القومية العربية: الضحية الأولى لحزب البعث العربي الاشتراكي

عبدالناصر عليوي العبيدي

القومية العربية: الضحية الأولى لحزب البعث العربي الاشتراكي

**مقدمة:**
لم تكن القومية العربية فكرة مبتدعة عند العرب وحدهم، بل هي ركيزة أساسية من نظريات تكوين الأمم. فالقومية العربية، على وجه الخصوص، تتميز بكونها حقيقة متكاملة، حيث يجتمع فيها الأصل المشترك، والتاريخ الواحد، والقيم النبيلة، واللغة العربية التي توحد العرب من المحيط إلى الخليج. هذه القومية تقوم على أسس إنسانية وحضارية، مثل إغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وإكرام الضيف، وحفظ حقوق الجار، وهي قيم ورثها العرب جيلًا بعد جيل. لكن هذه الفكرة النبيلة تعرضت للتشويه والاستغلال، وكانت الضحية الأولى لهذا التشويه هي القومية العربية نفسها، خاصة على يد حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا.

**القومية العربية: حقيقة متكاملة**
القومية العربية ليست مجرد شعار أو إيديولوجيا، بل هي واقع حي يتجسد في وحدة اللغة، والتاريخ المشترك، والقيم التي تجمع العرب. فالعربية ليست مجرد لغة تواصل، بل هي وعاء ثقافي وحضاري يحمل في طياته تراثًا غنيًا من الأدب، والفلسفة، والعلوم. كما أن القيم العربية الأصيلة، مثل الكرم والشجاعة والوفاء، تعكس مجتمعًا إنسانيًا حضاريًا، قادرًا على العطاء والبناء.

هذه القومية ليست فكرة عنصرية أو إقصائية، بل هي مشروع وحدوي يهدف إلى جمع العرب تحت راية واحدة، لتحقيق النهضة والتقدم. لكنها، للأسف، تعرضت للتشويه عندما استغلتها أنظمة شمولية لتحقيق مصالح ضيقة.

**حزب البعث: من الفكرة إلى الاستبداد**
حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي تأسس في الأربعينيات من القرن الماضي، كان يحمل في بداياته شعارات وحدوية تحررية، تهدف إلى توحيد الأمة العربية وتحريرها من الاستعمار وتحقيق العدالة الاجتماعية. لكن منذ وصوله إلى السلطة في سوريا عام 1963، تحول الحزب إلى أداة بيد مجموعة طائفية استغلت القومية العربية لتبرير الاستبداد والقمع.

قاد الطائفيون العلويون، مثل حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران، انقلابًا داخل الحزب، واستولوا على السلطة عبر اللجنة العسكرية الطائفية. تم إقصاء البعثيين الحقيقيين الذين آمنوا بالقومية العربية كمشروع وحدوي، وحل محلهم ضباط علويون موالون للنظام. تحول حزب البعث من حزب قومي إلى أداة لترسيخ حكم الأقلية الطائفية، التي مارست سلطة استبدادية مطلقة، معتمدة على الأجهزة الأمنية والعسكرية.

**عداء النظام السوري للأمة العربية**
تبين عداء النظام السوري للأمة العربية في مواقف عديدة. أبرزها كان خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، حيث وقف حافظ الأسد إلى جانب إيران الخمينية ضد العراق بقيادة صدام حسين. كان صدام حسين، رغم أخطائه، يمثل حزب البعث العربي الاشتراكي الحقيقي، الذي آمن بالقومية العربية ك مشروع وحدوي. لكن الأسد، ذو الأصول الفارسية، اختار الوقوف مع إيران ضد العرب، مما كشف زيف شعاراته القومية.

كما اتخذ النظام السوري شعار فلسطين للتستر على طائفيته. ففي الوقت الذي كان يدعي فيه دعم القضية الفلسطينية، كان يمارس القتل والتنكيل بالفلسطينيين. مذبحة تل الزعتر في لبنان عام 1976، التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين، كانت شاهدًا على وحشية النظام. كما قام بقتل القيادات الفلسطينية الحقيقية، وشكل ميليشيات من المرتزقة الفلسطينيين لتكون أدوات في خدمة نظامه الطائفي.

**تحالف النظام السوري مع إيران: طعنة في ظهر القومية العربية**
لم يكن تحالف النظام السوري مع إيران مجرد موقف سياسي، بل كان طعنة في ظهر القومية العربية. إيران، التي رفعت شعار "تصدير الثورة"، كانت تسعى إلى بسط نفوذها في المنطقة على حساب العرب. ميليشيات إيران، مثل حركة أمل في لبنان، ارتكبت مجازر بحق الفلسطينيين، كما فعلت الميليشيات الموالية لإيران في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، حيث تم تهجير الفلسطينيين الذين كانوا يتمتعون بالحماية والرعاية في عهد صدام حسين.
هذا التحالف كشف زيف شعارات النظام السوري، وأظهر أنه نظام طائفي يعمل ضد مصالح الأمة العربية.
**تشويه القومية العربية: إرث ثقيل**
بسبب ممارسات النظام السوري، أخذ العرب فكرة سيئة عن القومية العربية. لقد ارتبطت في أذهان الكثيرين بالاستبداد والقمع، بدلًا من الوحدة والنهضة. هذا التشويه يتطلب عقودًا من الزمن لإصلاحه، وإعادة الثقة بفكرة القومية العربية كمشروع حضاري وإنساني.
**الخاتمة:**
القومية العربية كانت الضحية الأولى لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا. لقد تم استغلالها من قبل نظام طائفي شمولي، حولها من مشروع وحدوي تحرري إلى أداة لتبرير الاستبداد والقمع. لكن القومية العربية، بحقيقتها المتكاملة وقيمها النبيلة، تبقى فكرة صالحة لكل زمان ومكان. إعادة إحيائها تتطلب تحريرها من إرث البعث، وإعادة صياغتها بما يتناسب مع تطلعات الأجيال الجديدة نحو الحرية والكرامة والعدالة.
إن القومية العربية ليست مشكلة في حد ذاتها، بل المشكلة فيمن استغلها لخدمة مصالحه الضيقة. وإعادة الاعتبار لها تتطلب جهدًا فكريًا وسياسيًا، لإعادة الثقة بهذه الفكرة النبيلة التي يمكن أن تكون أساسًا لنهضة عربية حقيقية.
-----

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1178 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك