القطار الخطأ

عائشة سلطان

القطار الخطأ

هل تعتقد أنك أنت الوحيد الذي يعرف الطريق الصحيح الذي يجب عبوره في هذه الحياة ليحظى الإنسان بالقدر المناسب له من الرضا والسلام والحب؟ بالتأكيد أنت لا تدعي ذلك؛ لأنك لو فعلت فستكون نسخة أخرى من حمقى كثيرين يملؤون الحياة، وبما أنك لست أحمق أو لا تود أن ينظر إليك كذلك، فأنت لا تظن في نفسك الحكمة المطلقة، ولا تنفر ممن لا يسيرون في الطرق الصحيحة، لكنك تعتقد أنك مجرد إنسان بسيط تفكر وتتأمل فيما حولك، وتتعجب من إصرار البعض على اختيار النهايات والغايات الخاطئة دائماً!


فهل تعتقد أن كل هؤلاء البشر الذين يعانون ويشتكون ويتعذبون ولا تمنحهم الحياة ما يتمنون هم أشخاص اختاروا ذلك بإرادتهم؟ أم أنهم كانوا مضطرين؟ أم أن الخيارات المتاحة أمامهم كانت محدودة أو معدومة؟

ما زال (عزيز عواد) بطل رواية «وادي الفراشات» يلوح أمامي كلما سمعت حكاية تقولها أمي، أو ترويها إحدى نساء العائلة، وكلما تذكرت قصص أطفال كنا نلعب معهم في ماضي الوقت، وكانوا يشبهوننا في مختلف الظروف والأحوال، إلا أن سفن الحياة الخطأ التي ركبوها قد ألقت بهم على أرصفة وفي موانئ لم تدر بخلد أي منا يوم كنا نلعب في الأزقة المتربة، ويتراءى لنا أننا سنصبح شيئاً مذكوراً؛ أطباء وأغنياء ومشاهير! فلماذا ركبوا السفن الخطأ إذن؟ ولماذا استمروا فيها كل هذا الوقت؟

ما أدركته بعد آلاف التجارب وآلاف الوجوه والقصص، أن الإنسان حين يركب القطار الخطأ أو السفينة الخطأ لفترة طويلة ينسى تماماً ماذا كانت وجهته الأولى التي خطط لها أو تمناها بالفعل! ينسى تحت إلحاح وجهات أخرى لأشخاص آخرين، وينسى لأنه لم يحتفظ بهدفه في قلبه كبوصلة مضبوطة على اتجاه الهدف، وينسى لأنه تعب سريعاً وسمح لليأس أن يتسلل إلى روحه وقلبه قبل جسده.

حينما ننسى وجهتنا تصبح كل الوجهات مفتوحة الأذرع ومتاحة، لكنها في النهاية ليست على مقاس الحلم، نحن من نضع أنفسنا في قمصان ضيقة أو فضفاضة أكثر مما يجب، ثم نمعن في الشكوى والتذمر ورفع الصوت بسرديات ظلم الحياة ومظلومية البشر، وأن القميص واسع ومتعب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1211 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع