تخيّل نفسك تسترخي في بيتك ممداً على سرير النوم أو أريكة صالون الجلوس تتابع برامج التلفزيون، أو تمشي في الشارع أو تجلس في المقهى أو تواصل عملك في المكتب الحكومي أو الخاص، وفجأة تداهمك وحدة مدججة بالسلاح وتعتقلك في ظرف غير إنساني بالمرة.
ما معنى الظرف غير الإنساني هنا؟ إنه ألا تُبرز وحدة الدهم لك أمراً قضائياً يخوّلها إلقاء القبض عليك والتحقيق معك ويبين سبب الأمر بالاعتقال، ولا تمنحك فرصة الاتصال بمحام ولا حتى إبلاغ أحد من أفراد العائلة بواقعة الاعتقال. وعلاوة على هذا كله يجرجرك أفراد الوحدة المسلحة غير المهذبين بالقوة سحباً ودفعاً ويُسمعونك الكلمات النابية أثناء ما يسددون اليك الضربات، ولا أحد منهم يجيبك عن سؤالك: ليش أو لويش أو لماذا؟
بعد هذا الفصل المأساوي تبدأ فصولاً أكثر مأساوية داخل المعتقل لا يأتي ختامها إلا بعد أيام أو أسابيع أو حتى سنوات عدة، والختام يكون بإطلاق سراحك بعد محاكمة أو من دونها والقول لك بأنك بريء، وربما لا تسمع كلمة من قبيل: معذرة، متأسفين، حقك علينا!
هل تقبل بهذا؟ لن تقبل به بالتأكيد ولن أقبل به أنا ولن يقبل به غيرنا، فهذا ظلم فادح وعدوان صارخ على الحرية الشخصية وعلى الحق في الحياة الكريمة الآمنة.
الأسبوع الماضي أعلن رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب عن الانتهاء من صياغة مشروع "قانون حق البريء" الذي يعطي المعتقلين الأبرياء الحق في مقاضاة الجهات التي اعتقلتهم. وفي حال تمريره في البرلمان سيكون الأول من نوعه في بلادنا، وهو يعكس تحول اعتقال الأشخاص بالظن والاشتباه والتهمة الكاذبة الى ظاهرة واسعة في هذا العهد الذي بدلاً من أن يرعى الحريات والحقوق العامة والخاصة ويتمسك بالقانون وبمبادئ حقوق الإنسان كما يؤكد الدستور، فانه أطلق العنان للاعتقالات العشوائية وأضفى الشرعية على الاتهامات الكيدية بالقبول بشهادة "المخبر السري".
عندما تتجاوز الدولة على حق الملكية لفرد فإنها تدفع له التعويض المالي المناسب. واعتقال البريء هو الآخر تجاوز من الدولة على حق الحرية، وبالتالي فهو أيضاً يستحق التعويض المناسب. والتعويض المناسب هنا لا يكفي أن يكون مالياً فأكبر خسائر المعتقل البريء الذي تعرض للأذى الجسدي والإهانة والحطّ من كرامته الإنسانية وانتهاك حقوقه هي الخسارة المعنوية، وهذه تعويضها لا يكون بالمال وحده.
تعويض الخسارة المعنوية للمعتقلين الأبرياء يكون بعدم تعرضهم ثانية وعدم تعرض غيرهم للظرف غير الإنساني الذي أرغموا على مواجهته من دون ذنب ارتكبوه. وضمان هذا يكون بمحاسبة كل المسؤولين عن ذلك... الذين نفذوا الاعتقال بالطريقة الموصوفة في مطلع هذا الكلام، والذين أمروا به من دون التدقيق والتثبت من صحة الاتهام أو من إجراءات الاعتقال بما يتوافق مع القانون. ومهم للغاية أيضاً أن يتضمن القانون المنتظر تشريعه في البرلمان محاسبة "المخبر السري" الذي تسبب في الاعتقال، لضمان عدم حدوث الإخبارات الكيدية التي بموجبها أعتقل الآلاف، بل عشرات الآلاف من العراقيات والعراقيين خلال السنين العشر المنصرمة، فحق البريء، السابق واللاحق، لن يكون مضمونا مع بقاء المذنبين طلقاء من دون حساب.
724 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع