عائشة سلطان
شخصية الشرير!
قبل أكثر من ستين عاماً انطلقت الدراما العربية عبر شاشة التلفزيون المصري على وجه الخصوص، عندما تم بث المسلسل الشهير «هارب من الأيام» في 23 يوليو 1962، وكان من تأليف فيصل ندا، عن قصة للأديب المصري ثروت أباظة، وقد قام بدور البطولة عبدالله غيث، وتوفيق الدقن، وحسين رياض، ومديحة سالم.
وأتذكر أنني في طفولتي قد شاهدت هذا المسلسل وما زلت حتى اليوم أحتفظ في ذاكرتي بشكل الشخصية التي لعبها عبدالله غيث في المسلسل، الذي شكل علامة فارقة وشعبية عائلة في المجتمع المصري يومها.
تدور أحداث المسلسل حول طبال فقير بإحدى القرى المصرية يُعاني من المعاملة السيئة والسخرية من أهل القرية، بينما شاعت سرقات يومية في جميع أنحاء القرية الأمر الذي أثار الرعب في قلوب السكان لعدم قدرتهم على اكتشاف الفاعل، وزاد الأمر رعباً عندما تم اختطاف ابنة العمدة، ليظهر بالنهاية أن ذلك الطبال كان وراء كل تلك الجرائم!
هذه الثيمة أو الصيغة ما تزال تراوح مكانها في عمق الدراما العربية، وإن تغير شكل اللص أو الفاسد أو المتحرش أو القاتل الذي لم يعد يتخفى في هيئة طبال أصم أو أبكم يمارس جرائمه تحت قناع عاهته الجسدية، ولكنه تطور كشكل وكرمز ومعنى ليواكب التحولات التي طرأت على كل المجتمع بجميع مظاهره وظواهره وأمراضه وعلاقاته ووظائفه، أصبح المجرم متحرش أطفال يتخفى تحت جلد دكتور جامعي ناجح ومحبوب، أو طبيب نفسي يستقبل مريضاته ويقتلهن بدم بارد، أو رجل أعمال متدين صاحب خدمات جليلة لكنه في الحقيقة شخصية حقيرة وفي الدرك الأسفل من الإجرام!
تسليط الضوء على هذه الشخصيات أصبح علماً وتوجهاً درامياً قائماً بحد ذاته في الدراما العربية والمصرية على وجه التحديد، وبعيداً عن كون المصريين هم أول من قدم هذا النوع من الدراما (شخصية الشرير) إلا أنهم أكثر من كتب حولها وطورها وأبدع في تناولها في الأدب والسينما والدراما التلفزيونية، وهي شخصية على جانب كبير من الخبث والمكر والخطورة، تمتلك من الحيل وآليات الإنكار والدفاع عن النفس عند اكتشاف أمرها، ما يحتاج إلى كتاب أصحاب معرفة وخبرة في كتابتها وتفكيكها وتشريحها، وهذا ما يظهر بوضوح في مسلسل (لام شمسية) المبهر حقاً!
1362 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع