علي الكاش
التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية/٤
1. المصادر التأريخية عن حادثة حرق المكتبة
أ. الرحالة عبد اللطيف البغدادي المتوفى (557 هـ/ 1162 ـ 629 هـ/ 1231)
هو أول من ذكر في رحلته خلال زيارته لمصر" رأيت أيضا حول عمود السواري من هذه الأعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور ويظهر من حالها إنها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف وعمود السواري عليه قبة هو حاملها . وأرى إنه الرواق الذي كان يدرس فيه ارسطوطاليس وشيعته من بعده وأنه دار المعلم التي بناها الاسكندر حين بنى مدينته ، وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضي الله عنه". (الإفادة والاعتبار/94). سنناقش هذه الفقرة لاحقا.
ب. ابن العبري (1226 ـ 1286).
وهو غريغوريوس ابو الفرج بن هارون العلامة اليسوعي صاحب كتاب (مختصر تأريخ الدول) جاء في الرواية حسب في طبعة بوك في اوكسانيا عام1663" عاش يحيى الغراماطيقي إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الاسكندرية ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم، فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أنسة ما هاله ففتن به وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه وكان لا يفارقه ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطت بحواصل الاسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها ، فمالك به انتفاع فلا نعارضك فيه، وما لا انتفاع لك به فنحن أولى به. فقال له عمرو: ما الذي تحتاج إليه ؟ قال: كتب الحكمة التي في الخزائن الملوكية . فقال عمرو: هذا ما لا يمكنني أن آمر فيه إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب . فكتب إلى عمر وعرفه قول يحيى فورد عليه كتاب عمر يقول فيه : وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما وافق كتاب الله ؟ ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله؟ فلا حاجة إليه. فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الاسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدة ستة أشهر". (تأريخ محتصر الدول/184).
كما ورد في طبعة أخرى" في هذا الزمان (خلافة عمر الفاروق) اشتهر بين الإسلاميين يحيى المعروف عندنا غرماطيقوس"، أي النحوي. وكان إسكندريا يعتقد اعتقاد النصارى اليعقوبية ويشيد عقيدة سأورى. ثم رجع عما يعتقده النصارى في التثليث، فاجتمع إليه الأساقفة بمصر وسألوه الرجوع عما هو عليه، فلم يرجع، فأسقطوه عن منزلته. وعاش إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية. ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم، فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أُنْسَةٌ ما هَالَهُ ففُتِنَ به. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه، وكان لا يفارقه. ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطتَ بحواصل الإسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها: فما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع به فنحن أولى به. فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه؟ قال: كُتُب الحكمة التي في الخزائن الملوكية. فقال له عمرو: لا يمكنني أن آمر فيها إلا بعد استئذان عمر بن الخطاب. وكتب إلى عمر وعرَّفه قَوْلَ يحيى، فورد إليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتَها فإن كان فيه ما يوافق كتابَ الله ففي كتاب الله عنه غِنًى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتَقَدَّمْ بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها، فاستُوقِدَتْ في مدة ستة أشهر. فاسمع ما جرى واعجب". (تأريخ محتصر الدول. تحقيق انطوان صالحاني اليسوعي/175).
ج. تقي الدين المقريزي (760 هـ/ 1364 ـ845 هـ/ 1442 )
هو بحق شيخ المؤرخين المصريين نقل نصا ما ذكره البغدادي" فكتب الخليفة عمر بن الخطاب كتابا إلى عمر بن العاص" إذا كانت هذه الكتب لا تحتوى على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها. وإذا كانت هذه الكتب تنافى ما جاء بالقرآن فهي ضاره ومؤذيه لا يجب حفظها. إذا فعلى كلتا الحالتين يجب حرقها وإبادتها من الوجود". وأمر عمرو بن العاص باستعمال هذه الذخائر والنفائس كوقود في حمامات الإسكندرية". (المواعظ والإعتبار1/159).
د. أبو الفرج محمد بن اسحق المعروف بابن النديم (الولادة مجهولة ـ 438هـ /1074 م)
وهو أديب وكاتب بغدادي، ومصنف وجامع فهارس، ذكر" وظلت الحمامات تستخدمها كوقود لمده ستة أشهر كامله فكتب عمر الى عمرو يقول له: واما الكتب التي ذكرتها فان كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى ، وان كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة أليها فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الإسكندرية واحرقها في مواقدها، فذكروا أنها استنفذت في ستة أشهر". (الفهرست/334 ).
هـ. حاجي خليفة ويعرف أيضا باسم كاتب جلبي (1017 هـ/1609م ـ 1068هـ/1657م) وهو جغرافي ومصنف كتب له كتاب مهم اسمه كشف الظنون قال فيه" ان المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم، كتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شانها وتنقيلها للمسلمين فكتب أليه عمر بن الخطاب :ان اطرحوها في الماء، فان يكن ما فيها هدى ؟ فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه، وان يكن ضلال ؟ فقد كفانا الله تعالى. فطرحوها في الماء وفي النار فذهبت علوم الفرس فيها". (كشف الظنون1/446). وزاد في كلامه مسيئا للعرب المسلمين" انهم (أي المسلمين) احرقوا ما وجدوا من كتب في فتوحات البلاد". (المصدر السابق1/25). وفي كتاب حاجي خليفة الكثير من العثرات والأخطاء، فإنه على سبيل المثال تعثّر في تحديد وفاة ابن قتيبة فذهب إلى أنها كانت في سنة 276 هـ، ثم قال: توفي ابن قتيبة سنة 270 هـ. وفي مكان آخر يقول: توفي سنة 267 هـ، ثم ذكر سنة 266 هـ، وأخيرا حدّدها سنة 263 هـ.
و. جمال الدين ابو الحسن علي بن يوسف القبطي (568هـ/1172م ـ 646هـ/1248م)
وهو طبيب ومؤرخ عربي ولد في مصر وسكن حلب. جاء في كتابه (تاريخ الحكماء) الآتي " يحيى النحوي المصري الإسكندراني تلميذ سأوارى. كان أسقفا في كنيسة الإسكندرية بمصر، ويعتقد مذهب النصارى اليعقوبية، ثم رجع عما يعتقده النصارى في التثليث لما قرأ كتب الحكمة واستحال عنده جًعْل الواحد ثلاثة، والثلاثة واحدا. ولما تحققت الأساقفة بمصر رجوعه عزَّ عليهم ذلك، فاجتمعوا إليه وناظروه، فغُلِب وزُيِّف طريقُه، فعَزَّ عليهم جهله واستعطفوه وآنسوه وسألوه الرجوع عما هو عليه وترك إظهار ما تحققه وناظرهم عليه، فلم يرجع، فأسقطوه من المنزلة التي هو فيها بعد خطوب جرت. وعاش إلى أنْ فتح عمرو مصر والإسكندرية، ودخل على عمرو، ورأى له موضعا، وسمع كلامه أيضا في انقضاء الدهر، ففُتِن به وشاهد من حججه المنطقية، وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أُنْسَةٌ ما هَالَهُ. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر، فلازمه. وكان لا يكاد يفارقه، ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطت حواصل الإسكندرية وختمتَ على كل الأصناف الموجودة بها: فأما ما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع لكم به فنحن أولى به، فَأْمٌرْ بالإفراج عنه. فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه؟ قال: كُتُب الحكمة التي في الخزائن الملوكية". ثم مضى يصف ما فيها من الكتب، ذاكرا من أنشأها ومن اعتنى بها. فـقال (عمرو): لا يمكنني أن آمر فيها إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وكتب إلى عمر وعرَّفه قولَ يحيى الذى ذكرناه واستأذنه ماذا يصنع فيها. فورد إليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتَها فإن كان فيه ما يوافق كتابَ الله ففي كتاب الله عنه غِنًى. وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتَقَدَّمْ بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفرقتها على حمامات الإسكندرية وإحراقها فى مواقدها وذُكِرَت عِدّة الحمامات يومئذ، وأُنْسيتُها، فذكروا أنها استُنْفِدَتْ في مدة ستة أشهر. فاسمع ما جرى واعجب". (تأريخ الحكماء/354).
المؤرخون الأوربيون يفندون مسؤولية المسلمين عن حرق المكتبة
غالبية المؤرخين الأوربيين نفوا قيام المسلمين بحرق مكتبة الإسكندرية باستثناء البعض القليل ممن يغالي في تعصبه وحقده على العروبة والمسلمين معتمدين في رأيهم على مصادر عربية غير مهمة تناولت الموضوع بشكل هامشي وغير دقيق، سنناقشها لاحقا في المبحث. وهذا ما أكده المستشرق (ج. ج. سوندرز) بأن" هناك إجماعا بين الكتاب الـمُحْدَثين بأن المسلمين لم يحرقوا مكتبة الإسكندرية وأن القصة التي تزعم هذا هي قصة بغير أساس". كما ذكر المؤرخ (جون مسبرك) " المسلمون هم في حقيقة الأمر الذين أدخلوا العلوم والمعارف إلى أوربا، والفرنج هم الذين أحرقوا مكتبة الإسكندرية". (الادعاءات الكاذبة). وقال (جورج مرتين) " لقد أحرق المتوحشون الإفرنج بأمر أصدره ثيودوسيوس سنة 390 بعد الميلاد، والشواهد التأريخية تفضح الكذب الذي اختلقوه في رومية وزعموا أنها أُحرقت بأمر الخليفة عمر بن الخطاب، ولقد نسبوا هذه النسبة الكاذبة الخاطئة إليه زوراً وبهتاناً". (ترياق الخرافات). وأشار بتلر في كتابه" أن يوليوس قيصر كان محصوراً سنة 48 ق . م، في حي البر وكيون يحيط به المصريون من كل جانب تحت قيادة أخيلاس ، فأحرق السفن التي في الميناء لقطع خط الرجعة على يوليوس وقيل إن النيران امتدت إلى المكتبة (مكتبة المتحف أو المكتبة الأم) وأحرقت المكتبة وأفنتها أو قد فنيت تماماً فى القرن الرابع الميلادي. أما المكتبة الوليدة التي قامت فى السيريوم فإنها كانت في حجرات متصلة ببناء معبد السيريوم وقد أحرق هذا المعبد في عهد ثيودوسيوس عام 391 م على يد المسيحيين الذين كان يقودهم رئيسهم ثيوفيلوس". ( فتح العرب لمصر/303)
وذكر زميله المؤرخ (هلسلي أستيفونس) عن الموضوع نفسه" الجهلاء الفرنج هم الذين أحرقوا مكتبة الإسكندرية الكبيرة الأثر، وقد أدى حرقها إلى فقدان أوربا شعلة العلوم، وبقيت أوربا تتخبط في ظلمات الجهل والأساطير، إلى أعاد المسلمون ضياء العلوم لها". (الفكر والأديان). وجاء في كتاب خطايا الأوربيين السابق ذكره " أن من أحرق مكتبة الإسكندرية هو ثيوفيلوس ولا علاقة للمسلمين بحرقها، لأن الإسلام لا يجيز حرق الكتب، لذا لم يذكر المؤرخون الأوائل شيئا عن مكتبة الإسكندرية، في حين إنهم تطرقوا لأمور أقل أهمية منها". (مجلة المقتبس/6 صفحة/ مجلد1).
وذكر الفيلسوف أرنست رينان في خطاب له ألقاه في المجمع العلمي الفرنسي بعنوان العلم والإسلام " ذكر البعض أن عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية، وهذا كذب وافتراء محض لأن المكتبة المذكورة قد أُحرقت قبل زمانه بسنين عديدة". كما أن مؤرخ سيرة حياة يوليوس قيصر (درابر) ذكر أنه " عند قدوم يوليوس قيصر عند إلى مصر لنجدة كلوباترة، أحرق نصف المكتبة وقلده بطارقة الإسكندرية فأحرقوا البقية وذكر اورسيوس أنه رأى بعينه أماكن الكتب خالية منها بعد أن صدر أمر الإمبراطور ثوديوس بإحراقها". (يوليوس قيصر).
كما ذكر (المؤرخ جيبون) في معرض حديثه عن اضمحلال الإمبراطورية الرومانية" أن نسبة الحريق لعمر أو لعمرو أكذوبة لفقها أبو الفرج (أي ابن العبري) رئيس أساقفة حلب على طائفة اليعاقبة إحدى الطوائف المسيحية بعد مضي نحو ستمائة سنة من الهجرة في تاريخ له ألفه بالعربية ولما نقل ما كتبه إلى اللاتينية انتشرت هذه الأغلوطة في أوربا، لا يخفى على أهل البصيرة أن مكتبة الإسكندرية احترقت قبل الميلاد وما زعمه رئيس أساقفة حلب من أن المسلمين أحرقوها لم يتعرض له مؤرخ واحد ممن ظهروا قبل أبي الفرج حتى أن افتيكيوس بطريرك الإسكندرية عند توسعه في الكلام على استيلاء المسلمين على الإسكندرية لم يذكر كلمة عن حرق عمرو بن العاص لهذه المكتبة". كما ذكر رئيس مدرسة آثينة الكلية في تاريخه العام عند كلامه على الإسكندرية من أن هذه المكتبة حرقت لدن وصول قيصر إلى مصر وأن ما بقي من الكتب تلف قبل استيلاء المسلمين على الإسكندرية بزمن طويل وأن ما يحكى من أن عمرو بن العاص حرقها إن هي إلا فقرة مدخلة بعد هذا. وقد عرب ما تقدم حباً بإظهار حقيقة طال البحث فيها وتعارضت الآراء بأمرها والحقيقة ضالة كل باحث ومستفيد". (اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية/الجزء 9).
وذكر المؤرخ جوستاف لوبون" أن المكتبة لم تكن موجودة عند الفتح العربي، إذ كانت قد أُحرِقَت عام 48 ق. م عند مجيء يوليوس قيصر إلى الإسكندرية". (حضارة العرب/208). كما ذكر بلوتارخ ( Plutarch) في كتابه Life of Caesar بأن مكتبة الإسكندرية" قد احترقت بفعل الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر لتدمير الأسطول المصري المرابط في ميناء الإسكندرية". وذكر المؤرخ الروماني اولوس جليوس Aulus Gellius " أن المكتبة الملكية الإسكندرية قد أُحرقت بطريق الخطأ عندما أشعل بعض الجنود الرومان التابعون ليوليوس قيصر بعض النيران". وهذا ما ثبته كذلك المؤرخ اميانوس مرسلينوس Ammianus Marcellinus والمؤرخ اوروسيوس Orosius بأن مكتبة الاسكندرية قد أُحرقت خطأً بسبب الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر. العلامة الموسوعي الشهير( ول ديورانت) كان له نفس الراي بشأن حرق المسلمين لمكتبة الإسكندرية بقوله " ان معظم المؤرخين يرفضون هذه القصة ويرون انها من الخرافات الباطلة". (قصة الحضارة13/262).
كما ذكر المستشرق زيغريد هونكه" كان العلماء المسلمين حريصين على اقتناء كتب العلم اليونانية والرومانية ودراسة ما فيها. ومن أمثال ذلك رجل العلم العظيم موسى بن شاكر وأولاده الثلاث محمد وأحمد وحسن فى عصر الخليفة المأمون. وقد برعوا في علم الفلك ودراسة طبقات الجو والرياضة، وكانوا يرسلون أتباعهم إلى بلاد البيزنطيين على نفقاتهم لشراء الكتب وترجمتها والاستفادة من علومهم. وترجم (ثابت بن قرة) لبنى موسى عدداً كبيراً من الأعمال الفلكية والرياضية والطبية لأبولونيوس وأرخميدس وإقليدس وتيودوسيوس وأرسطوطاليس وأفلاطون وجالينوس وأبقراط وبطليموس. كما أنه صحح ترجمات حنين بن اسحق وولده ثم شرع في وضع مؤلفات ضخمة له، فوضع 150 مؤلفاً عربياً و (10) مؤلفات باللغة السريانية في الفلك والرياضيات والطب. فهذا نموذجاً من النماذج المشرقة في صفحات علم العرب وتقديسهم للعلم. فهل يصدق أحد العقلاء أن المسلمين قاموا بإحراق مكتبة عظيمة مثل مكتبة الإسكندرية ثم بعد ذلك يتكبد علماؤهم مشقة البحث عن مؤلفات لنفس العلماء الذين حُرِقت كتبهم؟". (شمس العرب تشرق على الغرب/184).
ذكر بلوتارخ ( Plutarch) في كتابه الشهير(حياة قيصر) Life of Caesar بأن مكتبة الإسكندرية" قد احترقت بفعل الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر لتدمير الأسطول المصري المرابط في ميناء الإسكندرية". ويقول العلامة المستشرق (ماكس مايرهوف) " يكاد يكون من الحقائق التي أجمع عليها المؤرخون أنه لم تكن بالإسكندرية مكتبة كبرى عامة بعد نهاية القرن الرابع الميلادي، حيث كانت قد ضاعت معالم تلك المكتبة إبان الصراع الهائل بين المسيحية والوثنية على طول القرون الأربعة التي أعقبت الميلاد". وقالت الكاتبة والمؤرخة ( أ. ل . بتشر) في هامش كتابها " لا جدال بأن مكتبة الاسكندرية القديمة قد كان قد احرقها أوغسطس قيصر أول إمبراطور روماني وضع يده على مصر ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى تجددت هذه المكتبة إذ نقلت مكتبة برغاموس إليها فصارت أشهر من الأولى وانفع". (تأريخ الأمة القطبية6/148).
واخيرا ذكر فيليب حتي" اما القصة التي تقول ان عمرا احرق مكتبة الاسكندرية، بإشارة من الخليفة واحمي بها حمامات المدينة مدة ستة أشهر، فينكرها البحث العلمي". (تأريخ العرب المطول/222).
هذه هي آراء أهم وأبرز مؤرخي الغرب حول حريق المكتبة، ونفوا مسؤولية العرب المسلمين عنها، لا نفهم لماذا يصر بعص الكتاب العرب على تحميل المسلمين مسؤولية حرق المكتبة؟
أليس هذا الموقف الشاذ يدعو إلى الريب؟
رجال الكنيسة يفندون مسؤولية المسلمين عن حرق المكتبة
يذكر الدكتور نبيل لوقا بباوي" لقد وصل تسامح عمرو بن العاص مع الجنود الرومان البيزنطيين وأعدائه أنه نص في عقد الأمان المبرم مع قيرس أو المقوقس كما يطلق عليه أهل مصر الذي ابرم في عام 642م أنه سمح للجيش البيزنطي بالانسحاب من مصر وان يحمل جنوده أمتعتهم وأموالهم أن يتعهد المسلمون ألا يتعرضوا للكنائس الخاصة بهم هل يوجد تسامح أكثر من ذلك؟ أن تترك أعداءك يخرجون أمام عينيك بأمتعتهم وأسلحتهم وأنت تعلم مقدماً أنهم سوف ينظمون أنفسهم مرة أخرى لمقاتلتك وقتل الجيوش الإسلامية، ولكنها تعاليم الإسلام عندما تبرم عقد الأمان يجب الالتزام به وأن القتال ليس هدفاً لذاته بل هو خطوه للدفاع عن النفس ولتأمين الدولة الإسلامية الحديثة". (انتشار الإسلام بين الحقيقة والافتراء/158).
ذكر الأستاذ عزيز سوريال عطية" يرتبط فتح العرب للإسكندرية بلغط أجوف حول حريق مكتبة المدينة على يد عمرو بن العاص، تنفيذاً لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب، لكن هذه الرواية هي من نسيج الخيال وهي أقرب إلى الأساطير في كل تفاصيلها، وهي من حكايات الرحالة عبد الله اللطيف البغدادي ( ت 1231م) ومن كتابات الأسقف السورياني اليعقوبي بن العبري، وتزعم هاتان الروايتان أن الخليفة عمر بن الخطاب قد طلب من القائد عمرو بن العاص أن يبقي على هذه المكتبة إن كان ما فيها متفقاً مع ما ورد في القرآن الكريم وإلا فليقم بإحراقها، وعليه كما تزعم هاتان الروايتان قام عمرو بإحراق هذه الكتب . وواقع الأمر أنه لا يوجد مصادر معاصرة أو حولية تشير إلى هذا أو بشيء منه من قريب أو بعيد كما أنه من المشكوك فيه أصلاً أن تكون الإسكندرية عند وصول العرب إليها سنة 642م كانت لا تزال تحوي شيئاً من مكتبة البطالمة فلقد تم إحراق المكتبة منذ زمن بعيد على يد يوليوس قيصر عند هجوم على الإسكندرية لمساعد ة كلوباترة السابعة ضد أخيها سنة 48 ق.م يضاف إلى ذلك أنه في القرن الرابع للميلاد عندما صارت للمسيحية الغلبة في مدينة الإسكندرية على بقايا الوثنية , هجم المسيحيون على كل ما هو من بقايا الوثنية ودمروه تماماً ؛ ومن ذلك بطبيعة الحال ما كان قد تبقي من مكتبة البطالمة الوثنية. كما أن لفائف البردي واللفافات الأخرى التي قد تكون قد أفلتت من حرائق قيصر ومسيحيي القرن الرابع لابد وأنها كانت قد تهالكت وبليت بفعل الزمن وقت وصول العرب إلى مدينة الإسكندرية سنة 642م.وخلاصة كل هذا أن حكاية إقدام عمرو بن العاص على إحراق الكتب في أفران الحمامات بالإسكندرية مجرد تلفيق كاذب لا أساس له من الصحة تاريخياً" (تاريخ المسيحية الشرقية/103).
وجاء في موسوعة (من تراث القبط) الاتي" يتضمن غزو العرب للإسكندرية واقعة حزينة تتعلق بحرق مكتبتها العظيمة بواسطة عمرو بن العاص، الذي قيل إنه إنما كان ينفذ أوامر الخليفة عمر، إلا أن هذه القصة الرومانسية تنتمي إلى عالم الأساطير فقد ظهرت لأول مرة في كتابات الرحالة الفارسي (عبد اللطيف البغدادي المتوفي عام 1331م) والمطران اليعقوبي بارهيبراوس (المتوفي 1286م) أي بعد الغزو بستة قرون، إذ يزعمان أنه بناء على تشاور الخليفة عمر مع قائد جيش المؤمنين في مكة بعث إلى قائده عمرو بقراره المعروف الذي يؤكد فيه بأنه إذا كانت محتويات المكتبة تتفق مع ما جاء في القرآن فهي أشياء لا ضرورة لها ومن ثم فهي تافهة، وإذا كانت تختلف مع القرآن، فلابد من التخلص منها على اعتبار أنها خطر يهدد روح الإسلام وفي كلتا الحالتين يجب إحراق هذه الكتب وبعد تسلم عمرو لهذه الرسالة تم التخلص من هذه المحتويات الضخمة باستخدامها كوقود للحمامات الشعبية بالإسكندرية ستة أشهر وهي مدة لا تصدق، ولم يشر أحد من المؤرخين المعاصرين إلى هذه القصة , فضلاً عن ذلك فمن الشكوك فيه أن تكون لمكتبة بطليموس أثار باقية حتى مجيء العرب والمعروف أن جزءاً كبيراً منها قد دمر في حروب يوليوس قيصر في سنة (48 ق. م)، وحدث في القرن الرابع الميلادي، أن المسيحيين المنتصرين قد قاموا بعمليات منظمة لإحراق المباني عمداً لإزالة كل أثر للمؤسسات الوثنية، التي لابد أنها قد أصابت المتحف muscone أو ما بقى من، إن طبيعة لفائف البردي والمخطوطات المتراكمة في المكتبة كان لابد أن تتحلل نتيجة استعمالها على مدى قرون عديدة والمخطوطات المتراكمة في المكتبة كان لابد أن تتحلل نتيجة استعمالها على مدى قرون عديدة قبل الفتح العربي، وبعبارة أخرى فإن قصة إشعال حمامات الإسكندرية بتراث مكتبة الإسكندرية قصة يجب رفضها باعتبارها بدعة غير تاريخية ولا أساس لها". (موسوعة من تراث القبط1/207).
وقال المطران يوسف ضرغام" انتعشت الكنيسة القبطية وتنظمت في حكم عمرو بن العاص، فاعتقد الأقباط لفترة أن انتصار العرب أعاد لهم الحرية والكرامة والشخصية القومية ، لا سيما أن عمرو بن العاص اتبع وصية نبي الإسلام وعطفه على الأقباط إذ جاء في الحديث" إن الله عز وجل سيفتح مصر بعدي، فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لهم منكم صهراً ونسباً. فقد كانت مارية القبطية زوجة للرسول وأنجبت له ولده الوحيد إبراهيم الذي توفى بعد سنة ونصف تقريباً. وقد ساعد الفتح العربي في بداية الأمر على نهضة اللغة القبطية على حساب اليونانية، فالقراءات الطقسية صارت تتلى بالقبطية وحدها، كما تُرجمت إليها أقوال الآباء، وقد بنيت عدة كنائس وجُددت كنائس أخرى. ففي ايام البطريرك أغاثون (661 – 667) عُمرت كنيسة أبي مقار، وبنيت كنيسة القديس مرقس بالإسكندرية في ولاية عمرو بن العاص". (دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة/167).
كما ذكر الأب سهيل قاشا" إن العرب الذين وهبهم الله الملك يحترمون الديانة المسيحية، ويودون القسس والرهبان ويكرمون أولياء الله، ويحسنون إلى الكنائس والأديار". (الكنيسة العراقية إزاء الاضطهادات الفارسية/87) . لا بد من الإشارة في هذا الصدد بأن المطران يوسف الدبس علق على دعاوي البعض عن كيفية إحراق مكتبة الإسكندرية ونسبتها للمسلمين بقوله" روى هذه القصة كثير من المؤرخين النصارى وبعض المسلمين أيضاً عَلَى أن المدققين لم يقطعوا بصحتها". (تأريخ سوريا). كما أورد الأب نقولا أن علماء الإفرنج" يزيفون أقوال بعض أرباب الأهواء في نسبة الحريق للمسلمين ويبينون مأْخذ عبد اللطيف البغدادي وابن القفطي وابن العبري والحاج خليفة وليس لمكتبة الإسكندرية ذكر في عبارة أبي الفرج بن العبري الأصلية السريانية والنسخة العربية منقولة عنها كما أن بعض المخطوطات من تاريخه العربي لا أثر لهذه الرواية فيها والحاج خليفة لا ذكر للإسكندرية ومكتبتها في كتابه والبغدادي والقفطي نقلا عن رواية دسها عليهم بعض المتعصبين أو دسوها في عباراتهما. والمبحث مهم في ذاته يبين تعصب الإفرنج عَلَى الإسلام وبه يتم هذا المبحث الذي نشر المقتبس فيه عدة أبحاث أيضاً في سنيه الثلاث الأولى". (المقتبس46/47 عام 1909).
1046 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع