بين نشوة النصر وسر استشهاد المرحوم جيمس يونادم خلجات لاتفارق الصدر وذكريات لاتفارق المخيلة

                                                                                     

                                سلام توفيق

                

         

المكان : الطريق الرئيسي سليمانية - اربيل

التاريخ : ايلول 1988

الان: ايلول 2013

25 عاما بالتمام والكمال مرت على الحادث المشؤوم ... زمن يكفي للنسيان حين يمن عليك الله بنعمة النسيان ...
لكن المصيبة ان ذاكرتك لاتقبل مسح بعض الاحداث
وهذا من ضمنها:

كان شابا متوسط القامة مع بشرة سمراء وشارب خفيف قد لاتنتبه لوجوده الا عندما تدنو منه ... هاديء الى حد البرود ... لايحب الاختلاط كثيرا ... كثير التدخين رغم صغر سنه
في ذلك اليوم لم يكن الجندي المكلف جيمس يونادم خوشابا قد تجاوز عامه الثالث والعشرين فهو من مواليد 1965 .. محبوب من جميع من حوله .. لم يتشاجر يوما ..ولم اراه يوما عصبيا او يتكلم بعصبية رغم
ماسي الجيش ومشاكلنا اليومية التي لم تكد تنتهي بداء من النوم اثناء الواجب ومرورا بالاعتراض على استخدامك كجندي شغل وانتهاءا بتهربك من دورك في غسل القصعة !!!
كنت احيانا امازحه قائلا : انت عميت علي يا جيمس كلما اعترض او انتفض او اتشاجر بسبب ظلم يقع علي يعايرني الجنود مازحين قائلين
بربك انت مسيحي وجيمس هم مسيحي !!!
وحين وضعت الحرب اوزارها ... كنا في قاطع عمليات الفيلق الاول ... حيث كلفنا بفعاليات ضمن عمليات الانفال حتى انتهائها في ذلك القاطع ثم صدرت الاوامر بتحرك كتيبتنا - كتيبة دبابات 46- الى اربيل تمهيدا لتكليفنا بعمليات - خاتمة الانفال- في قاطع دهوك وزاخو ... حيث كان من المقرر بقائنا في احد معسكرات اربيل لفترة يومين او ثلاثة لاعادة التنظيم ...
يومها قررت ان اذهب الى البيت حيث اننا قريبين من منطقة تنقل كتيبتنا ويمكنني الالتحاق بهم في اليوم التالي او بعده على ابعد حد ... ففاتحت امر الرعيل برغبتي بالنزول الى البيت لغرض زيارة الاهل والاستحمام وقضاء بعض الاشغال على ان التحق بهم بعد غد في اربيل ... فلم يمانع خصوصا ان التنقل كان على ظهر ناقلات الدبابات - فاون- وان مسالة تصعيد وتنزيل الدبابة من على رمبة الناقلة ممكن ان يقوم به اي مقاتل من طائفة الدبابة ...
بينما كنت اتهياء للنزول كان جيمس قريبا مني فقال لي
ابو سلووم راح تنطيها اللهيب !!! ضحكت قلت له هل ترغب بالنزول معي !!!قال لالالالالا عمي الانضباطية شيخلصنا منهم
فودعته واتجهت بطريقي نحو البيت حيث بقيت يومان كما كان مقررا لاعود بعدها حيث كنت واضعا في بالي العودة للبيت مرة اخرى بعد ان اعرف اين وجهتنا القادمة في زاخو تحديدا ..
كان الوجوم والحزن والفتور في لقائي من قبل افراد رعيلي واضحة جدا انتابني القلق ليست العادة معهم كذلك .. انتبهت الى وجود دبابتين فقط في رعيلنا واختفاء الدبابة الثالثة ..
ما الامر ..شبيكم يوللو مبومين كلكم ..سالتهم مستنكرا
لم يكن احدهم قادر على الكلام من هول الصدمة .. اخيرا تماسك حاتم نفسه وقال والدموع تنزف من عينيه .. دبابة وليد ومازن وجيمس انقلبت من الفاون بالطريق واستشهد جيمس ..و وليد ومازن بحالة خطرة جدا مانعرف ماتوا لو بقوا عدلين
كان هول الصدمة علي افقدني القدرة على الكلام تماما ..جلست على الارض واجهشت بالبكاء طويلا ..
حين عدت الى صوابي قليلا كان زملائي يحدثونني عن الفاجعة .. اثناء الحركة اصابت طلقة طائشة لم يعرف مصدرها سائق الناقلة في راسه فاستشهد من فوره .. ثم انقلبت الناقلة بعد حيادها عن الطريق العام ..وسقطت الدبابة من على ظهر الناقلة .. فقفزت طائفتها وليد ومازن وجيمس من على ظهرها للارض ..اصيب وليد باصابات متعددة قطعت بعض اصابعه وكسر انفه اما مازن فتعرض الى اصابة قوية في عموده الفقري اقعدته في البيت لعدة سنوات ..اما المسكين جيمس فان سقوطه على الارض اعقبه سقوط الدبابة فاصاب مدفع الدبابة راسه وهشم جمجمته فاستشهد فورا رحمه الله
ثم راجت شائعة اخرى عن سبب الحادث وهو ان وليد كان يريد اطلاق رصاص في الجو من بندقيته الكلاشنكوف فحاول مازن منعه واثناء ذلك نزلت فوهة البندقية واصبحت وجهتها نحو مقصورة السائق وفي نفس الوقت انطلق الرصاصة واصابت راس السائق المسكين واستشهد في التو واللحظة وتتابعت الامور بما ورد في اعلاه نتيجتها
لم التق وليد ولا مازن ولم اعرف مصيرهما حتى قبل سنوات قليلة ..حيث كان اثنان من ابناء منطقتنا وهما من اصدقائي في لبنان وتعرفا على عراقي من البصرة اسمه وليد ح م ما ان علم انهما من كرمليس حتى سالهما عني وهل يعرفانني وحين عودتهم من لبنان اخبروني بلقائهم به ووصفاه لي كما تركته .. اما مازن فقد حصلت على رقم هاتفه في بغداد واتصلت به وفرحت حينما سمعت انه تعافى من اصابته بل تزوج وانجب وانه يعمل سائق سيارة اجرة ..وكان بودي ان اساله عن الحقيقة التي ظلت سرا لايعرفه الا هو و وليد عن الحادث ..وكنت مقررا ان افعل ذلك في اتصال ثان بعد فترة من الاتصال الاول ..وحين اتصلت للاسف لم يكن هناك من يرد على الهاتف .. ونسيت الامر حتى بعد فترة اخرى واثناء اتصالي مع احد اصدقائي من بغداد وكان معنا في نفس الرعيل ولازلت حتى قبل فترة غير بعيدة على اتصال معه فسالته عن مازن فقال لي لقد تم تهجيرهم من منزلهم في العامرية !!!
رحل جيمس وترحل مازن ووليد ورحل معهم سر تلك الفاجعة الاليمة ..

 

 

 

 

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

425 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع