الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
الدكتور عادل البكري: سيرته وأبرز آثاره - الجزء الرابع
اهتم الدكتور عادل البكري بالتراث، وكان يغتنم أية فرصة لكي يكتب ويوثق لتراث العراق والعرب والمسلمين. وأثناء عمله في الكوت أنجز الكتاب التاريخي الموسوم (تاريخ الكوت) وطبعه في بغداد سنة 1967.
وللدكتور البكري كتاب حول (صفي الدين الأرموي: مجدد الموسيقى العباسية) والذي أصدره سنة 1978، وله أيضا كتاب (المختار من النشوار) طبعه سنة 1985، وكتاب (الفلسفة لكل الناس) 1985، وكتاب ( في هيكل الحكمة) 2004.
أما كتابه (الكامل في التراث الطبي العربي) الذي أصدره المجمع العلمي العراقي سنة 2005 ويقع في 1155 صفحة فأنه يُعد بحق موسوعة شاملة في التراث الطبي العربي.
ويتمتع الدكتور عادل البكري بثقافة موسيقية متميزة والماما واسعا بعلم المقامات، وله جهود حثيثة وموثقة في مجال تفسير (النوتة) الموسيقية العباسية التي دونها الارموي وقام الدكتور البكري بتنفيذها موسيقيا في إحدى محاضراته في جمعية الفنون والتراث سنة 1977.
ويعدّ الدكتور البكري من أكثر الملمين بشخصية رائد الموسيقى العربية الحديثة المُلا عثمان الموصلِيّ، وله كتاب بعنوان " عثمان الموصلِيّ الموسيقار .. الشاعر المتصوف"، وقد طُبع هذا الكتاب لأكثر من مرة، كانت أولها في بغداد سنة 1966. وقد أعقب هذا الكتاب بثلاث كتب أخرى: "عثمان الموصلِيّ قصة حياته وعبقريته"، و "مع عثمان الموصلِيّ وقيثارة النغم"، و "مع عثمان الموصلي في فنه وعبقريته"؛ بغداد 1973.
وفي حقل جهوده المعرفية بعلم الرياضيات أثبت الدكتور البكري عروبة الأرقام العربية والتي نسميها خطأً (الأرقام الانكليزية): 1، 2، 3،... وقد اُستعملت هذه الأرقام في بلاد المغرب العربي، وأدخلها البابا سلفيستر الثاني الذي درس في جامعة القرويين إلى أوربا.
ومن الكتب الأخرى التي ألفها وطبعها الدكتور البكري:
- نصف العيش للشيخ محمد بن الوحيد (تحقيق)/ الموصل 1969.
- مدينة الطب في عامها الأول/ بغداد 1971.
- مدينة الطب في سنتها الخامسة/ بغداد 1974 .
- صفي الدين الارموي مجدد الموسيقى العباسية، بغداد 1978.
- المختار من النشوار/ الكويت 1985.
- الفلسفة لكل الناس/ بغداد 1985.
- تحقيق مخطوطة (دعوة الأطباء لابن بطلان)، سنة 2002 .
- كتاب (في هيكل الحكمة)، 2004.
- كتاب (الكامل في التراث الطبي العربي) الذي أصدره المجمع العلمي العراقي سنة 2005.
إضافة لكتب منهجية عن الصحة المدرسية والتربية الأسرية للصفوف الثانوية بالاشتراك مع آخرين.
وللدكتور البكري أكثر من ديوان شعر، طُبع منه ديوانه الذي صدر عن دار الفتى سنة 2005 بعنوان: (الجمان المنضود).
يضاف لكل هذا أكثر من 20 محاضرة اُلقيت في مؤتمرات وندوات، ومثل هذا العدد من المقالات في مجالات تاريخ الطب والموسيقى والفلسفة.
نشاطات أخرى:
عضو اتحاد المؤلفين والكُتاب العراقيين 1968، عضو مؤسس للجمعية العراقية لتاريخ الطب 1989، الأمين العام للجمعية العراقية لتاريخ الطب 1989، عضو الهيئة العليا لمهرجان الربيع الأول 1969 ومهرجان عثمان الموصلي 1973 ومهرجان المتنبي 1977 ومهرجان أطباء الموصل 1990..
نموذج من شعره:
قصيدة إلى الموصل أم الربيعين:
قلبي يحبكِ يا مليحةُ هائمُ ... والعشقُ يضني والفؤادُ عليلُ
فلقد هويتكِ والهوى بجوانحي ... والعاشقونَ الصادقونَ قليلُ
يا لائمي في مَن هويتُ صبابةً ... ما صدَّني عن من هويتُ عدولُ
لكنه كان الرحيل مفرقا ... فأمضى، فما بعد الايابِ رحيلُ
(أم الربيعين) التي في خاطري ... اهوى وذِكركِ في البلادِ جميلُ
ان اذكر الحدباء فهي كرامة ... وشموخُ مجدٍ دائمٍ واصولُ
تحنو على ابنائها فكأنها ... أمٌّ تذودُ الشَّرُ وهي ثكولُ
وضفاف دجلة والجواسقُ والرُبا ... من حولها وحدائقٌ وحقولُ
والكُلُّ في فرحٍ اذا زان الربا... فصلُ الربيع وكم تليهِ فصولُ
فالأراض ترفلُ خضرة وأزاهرا ... والشمسُ تضحكُ والسماءُ كحيلُ
روضٌ وجناتٌ وفي جنباتها ... الحسنُ يمرحُ والجمالُ يجولُ
وشقائقُ النعمانِ تزهو حمرةً ... كشفاهِ غيدٍ رامها التقبيلُ
يا مَن مقامُ الانبياءِ مقامها ... مثوى وفضلٌ زاخرٌ وجليلُ
تفدى محاسنها ويعلو شأنها ... ما طالها في الخافقينَ مثيلُ
موعد لم يتحقق:
في يوم الخميس المصادف الثاني من آب 2018 نشرتُ ضمن سلسلة (شخصيات موصلية) سيرة الأستاذ الدكتور عادل البكري (1930-2018)، وعلى الرغم من التفاعل الكبير للأصدقاء مع ذلك المنشور الذي نشرته على صفحتيَّ، فقد كانت المفاجئة الأكبر هي ردود الفعل الكبيرة للدكتور عادل على ذلك المنشور بالرغم من عدم وجود معرفة مسبقة بيني وبين الدكتور عادل البكري.
لقد وصلتني بالماسنجر رسالة من أحدى قريباته تشكرني على المنشور وتفيد بأن الدكتور عادل قد فرح كثيرا بذلك المنشور وكتب لي رسالة بخط يده وأرسلها لي وكتب فيها (مرفقة صورتها):
" أخي الدكتور باسل ذنون:
أدام الله كفايتك وأتمَّ بالصحةِ عافيتك، وبعده:
حديثك (باسلٌ) وعلى التنائي ... ودودٌ لا يحولُ عن الودادِ
سديدُ الرأي والأقوال تأبى ... نهاية أن تميل عن السدادِ
وشكرا على ما قدَّمته من معلومات عني أثارت ردود فعل وأجوبة ثناء...
حفظك الله من كل سوء ورعاك في جميع أوقاته.. عادل".
ثم جاءتني دعوة كريمة منه لحضور ندوة ثقافية في بيته يوم الجمعة 31 آب 2018 بمناسبة صدور آخر كتبه. فلبيتُ الدعوة الكريمة وأهدانا نسخة من كتابه، وبسبب الازدحام الشديد لم تسنح الفرصة للتعرف به عن قرب.
في اليوم التالي السبت المصادف 1 أيلول قمتُ بنشر الخاطرة (63) وعنوانها: (دعوة كريمة وولادة كتاب "رحلتي مع الأيام: حقائق وذكريات")، فكان لتلك الخاطرة وقع معنوي على الدكتور عادل فجاءتني رسالة من قريبته تفيد بأن الدكتور عادل لم يعرف أنني حضرتُ الندوة (ولو يعرف مكاني لكان زارني في بيتي ويتمنى أن أزوره عندما يكون خاليا). ثم تواصلنا وتحدثتُ بالموبايل مع الدكتور عادل وأبدى أسفه عن عدم تعرفه عليّ في الندوة، وقال: كنتُ أريدك أن تجلس بجانبي. والح علي باللقاء وقال لي: إما أزوركَ أو تزورني، فقلتُ له: أنا ازورك. وهكذا اتفقنا على الزيارة وكنتُ متحمسا لها للتعرف عليه عن كثب والتحدث معه في أمور كنتُ تواقا لمعرفة رأيه فيها.
لقد كان تحمسي كبير للقاء مع الدكتور عادل البكري لثقافته العالية والمتنوعة في مجالات شتى ولتجربته الكبيرة والفريدة والغنية والمعمرة في الحياة في العمل الوظيفي والسياسي ولمعايشته لمختلف الأحداث التي مرت بالبلد في العصرين الملكي والجمهوري. إن اللقاء مع شخصية بهذه المواصفات وبعمر يقارب التسع عقود تعد فرصة نادرة جدا يطمع لها الكثير منا. لذا بدأت أهيئ نفسي لذلك اللقاء المنتظر وأهيئ الأسئلة الخاصة التي كنتُ تواقا لسماع الإجابة الصادقة منه لعل تستفاد الأجيال القامة منها.
لقد كنتُ مقرر أن أزوره يوم الجمعة 7 أيلول 2018، ولكن لم يكن ذلك الموعد مناسبا حيث طلع هو إلى أربيل يوم السبت 8 أيلول بعد الجهد الذي بذله في إصدار كتابه الأخير ثم غادر أربيل في الساعة الخامسة عصرا في سيارة اجرة. وفي الخامسة والنصف حدث حادث للسيارة فانقلبت ووصلتني رسالة بالماسنجر تفيد بوفاته بالحادث.
لقد شعرتُ منذ أن تعرفتُ بالدكتور عادل البكري في الندوة الثقافية التي اقيمت في بيته يوم الجمعة 31 اب 2018 بأن ذلك الحشد من كبار شخصيات الموصل الدينية والثقافية والاجتماعية والعلمية، والذي يزيد عن الخمسين شخصية مرموقة، وتم تصويرها تلفزيونيا من قبل فضائية الموصلية.. تحسستُ وأنا أنظر إلى وجوه الحضور الكرام بأن هذا لقاء توديعي لذلك الرجل الذي أحب الموصل وأحبته، فأرسلتْ إليه ذلك الوفد الكبير المرموق لتوديعه. وعلى الرغم من أن عمره الذي يناهز التسعين، إلا أنه كان لا يزال يتمتع بنشاط وحيوية واندفاع لم أجده عن شباب هذا العصر!!
لقد رثى الدكتور عادل البكري العديد من شخصيات الموصل وشعرائها. وقد كتب الأستاذ الدكتور الشاعر عبد الوهاب العدواني قصيدة في رثائه، ومما قاله فيها:
يمضون، مثل كواكب سيارة ... لكن سير النجم درب راجعُ
أما الألى ذهبوا إلى أجداثهم ... ذهبوا وحد الموت حد مانعُ
هذا الكريم كريمة أفعاله ... تاريخه بالعلم رحب ماتعُ
فاذا بكته مدينة منكوبة ... فلها به ذا اليوم رزء فاجعُ
ستضل تذكر أنها زيدت به ... ما زادها النبأ المهول الفاجعُ
عفو الطريق يموت و هو مغالب ... أجلا يجيء وما يراه الشارعُ
حتى يرى أشلاءه و كأنها ... طعم لغول الموت ذاك الجائعُ
لكنها الأقدار حكمة ربها ... تأتي طبيب الناس فهو الخاضعُ
فسلوا الكريم له النوال جميعه ... فنواله للناس جم شافعُ
ما كان أطيبه طبيبا وادعا ... ووراء ذلك فيه صدر واسعُ
خدماته ميمونة .. و علومه ... مقروءة .. والطب منه النافعُ
العادل البكري رب سوابق ... وله لدى المولى بهن مراتعُ
وقد أرخ الشاعر الدكتور عبدالستار فاضل لسنة فقد فقيد العلم والطب والفن والتاريخ والفلسفة والأدب ((الدكتور عادل البكري))، والذي وافته المنية يوم السبت 28 ذي الحجة 1439هجرية، 8 أيلول 2018 ميلادية قائلا:
سبق القضا في العالمين قديما ... جل الإله مدبرا وحكيما
تجري الأمور بعلمه سبحانه ... وإليه يخضع جمعنا تسليما
والناس في شرب المنون تتابعت ... فمؤجل ومعجل تقديما
يا (عادل البكري) غبت فجاءة ... وتركت حزنا في الفؤاد أليما
أنت المؤرخ والأديب وأنت من ... بالطب تبهج من أتاك سقيما
قد عشت محبوبا بخلق قد سما ... وملكت قلبا طيبا وسليما
ندعو لك المولى الكريم مثابة ... لتكون في حلل القبول مقيما
وبرحمة أرخته: ((شوقا بها ... نرجو لعادل جنة ونعيما))
وفي سنة 2021 تبرعت عائلة الدكتور عادل البكري مشكورةً بمكتبته الشخصية القيمة الى المكتبة المركزية في جامعة الموصل.
نسأل الله تعالى أن يتغمد الدكتور عادل البكري بواسع رحمته ورضوانه، وأن يجزيه خيرا على ما قدّم لبلده من خدمات جليلة في المجالات الطبية والتاريخية والأدبية.
(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).
https://www.youtube.com/watch?v=h9mT8iHtMDQ&t=68s
725 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع