عائشة سلطان
هكذا عشنا رمضان
في طفولتنا لم تكن شائعة مسألة صوم الصغار، فلم يكن أحد منا أو من الأطفال الذين كانوا يلعبون معنا يصوم في تلك السنوات، لكننا كنا نعيش رمضان بكل طقوسه من خلال أهلنا وصيامهم وسلوكياتهم وصلواتهم وأوقات صحوهم ونومهم، واستعدادات البيوت لموعد الإفطار، والأطباق التي كانت تعدّها الأمهات والجدات، وصلاة التراويح، وتلاوة القرآن خلال النهار، وغير ذلك مما رسخ رمضان في داخلنا ومما اختزنته الذاكرة ولم يبارحها حتى اللحظة!
كما كان من النادر جداً بل ومن غير المعروف أن يطهى طعام خاص للصغار في رمضان بحجة أنهم سيجوعون، هذه العذوبة في التعاطي لم تشهدها طفولتنا، كنا نأكل مما يتوافر من طعام بقي على حاله لم يمس من بقايا أطباق إفطار البارحة، كالأرز أو الهريس مثلاً، ومن يرفض فما عليه سوى أن ينتظر مدفع الإفطار وأذان المغرب.
قبيل الإفطار بساعة أو أكثر تحين عملية ضرب الهريس، حيث يقوم أحد رجال البيت بـ «ضرب الهريس»، أي خلط محتويات القدر بملعقة خشبية ضخمة تعرف بالمضراب، بعد ذلك يسكب في الأطباق ويرش بالسمن ويوزع على بيوت الحي، وهذه العادة لا تزال مستمرة في الإمارات حتى اليوم!
المحظوظون من الصغار هم من يتناولون بقايا ما يظل عالقاً في قدر الهريس، أو من توفرت لديهم إمكانية الحصول على حبات من اللقيمات مغموسة في الدبس أثناء إعداد الأم أو الجدة لهذه الأكلة اللذيذة، وفي بيت طفولتي كان إعداد اللقيمات من اختصاص جدتي، رحمها الله، وبرغم مرور الزمن إلا أن طعم لقيماتها لا يزال عالقاً كبقايا سكر على أطراف فمي حتى اللحظة!
تصطحبني أمي معها لصلاة التراويح، تدخل هي إلى المسجد وأبقى أنا في الخارج مع بقية الصغار، فلم يكن مسموحاً لنا أن ندخل داخل المسجد بأي حال من الأحوال! وفي الفجر يتردد صوت أبي في أرجاء المنزل أثناء تلاوة القرآن، وفي سنوات متأخرة صار خالي يستقدم شيخاً طاعناً في السن يظل يقرأ القرآن في بيتنا طيلة الشهر، كما بقيت أطباق الهريس والفرني تخرج كل يوم لتدور على بيوت الحي، على الرغم من أننا انتقلنا من حينا الأول.
1097 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع