ماذا تخطط إسرائيل لمصر؟ وما علاقة صمود المقاومة في غزة بهذه المخططات.. وهل اقتنع المترددون بعقم الصبر الاستراتيجي؟

د. سعد ناجي جواد

ماذا تخطط إسرائيل لمصر؟ وما علاقة صمود المقاومة في غزة بهذه المخططات.. وهل اقتنع المترددون بعقم الصبر الاستراتيجي؟

في الأسابيع القليلة الماضية تكاثرت اخبار اسرائيلية مضمونها قلق من القوة العسكرية المصرية. هذه الاخبار انتشرت في الساحة الاسرائيلية وعلى لسان وزراء وقادة عسكريين وفي الصحافة، أكدها، وربما أثارها، جنرال عسكري أمريكي متقاعد، (دوغلاس ماكريغور، المعروف بقربه من الرئيس دونالد ترامب وبكونه مستشارا عسكريا له) في مقابلة تلفزيونية (مرفق رابط المقابلة)، تحدث فيها عن سيناريو مرعب لحرب إقليمية قد تتصاعد إلى صراع عالمي. ماكريغور، الذي شارك في حروب الخليج والعراق وأفغانستان، تحدث عن حرب قادمة ليست في أوكرانيا، بل في الشرق الأوسط، مؤكداً أن على الولايات المتحدة وشعبها التحرك سريعاً لإيقاف هذه الكارثة قبل وقوعها. ووفقا لحديثه، فإن المواجهة الكبرى ستبدأ بين مصر وإسرائيل، فبينما تستمر إسرائيل في حربها على غزة، وتصر على تهجير سكان القطاع نحو الأراضي المصرية، اعتبرت القاهرة ذلك “خطاً أحمر” لا يمكن تجاوزه. واستشهد الجنرال بالتحركات العسكرية المصرية في سيناء وقال انها ليست مجرد استعراض للقوة أو تحذير سياسي، بل هي استعداد فعلي لحرب مفتوحة. الاهم من هذا التحذير هو قوله ان الحرب المصرية- الاسرائيلية قادمة لا محالة، وبانها ستكون اشمل من سابقاتها، وستكون الولايات المتحدة عاجزة عن إنقاذ إسرائيل هذه المرة، وانها قد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة لان روسيا بالذات، والصين إلى حد ما، ستتدخلان لكبح السياسات العدوانية التي تظهرها ادارة ترامب تجاه العالم. واضاف ان هذه المواجهة قد تشجع أطرافا إقليمية مثل ايران وسوريا وحزب الله وجماعة انصار الله في اليمن وفصائل عراقية مسلحة، بل وحتى الأردن وتركيا للمشاركة فيها ردا على تمادي دولة الاحتلال، على ذمة المتحدث.
قد يبدو كلام الجنرال هذا مبالغ فيه، او دعوة تحريضية مبطنة ضد الجيش المصري، ولكن ان أطرافا اسرائيلية سارعت إلى تبني هذه الفكرة. فبعد حديثه جاءت اشارات واضحة لما اعتبرته دولة الاحتلال (خطرا مصريا قادما). اول اعلان جاء على لسان مندوب الكيان لدى الامم المتحدة في الشهر الماضي عندما أبدى قلقه من حرص الجيش المصري على الحصول على معدات عسكرية حديثة وكبيرة “رغم ان البلاد [مصر] لا تواجه اي تهديدات خارجية” حسب زعمه. وتساءل في حديث لإذاعة (كول بارما) الدينية الاسرائيلية لماذا تحتاج مصر إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟ مؤكدا ان مصر تستثمر مئات المليارات من الدولارات في شراء معدات حديثة سنويا، “مع عدم وجود اي تهديد على حدودهم”!
هذه الاحاديث جاءت متزامنة مع تقارير إسرائيلية عبرت عن قلقها من تعزيز الوجود العسكري المصري في سيناء. واوردت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن مصادر أمنية إسرائيلية اتهامات لمصر بانها تنتهك الملحق العسكري لاتفاقية السلام من خلال تعزيز بنيتها العسكرية في سيناء. وادعى مصدر أمني إسرائيلي آخر أن نشر قوات إضافية في سيناء يمثل “مشكلة أمنية” لدولة الاحتلال.
اكثر ما أثار الجانب الإسرائيلي هو الخبر الذي قال ان مصر تقترب من عقد صفقة مع كوريا الجنوبية لشراء 100 طائرة هجومية-تدريبية خفيفة من طراز FA-50، والتي تتمتع بقدرات متطورة ( تصل سرعتها إلى 1835 كم/ساعة ومدى يصل إلى 2300 كم. اضافة لقدرتها على حمل اكثر من 27 الف كغم من الاسلحة. وتتميز بأنظمة حرب إلكترونية متقدمة). وشمل التفاوض ايضا مسالة تمكين مصر من تصنيع هذه الطائرات محليا.
رسميا لم ترد مصر على كل هذه الاحاديث، ولكن الفضائيات المصرية دأبت منذ فترة ليست بالقصيرة على إظهار مقاطع مصورة لآليات عسكرية ودبابات وقدرات مصر الصاروخية، بالإضافة إلى فيديوهات توضح القدرات القتالية للقوات المسلحة المصرية بصورة عامة. كما ازدادت هذه المقاطع بعد تصريحات الرئيس ترامب حول تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء. هناك ثلاثة اسباب يمكن ان تفسر تركيز مصر على التعاقد مع كوريا الجنوبية لشراء المقاتلات المذكورة، وقبلها تعاقدت مع الصين وإيطاليا. الاول هو شعور متأصل لدى قيادة الجيش المصري ان الولايات المتحدة تحرص دائما على جعل جيش الاحتلال اقوى من باقي الجيوش العربية. فالأسلحة الامريكية التي توفرها لحلفائها، وخاصة طائرات الفانتوم، التي هي عماد القوة الجوية المصرية (208 تقريبا)، لا تتمتع بنفس المزايا التي تتمتع بها الطائرات الاسرائيلية المماثلة. ناهيك عن ان الجيش الإسرائيلي يمتلك طائرات الفانتوم F35 (الشبح) التي لا تمتلكها اية قوة جوية اخرى في كل المنطقة،. والثاني هو المعلومات العسكرية التي تقول ان طائرات الفانتوم المصرية، (وغيرها من التي تبيعها لدول العالم الثالث)، مزودة بأجهزة تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من ابطال فاعليتها القتالية عن بعد. اما السبب الثالث فهو ما اعتبرته مصر انتهاكا اسرائيليا فاضحا للملحق الامني لاتفاقيات كامب ديفيد من خلال ما تفعله في غزة والذي وصل إلى حد احتلال معبري فيلادلفيا ورفح اللذان يفترض ان يكونا تحت السيادة المصرية.
ولكن رغم كل هذه الاسباب والحجج التي تسوقها دولة الاحتلال ومن يؤيدها فان التفسير الأقرب للواقع يكمن بالتأكيد في ما هو اخطر، إلا وهو سياسة نتنياهو العنجهية ومحاولته انهاء اي وجود عسكري يشكل، من وجهة نظره تهديدا لدولة الاحتلال. فبعد ان نجحت اسرائيل، بالتعاون والدعم الأمريكي الكامل، في انهاء فعالية جيوش العراق وسورية واليمن وليبيا، ووجهت ضربات موجعة لحزب الله وحماس، بدا نتنياهو يشعر بان مصر ظلت القوة الاقليمية الوحيدة المجاورة لفلسطين المحتلة، وان هذه القوة او القدرات العسكرية يجب ان تدمر، حتى وان كانت لا تشكل خطرا مباشرا وآنيا على الاحتلال، وانها (محيّدة) من خلال اتفاقات كامب ديفيد. هذا الشعور هو الذي يفسر ربما عملية التخويف من القوة المصرية، واذا ما استمر نتنياهو في الحكم، وفي نهجه القائم على التمدد في المناطق المجاورة لفلسطين المحتلة، فانه سوف لن يتوقف عند اي دولة مهما كانت الاتفاقيات التي تربط كيانه بها. ويجب ان تتوقع مصر اي شيء، بما في ذلك محاولات لإثارة الجبهة الداخلية في سيناء، كما حدث قبل ايام. وقد تتصاعد هذه المحاولات من اجل اشغال القوات المصرية بها. وطبعا كل هذا يتم بدعم من الولايات المتحدة بصورة خاصة والغرب بصورة عامة.
من نافلة القول ان عملية طوفان الاقصى وصمود المقاومة الأسطوري في غزة منذ سنة ونصف تقريبا، رغم كل الجرائم والكوارث الهائلة وعملية الابادة غير المسبوقة، بدأت تسحب، ليس فقط المنطقة وانما كل العالم إلى التفكير بها ومحاولة ايقافها، باستثناء حكومتي الاحتلال والولايات المتحدة. لا بل ان أطرافا اخرى، مثل المقاومة اللبنانية والنظام السوري السابق والحالي، وايران، لا بد وأنهم بدأوا يشعرون بانهم ارتكبوا خطاءً جسيما عندما نأوا بأنفسهم في البداية وتركوا غزة تواجه آلة التدمير الصهيو-أمريكية-الغربية لوحدها. اليوم يبدو ان هذا الشعور قد وصل إلى اطراف اخرى (مصر وتركيا وسوريا)، من خلال تصريحات لقيادتهم التي وصلت إلى قناعة ان روح التوسع والعدوان الاسرائيلي لا حدود لهما. من هنا بدأت تظهر محاولات للوقوف بوجه المخططات الاسرائيلية. ويبقى السؤال هو ما مدى استعداد هذه الأطراف للاحتذاء بنموذجي المقاومة في غزة واليمن؟ وهل سيغتنمون فرصة تصاعد المشاكل الاقتصادية والعسكرية داخل الكيان الإسرائيلي، التي وصلت إلى حد رفض استمرار الحرب والتمرد على المشاركة في القتال وتزايد الهجرة المعاكسة؟ من اجل انها الحرب في غزة وإيقاف عمليات التوسع الصهيونية؟ ام سيكون نهج السكوت هو السائد حتى يتم لا سامح الله ابادة كل ابناء غزة، كي يقوم الاحتلال بعد ذلك بتوجيه الته التدميرية لدولهم الواحدة تلو الاخرى؟ ومتى يقتنع المترددون بقوله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم:
(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
صدق الله العظيم؟

 https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=HC2aBYZezq0

كاتب واكاديمي عراقي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1477 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع