رؤية فلسفية في ألخلاف والاختلاف

 جابر رسول الجابري

 رؤية فلسفية في ألخلاف والاختلاف

المقدمة:

الإختلاف قياس ومعيار يستخدم للتمييز والتفرقة ، والمثال اللغوي على ذلك قول الله سبحانه ( وإختلاف الليل والنهار )( آل عمران )( وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْۚ) ( الروم)

أما الخلاف فله مسار و إتجاه وموقع والمثال اللغوي على ذلك قوله عز وجل

( لأقطعنَّ ايديكم وأرجلكم من خلاف )( الأعراف )

( لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا )( الإسراء)

يستخدم الناس في أحاديثهم وكتاباتهم هذين المصطلحين وبالرغم من أنهما يشتركان معاً بالإشارة إلى وجود فوارق بين كيانين أو أكثر لكنهما يختلفان في التعريف و الإستخدام اللغوي ،

أضف إلى ذلك ان كلمة خلاف يأتي غالبا بعدها الحرف (مع ) للربط بين طرفين

اما كلمة الإختلاف فيأتي غالبا بعدها الحرف (عن) للفصل بين طرفين ،

ان الكثير من المتحدثين لا يفرق بين المصطلحين أو متى يتم إستخدامها أو أين يكمن مفهومهما المناسب .

الموضوع :

————-

١- الاختلاف :

هذه الكلمة تدل على منشأ مادي بحت بالرغم من أن إدراكها يكون بالعقل البشري ،يتحسس الإنسان وجود الاختلافات بواسطة الحواس الخمسة التي يمتلكها ومنها يستنتج عقله عن وجود فوارق لتمكين الإنسان من التمييز بين الكائنات ،

تلك الحواس قد تمتلك بعض الكائنات جزءاً منها أو كلها لكن الإنسان بالذات يملكها جميعا مع إمتلاك العقل الذي يستنتج ماهية الاختلافات ،

وكما ذكرنا أعلاه أن تلك الحواس هي التي تتحسس الاختلافات وهي تعتبر أيضاً مقياس للفوارق ومستوياتها ،

حاسة النظر ( اختلاف الشكل إختلاف الألوان إختلاف الحجم اختلاف القياس )
حاسة السمع ( اختلاف الصوت اختلاف الألسن واختلاف وتحسس التأثير )
حاسة اللمس ( إختلاف الوزن اختلاف درجة الحرارة اختلاف الملمس )
الشم والتذوق ( اختلاف الطعم وإختلاف الرائحة)
كل تلك الاختلافات يتم صياغتها و إدراكها عن طريق العقل المستنتج بل و يحدد الفوارق ومستوياتها ،وعلى الرغم من وجود الفوارق و الاختلافات في الطبيعة ، لكن نجد أن الإنسان يتعايش مع الاختلافات والتعدد وهو يتقبل وجودها دون أن تحدث منه ردة فعل اتجاهها بل أنه يميل لوجودها معه ولذلك يشعر بالملل من عدم توفرها لأنه يرغب إلى التنوع والإختلاف والتعدد .

٢- الخلاف :

هذا المصطلح نابع من الرؤية الفكرية مع وجود فوارق في مستوى الإدراك و الاستنتاج عند كل فرد ،

يوجد الخلاف الفكري فقط عند الإنسان لأنه الكائن الوحيد الذي يفكر ويستنتج ويملك الرؤيا الفكرية ،

يعتمد الخلاف الفكري على اسس وعناصر لابد من توفرها ليطفو على سطحها الخلاف المعرفي أو الذي نعبر عنه بخلاف الأراء ،

وجود معلومات متراكمة في ذاكرة الانسان تحدد مسار فكر واتجاه رؤيته وسواء تم إكتساب تلك المعلومات بالتجربة الشخصية ام كانت مقتبسة فإنها تعتبر قاعدة لانطلاق الآراء ،
قدرة الإستيعاب و الاستنتاج العقلي التي يتم بها تطوير وتنمية وتنشيط قابلية مستوى التفكير لدى الفرد بالدراسة العلمية والتربية لتمكينه من إمكانية صنع رأي صحيح أو تعديل مسار الرأي أو الانتقال للتغيير عند اكتشاف خلل في مسار رأيه او خطأ في معلوماته .
ان هاتين القاعدتين كفيلتان بالتسبب بظهور الخلافات في آراء الفرد وتحديد مسارها وبالتالي إن تلك المسارات قد تتقاطع مما يسبب أو يحدث تصادم بينها وبين مسار آراء الآخرين ،

وقد ينتج عن ذلك التصادم صراع بين الآراء المتقاطعة فينعكس ذلك على سلوك أصحاب الرأي فيتهجم احدهما على الاخر او ينقض احدهما على صاحب الرأي الآخر تصل إلى حدوث جريمة قتل بهدف فرض رأيه حتى لو كان غير صائباً ،

الخلاصة :

الموضوع المهم هو

كيف يمكن ان نتحاشى مرحلة الصراع بعد حدوث خلاف الآراء نتيجة حصول تقاطع في مسارها

الصمت والإهمال بهدف الإستمرار بمسار رؤية الفرد الشخصية وقناعته
تجنب اصطدام رؤية الفرد برؤية الآخرين من خلال تقبل رؤية الطرف الآخر وامتصاص اندفاعه بالليونة ثم المراجعة لتعديل مسار رأي الطرفين برؤية موحدة والتركيز على المشتركات على الرغم من وجود فوارق وخلاف في الآراء .
الثبات على الرأي وتوضيح الأسباب التي أدت للتمسك بالرأي بالبراهين والأدلة والمنطق حتى حصول قبول وقناعة للطرف الآخر مع احترام رأيه .
إن الطبيعة الفسيولوجية للنفس البشرية تميل للتآلف والعيش كشعوب وجماعات كما ولديه رغبة تواصل اجتماعية عارمة للإلتقاء بما يماثله والتعرف على رؤية الآخرين سواء لإكتساب معلومة أو للإطمئنان على صحة رأيه ، لأن الانسان لا يستطيع العيش مفرداً دون مجتمع ،

دفعت تلك الطبيعة بالانسان إلى سلوك نهج من اجل تحقيق رغبته بالتعايش و التآلف الإجتماعي مع الآخرين ،

باستخدام القوة والعنف لإجبار المجتمع بقبول الرأي الفردي في قيادة وادارة الشعب وهو ما يسمى بالنهج الديكتاتوري
بالامتثال و قبول آراء الآخرين وقبولها جميعا ثم دراستها واستخراج الرأي الملائم و الأفضل عن طريق التصويت الجمعي الذي به يحقق التآلف والقبول بين افراد المجتمع وهذا ما يسمى بالنهج الديمقراطي في قيادة وادارة الشعب .
إن حاضرتنا بحاجة ماسة للعمل الجمعي لأنه الأفضل والذي يحقق الواقعية وتعدد الرؤى واستخلاص محصلة مضمونة ،

وجود التطور التكنولوجي ساهم كثيرا بتطور التفكير الإنساني ورسم الرؤية الصحيحة والرأي الأفضل ،

ان التفكير الإنساني الحاضر قد اختلف مستواه كثيرا عن التفكير الإنساني للعهود الغابرة في تاريخ الانسانية وهو واضح جدا ولا يحتاج لتعليل فكل انسان يستطيع ان يتحسسه ويعرف ان الأحفاد ابرع علماً وفطنة من الأجداد ،

وعلى ضوء تلك المقارنة نجد ان التكنولوجيا ساهمت كثيرا بتغيير نمط تفكير وعيش البشرية و في تطوير مستوى الاستنتاج العقلي لدى الفرد كونها خلقت له مساعدات ووسائط أدت لتبسيط وتسهيل البحث لايجاد رأي حقيقي وواقعي وتعليل اسباب نشوئه وهذا مختلف عما كانت عليه الحقب الزمنية السابقة من وجود البشرية لكون الماضي قد اعتمد باستنباط الرأي على القدرة العقلية الاحادية ،

ولا ندري اين سيصل مستوى قدرة التفكير لدى أ لأجيال القادمة .

————————-

المملكة المتحدة

السادس من كانون الثاني عام 2025

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع