الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
يوسف الصدّيق وقميصه - الجزء الثاني
إن سورة يوسف هي من أكثر سور القرآن الكريم التي تتحدَّث عن عدم اليأس، ولم يأتِ يوسف الصدّيق بمعجزات، بل كان إنساناً عاديَّاً ولكنه اتَّقى الله فنجح: (ولا تيأسوا مِن رَوحِ الله إنَّهُ لا ييأسُ مِن رَوحِ الله إلا القومُ الكافِرون) (يوسف: ٨٧)، (حتى إذا استيأس الرسلُ وظَنُّوا أنَّهُم قد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا) (يوسف:١١٠).
إن قصة يوسف الصدّيق هي قصة النجاح في الدنيا والآخرة، وهي تخاطب المؤمن وكأنها تقول له: أيُّها المؤمن، إن اللهَ تعالى قادر على كل شيء: فلِمَ اليأس؟! فقد كان يوسف من عائلة كبيرة مكونة من أب يرعى الماشية واثنا عشر ولدا واستطاع بفضل الله تعالى ثم بحكمته من التصدي لامرأة العزيز ورفض الفاحشة، وقد نجح في التعامل مع الملِك، فكلّفه بوزارة مال الدولة والتصرّف في أرض مصر كيفما يشاء، وبذلك علا شأن يوسف عليه السلام وأصبح وزيراً للمال.!!
لقد تزوج يوسف من فتاة مصرية تُدعى (أسنات) ورُزق منها بفتاة اسمها (رحمة)، وهي زوجة أيوب (ع)، كما رُزق بولدين: أفراييم ومنشا، ووُلد لأفراييم نون؛ ووُلد لنون يوشع؛ وهو فتى موسى (ع) الذي ورد ذكره في سورة الكهف.
لقد عاش يوسف (ع) وتحقّقت رّؤياه التي رآها في طفولته (إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ) (يوسف: ٤)، وقد توفيّ يوسف بمصر ودُفن فيها، وكانت وفاته قبل مولد موسى (ع) بأربعٍ وستين سنة.
قميص يوسف:
يلخَّص قميص يوسف قصة يوسف الصديق كلها من بدايتها وحتى نهايتها؛ ولم يرد لفظ (قميص) في القرآن إلا ومقصود به قميص يوسف (ع).
يلعب قميص يوسف دورا محوريا في قصة يوسف، وقد وردت كلمة (قميص) في القرآن الكريم ستة مرات كلها تخص النبي يوسف (ع)، وقد شهد (القميص) في قصة يوسف أكثر من واقعة: فقد شهد في البداية على حزن سيدنا يعقوب: (وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ) (يوسف: ١٨)، ثم كان قميص يوسف شاهدا على براءة يوسف من فتنة امرأة العزيز: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (يوسف: ٢٥-٢٨)، ثم كان قميص يوسف هو خاتمة أحزان يوسف وأبيه (ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا وَأۡتُونِي بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِينَ) (يوسف: ٩٣).
https://www.youtube.com/watch?v=Zz-JA7IM_Ig
قميص يوسف في الشِّعر:
نظرا للمعاني العميقة التي يحملها قميص يوسف، فقد ورد هذا القميص على ألسنة الشعراء قديما وحديثا:
قال أبو الفضل بن الأحنف:
سَلُوا عن قميصي مثل شاهدِ يوسفٍ ... فإنّ قَميصي لم يكن قُدَّ من قُبلِ
وقال ابن سهل الأندلسي:
تاقت إليكَ عجافٌ أنت يوسُفها ... هلّا رميتَ على العُميان قُمصانا؟
وقال الفرزدق:
تَرَى كُلّ مُنشَقّ القَميصِ كَأنّما ... عَلَيْهِ بِهِ سِلْخٌ تَطِيرُ رَعَابِلُهْ
وقال أحمد محرم:
قميص يوسف إذ أتى ... يعقوب فانظر كيف كان الحال
وقال صفي الدين الحلّي:
إن يكن من قميص يوسف قد سر أبوه لموقع التخصيص
بيننا في القياس فرق لأني سرني يوسف بغير قميص
وقال الشاعر وأكاديمي الفلسطيني الدكتور معتز علي القطب في قصيدة (قميص يوسف):
قَدَّوا قَمِيصَك يَا أَقْصَى وَمِنْ دُبُرٍ ... وَألْفَيا خَيْرَ أَهْلِ الأَرْضِ فِي البَابِ
مُرَابِطُونَ لَهُمْ حَظٌّ وَمَكْرُمَةٌ... مِنَ المُرُوءَةِ، مِنْ أَهْلٍ وَأَنْسَابِ
يُشَدِّدُ المُجْرِمُ المَلْعُونُ قَبْضَتَهُ ... على القَمِيصِ بِأضْرَاسٍ وَأنْيَابِ
وَالمَقْدِسِيونَ مَا انفكَّتْ عَزِيمَتُهمْ ... فَالسجنُ أفْضَلُ مِنْ تَدْنِيْسِ أَعْتَابِ
يُرَاودُ المَسْجِدَ الأَقْصَى لِيَخْطِفَهُ ... وَيَسْرقُ النُّورَ مِنْ أَهْلٍ وَأَعْرَابِ
يَشُدُّ فِي الثوبِ يِرجُو أَنْ يُبَدِّلَهُ ... كَمْ بَدَّلَ الظلمُ أثْوَاباً بِأَثْوَابِ
تَجْرِي على المَسْجِدِ الأَقْصَى وَقُبَّتِهِ ... شَريعَةُ البَطْشِ وَالإجرَامِ وَالغَابِ
صَبْرٌ جَمِيلٌ.. بِإِذْنِ الله مَوعِدُنَا ... أنْ نَدْخُلَ القدسَ فِي أَهلٍ وَأَرْبَابِ
999 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع