الراحل علي الوردي و الفتوحات الإسلامية / ١

عبد الرضا حمد جاسم

الراحل علي الوردي و الفتوحات الإسلامية / ١

المقدمة: كتب الراحل الدكتور علي الوردي التالي في ص63/دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/الصادر عام 1965/تحت عنوان فرعي هو: المقارنة بين خروجين: [حين ندرس سلوك البداوة العربية في الفتوح وسلوك البداوة المغولية فيها يتبين لنا مبلغ الاختلاف بينهما في تركيب الثقافة الاجتماعية. أكاد اعتقد ان العرب كانوا أكثر مرؤة واقل قسوة وتخريبا من المغول كما أشرنا اليه من قبل] انتهى.
وفي التالي أنقل لكم مقاطع مما كتب الراحل الوردي في كتابه: وعاظ السلاطين الصادر عام1954 (استعير من الطبعة الثانية الصادرة عن دار ومكتبة دجلة والفرات عام 2013) ...عن فتوحات/غزوات العرب وكما يأتي:
* اولاً: في ص204 كتب التالي: [يتبجح بعض هؤلاء المغفلين بذكرى الفتوح التي قام بها اجدادهم وهم لو أنصفوا لنكَّسوا رؤوسهم خزياً] انتهى
*ثانياً
1ـ في ص 207 كتب التالي: [ومن أعجب المفارقات اننا نستبشع غزو تيمورلنك لبلادنا ونعده العن خلق الله. هذا ولكننا نمجد تلك الغزوات التي غزا بنو امية بها العالم واستعبدوا الشعوب وانتهكوا الحرمات] انتهى.
2ـ في ص208 كتب التالي: [قد يقول قائل بأن فتح بني امية كان يختلف عن فتح تيمورلنك فذلك فتحا عادلا في سبيل الله وهذا فتح ظالم في سبيل الشيطان. ولست أرى أسخف من هذا القول] انتهى.
3ـ في ص208 كتب التالي: [إننا نصف الفتح الاموي بالعدل لأننا استفدنا منه. وأهالي سمرقند يجوزان يقولوا عن فتح تيمورلنك ما نقوله نحن عن فتح بني أمية. كلٌ ينظر في الأمور بمنظار مصلحته وينسى مصلحة الأخرين ولو نظرنا في الامر نظرة الإنسانية العامة لوجدنا الفتوح كلها ظالمة في نظر من تقع عليه] انتهى.
4 ـ في ص209 كتب التالي [يقول المؤرخون أن الجيش الاموي الفاتح عندما دخل المدينة بعد واقعة الحرة أباحها ثلاثة أيام "فأستعرض أهل المدينة بالسيف جزراً كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الاقدام في الدم وقتل أبناء المهاجرين والأنصار] انتهى.
5 ـ في ص 209: [وليس في هذا غرابة فالفتح هو الفتح في كل زمان ومكان. جرى الفتح الاموي في المدينة فعرفنا خبره ولكننا لا ندري كيف جرى في بلاد بعيدة، وماذا قاسى الناس هناك فالجنود الذين يفعلون هذا الفعل في مدينة الرسول لا يبالون أن يفعلوا مثله في بلاد الاعاجم والكفرة]] انتهى
*ثالثاً:
1ـ في ص203 كتب التالي: [يُقال ان موسى ابن نصير غنم من غزواته في افريقيا ثلاثمائة ألف اسير فبعث خُمسْ هؤلاء الاسرى الى الخليفة عملاً بحكم القرآن ...الخ].
2ـ في ص 203 ايضاً [ذكروا أن موسى ابن نصير عاد من الأندلس ومعه من السبايا ثلاثون ألف عذراء فذهبن طبعاً الى قصور امير المؤمنين ...الخ].
3 ـ في ص209: [ولا غرو بعد هذا ان نرى موسى ابن نصير يجر وراءه من السبايا ثلاثين ألف عذراء بعد فتح الاندلس. ولست اظن بأن أولئك العذارى وقعن في الاسر طوعاً واختيارا. ان المجاهدين الفاتحين لا بد قد خطفوهن من البيوت بعد أن قتلوا رجالها ونهبوا ما فيها فليس من المعقول ان يذهب المجاهدون الى بيوت المدن المفتوحة فيطرقون الباب ويقولون: "اعطونا عذراء في سبيل الله". إن سبي كل فتاة وراءه قصة طويلة من النهب والسفك وانتهاك الحرمات] انتهى.
4 ـ في ص204 كتب التالي:[وقد اسر المجاهدون في احدى معارك الاندلس عدداً كبيراً من الأسرى بحيث أنهم أخذوا يتخلصون منهم بابخس الاثمان فبيع الأسير بدرهم واحد وبيع البعير بخمسة دراهم].
...........................
هذه المقدمة وجدت ان اضعها لأهميتها ولعلاقتها الوثيقة والدقيقة بالتالي...اتمنى التأكيد عليها ومقارنة ما ورد فيها مع ما سيرد ادناه...شاكراً لكم ذلك
الموضوع:
لقد انهيت المقالة السابقة (4) بمناقشة الخطأ الأول من الخطأين الذين وقع بهما أبن خلدون حسب ما تفضل به الراحل الدكتور علي الوردي واليوم أبدأ بمناقشة الخطأ الثاني:
ج6: [وهناك خطأ أخر اقترفه ابن خلدون هوانه ظن بأن العرب أشد الامم بداوةً وبعداً عن الحضارة ولهذا رأيناه يصف العرب بكل ما يناقض صفات الحضارة من تخريب ووحشية وخشونة وما اشبه. الغريب من ابن خلدون انه قال بذلك الراي المتطرف في العرب وهو يعيش في عصر كانت وحشية المغول وتخريبهم ملأ الأسماع والأبصار في كل مكان وقد اتيح له ان يكون في الشام عند اجتياح تيمورلنك لها وشهد مدى التخريب الفظيع والنهب والحرق والقتل الذي حدث فيها على يد التتر المتوحشين وكان ابن خلدون يعرف ماذا صنع تيمورلنك في المدن الاخرى وما صنع اسلافه ك "هولاكو وجنكيز خان" قبله] انتهى.
مناقشة: يقول الراحل الوردي أن رأي ابن خلدون في العرب هو رأي متطرف ...وبعد ان تفضلتم بالاطلاع على ما ورد في المقدمة أعلاه اسألكم: ايهما أكثر تطرفاً في موقفه من العرب أبن خلدون أو الراحل الوردي؟
واُضيف الى ما ورد أعلاه...التالي: كتب الراحل الوردي في ص 39/دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965"انقل من الطبعة الثانية 2013": [الواقع أن القبائل العربية قد خربت بلدان المغرب تخريباً فظيعاً ولكننا مع ذلك لا نستطيع ان نعد تخريبهم بمستوى تخريب المغول والتتر فقد كان هؤلاء وحوشاً سفاكين علاوة على كونهم مخربين فكانوا لا يكتفون بتخريب المدينة التي يفتحونها بل يعمدون الى قتل جميع سكانها] انتهى.
أعتقد أن الراحل الوردي هنا يريد أن يضع سلم للفتك والتخريب والتوحش ويريد ان يصنف حوادث ذلك الى درجات على ذلك السلم دون ان يفكر لغرض معين كما اظن. التخريب تخريب ليس فيه درجات يمكن ان يكون فيها مخرب أشرف وأنزه وارق وأحسن من مخرب اخر أو أن هناك تخريب فيه مروءة وشهامة ودماثة ورقة واخر لا او بدرجة اقل او أكثر من ذلك.
لو نترك ما ورد في المقدمة واسأل: بماذا يختلف رأي الوردي هنا في هذا المقطع عن رأي ابن خلدون؟ الوردي يقر بأن ما جرى هو "تخريب فظيع "وهذا يتطابق كثيراً وربما تماماً مع رأي ابن خلدون لأن التخريب الفظيع يتناقض مع صفات الحضارة وهو وحشية وخشونة ويشمل النهب والسلب و السبي والحرق والقتل. فما الفرق بين الرأيين؟ وارجوان تعيدوا قراءة ما ورد في المقدمة أعلاه بخصوص السبي والنهب وانتهاك الحرمات التي أشار اليها الدكتور علي الوردي عند فتح الاندلس.
ووفق حشر الراحل الوردي لعبارة "وقد اُتيح له ان يكون في الشام عند اجتياح تيمورلنك لها...الخ".
اسمحوا لي ان اُناقش هذا الموضوع بعُجالة واسأل واُجيب: متى طرح ابن خلدون رأيه بالعرب البدو او البدو العرب؟ أو كيف سمح الراحل الوردي لنفسه ان يطرح مثل هذا الطرح وهو قارئ جيد كما يُفترض لما ترك ابن خلدون وعرف عنه الكثير؟
اُجيب: ان رأي ابن خلدون بالبدو العرب وتخريبهم كتبهُ قبل ان يصبح تيمورلنك قائداً/حاكماً عام 1370م (حيث كان عمر ابن خلدون حينها 38 عام) وحيث أنهى ابن خلدون كتابه الأهم:(العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) عام 1377م أي قبل ان يغزو تيمورلنك الشام بربع قرن تقريباً، حيث دخل الشام بحدود عام 1400م (وكان عُمر ابن خلدون حينها حوالي 68 عام) حين التقى مع تيمورلنك حسب الروايات.
هنا يبرز حشر الراحل الوردي لموضوع تيمورلنك لغرضٍ في نفسه، ربما أراد به ان يساير المد القومي العروبي الذي كان سائداً عند صدور هذا الكتاب عام 1965 سواء في العراق او المنطقة. وللعلم أن ما ورد في المقدمة أعلاه منقول نصاً من كتاب وعاظ السلاطين الصادر عام1954 و المقطع الذي اناقشه هذا منقول نصاً من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي الصادر عام 1965 حيث كان المد القومي العروبي هو السائد في العراق و معه انتعاش المد الديني الإسلامي و بالذات بعد انقلاب 8 شباط 1963 و محاربة المد التقدمي/الشيوعي/اليساري/العلماني/المدني الذي كان اكثر انتشارا من المد الديني و القومي خلال الفترة من 1954 الى نهاية 1962 ...يضاف لذلك شعور الراحل الوردي ببروز مظاهر الطائفية حيث كان حكم عبد السلام محمد عارف والذي قيل ان الراحل الوردي قال التالي حسب ما مثبت في كتاب /مئة عام مع الوردي/محمد عيسى الخاقاني/دار الحكمة لندن/ الطبعة الثانية 2013 ص298 حيث ورد التالي :[كان الدكتور الوردي يقول ان أول رئيس زرع الطائفية في العراق كان عبد السلام محمد عارف...و يضيف الوردي أن عبد السلام عارف بتحديده السلوك الطائفي عند طائفة واحدة لا غير قد أشار دون ان يدري الى طائفيته...الخ]انتهى.
[ملاحظة: ان ما ورد بخصوص طائفية عبد السلام محمد عارف نصاً على ذمة الأستاذ المحترم محمد عيسى الخاقاني.
أنا شخصياً اعتقد أن المد القومي العروبي كان سائداً والانتعاش الديني أصبح ملموساً وقت او قبيل صدور هذا الكتاب (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي). فربما أراد الراحل الوردي تدارك "زلاته" في تهجمه على بنو أمية كما ورد في المقدمة أعلاه أن حُسبت "زلات" تلك التي وردت في كتاب وعاظ السلاطين. أتصور ذلك "والله أعلم"].
نعود الى موضوع لقاء ابن خلدون وتيمورلنك فهو يثير الشكوك فالروايات حوله ضعيفة ركيكة...واليكم احداها كنموذج: (ابن خلدون وتيمورلنك)/ مالك ناصر درار/ الجزيرة السعودية/28/01/2008/ الرابط:

http://www.al-jazirah.com/2008/20080128/rj5.htm


يتبع لطفاً حيث بالمقطع أعلاه نبدأ الجزء التالي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1220 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع