عبد الرضا حمد جاسم
الراحل علي الوردي و الانحراف الجنسي (٣)/ الحجاب
خامساً:
1ـ في ص 303 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 وتحت عنوان/ وضع المرأة في المدن كتب الوردي التالي: [يختلف وضع المرأة من مدينة الى أخرى حسب اختلاف ظروف المدينة ومبلغ سيطرة المد البدوي عليها. ففي المدن الصغيرة التي لها اتصال وثيق بالقبائل المجاورة نجد وضع المرأة يشبه وضع المرأة الريفية من وجوه كثيرة فهي تسفر عن وجهها وتشارك الرجال في بعض أعمالهم وتخالطهم وتتحدث إليهم كما تفعل المرأة الريفية والملاحظ في الوقت ذاته ان عادة غسل العار شائعة في هذه المدن كشيوعها في القبائل الريفية تقريباً] انتهى
أقول: لما كان وضع المرأة يختلف من منطقة الى أخرى كيف اذن حَكَمَ الوردي على كل المجتمع العراقي وأطلق ما أطلقه عليه؟
وطرح الراحل الوردي هذا يدفع لطرح الأسئلة التالية:
هل هناك مدينة صغيرة او كبيرة في كل العراق لم تكن ولاتزال محاطة بالقبائل المجاورة ولها اتصال وثيق بها بما فيها العاصمة بغداد؟
هل هناك مدينة عراقية صغيرة أو كبيرة في كل العراق بما فيها العاصمة بغداد لم تسفر فيها المرأة عن وجهها عدى الاحياء المغلقة من المدن الدينية؟
المدن الصغيرة تسيطر عليها علاقات اجتماعية تديرها ثقافة اجتماعية واحدة تقريبا تضع للمرأة منزلة خاصة تتدرج من الام ثم الأخت وبنت العم والخال والزوجة وبنت الجيران وبنت المحلة وبنت العشيرة وبنت المدينة ولهذه الثقافة تأثيرها الرادع للمرأة وللرجل الذي يحاول المساس بها او التعرض اليها ولو ان هذا لا يعني خلوها من بعض الحالات وقد يحصل تجاوز هنا وهناك ضد بعض الوافدين/"الغرباء" الى تلك المدن ربما لعدم وجود سنداً لهم و بالذات وقت ضعف القانون /السلطة و لتجنب ذلك تحصل "الدخالة" ...والراحل الوردي يؤيد قولي هذا في ص302 تحت عنوان فرعي/ التماسك العائلي! وكذلك في جزء مما كتب في ص 361 من الكتاب حيث كتب: [يجب ان نعترف على أي حال بأن المدن العراقية كانت غير خالية من بعض الخصال الحميدة كروح الجيرة والتضامن العائلي وقيم الشهامة والنجدة وما اشبه وهي خصال قد ورثها اهل المدن من البداوة وحاولوا المحافظة عليها بمقدار ما اتاحته لهم ظروفهم الحضرية كما أشرنا اليه في فصل سابق لكن السؤال الذي يرد هنا في هذا الصدد هو: هل كانت تلك الخصال كافية لموازنة التفسخ الخلقي الذي كان شائع بينهم؟] انتهى
انتبهوا لطفاً أيها القراء الجدد للوردي الى هذه العبارة التي وردت أعلاه وهي: [هل كانت تلك الخصال كافية لموازنة التفسخ الخلقي الذي كان شائع بينهم؟]...التفسخ الخلقي الذي كان شائعاً بينهم أي في المدن العراقية دون استثناء...لا اعتب على من قرأ الوردي سابقاً و تحت التصفيق للطاعن بالقيم والأخلاق لانهم كما يمكن لي ان احكم عليهم اما انهم اغبياء او هم من تلك التي وصفها الوردي!!!!
و لبيان عَلامَ استند الوردي في طرحه في(1) أعلاه كتب في ص305 من نفس الكتاب :[في عام 1951 قدم لي احد الطلاب تقريرا عن مدينة هيت ذكر فيه ان الحجاب اخذ ينتشر في هذه المدينة منذ عهد ليس ببعيد فلقد كانت المرأة الهيتية في الماضي سافرة كغيرها من نساء الأرياف و المدن الصغيرة لكنها بدأت تميل نحو الحجاب من جراء احتكاكها بالنساء الحضريات اذ هي صارت تقلد هؤلاء النساء و كأنها اعتبرت الحجاب فيهن من مظاهر المنزلة العالية و النفوذ و السبب في ذلك ان الحجاب جاء الى هيت عن طريق نساء الموظفين فكانت المرأة الهيتية تنظر اليه كانه موضة ترفع من شأنها...الخ] انتهى
استند الوردي على تقرير واحد لطالب واحد !!من حقي هنا ان أقول ان هذا الطرح غريب والأغرب هو تركيز الوردي على " والسؤال هنا ما هي صورة ذلك السفور؟ هل هو كشف الوجه فقط ام انها سافرة تختلط بالرجال وتوحدت قيمها مع قيم الرجل وتشابهت مع الرجل فيما تفهم وما تنشد من مُثل وأهداف كما يطرح الوردي؟
كما يبدو ان الراحل الوردي لا يعرف مدينة هيت...انها مدينة صغيرة تحيط بها وتحكمها وتتحكم بها القبائل مهما كان مستوى الوعي فيها الذي قد يدفع البعض الى الاعتراض على قولي هذا. ان طرح الوردي هذا غريب وينفي "خزين العقل الباطن" وينفي "الإطار الفكري وتأثيره" و"الثقافة الاجتماعية" ومفاتيحها وينفي الكثير من طروحات الوردي ويثير العجب.
عندما نفكر/نحاول ان نحسب/نخمن/نتوقع عدد الموظفين الذي وصلوا مدينة هيت قبل عام 1951 وعدد نسائهم يكون العدد محدود بكل الاحوال وقد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة مثل المساح ومدير النفوس ومدير الناحية وطبيب المستوصف والمعلم. وربما منهم عُزاب كما كان الوردي عندما نُسب مُعَّلماً في قضاء الشطرة/الناصرية عام 1937...
السؤال هنا: هل زوجات هؤلاء والذي يقول الحال انهن ينعزلن عن نساء المدينة لأسباب عديدة، جعلن الحجاب ينتشر بين نساء مدينة هيت بهذا الشكل الذي نقله الطالب ليستند اليه/عليه الراحل الوردي؟
قد يتصور البعض من قراء الراحل الوردي من غير العراقيين ان هيت مدينة كبيرة في دوائرها "عدد هائل" من الموظفين!! وربما البعض قد يأخذه الخيال ليتصور ان عدد الموظفين الكبير ألغى الإطار الفكري للمجتمع وحطم القوقعة الفكرية له" وحطم التأثير الديني الذي استمر منذ حجاب العهد العباسي...وربما البعض قد يتخيل ان شوارع هيت تضج /تزدحم بموظفي مؤسسة الطاقة الذرية ومؤسسة الطيران والفضاء والجامعة وكلياتها وفرع اللجنة الأولمبية الدولية وفرع البنك الدولي وفرع صندوق النقد الدولي ومؤسسات السينما والمسرح والاتصالات العالمية وغيرها ومنها ربما فرع اليونسكو واليونيسيف وغيرها. [[هيت في وقتها قرية صغيرة ربما لا يتجاوز عدد سكانه الفي نسمه ]]!!
لا اعرف هل شك الوردي فيما وردَ في تقرير ذلك الطالب والشك من اجل التدقيق واجب وحق؟
هل وضع بينه وبين نفسه احتمال ولو بنسبة بسيطة من ان ذلك الطالب بالغ فيما وصف ونقل؟
أم ان الراحل الوردي أراد الاستناد على تلك الرسالة فصاغها بتلك الصياغة؟
والسؤال الذي يقفز هنا ومن هذه الأسئلة هو: وفي ضوء ما كتب الراحل الوردي ...هل هذا الحجاب الشديد الذي انتشر في هيت دفع/أدى الى انتشار الانحراف الجنسي في مدينة هيت وقلل من عادة غسل العار؟
مع عظيم احترامي وتقديري لأهالي هيت الكرام ولي في/مع بعضهم رفقة وزمالة اعتز بها وأتشرف. لهم السلامة جميعاً.
هل هذا ينطبق مع قول الراحل الوردي: [في ص16 مهزلة العقل البشري حيث كتب: [... ووجدنا أصحاب الفكر القديم لا يميزون بين الممكن وغير الممكن من الأفكار همهم ان يدرسوا الفكرة دراسة منطقية مجردة فإذا وجدوها جميلة ذات محاسن آمنو بها واندفعوا في الدعوة اليها اندفاعاً اعمى؟] انتهى
سادساً:
1ـ في ص 303 من كتاب: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 كتب الوردي التالي: [فإذا نمت المدينة واتسعت أسواقها وكثر تردد الغرباء عليها، أخذ الحجاب ينتشر بين نسائها تدريجياً فإذا صارت مركزاً تجارياً كبيراً كما هو الحال في بغداد والبصرة والموصل رأينا الحجاب يشتد فيها الى درجة مفرطة فهناك تقاس عفة المرأة بمقدار تشددها في التستر واعتكافها في البيت...الخ] انتهى
يتبع لطفاً حيث ستبدأ القادمة: سادساً/1
600 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع