضامن ‘، ايضا، باصدار قرص مدمج (سي دي ) وكتيب من 20 صفحة بعنوان ‘وسلاما عليك يافلوجة’. العنوان مأخوذ من قصيدة للشاعرالعراقي الراحل معروف الرصافي وكان قد كتبها ليصف الاحتلال البريطاني . يحكي السي دي قصة الهجوم الانكلو امريكي على مدينة الفلوجة في عام 2004، والذي وصف بانه الاشمل منذ الحرب الامريكية ضد فيتنام. وستعاني المدينة والعراق كله من تأثير اسلحة الدمار الامريكية، ومنها اليورانيوم المنضب والفسفور الابيض، التي استخدمت لتهديم 70 بالمئة من المدينة. يضم القرص قصائد واغاني مقاومة ومعزوفات موسيقية واخبارا وتغطية صحافية، باللغتين العربية والانكليزية. يهدف القرص الى توثيق جريمة الاحتلال ضد مدينة المساجد باسلوب وصفته صحيفة ‘ الغارديان’ البريطانية بأنه ‘ ساحر’. وقامت الصحيفة باستخدام التسجيل الصوتي مع سلايدات ووضعه بالصوت والصورة على موقعها . كما تم وضعه على موقع ‘اوقفوا الحرب’ وشاهده واستمع اليه خلال 48 ساعة، فقط، 40 ألف شخص من جميع انحاء العالم.
وكان لناشطي الحملة الاسبانية لقاءات واسئلة وجهت الى البرلمان الاسباني بخصوص الاوضاع في العراق ودور الحكومة الاسبانية في ما يسمى اعادة اعمار العراق في ظل تحول الموضوع الى عملية نهب لثروة الشعب العراقي. كما وجهت تساؤلات بخصوص مشاركة القوات الاسبانية مع القوات الامريكية وما اذا قد استخدمت ايضا اليورانيوم المنضب او غير ذلك من المواد التي ولدت اضرارا كبيرة ضد الشعب والبيئة في العراق. كما قامت الحملة باصدار كتاب اسمته (بيت بابلي) يحكي باسلوب قصصي مآسي الحرب والاحتلال، ويتضمن الكتاب شهادات لعدد من الناشطين العراقيين عن نتائج الغزو والاحتلال. ويلعب ناشطو محكمة بروكسل عن العراق وموقعها الإلكتروني دورا رائدا في أرشفة ومتابعة التطورات على الأرض ونشاطات التضامن، وكانوا المبادرين في بلجيكا لعقد مؤتمر جامعة ‘ غنت’ حول إبادة التعليم في العراق.
الملاحظ ان حراك المنظمات يجمع ما بين السياسي والثقافي والتعبوي بالاضافة الى رصد حقوق الانسان وهو انعكاس للواقع العراقي الشائك، وان كان ‘مركز جنيف الدولي للعدالة’، برئاسة هانز فون سبونيك، المساعد السابق للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، والمنسق السابق للبرنامج الإنساني للمنظمة الأممية في العراق، متخصص بحقوق الانسان وكيفية تحقيق العدالة بشكل اساسي.
عقد المركز مؤتمرا، في 14 و 15 آذار/مارس 2013 في مبنى الأمم المتحدة تحت شعار ‘المساءلة والعدالة للعراق’. ساهم فيه اكثر من 12 متحدثاً عن كيفية محاسبة المخططين والمنفذين للغزو والاحتلال، والمتعاونين معهم، وكل من ارتكب انتهاكات ضد الشعب العراقي، وما جرى من تدمير لمؤسسات الدولة، وتخريب للأنظمة القائمة في التعليم والصحة والزراعة والقضاء، وتخريب البيئة، ومحاولات تفتيت النسيج الاجتماعي بزرع الفتنة الطائفية، واقامة نظام يقوم على المحاصصة الطائفية ودستور يؤطر هذا النظام. كما جرى تناول قضايا الفساد والتخريب الاقتصادي بصورة تفصيلية، وخصّصت جلسة ختامية للحديث عن الوسائل القانونية اللازم اتباعها لتحقيق العدالة. وبالامكان زيارة موقع المركز والذي يضم عشرات الوثائق المسجلة لدى الامم المتحدة حول كافة جوانب انتهاكات حقوق الانسان من الاعتقالات التعسفية الى حرمان الاطفال من طفولتهم والعراق من مستقبله. وهي وثائق رسمية مهمة جدا لكل من يريد معرفة الحقيقة حول مايجري بالعراق اليوم.
يؤكد عقد وتنظيم المؤتمر وبيانه الختامي ان لحركات التضامن والحركات المناهضة للحرب والمناهضة للامبريالية، وعبرها كل الشعوب المحبّة للسلام، دور لايستهان به لتحقيق ماتريده وتطمح اليه الشعوب، كما شاهدنا في فيتنام والجزائر وفلسطين. انها حركات لا تدعي تقديم بديل عن الحركات الشعبية المقاومة في البلدان المعنية ولكنها تقوم بدور داعم ومساند على الساحة العالمية، مبني في حالة الشعب العراقي، على مسؤولية العالم الاخلاقية والقانونية تجاهه في محنته. مؤكدة بان مصير العراق يقرّره ابناء شعبه القادرون على إعادة بناء بلدهم وتحديد مسار مستقبله .
وبالامكان تلخيص موقف حركات التضامن العالمية من برنامج المساءلة والعدالة للعراق من خلال عرض ملاحظات السيد مانويل رابوسو، من الحملة البرتغالية (العراق ترابيونال) التي بين فيها تركيز الغرب، منذ عام 1990، على معادة العرب والاسلام بصورة خاصّة مستخدمين ثلاث فرضيات: صراع الحضارات، التطرف الديني و الارهاب. وكل هذه الفرضيات مرفوضة من قبل الحركات والاحزاب الجماهيرية. واعتبر ان الامر لا يعدو جزءاً من تجدّد محاولات السيطرة الامبريالية على المنطقة. مشددا على ان الامر الحاسم للمواجهة هو التضامن بين الشعوب الأوربية وشعوب الدول العربية والاسلامية. وفي مقدمة ذلك تأتي اهمية استمرار التضامن مع الشعب العراقي عبر السعي لإضعاف هيمنة الحكومات الغربية من خلال وسائل الاعلام والصحافة على الرأي العام، ادانة التعاون بين القوى الامبريالية الاوربية ـ الامريكية القائم على مصالح خاصة ضد مصالح الشعوب، دعم المقاومة والانتفاضات الجماهيرية في النضال ضد الهيمنة الاستعمارية والامبريالية. ودعوة كل المنظمات والحركات المناهضة لتوحيد جهودها في هذا السياق.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1513 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع