طلال عبد الرحمن: طائر عراقي حَطَّ في السويد- الجزء الثاني


الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل



طلال عبد الرحمن: طائر عراقي حَطَّ في السويد- الجزء الثاني

لقد عانى طلال عبد الرحمن في فترة الحصار الظالم على العراق، حاله كحال أقرانه في الجامعات العراقية، من شحة الرواتب التي لا تسد الرمق ومنع السفر إلى الخارج، مما اضطره للهروب من العراق هو وعائلته قاصدين السويد.

كان طلال عبد الرحمن يعشق الغناء والموسيقى ويعزف على العود منذ كان طالباً في كلية الآداب. وفي السويد كوّن له فرقة موسيقية، هي (فرقة سومر) والتي اعتمدت أساسا على الفلكلور العراقي بتوزيع موسيقي غربي.

ففي الأول من أيلول (سبتمبر) من عام 1996 تشكلت (فرقة سومر) الموسيقية في مدينة يوتيبوري السويدية بناءا على طلب من معهد الموسيقى العالي في المدينة، بقيادة الفنان طلال عبد الرحمن وبمشاركة كل من الموسيقيين فائز الطيّار (كمان) من العراق وحمودي شربة (غناء وإيقاع) من العراق وياسمين عمر (غناء) من العراق وديار جلال (إيقاع) من العراق وتوني عيسى (عود وغناء) من سوريا ويوسفين ليفتك (فلوت) من السويد وهيلينا إسبفال (جلو) من السويد بالإضافة إلى المغنية السويدية (آنا أوترتونو)، وكان الهدف الأساسي من تأسيس الفرقة في البداية هو إقامة حفل موسيقي غنائي عربي بمناسبة اختتام مؤتمر لأساتذة الموسيقى في الدول الإسكندنافية.

لقد اشتهرت (فرقة سومر) وسجلت عدد من الأشرطة التي راجت رواجاً كبيراً في الغرب، منها شريط (نايل) ويضم خمس عشرة أغنية، والآخر (يا الله يا موليا) ويضم أربع عشرة أغنية.

كما أحيت (فرقة سومر) حفل افتتاح مهرجان كان الدولي السينمائي عام 2000 بدعوة من الأمير الفرنسي (رينيه) أمير مقاطعة كان في جنوب فرنسا وزوج الممثلة الأميركية الشهيرة (كريس كيلي) التي ماتت في حادث طريق.

وبعد النجاح الكبير الذي حققته الفرقة في ذلك الحفل، ونظراً للطلبات الكثيرة التي تلقاها مؤسس الفرقة وقائدها طلال عبد الرحمن من قبل الأساتذة المؤتمرين بضرورة استمرار الفرقة، وكذلك العروض التي تلقتها الفرقة لتقديم العديد من الحفلات ولتسجيل اسطوانة ليزرية (سي دي) من قبل إحدى شركات التسجيل السويدية، لكل تلك الأسباب استمرت الفرقة في تقديم عروضها وتطوير إمكاناتها حيث انضمت إلى الفرقة لاحقا المغنية النرويجية ماريانا هولمبو.

بدأت مسيرة الفرقة الطويلة حيث سجلت أول اسطوانة لها بعنوان (سومر)، وهي عبارة عن نخبة مختارة من الغناء العربي التقليدي والتراثي من عدة دول عربية منها العراق ومصر وسوريا ولبنان والسودان واليمن والسعودية وقطر والمغرب إضافة إلى بعض الموشحات وغناء البادية وأغان خاصة بالفرقة. وكانت تلك الاسطوانة بمثابة الانطلاقة الكبرى للفرقة في الدول الإسكندنافية و أوربا. وقد كتبت الصحف السويدية العامة منها والموسيقية بشكل إيجابي جداً عن الفرقة، وقامت محطات الإذاعة السويدية بنقل أو تسجيل حفلات الفرقة.

كذلك سجل التلفزيون السويدي/القناة الثانية برنامجاً خاصاً عن (فرقة سومر) ونشاطاتها وتدريباتها، كما سجل التلفزيون النرويجي/القناة الثانية برنامجاً مدته ثلاث ساعات عن الفرقة ونشاطاتها ونقل عرضاً للفرقة من قاعة كوزمولوليت في العاصمة أوسلو.

لقد قدمت (فرقة سومر) خلال مسيرتها الحافلة قرابة مائة وخمسين عرضاً في السويد والنرويج والدانمارك وهولندا وإنكلترا. كما شاركت الفرقة في أهم المهرجانات السويدية، وكذلك قدمت عروضاً في العديد من المسارح والأوبرا وبيوت الموسيقى والعديد من الكنائس الكبرى في السويد.

بالإضافة إلى الصحف والمجلات الموسيقية المتخصصة في السويد، فقد كتبت العديد من الصحف والمجلات العربية ومواقع الشبكة العالمية عن (فرقة سومر) تحقيقات مطولة، منها :موقع إيلاف، الحياة، الزمان، سيدتي، موقع أصوات العراق وغيرها.

وفي العام 2001 سجلت الفرقة اسطوانة ثانية بعنوان (العراق) وتضمنت أغاني عراقية تراثية وتقليدية بالإضافة إلى المؤلفات الخاصة لأعضاء الفرقة. وقد لاقت هذه الاسطوانة ردود فعل إيجابية جداً من لدن المستمعين والصحافة الموسيقية المتخصصة، حتى أنها رُشحت لنيل جائزة أفضل اسطوانة شعبية في السويد للعام 2001 من بين ثلاثة آلاف اسطوانة كانت قد تم ترشيحها.

إن ما تميز فرقة سومر عن سواها من الفرق الأخرى هو أولاً أن المغنيات اللواتي يؤدين الغناء العربي فيها وعلى أصوله لسن عربيات ولا يتكلمن العربية إطلاقاً بل سويديات ونرويجيات لم يسمعن هذه الأغاني من قبل، وثانياً أن الفرقة تغني كل ألوان الغناء العربي تقريباً على اختلاف أساليبه ولهجاته. فسومر تغني من العراق وبكافة لغاته ولهجاته البديعة، وكذلك تغني لتونس ومصر والشام ولبنان واليمن والسعودية والكويت والمغرب والجزائر والسودان وليبيا وقطر والإمارات، إضافة إلى المقام العراقي الأصيل وغناء البادية والموشحات والأدوار والبستة العراقية والغناء الصعيدي والمألوف والميجنا والعتابا والسويحلي والنايل، وكذلك أغاني عمالقة الفن العربي أمثال أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش.

يقول الفنان طلال عبد الرحمن في معرض تقديمه للفنانين متحدثا عن الصعوبات التي يلاقيها أثناء تدريب الفنانين من أصول أوربية حول أداء الأغنية الشرقية التراثية :

تمر عملية التمرين بمراحل عدة قبل أن تصبح المغنية السويدية جاهزة للأداء بشكل نهائي. وتبدأ المرحلة الأولى في اختيار الأغنية حيث أقترح على ماريانا أو آنا أغنية ما ثم أغنيها لهما. وبعد أن أتأكد من رغبتهما في تعلم تلك الأغنية وتحمسهما لها، وهو أمر ضروري وأساس لأن الرغبة أساس مهم للعمل، أبدأ بتلقينهما النص، حيث تقومان بكتابة الكلام العربي بأحرف سويدية وبطريقتهما الخاصة. بعد ذلك أشرح لهما مضمون الأغنية بالتفصيل كلمة بعد أخرى إضافة إلى شرح المضامين الثقافية للنص إن وجدت. بمعنى أنني أحلل لهن بعض الكلمات أو العبارات التي قد لا تعني شيئاً بالنسبة للإنسان الغربي أو قد تعطي معنى خاطئاً أو مغايراً. وهناك معان أو ظلال معان تكمن ما بين السطور ينبغي أيضاً أن أتناولها بالتفصيل لكي يكون النص مفهوماً من قبلهما. بعد ذلك تبدأ مرحلة التدريب على النطق الصحيح ومخارج الحروف. وهنا أحتاج أن أتوقف أحياناً كثيرة للإعادة والتمرين المكثف حتى ينجلي اللفظ تماماً.

يضيف طلال عبد الرحمن قائلا: في البداية كنت أحتاج أحياناً إلى إعادة نطق الحرف الواحد أكثر من عشر مرات حتى يستقيم. لكن الأمر تغير بمرور الوقت وأصبحت لا أحتاج الآن أكثر من عُشر الجهد المبذول على النطق. بعدها تبداً المرحلة الثالثة وهي عملية غناء النص. وهذه المرحلة تعتمد على الكثير من التقليد والترديد حيث أقطع الأغنية إلى أجزاء نغمية صغيرة جداً وأطلب منهما تقليد ما يسمعن مني ولعدة مرات وهكذا.

بعدها تبدأ مرحلة جديدة هي الأصعب بالنسبة لي، وهي مرحلة الأداء بالروحية العربية وحسب البلد العربي الذي تنتمي إليه تلك الأغنية. فلكل بلد عربي روحية في الغناء تميزه، تماماً كما تميزه لهجته أو لهجاته. فالغناء العراقي ليس كالغناء المصري أو الشامي أو المغاربي. هناك اختلافات نغمية وأدائية بسيطة. قد تكون بسيطة جداَ لكن الأذن تميزها فنعرف على الفور أن هذا الغناء مصري أو خليجي أو يمني أو سوداني أو ما شابه. والموسيقيون المتعلمون يدركون أسرار هذه الاختلافات وأسبابها.

يضيف طلال عبد الرحمن قائلا: وخلال عملية التدريب تكون (ماريانا) أو آنا قد سجلتا صوتي وشرحي. بعد ذلك تبدأ مرحلة التدريب في البيت، حيث تقومان بالاستماع إلى التسجيل والتدرب عليه بطريقتهن الخاصة. وفي اللقاء الثاني أستمع إليهما وأصحح ما ينبغي تصحيحه. وعملية التصحيح والتحديث هذه هي السر الكامن وراء هذا النطق وذلك الأداء المدهشين. فبدون هذا التصحيح وذلك التحديث المستمرين دائماَ لا يمكن على الإطلاق أن تكون النتيجة بهذا الإتقان، ومنذ عشر سنوات والتصحيح والتحديث مستمران بلا كلل أو ملل.

يقول طلال عبد الرحمن: أصعب ما أواجه في عملية التدريس والتدريب هذه هي مرحلة الغناء بالروحية العربية. والسبب هو أن الواحدة من هاتين الفتاتين تحتاج لأن تتخلى عن كيانها الغربي تماماً وتتقمص شخصية فتاة عربية أو شرقية لكي تستطيع أن تؤدي بالروحية الشرقية أو العربية. في هذه المرحلة وحدها أواجه أحياناً إخفاقات وارتطم بجدران المستحيل. عندها يتوقف كل شيء لأنهما ترفضان الاستمرار في المحاولة، ثم تكون هناك دائماَ فرصة أخيرة عادة ما أستثمرها فتنفتح أمامنا بوابات المستحيل.

https://www.youtube.com/watch?v=4zpnYbV-4gU&t=62s

ملك السويد يكرم عراقية ويمنحها لقب قائدة مستقبلية:
كرّم ملك السويد (كارل كوستاف السادس عشر) في القصر الملكي في ستوكهولم يوم الخميس المصادف الثامن والعشرين من نيسان 2011، العراقية الموصلية الآنسة (هند طلال عبد الرحمن ألنعيمي)، ومنحها لقب ( قائدة مستقبلية) .

جاء ذلك خلال حفل توزيع الجوائز وبحضور عددا كبيرا من رجال الاعمال السويديين والشخصيات السياسية البارزة في المملكة السويدية بالإضافة الى حضور الأمير دانيال زوج الأميرة فكتوريا.

ويعتبر هذا التكريم الثاني من قبل ملك السويد للآنسة هند خلال عام واحد، وكان ملك السويد يتحدث بفخر واعجاب عن دور ابنة العراق (هند طلال ألنعيمي) ونشاطها المتميز في مجال حقوق الانسان والطفولة والتعايش بين الشعوب والتقارب بين الأديان ونجاحها في بناء جسور ما بين الأديان والقوميات المتعددة.

ويُذكر أن ملك السويد قد كرّم (هند طلال ألنعيمي) في الثامن والعشرين من شهر نيسان العام 2010 على جهودها العظيمة ونشاطها المتميز في خدمة الإنسانية في مجالات السلم والعدل والمساواة بين بني البشر والتكامل ما بين الأديان والأمم والحضارات، وكذلك في مجال حقوق الإنسان. وقد منحها ملك السويد حينها لقب (قائدة المستقبل)، حيث قال حينها: (إن ما قامت به هند من نشاطات جبارة لهو أرقى نموذج لما يمكن أن نفعله جميعاً من أجل خير الإنسانية).

وجاء هذا التكريم بناء على النشاطات المتميزة والخلاقة للآنسة هند في مجالات السلام والتضامن والتقارب بين الأديان والشعوب وكذلك في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الفقر والظلم والحروب في العالم .

ويذكر أن هند هي الابنة الكبرى للشاعر والأكاديمي والفنان المتعدد المواهب طلال عبد الرحمن ألنعيمي، ولدت هند في الموصل وقضت فيها سبع سنين من عمرها، وغادرت الى السويد في أيلول من عام 1991 مع والدها ووالدتها بحثاً عن حياة مدنية أكثر أماناً.

رحم الله الأستاذ الجامعي والفنان طلال عبد الرحمن ألنعيمي وأسكنه فسيح جناته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1140 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع