إبراهيم فاضل الناصري
(أدب النزوح) نتاج وجداني مبتكر جاء يقتفي الأثر لــ (أدب المهجر)
ان الحديث عن النتاج أي نتاج او عن الأثر او الضوع الشخصي انما هو حديث يسكنه الدفيء ومشوّق الى النفوس المطبوعة بنزعة العطاء او المجبولة على طبيعة ترك البصمات او ترك الإثار، فالإنسان بخلقته السوية انما هو مجبول على ذلك، وبخاصة في الأمور التي تغازل او تلاقي عاطفته ووجدانياته، ويكون الانجذاب لديه في ذلك بقدرة اشد اذا كان ذلك النتاج او الاثر يجيء ليجسد صورة ذاتيته او يعبر عن المناخ الذي عاشه او شهده، والنتاج او الأثر الثقافي منه هو اغلى ما يتباهى بتملكه الانسان المتنور، صاحب الفكر، بل هو غاية ما يسعى الى تحصيله واكتنازه كثروة ثقافية شخصية.
ولعل من أحدث النتاجات او الاثار الادبية في ميداننا الثقافي في هذا الزمن هو ذلك الضوع الادبي الذي اطلق عليه البعض سمة (أدب النزوح) والذي صار يعكس النتاج الادبي والمنجز الثقافي لوسطنا الثقافي المحلي في تغريبته القسرية المؤلمة التي حتمتها عليه الحقبة الظلامية التي دهمت واقعه وأوقعت عليه عدة بلايا ورزايا، كان منها جلاء هذا الوسط ونزوحه عن مواطنه قسرا وقهرا والتوطن على مضض في بلدان قصية.
ان الوسط الثقافي الممثل لمنطقتنا (المنطقة الوسطى) الممحونة من جراء الفترة السوداء التي اسدلت مآسيها الشريرة المريرة، وهو في انغماره في الإغتراب وضياع المصير التي عاشها قد كانت له نتاجاته واثاره الأدبية التي جاءت تحمل بصمة مآلاته وتعكس مرارة احواله حيث التأثر بكل ما له علاقة بهما والذي جاء واضحا بنتاجه المتنوع فمنه ما هو انعكاسا للمحنة على النفوس ومنه ما هو تجليا لها على الواقع مثلما منه ما هو صورا وجدانية من الشوق للموطن والحنين اليه والتأسي عليه كما ومنها ما هو تطلعات او أحلام نفسية وقلبية عاصفة جارفة يغمرها التطلع نحو الخلاص .
ان التعبير الادبي الذي جاء في (ادب النزوح) المنوه عنه انما هو كتابة غير سهلة لمن لم يشهد النزوح القسري او الهجرة القهرية، اذ ليست في استطاعة من لم يذق مر المحنة بصفحاتها التمكن في التعبير عنه وفيه، كيف لمن كان خارج المحنة التعبير عنها بدقة وكيف له النجاح في هذا النوع من الادب وهو لم يتكوّى بعسف ومرارة أيام التغريبة المؤلمة المعتمة كما وهو فاقد لأهم خصائص هذا النوع من الادب والتي هي لوعة الحنين وحرق الشوق المتولدة من عصف الظرف وجور الاحوال وغشاوة المآل.
لقد جاء هذا الجنس الادبي (ادب النزوح) بمزايا تميزه عن غيره من أنواع الادب التي درسنا عطاؤها وضوعها، اذ انه بات يعبر عن الحنين الى الموطن وعكس؛ حالة الاغتراب ورفض العدوانية ونقد الحال وتصوير المصير. انه ادب وجداني حقيقي التعبير عاكس لمحنة وانه ادب انساني معبر عن حالة قهرية جائرة وهو بلا مغالاة يخص الادباء الذين عانوا التهجير المرير جراء عسف وقهر الفترة الداعشية التي خيمت.
انني وان كنت لست ممن قاسوا مسيرة الاهوال لتغريبة النزوح التي عاشها اهلي واصدقائي وزملائي بسبب اني في وقت المحنة قد كنت أقطن مصر لأغراض دراسية، بيد اني لم اكن بعيدا عنها، اذ كنت قد عايشت الحال من خلال عدة زياراتي لأهلي والتقائي على هامشها بأصدقائي من الادباء ممن عانوها، فضلا على اني كنت بمشاعري واحاسيسي متواصلا معهم كما ومشاركا لهم مراراتهم وضنى قساوتهم أيضا حاملا معهم آلامهم ومالهم ولذلك أحاول ان اسهم في التوثيق لها ما استطعت فأقول لقد عاش زملائي واقراني من الادباء والمثقفين الكاتبين تغريبة النزوح بمرها وعسفها وثقلها وجورها ومن شدتها وقعها ومن المها كتبوا وصدحوا وسجلوا وصوروا كل حسب ولعه ولقد تمخض عن الذي انتجوه ولادة نوع من الادب هو في طابعه وطبيعته انما يعد امتدادا لأدب المهجريين والذي عرف باسم (ادب المهجر) ووريثا معاصرا له ولكنه يجيء بطعم اشد مرارة منه ولون اشد قتامة ولقد شكلت الموجة التي حملت بصمته مدرسة بحد ذاتها تضاف الى مدارس الادب.
لقد سجلت الصحف والمجلات مثلما وثقت الكتب المطبوعة والمنشورة لعدد من اقراني واصدقائي من الادباء والمثقفين أثرهم في ادب النزوح هذا وكل حسب اهتماماته وولعه فلقد كانت القصة هي الضوع الذي تضوعه قسما منهم كمثل القاص الدكتور فرج ياسين والمرحوم القاص ناشد سمير والروائي اسامه محمد صادق والروائي ليث دحام والاديب مهند يحيى والقاص ناصر الفضل والقاص جمال نوري والقاصة لمياء الالوسي والقاصة سهيلة الحيال وغيرهم ممن كتبوا معبرين.
وكان الشعر بأشكاله وانواعه هو التعبير والاثر الذي سجله القسم الاخر من الزملاء الادباء كأمثال: الشاعر لواء عماد والشاعر احمد علي الشادي والشاعر علي الغوار والشاعر إبراهيم مصطفى الحمد والشاعر جاسم محمد الدوري والشاعر عاصم غانم البياض والشاعرة عالية الناصري والشاعر رياض الجابر وغيرهم... ثم وفضلا على هذا وذاك كانت هناك المقالات الأدبية المصورة للحال والمآل وكان لها كتابها من الأقلام الفكرية المتنورة القديرة التي لكحتها شرر نيران العسف والعصف.
ولكي أكون موضوعيا بلا تحدد بمكان او منصفا بشكل دقيق ينبغي لي القول ان (ادب النزوح) قد كان قوامه واقلامه أدباء ينتمون؛ الى مدن محافظة صلاح الدين والى مدن محافظة نينوى والى مدن محافظة الانبار والى مدن محافظة ديالى.
ثم لكوني كاتب في الادب انتمي الى هذا الوسط العطائي والنتاج الادبي المبتكر لم اكتفي بان اكون متفاعلا بل كنت منخرطا اذ كانت لي جملة من الاسهامات الثقافية التي اخاطب بها النازحين محييا فيهم انسانيتهم المكلومة ونفاخا فيهم روح العزيمة وعلو الهمة ومهيبا بهم باعتماد التكافل والامل وناصحا لهم بالمصابرة والتحمل والتي نشرتها تباعا من على صفحات الانترنيت مثلما كانت لي بعض المحاولات الشعرية التي حملت طابع الحنين الى الموطن كما وعبرت عن التأسي عليه وعلى ما حاق به من اهوال وما ناب صروحه من اعلال وما نجم فيه من خراب ودمار ولقد جمعتها في مجموعة شعرية واصدرتها في عام 2016 م خلال غربتي في مصر وهي تحمل اسم (ترانيم لموطن القرقاش).
922 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع