إبراهيم فاضل الناصري
الجامعة والمجتمع الحاضن، واشكالية العلاقة في الزمن الراهن
يتوهم الكثر في تفسير مفهوم الجامعة، فيظن أنها مصدرا للتعليم فقط، وان وظيفتها تخريج وجبات من الطلبة، تؤهلهم بالعلم وتمنحهم الشهادات، غير مدركين للجانب الآخر من وظيفة الجامعة والمتمثل في إحداث طفرات تقدمية في المجتمع الذي يحتضنها، بعد ان توثق الصلة معه بمجموعة علائق وممارسات وفعاليات، فالجامعة التي هي رمز لنهضة الأمم والشعوب تعد من أهم الصروح الانسانية التي يناط بها مجموعة اهداف تندرج تحت وظائف رئيسية هي: التعليـم والتنمية، والبحث العلمي، إضافة إلى الوظيفة الأهم وهي خدمة المجتمع الذي تقوم فيه. اذ انها عند إنشائها كصرح علمي وتنموي تصبح جزءا هاما من المجتمع المدني الذي تنشأ فيه، ما يفرض او يوجب عليها بان تستقطب أعلى فئات هذا المجتمع علمًا وفكرا ومعرفة، ثقافة ومهنية، من خلال التفاعل معهم، وان تسهم في نهضة هذا المجتمع وتقدمه بأكثر من برنامج ومشروع مشترك. ولا يمكن للجامعة في أي مجتمع أن تؤدي برنامجها التنموي في التغيير الوطني بـدون تحقيق تفاعل بينها وبين البيئة الاجتماعية الحاضنة، كون العلاقة بينهما متلازمة ومترابطة.
وهكذا نجد ان الجامعات العريقة، ذات التقاليد الرصينة، تنشيء مراكز فكرية وعلمية وثقافية، ذات صلات تفاعلية تكاملية مع المجتمع الحاضن والمدينة الحاضنة وان من العلائم التي تشهد على عمق صلاتها مع محيطها الاجتماعي والمدني، انها تجيء تحمل اسم المدينة الحاضنة فهي لا تستنكف في ان تحمل اسم البلدة الحاضنة، ولا تتعالى عليها او تتجاوز عليها بمثالية التسمية. كما انها لا تستنكف في ان تزج فعاليات وممارسات خارجية على هامش مواسمها بحيث تقدم لضيوفها الخارجيين أنشطة فلكلورية وفعاليات ثقافية تعكس طبيعة المجتمع الحاضن. فضلا على ان تشرك النخب الفكرية والثقافية والعلمية للمدينة الحاضنة من مثقفين ومفكرين وادباء او من أكاديميين متقاعدين في مواسمها وفعالياتها او ان تستقدم نماذج منهم كضيوف شرف.
اضع هذه المقدمة لكي أصل الى نقطة التصريح بالمشكلة التي صارت تنتاب حالنا اليوم وهي: ان الجامعة اليوم قد امست مقطوعة العلائق مع بيئتها الحاضنة، اذ هي قد باتت لا صلة تفاعلية تكاملية متبادلة لها مع الحاضن المجتمعي او المدني لها، وكأنها تقوم في برج عاجي منعزل. فلا فعاليات مشتركة متكاملة، ولا انفتاح او تبادل ثقافي فكري او فني، ولا برامج اواني مستطرقة تجمع الطرفين، بل على النقيض من ذلك، هنالك جدران صلدة وصماء تفصل الطرفين. ولعل من الأمثلة على ذلك هو ان ابن المجتمع الحاضن او المدينة الحاضنة لا يكاد يمر عليه يوم الا ويصدمه الاعلام عن اختتام موسم فكري او نشاط ثقافي في جامعة بيئته دون علم بها وكأن الجامعة المعينة تخجل من ان تشرك نخب المجتمع المحيط او الحاضن بأنشطتها وفعالياتها الثقافية او ان تستقدمهم كضيوف شرف.
ان هذه الإشكالية التي تنتاب العلائق بين الجامعة والبيئة الاجتماعية الحاضنة، انما تحتاج لوقفة جدية من قبل القائمين عليها، من خلال مراجعة تصحيحية لـ(سياقات عمل الجامعة في مجال العلاقات العامة) حتى يخرجوا الجامعة من منكفئها على نفسها الى فضاء محيطها الحاضن.
444 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع