١٠٠شيء فقدناه بسبب الإنترنت

 ترجمة: د. رمضان مهلهل سدخان

 

١٠٠شيء فقدناه بسبب الإنترنت

لم يكن كتاب "100شيء فقدناه بسبب الإنترنت "للكاتبة باميلا بول مجرد كتاب؛ بل كان بمثابة جرس إنذار مدوٍ، ومرآة تعكس الطرق الخفية ولكن الخطيرة التي أعادت بها التكنولوجيا تشكيل حياتنا والعالم من حولنا. وبأسلوب يجمع بين الدقة في الملاحظة ولمسة من الشجن، تتناول بول بالتفصيل الخسائر التي تكبدناها في العصر الرقمي: هدوء المكتبات، ومتعة الضياع في المدينة، وفن المحادثة دون التشتيت بسبب الإشعارات.
إن قراءة هذا الكتاب كانت أشبه بفعل مؤثر من التذكر والاسترجاع. لقد أعاد إلى أذهاننا سيلاً من الذكريات المنسية – نشوة اكتشاف مكتبة مخفية، والرضا الناتج عن إكمال لغز الكلمات المتقاطعة دون إغراء البحث عن الإجابات في كوكل، والمتعة البسيطة المتمثلة في نزهة المشي الطويل بلا انقطاع. وأهم ما جاء في متن هذا الكتاب بخصوص الأشياء التي فقدنا بسبب الإنترنت:
1. فقدان الحضور غير المشتت:
قبل الإنترنت، كنا نعيش اللحظات بكامل حضورنا، سواء كان ذلك في يومِ أحدٍ هادئ نقلّب فيه صفحات كتاب، أو في محادثة صادقة مع صديق. أما الآن، فنحن نعيش بانتباه مجزأ – نصفٌ حاضرٌ هنا، والنصف الآخر مترقب للإشعار التالي. إنه تذكير مؤلم بمدى ندرة أن نمنح شخصاً أو شيئاً ما كامل ذواتنا بعد الآن. الدَّرس هو: الحضور الحقيقي – سواء مع الأحباء أو في العزلة – هو أمر لا بديل له. نحن ملزَمون أمام أنفسنا وأمام الآخرين بأن نستعيده.
2. تآكل الغموض:
كان في عدم المعرفة سحرٌ خاص. متعة اكتشاف حقيقة جديدة بالمصادفة، أو العثور على كتاب غير متوقع، أو لقاء شخص دون الاطلاع مسبقاً على تفاصيل حياته بالكامل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد حوّلَ الإنترنت الفضولَ إلى مجرد مهمة بحثٍ على كوكل، بدلاً من أن يكون رحلة استكشافية ممتعة. الدَّرس هو: اسمح لنفسك بالتساؤل دون أن تسارع إلى البحث عن الإجابة فوراً. فالغموض بحد ذاته ينطوي على قيمة.
3. موت الصمت:
هل تتذكر الهدوء؟ تلك المساحة التي كانت الأفكار تسبح فيها دون أن يقطعها تدفق لا نهائي من التقليب أو قوائم التشغيل؟ لم يكن الصمت مجرد فراغ، بل كان تربة خصبة للإبداع، والوعي الذاتي، والراحة. أما اليوم، فقد غرق في ضجيج الاتصال المستمر. الدَّرس هو: ابحث عن الصمت ودافع عنه. ففيه نلتقي بأصدق ذواتنا.
4. تراجع الملل:
كان الملل يوماً ما تربة خصبة للخيال. لم يكن انتظار الحافلة أو الجلوس وحيداً في الغرفة أمراً يجب الهروب منه، بل كان تجربة علينا أن نتحملها – ومن خلال هذا التحمل، ازدهرت أحلام اليقظة والإبداع. أما اليوم، فقد أصبح الملل فراغاً نروّض أنفسنا على ملئه بالشاشات. الدَّرس هو: احتضن الملل كبوابة للإبداع. دعْه يكون جزءاً منك بدلاً من التسرّع إلى تجنبه.
5. فقدان الخصوصية:
تشير الكاتبة باميلا بول إلى كيفية تحوّل الخصوصية من قاعدة بديهية إلى شيء نادر ثمين. نحن نشارك، ونبالغ في المشاركة، ونخضع للمراقبة المستمرة – سواء عبر أجهزتنا أو من خلال مسارات البيانات التي نتركها وراءنا. لقد أصبحت ذواتنا الخاصة سلعة تُباع مقابل الراحة والتواصل الرقمي. الدَّرس هو: احمِ حياتك الداخلية. ليس كل شيء يحتاج إلى المشاركة؛ فبعض الأمور تنمو بشكل أفضل في الخفاء.
6. نهاية الصدفة الجميلة:
كان العثور العفوي على مكان جديد، أو وجه غير مألوف، أو فكرة غير متوقعة جزءاً مثيراً من الحياة. أما اليوم، فقد أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي تملي علينا ما نراه، فتقيّد تجاربنا ضمن قالب محدد مسبقاً. هكذا تتلاشى الصدفة، تلك الورقة العشوائية التي تضفي على الحياة سحرها. الدَّرس هو: تحرر من سطوة الخوارزميات، وتجوّل هائماً بلا هدف، واسمح للحياة بأن تفاجئك.
7: تغير مفهوم الصداقة:
كانت الصداقة تُبنى على التجارب المشتركة والجهد المتبادل. أما اليوم، فقد أصبحت تُقاس بالإعجابات والرموز التعبيرية والوهم الزائف للقرب عبر الإنترنت. نحن أكثر اتصالاً من أي وقت مضى، لكننا نشعر بوحدة أعمق. الدَّرس هو: امنح الأولوية للعلاقات الحقيقية والتواصل المباشر، فالصداقة تحتاج إلى الوقت والعمق والجهد لكي تزدهر.
إن كتاب باميلا بول ليس مجرد نقد للإنترنت؛ بل هو دعوة لاستعادة معنى العيش بعمق. قد يكون العالم الرقمي أمراً لا مفر منه، لكنه يجب أن لا يسيطر علينا. فمن خلال إدراك ما فقدناه، يمكننا أن نختار ما نعيده إلى حياتنا ونحافظ عليه بكل وعي وتقدير.
يأخذنا هذا الكتاب في جولة حنين إلى عصر ما قبل الإنترنت، ويقدّم لنا رؤى قوية حول الأشياء العميقة والتفاصيل التي تبدو تافهة لكنها ذات مغزى. وقد اختير كأحد أفضل عشرة كتب وفقاً لصحيفة شيكاغو تريبيون وصحيفة دالاس مورنينغ نيوز، فهو مزيج بارع من الحنين إلى الماضي والفكاهة والرؤى المؤلمة.
وتتساءل الكاتبة: هل تتذكر كل تلك العادات الراسخة والأفكار العزيزة والأشياء المحبوبة والتفضيلات العنيدة من عصر ما قبل الإنترنت؟ لقد اختفت من غير رجعة.
بعض هذه العادات لم يكن خسارة كبيرة، لكن هناك أشياء نفتقدها بشدة. ومهما كان موقفنا العاطفي من هذا العالم الذي رحل، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن كل جانب من جوانب حياتنا الحديثة تقريباً بات يحدث في زوايا منعزلة ومفَلتَرَة داخل الفضاء السيبراني – ذلك الفضاء الذي تسلل ببطء ليبتلع بيئاتنا المادية، مستبدلاً أو محولاً المكاتب والمكتبات المحلية والمقاهي ودور السينما، وحتى تلك اللحظات العفوية التي كنا نلتقي فيها بنظرات الآخرين الشغوفة والفضولية. وفي الوقت الذي أصبح بإمكاننا الاجتماع دون مغادرة منازلنا، فقد اختفت العديد من التجارب الإنسانية الأساسية التي كانت تغذي وجودنا.
وهكذا من خلال مئة لمحة عن ذلك العالم الذي سبق الإنترنت، تقدّم باميلا بول، محررة مراجعات كتب نيويورك تايمز، سجلاً آسراً مدعوماً بالرسوم التوضيحية، يستعرض تفاصيل الحياة قبل الفضاء السيبراني. هناك خسائر صغيرة مثل افتقادنا للبطاقات البريدية، ودفتر العناوين، والمفاجآت الحقيقية في لقاءات الأحبّة. لكن هناك تداعيات أكبر أيضاً منها: ضعف الذاكرة، وعدم القدرة على تسلية النفس، والتدمير التام للخصوصية.
إن كتاب "100 شيء فقدناه بسبب الإنترنت" هو في الوقت نفسه أغنية وداع مؤثرة لعصر آخذ في الأفول، وربما، دليل يساعدنا على استعادة جزء بسيط من العالم الواقعي مجدداً.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

954 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع