إبراهيم فاضل الناصري
تكريت كمدينة تاريخية واشكالية المظهر الحضري لهويتها الحالية
تكريت رحم الأدوار المشرّفة وحاضرة العهود الزاهرة وقلعة الازمان المهيبة، التي كانت وكانت، ثم ما خفت صيتها زمانا ما ولا صفتها الحضرية بيوم تعانت، قد دهمتها على حين غفلة المقادير الخطيرة والحظوظ العواثر وقلبت لها ظهر المجن فباتت من جراءها بعد حين تعاني؛ إشكالية هوية مدنية وازمة وجود حضري. ولعل الذي أوصلها لهذا المآل هو انكفاء اهلها عما يجسد تلك الهوية ويديمها وتماهلهم بكل ما يجعلها تكون علامة حضارية فارقة.
ولقد شاء الله لي ان اجول في عدد من الحواضر العربية الكبرى وان أرى كيف هي اشكال هوياتها المدنية وكيف هي حالتها الحضرية التي اختطتها لها وانجزتها مشاريعها الثقافية الحضارية التي صارت تنمو وتتألق وتتميز بها. فلم أجد شارعا او جسرا او تقاطعا هناك الا وكان له اسما يعكس او يحمل رمزا تاريخيا محليا هو محل فخر ومباهاة في وجدان اهل المكان، ولم أجد حيا او مجمعا سكنيا الا وكان له سمته المحلية التي تعكس حالة حضارية مشرقة في تاريخ مجتمعه، وكذا هو الامر مع المدارس والمستشفيات والجامعات والصروح الحضرية الاخر وفضلا على ذلك تعرفت على السمات الحضرية الخاصة بكل حاضرة وعلى علاماتها الثقافية الفارقة التي تؤسس لها هويتها الاصيلة.
بينما بلدتي الام تكريت تفتقد وتفتقر وتخلوا من كل ذلك ومن غيره من عناصر تجسيد الهوية الحضرية مع سبق الإصرار والتعمد. فهي في منظور الهوية الحضرية الظاهرة التي تتلبسها اليوم ليس لها صلة بموروثها الثقافي الحضاري ولا لها اية علاقة به. والشاهد على ذلك هو انني لم اصادف ان شاهدت ولا مركزا صحيا واحدا ولا مستشفى محلية واحدة ولا صيدلية واحدة من التي تقوم فيها تكون تحمل اسما لحكيم او اسما لمتطبب او اسما لرمز تكريتي او اسما لمأثرة تكريتية او اسما لموروث علمي محلي مشرق او مظهرا حضاريا كانت تمتلكه على الرغم من ان تراثها العلمي والحضاري يزهو بالكثر من الأطباء ومن الحكماء ومن الذين هم بصنعتهم على مستوى من هو متداول الاسم اليوم بين ظهرانيها ولا يقلون شأنها عنهم فهم اما زملاء معهم او تلاميذ لهم أمثال الطبيب هبة الله بن ملكا والطبيب يحيى بن جرير والطبيب الفضل بن جرير وغيرهم.
كما وكذا الحال في امر المدارس وفي امر المعاهد وفي امر الكليات التي تنتثر بين حناياها اليوم. اذ يعز علينا ان نعثر على اسم لرمزية تاريخية تكريتية وقد جعلت عنوانا لمدرسة او لكلية او لصرح في تكريت علما ان المتصفح للتراث العلمي الإسلامي ستظهر امامه عشرات الأسماء التكريتية التي كان بعضها ناظرا لمدرسة وبعضها مدرسا لمدرسة وبعض الثالث معيدا في مدرسة من مدارس الحضارة الإسلامية كالمستنصرية او النظامية او من كان مؤسسا وراعيا لمدرسة تكريتية خاصة كالمهاجرية او الكويكية او الهمامية او الفتوحية... أمثال عبد الرحمن أبو النجيب ويحيى بن أبي السعادات وتاج النساء بنت فضائل ويحيى بن القاسم واحمد بن منعة واحمد بن عبد السلام وشرف الدين بن المهاجر واسد بن المبارك وجعفر بن عثمان ومنتجب الدين بن باقا وزينب بنت الحسين وعبدالله كافي الدين وأبو القسم عبد الله بن كمال الدين وزين الدين عبد الرحمن وأبو الغنائم عبد السلام وسراج الدين بن ابي الفتح وعبد اللطيف بن السديد والشرف بن الكويك وغيرهم
ولا شك في ان المبرزات الحضارية العامة تحتاج لان يزج بها او تجملها أسماء علمية لامعة اعتزازا ووفاءا على ان لا يتم اهمال الأسماء المحلية التي من الانصاف ان يكون لها سهم في الامر. فما الضير من ان تتسمى بعض المدارس بأسماء تكريتية تاريخية شهيرة ولامعة وما الضير من ان يكون هنالك مركزا صحيا يأخذ اسم الطبيب يحيى بن جرير التكريتي مثلا فياتي اسمه مركز ابن جرير او ان تكون هنالك مستشفى تحمل اسم الطبيب أبو حمزة الكحال التكريتي او أبو السعد الفضل المتطبب التكريتي او الطبيب هبة الله بن ملكا التكريتي فياتي مثلا اسمها مشفى الفضل بن جرير او مشفى أبو حمزة الكحال او مشفى ابن ملكا. وما المانع ان يسمى احد التقاطعات او احد الجسور باسم المهندس التكريتي صاعد بن يحيى بن الفضل او باسم الفلكي يحيى بن السديد وما المانع في ان يكون الشارع العام الذي يتوسط المدينة والذي يمر على تقاطع مجسر الدبلة يحمل اسم الصحابي التكريتي عتبة بن وائل الذي ورد اسمه في كتاب الإصابة او ان يحمل اسم وزير الشام التكريتي الصاحب أبو البقاء تقي الدين او ان يحمل اسما لاحد اعيان تكريت من الفرسان أمثال بشر بن ابي الحوط او ابن الحجير الايادي او عمرو بن جندب الازدي او مسعود بن حريث او رافع بن الحسين او بركة بن المقلد او الأفضل نجم الدين او المنصور اسد الدين او الناصر صلاح الدين او همام الدين بن علي او فخر الدين بن مودود او ابن العميد او الوزير معين الدين او المعتمد رضي الدين، وما الضير من ان يكون اسم حي الديوم هو حي الكاميليا نسبة الى الاسم العلمي لزهرة البابونج التي كنت تشتهر بها برية تكريت ايام الربيع او ان يكون اسم حي الانواء مثلا هو حي السوسن نسبة الى زهرة السوسن التي كانت تنمو في الوادي المحادد (شيشين ) الذي ينطوي اسمه على تاصيل لغوي اكدي لزهرة السوسن او ان يكون اسم حي سما تكريت هو حي الحارة الجديدة احياءا لاسم محلة الحارة احدى حارات ماضي تكريت او ان يتسمى الحي العصري بحي الأربعين.
وكذلك ان الحالة الحضرية التي تتطلبها الهوية الثقافية الحضارية لتكريت باتت تستلزم الاحياء والاشهار للزي الشعبي الخاص الذي كان سائدا بها في ازمنتاها القريبة الماضية من خلال أنشطة ترويج واحياء له وتتكفل بها احدى واجهاتها الفنية من المعنية بالفنون التشكيلية او الفنون التطبيقية.
كما وان الامر الحضاري يتطلب الابراز والتخليد لـ (الشواهد الحياتية البارزة) لمدينة تكريت من التي كانت دالتها وصفتها الفارقة وعنوانها الفارق والمميز بين المدن المحيطة في بيئتها واقصد بها (الكلك والقلعة والدلة) فالكلك كان عنوان التكارتة الوظيفي واس حياتهم الاقتصادية ومعاشهم وسبب علاقاتهم الاجتماعية وواسطة خروجهم الى الدنيا. والقلعة كانت عندهم رمزا للمنعة وللصمود والتحدي والحصانة بوجه الشرور. والدلة كانت عندهم رمزا للكرم ومرمزا للديوان الذي اشتهرت به مدينتهم والذي وثق له أبو العلاء المعري في ابيات شعرية مادحة. والفكرة المقترحة هنا هي وجوبية التخليد لهذه العلامات الفارقة بالنصب المجسدة لها او بالجداريات الفنية المعبرة عن تاريخها الغائر والمشيرة اليها
الحديث ذا شجون بهذا الامر والافكار المقترحة التي يراد لها الاستثمار في الواقع الحضري لتكريت للنهوض به وابرازه هي كثيرة ومثيرة وكلها يعبر عن المكانة الحضارية لتكريت الزاهرة في سفر الحضارة.
1053 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع