الأســتـاذة ســراب ! قصة بين الحقيقة والخيال!

                                          

                         

الأســتـاذة ســراب !..قصة بين الحقيقة والخيال!

تأليف/الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر

أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

  

منظر لمركز مدينة صفاقس/الجمهورية التونسية

في نهاية التسعينات وفقتُ للعمل كأسـتاذ زائرفي كلية العلوم في مدينة صـفاقس التي تعتبر ثاني أكبرالمدن التونســية,.. وبعد ايام من مباشـرتي العمل في الكلية رغبت بأسـتخدام جهاز الحاسـوب ( الكمبيوتر), ..فسـألت طالباً عن مكانه,..

فصحبني الى " قاعة الكمبيوتر", المخصصة لأسـاتذة الكلية, وتوجهت نحو اقرب جهاز شـاغر.

                          

الأسـتاذة سـراب /صورة رمزية

كانت بقرب ذلك الجهاز, امرأة في حدود العقد الثالث من عمرها, وقبل ان اهم بالجلوس,... حييتها بتحية الصـباح, ورًدت بأحسـن منها,..وسألتها عن امكانية اسـتخدام الجهاز الذي بجنبها, لوجود بعض الكتب بالقرب منه,...وبالحال وافقت وازاحت تلك الكتب جانباً, ورحبت بي بكل حرارة.

شـكرتها, ومن دون ان ادري , تمعنت في وجهها , وشـعرت بأحسـاس خفي نحوها,.. و ســـحبت المقعد قليلاً, وتهاويت فيه ,..متعوذاً من الشـيطان الذي اجج عواطفي, .. وبسـرعة هيمنتُ على عواطفي, و رحت اتطلع تارة في الجهاز, وتارة نحو تلك الأنثى , التي حباها الله بقوام وبســمة "المونليزا"!

                                        

الموناليزا

لمتُ نفسـي على هذا التقوقع في شـرنقة الحياء, وسـرحت مع احلام اليقظة , ثم رغبت بالتعرف بها, ونســيت انني اسـتاذ جامعي!,عليه ان يتحلى بالحشمة ليكون قدوة حسـنه أمام الطلبة !

بدأت الصـور تتراقص في مخيلتي متأملاً الوصـول الى طريقة ما للتحدث معها, ولم افلح,.. وبعد لحظات من التفكير المعمق الذي كاد ان يشـــل ذهني,..فتفتقت عبقريتي عن ســؤال سـاذج !, وأعتذرات منها لقطع عملها,.. وبهذا تكسـرحاجز الصـمت الرهيب,..وتلعثمت بالنطق كتلميذ يؤدي أممتحاناً شـفهياً,... وقلت لها :

" عفواً, يا آنسـة, انني لا اجيد الفرنسـية, فهل تساعديني على تشـغيل الكمبيوتر؟"

رحبت بطلبي بحرارة وسـحبت مقعدها ليلتصـق بمقعدي , وبسرعة رتبت شعرعا المسـترسل على وجهها, وأعادت هندامها بخفة ودلال, وبدأت بالشـرح بكل همة,.. وتعجبت من قدرتها في تشـغيل الجهاز, ثم طلبت مني اسـتلامه,.. مع بسـمة أزالت ما تبقى من كياسة و حياء المهنة,.. واستيقض" العبد لله ", من سـبات طال امده, اوقل, أججت فييه شـقاوة الصـبا!,.. وولذا تشـجعت لطرح سـؤالاً ليـس له اي معنى ,.. وقلت لها: " هل انتي طالبة أم أستاذة ؟.. وما هو تخصصك؟ ".

كانت تجيب بصـوت عذب مفعم بنشـوة دفينة, ونظرات بريئة او قل مؤدبة,.. وتشـجعت وطرحت استفساراً آخر في منتهى الغباء,"هل سـبق وان التقيت معك؟!".

تجهم وجهها, وابتسـمت بحياء, وقالت, لا,.. لم يحصـل لي الشـرف, هذه اول مرة ارى سـيادتكم هنا, ..ثم ركزت نظراتها وتطلعت نحوي بأمعان,.. شــكون انتي!؟ ( وفق لهجتها الشـعبية, .. اي من اي بلد انت؟!).

قدمت لها نفســي بأيجاز, وبادرت فوراً بتقديم نفسـها, وتبادلنا شـتى الأستفسارات وحدثتني عن نشـاطها العلمي, .. فهي حاصلة على الماجسـتير و تحضِر للدكتوراه !

تعهدت لها بالمسـاعدة في مجال البحث, لتشـابه تخصصنا الضِيق, وفي الخصـوص في انتقاء المصـادر باللغة الأنكليزية التي اجيدها,.. وقيًمت موقفي, ثم دخلنا في الأمور العلمية, او قل في الأمور الأكادمية بالرغم من كل الظواهرالتي تنم عن احاسـيسنا برغبة متبادلة لتغييرالحديث الى ما يسـلينا.

سـرحت مع احلام اليقظة, بعد ان وجدت نفسـي وجهاً لوجه امام ملاك مكللا بهالة من الأشـعاع اللامرئي, كأشـعة الليزر, تحـس بها ولا تراها!

اسـتمر حديثنا مؤطراً بكلمات المجاملة, وزاد اعجابي بفكرها المتنور, وشـموخها

واعتزازها بنفسـها,..وهكذا,.. أقترحت عليها تغيير المكان لشـرب قهوة الصـباح, .. ووافقت , شـرط ان يتم الجلوس في مقهى داخل حرم الجامعة, ولم امانع وسِـرت وفق رغبتها, وتوجهنا نحو مقهى الكلية , وسارت بجانبي بشموخ!

المرأة التونسية ,..وتوجهنا نحو النادل وطلبنا القهوة كلا حسب مذاقه ,..وهممت بدفع ثمنها ,..ألا أنها لم تسـمح لي, وكان النادل في حيرة!,.. ثم ادرك من لهجتي, انني ضـيف, وقال لي : " يا سـيدي أنت ضـيفنا ", المشروب على حسـابي أنا !,.. شـكرته لمشاعره ,.. وأكرمته مادياً وبكلمات لائقة,.. كما انها ثمنت موقف ذلك الشـاب وشـكرته, وقالت له بلهجتها العذبة : "يعيشًــك " أي يحفظك الله!

تناولنا فناجين القهوة, ورحنا نبحث عن مكان شـاغر, لشرب قهوتنا و نكمل فيه ما يختلج في خواطرنا من احاديث يبغي كلا منا ايصـالها للآخر, وما أن وجدنا المكان

حتى عدنا بلهفة للحديث من حيث انتهينا! وانتزعت مني كل ما كانت ترغب معرفته , ولم ابخل او اتردد في الأجابة بكل صـدق وصـراحة !

  

مقهى الطلبة في حرم الكلية

ابدت ارتياحاً منقطع النظير لسـيرتي العلمية, وحدثتني عن سـيرتها,..ولمسـت بعض الغموض في حديثها, وقد ذهلت لأيمانها بعلم الميتافيزيقي !, ( علم ما وراء الطبيعة), وسـردَت لي حوادثاً لم اسـتطع ادراكها ولا تصديقها , ولم ابدي اسـتغراباً من احاديثها, فقد قرأت العديد من الكتب والمقالات عن هذا العلم الحديث و الحوادث الخارقة لقوانين الطبيعة !

كان الصـمت يسـود حديثنا احياناً, واشـعر بشـعاع عينيها, يخترق جســدي الذي

اضـمرته هموم الزمان. وأدت نحوها اعجاباَ,.. من دون ان تراودني اية رغبة في تخطي حدود الأدب,.. وليـس لي القدرة الآن للتعبيرعن المشـاعر التي اعترتني في

ذاكرتي ,.. ولا ادري فيما اذا كان ذلك المشـهد حقيقي ام خيال !

و كلما اتذكره, هو تواجدي في محراب راهبة نســت انها امرأة, او قل انعدمت لديها الأحاسـيـس الدنيوية, واتشـحت بوشـاح الأدب والعلم والفن ,وتأطرت بالحب

والمودة للآخرين, ولا تسـعى لمكسـب مادي اومعنوي.

وبالرغم من كل ما ذكرته, احسـسـت بفرحتها لمعرفتي, بالرغم من الفوارق الظاهرة, وما خفى منها اعظم ! وبكل رقة وادب, طرحت فكرة الوداع, وكتبت لي رقم هاتفها البيتي,على ان نلتقي غداً صـباحاً في الكلية, بنفــس غرفة " الكمبيوتر", وهًممًت بتوديعها ورفضـت, ولم توافق حتى بمصـاحبتها الى باب المقهى,ورجتني بالبقاء في مكاني, لبضـعة دقائق , وان لا اتبعها فوراً !

اسـتغربت من طلبها ودفعني الفضـول لمعرفة الســبب,.. ولم التزم بطلبها,

وخرجت للحاق بها فوراً,... وما ان تخطت عتبة المقهى حتى اختفت من امام عيني فجأة,.. فذهلت, .. ولم اصـدق ما شـهدته عيني !

فهي قبل ثواني في محيط نظري, ..والآن هل انفتحت الأرض وابتلعتها ؟ .. تعوذت من الشـيطان والأفكار غير المعقولة, وعدت لمكاني اجتر كل ما تحدثنا به , لعلي اصـل الى تعليل تصـرفها معي والأختفاء عن نظري, .. وراحت الأفكار تتراقص في ذهني علني اصـل الى اسـتنتاج معقول حتى لا اصـاب بالجنون !

جاء العامل ليرفع فناجين القهوة, ومن ثم لاحظ على الكرسـي الذي جلسـت عليه الأستاذة سـراب, وقال لي :

شـكون هذي المفاتيح؟! .. بتخصـك ؟ . فأخذتها منه وسـلمتها لمولى المقهى,... وطلبت منه الأحتفاظ بها , فحتماً سـتعود الأسـتاذة التي كانت بصحبتي لأخذها, ولا اسـتطيع انتظارها, حيث حان موعد محاضـرتي, فتقبل الشـاب الأمانة وتعهد بتسـليمها لها فقط, .. فشكرته وجريت للحاق بموعد المحاضـرة.

وبعد انتهاء المحاضـرة توجهت نحو المقهى, وما ان اقتربت من الشاب قال لي: بعد لحظات من من تسـليمك لي المفاتيح, حضرت الأسـتاذة وسـألت عن مفاتيحها التي فقدتها, .. وقبل ان تكمل كلامها, سـلمتها المفاتيح !

عدت الى سـكني, وحاولت تحليل شـخصـية تلك المرأة " السـراب ", مسـتغرباً من اصـرارها على عدم مصـاحبتها!

ضَحكتُ على افكاري السـاذجة, والتخلف الذي اعتراني لمطاوعتها,.. فهل يمكن ان اؤمن بمثل هذه الخرافة ؟!, نعم انني مؤمن بكل ما ورد بالقرآن الكريم, الا انني واثق من ان تلك المرأة طبيعية, فقد كتبت لي عنوانها بالحبر الأخضروكانت تحدثني

عن امور علمية , ومبدية حركات انثوية مُلفته للنظروغمرتني بعاطفة أنثوية, كادت

تخرجني عن جادة الأدب, لولا رحمة الله!

تعبت أفكاري من التكهن بسـر تلك المرأة, بالرغم من خبرتي لحد ما ببنات حواء منذ ايام الصبا, فكيف انهارت مهارتي واصبحت اؤمن بخرافات بعيدة عن المنطق!

لم استطع التوصل الى اية نتيجة مقنعة,.. فمن المحال ان تكون من بنات الليل, فقد رفعت كتبها امام عيني وكلها باللغة الفرنسية, .. ثم علمتني كيف اشـغل جهاز

الكمبيوتر, وكتبت عنواني, و ناقشتني عن الوضع في العراق, ... واصغت الى رأي بكل جوارحها, ولم تترك جملة غير واضحة, ما لم تطلب مني اعادة تفسيرها, ولم تجاملني , حينما اطرح فكرة لا تؤمن بها, وتقول: اختلاف الرأي لا يفسد المودة.

نمت تلك الليلة قلقاَ, وظل ذهني يقظاً, ومحللاً لتلك المرأة السـراب!,..ثم

سـرحت واخذتني سـِـنةٌ من النوم ,.. ونهضـت مفزوعاً, وانا اردد:

أغداً سـألقاك.. ياخوف فؤادي من غَـِد يالشـوقي واحتراقي في انتظار الموعِد!

ٍ صـباحاَ, تذكرتُ كل كلمة نطقتها, وكل حركة ابدتها, كانت تدل على انها امرأة ذكية ارادت الأبتعاد عني من دون ألفات نظر الطلبة وهي بصحبة رجل غريب,.. و لاذت بالفرار لخبرتها بتشعبات وكواليــس الكلية, و لم اتمكن من متباعتها !

بدأت اشــك في قواي العقلية,.. فقد يكون ما رأيته هوحلم من احلام اليقظة,.. او قل ربما اكون مصاب بمرض الشيزوفرينية ( الأزدواجية) ؟ ولذا صممت على اللقاء معها, ومن ثم لكل حادث حديث.

ما ان حان وقت العمل في الكلية, حتى جهزت نفسـي للخروج, ولم اتوجه كالعادة الى مقر عملي بالقسم, بل توجهت فوراَ نحو قاعة الكمبيوتر,.. وجلسـت بنفـس مكان يوم امس,.. و صـرت التفت نحو الباب عشــرات المرات, عـسى ان تدخل الأستاذة الحسـناء في اية لحظة,لأرحب بها واقتل الوهمَ, ومًرالوقت ثقيلاَ!

بدأت احـس بالأختناق,.. ولم اسـتطع التريث,.. وبعد ان دبَ اليأس من عدم حضـورها,.. توجهت من غير وعي الى قسـمها, ... وهناك, سـألت عنها سكرتيرة القسم , فنفت سـماعها بهذا الأسـم,... وبعد البحث والتنقيب في سـجل اعضاء هيئة التدريـس,..لم تعثر على مثل هذا الأسـم الذي قدمته لها !

دخل امين القسـم, واستوقفته السكريترة, وقدمتني له, فرحب بي وقادني الى غرفته, فشـرحت له رغبتي بمقايلة تلك الطالبة, حيث وعدتها ببعض الكتب باللغة الأنكليزية, ... فأستغرب من كلامي, وقال :

انني اعمل في هذا القسـم منذ اكثر من عشـر سـنوات, ولم اسـمع بهذا الأسـم !

لاحظت الشـكَ في عينيه,.. ثم ابتسـم ,.. من دون ان ينطق بكلمة, .. وذهلت من تصرفه,.. واخيراً نطق وقال:

" لابد ان تكون تلك السيدة قد اعطتك عنواناَ غير صحيحاً وأسـماً مسـتعاراً,... لأننا وكما تعلم, ... نحن في بلد اسـلامي وشـرقي, فالحذر واجب عند النسـاء , وبالخصوص مع الأجانب, فقد حدثت مشـاكل عديدة بسـبب مثل هذا التعارف

الســـريع, ولذا لا تيأس فلربما تريد هذه الســـيدة التأكد من شـخصــكم, وانا على ثقة تامة من عودتها,.. ان كانت فعلاً بالمواصفات التي ذكمرتها!

خاب املي, وعدت لسـكني بخفي حنين,.. اجر اذيال الفشـل, موبخاً ذاتي على ايماني المطلق بالأنسـان,..فكم من مطب اثر في ســيرة حياتي بســبب الثقة غير المحدودة, او قل الثقة العمياء!

ما العمل ؟.. هرعت للأتصـال بها تلفونياً, وطلبت من المجيب " الآنســه ســراب رجاءً ", .. فترة صـمت قصـيرة, ثم سـمعت صـوت رجالي,. ." النمرة خطأ ",...كررت الأتصـال عدة مرات, الى ان حصـلت على توبيخ نصـف مهذب !!

عدِت الى رشـدي, وايقنت بتعرضي الى" مأزق", او قل " كبســة " متقنة هبطت على رأســي , من امرأة خبيرة ارادت التســلية مع انســان" ســاذج او مغفل", لغرض في نفسـها, او قل امرأة مريضة نفسـياً رغبت بالأنتقام بمن لم يحســن معاملتها, فوضـعني القدر في طريقها لتفرغ ما فيً غـلِها من أحقاد الماض!

بدأ ذهني يســترجع اقوالها, وفرحهابمحاورتي,وتدوينها هاتف سـكنها, والتأكيد على الأتصـال بها, وو,.. فأذن اين الخطأ ؟... ان كل ما لمســته فيها من مزايا, تبعد الشــك عن كونها من بنات الليل,..وعلى العكـس, فقد كنت موقناَ بطهارتها وشـخصـيتها كأسـتاذة محترمة, او قل بنت ناس,.. اذن اين العِلًة ياترى؟.. ومن يقدر على حَل هذا الطلِسِـم ؟!

هاجت او قل انفجرت القوة الكامنة في كياني المتواضـع, ..وصـممت على التحدي, ولا بد من كشـف سـِر تلك المرأة مهما كلف الأمر,... فمن المحال ان تكون بهذا المســتوى الواطئ.

وهكذا مـرًت الأيام ثقيلة, ورحت اتخبط في الحلول,..الى ان توصـلت لأسـتخدام

"الأسـلوب البوليسـي", الذي أشـاهده في أفلام الكارتونية ايام الصـبا !

توجهت في صـباح اليوم التالي الى منطقة ســـكنها, بعد ان حصـلت على العنوان بجهود مضـنية لا اريد ان ابوح بها, حتى لا أحرج من سـاعدني في تلك المهمة.

وصـلت الى دار تلك المرأة" السراب", والتي انكر اصـحابها وجود احداً بهذا الأسـم,..وبعد التأكد من العنوان, هممت بطرق باب الدار, واذا به يفتح ويخرج منه

رجلا كهلا وبصـحبته امرأة انيقة,... فتظاهرت بالنظر الى جهة اخرى, ولم يعيران وجودي اية اهمية,.. وتوقفت قليلاً لمراقبتهما, واذا بالمرأة تنادي على سـيارة اجرة, " تكسـي" وفي الحال توقفت السـيارة, وودع الرجل المرأة واسـتقل السيارة.

توجهت المرأة نحو احد المخازن التجارية,.. وتبعتها كظلها ولم تدرك مطلقاً بوجودي,.. وكانت طبيعية في سـلوكها الى ان اكملت مشـترياتها, عادت الى بيتها,

  

محل بيع الحلويات التونسية

وانا خلفها من دون وعي عن الأجراء الذي سـأتخذه عند محادثة تلك المرأة,... ولم افكر بأي احتمال قد يؤدي الى اسـتدعاء الشـرطة لي بدعوة التحرش الجنسـي بأمراة

محترمة في مثل هذا الصـباح الباكر الذي يعج بالموظفين المتجهين لأعمالهم.

  

زوجة أخ ســراب

وبعد دقائق وصـلت المرأة الى دارها, وما ان دخلت الدار واغلقت بابها, حتى قرعته بسـرعة البرق,..وفتحت نافذة الباب واسـتفسـرت عن طلبي ,...

فتلعثمت, وانتزعت الكلمات من فمي بصـعوبة متناهية, وقدمت نفسـي لها, واعلمتها عن هدفي, والمكالمة التلفونية , ... وطلبت مني الدخول الى بهو الدار,.. وكانت في منتهى الأدب واعتذرت نيابة عن زوجها لكلماته النابية بالتلفون... بسـبب سـوء حالته النفسـية منذ ســنوات,... وفي تلك اللحظة وقعت عيني على صـورة جدارية كبيرة لأمرأة جميلة لفتت نظري, ... فتطلعت بها ملياً, ولم اتماك نفســي, .. وصـرخت كالمعتوه, هيَ ,.. هيً ,.. والله هيَ !

طلبت مني المرأة الهدوء والجلوس لشـرح الموضـوع الذي قادني الى ما انا عليه من وضـع لا يحســد عليه !

وبعد ان اسـترجعت انفاسـي قلت لها هذه هي الآنسـة سـراب ! .. اســتغربت المرأة او قل, ذهلَت لما سـمعت, وطلبت مني اعادة ما تفوهت به وهي بذهول شـديد,.. وقالت هذه هي اخت زوجي !!

وبعد فترة صـمت , سـردت المرأة قصـة شـقيقة زوجها , وقالت:

لقد غرقت مع زوجها في الباخرة وهما بطريقهما الى فرنسـا لقضـاء شـهر العسـل منذ سـنوات, وأعتبروا في عداد المفقودين, حيث لم يعثر عليهما عند انتشـال الجثث من البحر, ولم نعرف عنهما اي شـيئ ليومنا هذا !

اصـابني الذهول, ودخلت في غيبوبة, وسـقطت ارضـاً, .. وسـارعت المرأة الى اسـعافي,.. وعدت الى رشـدي, وتطلعت ثانية في تلك الصـورة, وصـرت على ثقة اكبر..و واثقاً من ان تلك الصـورة الجدارية هي من دون اي شــك لســراب" !

ادركت ربة الدار ما يختلح من افكار في ذهني, وقالت:

" قد تكون تلك الأسـتاذة شـبيهة للمرحومة ســراب, فالله يخلق من الشـبه اربعين" !

نهضـت من دون ان اجيبها على تبريرها, ووقفت قبالة تلك الصـورة, مبحلقاً فيها كالأبله,.. وما من قوة لأي من البشـر قادرة على اقناعي, بأن التي تعرفت عليها في غرفة " الكمبيوتر", لم تكن هي" الأسـتاذة سـراب".

هدأت قليلاً, او قل آمنت بالواقع, ... وصـممت على عدم البوح به , .. حتى لا اتهم بالجنون او بما بسمى : " بالشـيزوفرينية, اي بالأزدواجية ".

هدأت, وتقمصـت دور اللامبالاة, .. ودخلت مع المرأة في جدل عشـوائي, وسـألتها متهكماً بسـذاجتها وعدم تذكرها للخوارق الطبيعية التي وردت بالقرآن الكريم مثل قصـة اهل الكهف, والسـيد المسـيح (عليه السـلام), وقلت لها:

من اين لتلك المرأة معرفة برقم هاتف داركم ؟

لاحظت تشـنجاً لدى المرأة,.. وانهمرت بالبكاء, فأشـفقت عليها ولم ارغب في فتح جرحها القديم,.. وبدأت اتراجع عن تعندي على كون تلك المرأة هي الأسـتاذة سـراب, وقلت لها: " لندع الخلق للخالق " !

وقفت بكل اجلال واحترام لها مبدياً رغبتي بالوداع, .. وعيني مركزة على صـورة الأسـتاذة سـراب, وانا في حزن شـديد على صـاحبة الصـورة الحقيقية, وعلى المرأة التي تعرفت بها, والتي زجتني في هذه المتاهة التي افقدتني رشـدي ووقاري ورددت مع نفسـي مقطعاً من قصيدة الشـاعرالعراقي رفيق أطيمـش, والتي غنتها المطربة " السـورية نهاوند", في بغداد في الخمسـينات :

اين مني طيفك الموحي اذاما الليل امســـى

وســـقاني الشـوق آلام الهوى كأسـاً فكأسـى

وهكذا ودعتني ربة الدار الى البوابة الخارجية, وصـافحتها بحرارة ولوعة,

وانا اجر اذيال الفــشل , لأدخل في دوامة لا نهاية لها , وها انا اعيشـها ليومنا هذا, تورقني ليلاً ونهاراً, مسببة لي الأرق ,..و صـرت صـريع الحقيقة والخيال, ..

فهل من يدلني عن الحقيقة بصراحة؟

وقعت أحداث هذه القصة في كلية العلوم بصـفاقس, في 17سبتمبر 2002

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1161 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع