أين نقف؟

زهراء كوسرت ظاهر

أين نقف؟

أتراني فضولية عندما أبحث في موضوع ليس من اختصاصي؟ أم أنني قد أغير وجهة نظرك إذا أوضحت لك الفروق والأسباب وأهمية الأمر ودقته؟ قد تبدو البداية معقدة بيننا، نعم، فهي تحتاج إلى خبرة المختصين وإلى متطفلة تتقمص دور من ينتمي إلى عالم علم النفس.

لم أستطع الابتعاد عن عالم علم النفس الذي يتعمق في دراسة النفس البشرية، خاصة في مواجهة التحديات التي تتطلب فهماً أعمق للذات وللآخرين. رغم أنني لست مختصة، ولكن أجد نفسي مشدودة إلى نظرية فرويد حول (الهو، الأنا، والأنا العليا)، ومفهوم يونغ عن اللاوعي الجمعي، وإسهامات ماسلو في وضع هرم الاحتياجات، وفكر بياجيه حول تطور الأطفال. معرفة مفاهيم مثل اللاوعي، والتعلم الشرطي، والهوية الاجتماعية، والذكاء العاطفي، والإدمان، والضغط النفسي ليست مجرد مواضيع نظرية؛ بل هي أدوات ضرورية لفهم أنفسنا ومجتمعنا وعلاقاتنا بشكل أفضل. معرفة هذه المعلومات لغرض التطور وفهم النفس والآخرين مهم جداً ولكن أرجوك لا تفتي لي بمصطلحات تجارية في غير اختصاصك لتجتذب فئة معينة من الناس يواجهون ظروف خاصة. فهمي وبحثي لهذه المعلومات تمكنني من أن أُعالج وأن أَعالج..


لست طبيبة، لكن في مسرح الحياة نجد أنفسنا أحياناً أمام مشاهد لم نتخيل يوماً أن نؤدي فيها دور البطولة. نُدفع إلى استكشاف مجالات لم نخترها بدافع الرغبة، بل بدافع الاضطرار. واجهنا تحديات كثيرة، وأمراضاً أنهكتنا في السنوات الأخيرة، واضطررنا إلى أن نصبح أطباء تحت رقابة أطباء لأنفسنا ولمن حولنا. بحثنا عن الحلول، وعلّمنا أنفسنا كيف نواجه الأزمات بصبر ووعي. اضطررنا إلى التعرف على الأدوية كما لو أننا نخوض دورة تعليمية غير اختيارية؛ نحفظ أسماءها، نفهم دواعي استخدامها، ونتقن مواعيد تناولها. نعم، تعافينا إلى حد ما، إلا أنه لا يزال أمامنا بعض الخطوات المهمة لتحقيق التعافي الكامل. فهذه الأزمات لم تستنزفنا وحدنا، بل أرهقت أهل الاختصاص أيضاً. ما زالت آثارها باقية في أجسادنا؛ آلام مترسبة، حالات اختناق، ضيق في التنفس، وهواء ثقيل غير صحي يحيط بنا.

هواء غير صحي! بيئة ملوثة! هل أنا خبير بيئي؟ وهل أدرك ماهية التلوث البيئي وتأثيراته؟ في زمن أصبحت فيه الطبيعة تستغيث، صار من واجبنا أن نستمع إليها. لم تعد البيئة مجرد خلفية صامتة لحياتنا اليومية، فكل فعل له ردة فعل، كما علمتنا الفيزياء. حيث ينص القانون الثالث من قوانين نيوتن للحركة في الميكانيكا التقليدية على أن القوى تنشأ دائماً بشكل مزدوج؛ فلكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار وعكسه في الاتجاه. إذا، فإن تأثيراتنا على البيئة تترجم إلى نتائج ملموسة مع مرور الوقت. لقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها التلوث البيئي ظاهرة لا يمكن تجاهلها، فكل تصرف غير مسؤول تجاه الأرض يترك بصمته في الهواء والماء والطبيعة بشكل عام.

تخيل لو لم أكن فضولية في مجال اللغة، فتجاهلت أسرارها وأبعادها العميقة، كيف لي أن أكتب نصاً يليق بالقارئ ويشد انتباهه؟ الفضول هو ما يجعلني أتعمق في التفاصيل الدقيقة للغة، أكتشف جمالياتها وأشعر بتأثيراتها. أتدري أنني ذكرت في المقدمة كلمة "متطفل"، ولم تعترض أو تنتبه لها؟ ربما لأنك لست فضولياً بما يكفي لتتساءل عن الفرق بين الفضول في العلم والتطفل.
الفضولي في العلم يسعى لاكتساب المعرفة بشغف ووعي، بينما المتطفل يتدخل في أمور ليست من شأنه، دون إدراك أو مسؤولية وهو ما نجده كثيراً في حياتنا اليومية للأسف. في مجال الأحياء، يُطلق مصطلح المتطفّل على "الكائن الحي الذي يعيش على كائن آخر أو داخله ويعتمد عليه للحصول على الغذاء أو الحماية، مما يسبب ضرراً للمضيف".

الفضول في طلب العلم سبيل للوعي ومطلوب لفهم العالم بحكمة، والتطفل سبب للضلال والفوضى والتشويش فهو خطر يهدد ثقة المجتمع بالمعرفة، خاصة في عصرنا الحالي الذي يشهد هيمنة وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، من الضروري أن نحترم التخصصات ونتحلى بالمسؤولية.

نبحر في بحر العلم والمعرفة بحب، ولكن يجب أن نعي حدودنا ونحترم اختصاصات الآخرين. العقلاء هم من يسعون لاكتساب المعرفة بتواضع، ويتركون المجال لأهل الاختصاص ليقدموا أفضل ما لديهم، هناك مثل يقول "أعطِ القوس باريها" بما معنى أن المهام يجب أن تسند إلى من يتقنها وإلى المختص فيها؛ فعندما تُسند المسؤوليات إلى غير أهلها، يدفع المجتمع بأسره ثمن هذا التوزيع العشوائي للأدوار.. فالفهم العميق ينشأ من الاعتراف بأن لكل مجالٍ أهله، وأننا إذا التزمنا بالدقة، وتحلّينا بالتواضع، وحرصنا على الشفافية والإخلاص والمهنية، سنتمكن من بناء مجتمعٍ متماسكٍ ومتطور قائم على التعاون والمساواة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

816 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع