د. عبدالرحيم الرفاعي
هل ما يجري في سوريا احتلال تركي بتخطيط اسرائيلي و تمويل اماراتي و رضا امريكي ؟!
مطلع فبراير ٢٠٢١ اجرى الصحفي مارتن سميث لقاء صحفي مع احمد حسين الشرع المعروف بأسم ابو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام التي كانت تسمى جبهة النصرة و صرح الجولاني في تلك المقابلة بأنه لا يعادي الولايات المتحدة و لا يستهدف مصالحها و جاءت هذه التصريحات بعد ثمان سنوات من ادراجه على قائمة تصنيف الارهاب الدولي ووضعت امريكا يومها مكافئة قدرها ١٠ مليون دولار امريكي لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض عليه او تصفيته جسديا . والجولاني المولود عام ١٩٨٢ يحمل الجنسية السورية و تنحدر اصول عائلته الى مدينة الخليل الفلسطينية و ينتمي عقائديا الى الجهادية السلفية وهو ما دفعه الى الانتماء الى تنظيم القاعدة عام ٢٠٠٣ و عند بروز تنظيم داعش غير انتمائه الى داعش عام ٢٠٠٦ و ساهم في معاركها و تشكيلاتها حتى عام ٢٠١٢ ثم اعلن عن تشكيل جبهة النصرة و ساهم بشكل فعال في الحرب الاهلية في سوريا وفي عام ٢٠١٦ بدل اسم فصيله من النصرة الى جبهة تحرير الشام التي تضم آلاف المقاتلين و التي تموضعت على تخوم ادلب تحت الحماية التركية و بعد عدة اشهر من محاولات الرئيس التركي اردوغان لاقناع الرئيس السوري بشار الاسد للجلوس معه الا أن الاخير رفض ذلك بعد أن التقى وزير الخارجية التركي و سمع منه عن رغبة تركية بتحويل اراض سورية تمتد على طول حدودها مع تركيا الى ارض حياد خارج سلطة دمشق تخضع لادارة ذاتية من ( المعارضة السورية ) اضافة لطلبات اخرى مفادها اضعاف الهيمنة الروسية و ابعاد الوجود الايراني من الاراضي السورية و طلبت من سوريا رسميا جدولة مغادرة القوات الايرانية لاراضيها ، لوحظ بعد فشل تلك المحاولات التركية تصاعد النشاطات التدريبية في معسكرات ما يسمى بهيئة تحرير الشام التي باتت تضم ما يقارب ثلاثين الف مقاتل تدفع لهم الهيئة رواتب شهرية منتظمة و ترعى تواجد عوائلهم في تلك المناطق التي باتت خاضعة للحماية التركية و شوهدت تلك القوات تتدرب تحت اشراف عشرات المدربين الذين قدموا من اوكرانيا لتهيئة هذه القوات لمحاربة التواجد الروسي في سوريا و اشغال روسيا في تلك المواجهات للتخفيف من حدة الاندفاع الروسي داخل الاراضي الاوكرانية وزودت تركيا قوات تحرير الشام باسلحة تركية حديثة ( مدرعات و ناقلات جند مدرعة و مدافع ميدانية ) و بات لديها تشكيل مختص باطلاق الطائرات المسيرة الانقضاضية منها و القاصفة .
و في وقت مبكر من صباح يوم ٢٧ نوفمبر الماضي شوهد الطيران الحربي الاسرائيلي يشن غارات جوية متواصلة لقصف مخازن اسلحة الفصائل الايرانية المتواجدة في ادلب و حلب ثم قصفت تلك الطائرات المقاتلة نقاط و معسكرات الفصائل الايرانية ثم استهدفت معسكرات الجيش السوري هناك و في تلك الاثناء بدأ تدفق الآلاف من مقاتلي هيئة تحرير الشام ( النصرة ) لتجتاح المواقع العسكرية للفصائل الايرانية و قوات الجيش السوري تحت الغطاء الجوي للطيران الاسرائيلي المقاتل ثم بدأت قوات تحرير الشام بأستخدام طائراتها المسيرة تركية الصنع بمهاجمة مواقع الجيش السوري الذي بدأ بالتقهقر من مواقعه و طاردته قوات تحرير الشام الى حلب ثم الى حماة و لا زالت تحرز تقدما سريعا بزحفها نحو حمص و تخطط بالتوجه بعدها الى استكمال طرد القوات الكردية من مناطق تواجدها حتى الحدود العراقية تنفيذا لاوامر تركيا بتفكيك اي تواجد مسلح للاحزاب الكردية في سوريا بعد أن علمت تركيا عن نوايا امريكية بأعلان أقليم (روج افا ) الذي سيتحول مستقبلا الى دويلة كردية ، ثم تستكمل تلك القوات الزاحفة بالتوجه نحو العاصمة السورية دمشق و هذا المخطط الذي تقوم تحرير الشام بتنفيذه هو فكرة اسرائيلية تبنتها تركيا و قامت بتدريب و تجهيز تلك القوات المقاتلة بمشاركة مدربين اوكرانيين و بتمويل إماراتي و برضا امريكي و ليس بالضرورة أن تتطابق كليا اهداف هذه الدول الداعمة فلكل منها هدفه فتركيا تريد ارغام النظام السوري على قبول اهدافها التوسعية على حساب الاراضي السورية و بسط نفوذها على مقدرات سوريا و انهاء القدرات المسلحة للفصائل الكردية و انهاء اي نفوذ لها في مناطق التواجد الكردي في سوريا و من ناحية اخرى تلتقي تركيا مع اسرائيل و الولايات المتحدة على هدف انهاء التواجد العسكري و النفوذ الايراني و اضعاف النفوذ الروسي في سوريا . و الآن بعد الانهيار السريع غير المتوقع للقوات السورية و الايرانية و بعد خلو تلك المناطق من اي تواجد لمقاتلي حزب الله اللبناني بعد الضربات الاسرائيلية الشديدة للطيران الاسرائيلي لحزب الله و تصفية معظم قياداته مما اضطر الحزب لسحب مقاتليه لتعزيز قدراته القتالية لمواجهة اسرائيل التي كانت قد شرعت بالتوغل العسكري في جنوب لبنان ، يبدو أن الاهداف التي خطط لها باتت اقرب على ارض الواقع و على ما يبدو بأن هذه القوات ستتوقف عند محاصرة دمشق ولن تحاول اقتحامها على الاقل لفترة انتظار اصدار اوامر الحسم التي تنتظر بدورها التحركات السياسية على اعلى مستوى في واشنطن و موسكو و انقرة و طهران . أما بغداد التي تتخوف من تطورات الموقف و انتقال هذه القوات الى التوغل في الاراضي العراقية على الرغم من رسائل التطمين التي اطلقها الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام . و الموقف العراقي فيه اتجاهين اولهما رسمي تمثله الحكومة العراقية برئاسة السوداني الذي يحاول ان يقدم نفسه بدور الأطفائي الذي يحاول محاصرة النيران التي تمتد سريعا لتلتهم النظام السوري و ايجاد وضع جديد على حدود الجوار العراقي ، و سيحاول رئيس الوزراء العراقي تحييد الجيش العراقي بعيدا عن التورط المباشر بهذا الصراع و الاكتفاء بتحشيد قواته على الحدود السورية العراقية لمنع أي تمدد بأتجاه العراق ، و الاتجاه الآخر يتمثل بموقف حاضنة الحكومة العراقية السياسية وهو الاطار التنسيقي الشيعي بزعامة رئيسه المالكي الذي يدفع بأتجاه منع اسقاط النظام السوري بدمشق حتى لو تطلب الامر مشاركة الجيش العراقي و فصائل الحشد الشعبي بالقتال الى جانب النظام السوري ضد هيئة تحرير الشام و لكن يبدو أن هذا الامر صعب المنال فقد يستطيع المالكي و قادة الفصائل الموالية لإيران بدفع فصائل الحشد الشعبي بالقتال دفاعا عن دمشق بحجة حماية مرقد السيدة زينب الذي يقع على اطراف العاصمة السورية . و يتحرك العراق على صعيد سياسي من خلال دعوته ايران و سوريا للاجتماع في بغداد لتدارس الوضع الراهن في سوريا كما اجرى رئيس الوزراء العراقي عدة اتصالات بالعديد من قادة الدول العربية و الدولية و لا نستبعد أن تكون زيارة الحلبوسي الى واشنطن ليست بعيدة عن مناقشة مستقبل العراق في المنظور القريب في خضم الاحداث الجارية في سوريا . و يبقى تسائل مهم هل ما يجرى من احداث مسلحة في سوريا هو شكل من اشكال الاحتلال التركي بأدوات سورية محلية و تسليح تركي و تمويل اماراتي و مباركة اسرائيلية امريكية ، و ما يثير التسائل اكثر هل ستكتفي روسيا بدور المتفرج و المشارك على استحياء بشن بعض الغارات الجوية على مواقع القوات الزاحفة ؟ و هل الهدف من تلك الغارات ارسال رسائل تحذيرية روسية لمنع استهداف التواجد الروسي في سوريا اكثر مما هي دفاع حقيقي عن الحليف السوري وهل هذا يعني بأن هناك اتفاقات مسبقة مع روسيا تهدف الى طرد التواجد الايراني خارج الاراضي السورية و الابقاء على النظام السوري ضعيفا مكسر الاجنحة ينفذ ما يؤمر به بخنوع تام و اطلاق يد تركيا لقطع طرق التواصل الايراني مع سوريا و لبنان و انهاء الدور الايراني المؤذي لاسرائيل عبر تواجده في كل من لبنان و سوريا و العراق و منعه من تقديم اي دعم لأي طرف يواليه بدءا من العراق مرورا بسوريا ثم لبنان و غزة و بعد ذلك اجباره بكف يده عن دعم الحوثيين في اليمن و التقوقع داخل حدود ايران الجغرافية و انهاء اي نفوذ له في جغرافية الشرق الاوسط .
على ما يبدو بأن هذا الامر هو الاقرب للواقع خاصة مع رسائل التطمين الامريكية للقيادات الشيعية الحاكمة في العراق بأن حكمها للعراق لن يتأثر بأضعاف الدور الايراني بالمنطقة خاصة بعد أن نجحت امريكا و حلفائها بتقليم مخالب الجولاني و دفعه أن يبدو كسياسي محلي اقرب من كونه قائد عقائدي طائفي متشدد خاصة بعد أن سكتت عن جرائمه التي ارتكبها في سوريا و العراق يوم كان قياديا في داعش . على ما يبدو بأننا لن ننتظر طويلا لنرى مشهد جديد من مشاهد الدهاء الامريكي الصهيوني لاعادة ترتيب اوضاع المنطقة و سنتابع معا مزيدا من الاحداث الجارية في الجوار العراقي ...
461 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع