جذور التشيّع في العراق

أحمد العبداللّه

جذور التشيّع في العراق

استغربتُ من جملة منكرة وردت في مقالة بعنوان؛(الشيعة والدولة..التجربة العراقية), للدكتور نبيل ياسين, منشورة في موقع إيلاف بتاريخ 8 حزيران 2007, ونصّها؛(لكي نتبع الحقائق التاريخية والواقعية لابد من الاعتراف بان العراق تمتع باغلبية سكانية شيعية منذ أكثر من الف عام)!!!. ويبدو إن هذا(الدكتور)؛الشيعي-الشيوعي يتحدث بهواه, وهو يورد هكذا معلومة مغلوطة تماما, ولا تمتّ للحقيقة بصلة. فأيّ باحث بهذه الموضوع, أو متابع, يعرف إن الشيعة في جنوب العراق كانوا أقليّة لحد قبل قرنين من الزمان, وكانت تجمعاتهم كجزر صغيرة متفرقة في بحر سُنّي.

إذ يقول المؤرخون؛ إن العشائر العربية, التي نزحت إلى العراق آتية من الجزيرة العربية, كانت تؤلّف القسم الأكبر من السكان في جنوب ووسط العراق خلال فترة الحكم العثماني. وهؤلاء بالطبع جميعهم من أهل السُنّة. وكان البدو الرحّل وحدهم يشكّلون نصف السكان في الجنوب لغاية وقت متأخر من القرن التاسع عشر. وهؤلاء أيضا كانوا سُنّة قبل أن يتم توطينهم, ثم تشييعهم لاحقا.

ويقول الدكتور فرهاد إبراهيم, في كتابه؛(الطائفية والسياسة في العالم العربي), المطبوع عام 1996؛(إن التشيّع لم ينتشر بصورة كبيرة في صفوف القبائل العربية في جنوب العراق, إلا تحت حكم المماليك؛(1743-1831), بتأثير الدعاية الشيعية وذكر(الظلم)الذي تعرضوا له ومقتل الحسين في كسب القبائل ونشر التشيّع)!!.

ويذكر السيد إبراهيم فصيح الحيدري البغدادي؛(1820-1882), في كتابه؛(عنوان المجد في أحوال بغداد والبصرة ونجد), الذي ألّفه سنة 1865؛ تشيّعت بعض القبائل العربية في العراق، مثل؛تميم وزبيد قبل 60 سنة، وقبيلة ربيعة قبل 70 سنة, وقبيلة كعب قبل 100 سنة، والخزاعل قبل 150 سنة, وهي عشيرة كبيرة من بني خزاعة, فحُرّفت وسُمّيت؛(خزاعل). ولقد حصل هذا(الانقلاب المذهبي)خلال القرن الثامن عشر.

ويضيف إبراهيم الحيدري؛ وكان الزبيد وبنو لام والبو محمد, من اتحادات القبائل الرئيسية التي تشيّعت. يضاف إلى ذلك فروع كبيرة من ربيعة منها؛ الدفافعة وبني عامر والجعيفر وبني تميم, ويتفرّع منهم؛ بني سعد وبني عمير, وشمر طوقة والدوار والسواكن, إضافة لعشائر كثيرة على امتداد قناة الهندية. ومن العشائر المتشيّعة أيضا؛ خزرج, وهم من الأزد، وعشائر الديوانية الخمس؛ آل أقرع، وآل بدير، وعفج، والجبور، وجليحة. وكل ذلك حصل في القرن الثامن عشر.

وما يعزز قول إبراهيم الحيدري, ويسنده؛أن الزبيد تشيّعوا قبل القرن التاسع عشر مباشرة, أو في أوائله, ما ذكره المؤرخ العراقي عثمان بن سند البصري؛(المتوفي في ١٨٣٤). كما أقرَّ العلّامة السُنّي البغدادي محمود شكري الآلوسي؛(1856-1924), بتشيّع جزء من قبيلة العُبيد وفروع من شمر وتميم, قبيل القرن التاسع عشر, أو خلاله. ويضاف لذلك أيضا, اتحاد المنتفق الكبير الذي تشيّع كلّه تقريبا في القرن التاسع عشر، باستثناء شيوخه من آل السعدون والذين بقوا سُنّة.

ويقول المؤرخ عثمان بن سند البصري, في كتابه؛(مطالع السعود), الذي ألّفه سنة 1821؛ إن شيوخ قبيلة زبيد كانوا من أهل السُنة ولكنهم تشيّعوا. ويُرجع أسباب ذلك, للدعاة والمعمّمين الأعاجم الذين يجولون على القبائل العربية, والتي معظم أفرادها لديهم جهل كبير بالعقيدة والدين, فيستغلون غفلتهم وتعاطفهم وحبّهم لآل البيت, ويدسّون عليهم الدسائس والشبهات الشيعية المعروفة. وكان هؤلاء المعممون الدجالون يسعون لكسب ودّ رئيس القبيلة, وتعظيمه والنفخ فيه, وإغرائه بالمال ومتعة النساء, ومن خلال هذا المدخل تتشيّع القبيلة بأكملها, امتثالا وخضوعًا لرغبة شيخها!!.

ويشخّص العالم والمؤرخ عثمان بن سند البصري قبل أكثر من قرنين من الزمان, الداء ويصف الدواء بشكل دقيق, ولكن كلمته ضاعت كصرخة في واد بسبب تقصير الدولة العثمانية وضعفها, فكان أن استشرى هذا السرطان الخبيث في بلاد الرافدين, وصار علاجه صعبا. فيقول ما نصّه؛(ولو أنَّ الدولة العلية تنتبه لهذا الخطب الجسيم الذي عاقِبتهُ لا ترجع على الدين فقط بل أكثر ضرره على المُلك والسياسة، فإنَّ الدولة متى كانت مُتمذهبة بمذهب وخرج بعض رعاياها عن ذلك المذهب يُخشى أنهم يجرّون عليها عراقيل وفتنا داخلية تعجز عن إطفائها... فكان ينبغي للدولة العلية أنْ تجعل جواسيس في البادية عند العربان؛ لمنع دسائس الروافض عنهم، أو ترسل علماء من أهل السُنة؛ لتعليم هؤلاء العوام حتى إذا تمسكوا بمذهب أهل السُنة والجماعة يصير نقلهم إلى مذهب آخر بطيئاً لا بسرعة كما هو مشاهد في هؤلاء العوام الخالي الذهن).

ويذكر العلّامة محمد كامل الرافعي في رسالة أرسلها من بغداد لصديقه الشيخ محمد رشيد رضا؛ صاحب مجلة المنار المصرية، ونشرتها المجلة في أحد أعدادها سنة 1908؛(إنه أثناء جولته في جنوب العراق لمس ما يقوم به المعمّمون الشيعة الفرس من دعوة القبائل العربية إلى التشيّع, عن طريق ترغيب مشايخ تلك القبائل بزواج المتعة)!!.

وتطبيقا للمبدأ البريطاني الشهير؛(فرّق تسد)*, قام الانكليز, وفقًا لقول الباحث الشيعي؛أحمد الكاتب, بدعم الحوزة الشيعية في النجف عن طريق تحويل الأموال من(مملكة أوذة)في الهند إلى المرجع الشيعي؛محمد حسن الأصفهاني,(وهو جدّ الشاعر محمد مهدي الجواهري), وهو أول من استلم تلك الأموال, ثم تبعه مراجع آخرون, وتدفقت الأموال من أواسط القرن التاسع عشر لغاية منتصف القرن العشرين, والتي عُرفت بـ(خيرية أوذة). وذلك لنشر التشيّع بين العرب وتوطين الفرس في جنوب العراق, وبناء المزارات والمراقد, والتي هي المدخل للتشيّع!!.

ويُقرّ الكاتب الشيعي محمد محفوظ, في مقاله؛(شيعة العراق والدولة العراقية), نشر في مجلة الكلمة, والتي هو صاحبها, فيقول؛(ليس هناك دليل يشير إلى أن الشيعة اقتربوا ذات يوم من تشكيل أكثرية السكان في العراق قبل القرن التاسع عشر، بل وحتى القرن العشرين)!!.

ويضيف محفوظ؛(وتعود المتغيّرات العشائرية والاجتماعية في جنوب العراق إلى السياسة العثمانية التي عملت على توطين العشائر. وكانت هذه التحوّلات المذكورة أعلاه هي نتيجة طبيعية إلى عملية التوطين؛فالعشائر التي توطّنت هي التي خضعت للتحوّل المذهبي، وهي التي حوّلت جنوب العراق إلى المذهب الشيعي، أما العشائر التي لم تستوطن فبقيت على مذهبها).

وممّا تقدم؛نرى إن التشيّع في العراق هو شيء طارئ وحديث الظهور, سطحي الجذور, ولايزيد عمره على مئتي سنة فقط.

..........................................

* الغرب ينصب العداء, على طول الخط, للإسلام السُنّي, لأنه يشكّل السواد الأعظم من الأمّة. لذلك فإنه يستخدم الأقلّيات والطوائف خنجرا لمحاربة الإسلام, وفق نظرية(الضد النوعي).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع