ابراهيم فاضل الناصري
((مباركة بالمداد على عتبات اعياد الميلاد)) آرام (تكريت) وحدث تكلم (يسوع) في المهد
لعل من أنفس نفائس الموروث الثقافي السرياني المشرقي الذي خلد وفي ضوعه شيء من المجد هو ذلك الذي حفظته لنا الذاكرة الوجدانية لمخيلة السريان الارثوذكس عن اسلافهم المؤمنين من الاراميين والذي جاء متضمنا بسرده مروية فخرية فيها اشارات عن مكانة وكرامة مدينة تكريت (عاصمة كرسي المشرق)، وهي في حالتها انما تعد من السرد الحكائي المؤسطر لمعمري تكارتة السريان التي كانوا قد اودعوها الوجدان وتناقلوها بالتواتر المحكي بفخر عبر الازمان.
حيث طالما قد روى في اماسي نصارى المشرق والعهدة على راويهم انه قد ورد في (التقليد) للمشارقة السريان، والذي هو موروث مقدس:
أن أحد التجار الذين حلوا في بيت لحم (من الاراميين)، وشهدوا حدث تكلم المسيح في مهده، فتبارك به، وآمن بمعجزاته، إنما هو من تكريت، ما جعله مبشراً بهذا الحدث الفريد في دياره بعد عودته، وهو متزود بقطعة من قمط يسوع الطفل للتيمن والتبرك والتصديق، وقد جاء في التقليد أنه: (في أيام الملك الروماني هيرودس انتيباس، حاكم الجليل ابن الملك هيرودس الكبير ملك فلسطين، من زوجته الآدومية ملثاكي، كان قد حل ضيفاً على مدينة بيت لحم من أرض الجليل نفرٌ من أشراف المشرق، كانوا من آراميي أرض آثور، وكان عددهم اثنا عشر رجلاً (ملوك المجوس)، وتم وصولهم إليها بهداية نجم النبؤات والبشارات، وهو ذاته النجم الذي توارثوا طالعه عن سلفهم بأنه إذا ما ظهر، ثم وقف في موضع ما، فإنما هو دلالة بشارة بولادة عيسى المسيح في ذلك المكان، وهكذا فإنهم قد تتبعوا مسار هذا النجم البشارة الذي ظهر لهم في طريق رحلتم للتجارة من أرض آشور نحو أرض الشام، حيث صار يتراءى لهم بأنه يتحرك أمامهم، حتى إذا ما وصلوا مشارف مدينة بيت لحم، توقف فوقها، ففرح هؤلاء النفر المشرقيين فرحاً كبيراً، ثم لم يبرحوا أن انطلقوا إلى أهل العلم في بيت لحم، وسألوهم قائلين: (أينَ هوَ المَولودُ، لقد رَأَيْنا نَجْمَهُ في المَشْرِقِ، فَجِئْنا لِنَسْجُدَ لَه)، فلبى سؤالهم واحد من أهل العلم، ودلهم على البيت الذي كان يرقد فيه المخلص عليه السلام، فسارعوا نحوه، ودخلوا بلهفة، وكانت بجانبه أمه القديسة السيدة مريم العذراء، فتقدموا وتباركوا منه، ثم فتحوا أكياسهم التي يتقلدونها، وقدموا له منها الهدايا من لبان وبخور ومر وعطور، ثمّ أُوحي إليهم ألا يرجعوا إلى بلدهم من نفس طريق المجيء، خوفاً من هيرودسَ، فانصرفوا بطريقٍ أُخرى إلى بلادهم)، الأمر الذي يعني أن هؤلاء النفر من التجار المشرقيين إنما يعدُّون أول من تبارك بالمسيح عيسى عليه السلام نبياً وصاحب رسالة.
وهكذا يمكن لنا بأن نقول: إن من الإشارات التي تسوقها مجريات هذه القصة التالدة المؤسطرة، إنما هي تلك الاشارة التي لها علاقة بمقام مدينة تكريت، المدينة الآرامية العتيقة، إذ أن واحداً من هؤلاء النفر الأشراف المذكورين كان من مدينة تكريت، التي كانت تعد حينها معقلاً آرامياً هاماً في المشرق، وكان أبناؤها من أعلام وتجار في اتصال مباشر ومستمر مع بلاد الشام، بحكم التبعية المشتركة للحكم الروماني، وإن هذا التكريتي الآرامي النسب الذي كان أحد الذين تباركوا بالسيد المسيح، وشهدوا تكلمه في المهد، كان اسمه (ملكان)، وهو تصغير لكلمة ملكو الآرامية أي ملك، مما يدل على أن مدينة تكريت، والتي هي اليوم معقلاً عروبياً إسلامياً هاماً، كانت فيما مضى من أقدم المدن سبقاً إلى التوحيد الإلهي وتعرفا عليه، وأسبقها في التبرك بأحد أنبياء الله المرسلين، فضلاً عن أنها من أولى البلدات تعرفاً على النصرانية، بصفتها ديناً سماوياً سبق الدين الإسلامي في الظهور والهداية وأنها لهذا السبب كانت قد اختيرت في ازمان التمكين للسريان عاصمة لكرسي المفريان ومركزا لكنيسة المشرق، وحاضنا امينا لمشعلها المشرق بالإيمان.
584 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع