د. علي محمد فخرو
وحدة الأمة في بناء الحداثة العربية
لنعد لموضوع انتقال شابات وشباب الأمة لمنهجية فكر وعمل متناسقة ومتكافلة من أجل بناء حداثة عربية ذاتية. في مقال سابق بينا الأهمية القصوى لأن يكون المدخل المفصلي الأول من خلال القيم الكبرى للأمة، سواء الذاتية التراثية المقبولة أو الحديثة المفيدة المتبناة من حضارات الآخرين. وتبين لنا الغنى الكبير لذلك التراث بالقيم الأخلاقية والحقوقية والإنسانية لتكون مكوناً رئيسياً في المدخل الفكري والسلوكي لهذا المشروع التجديدي.
اليوم سنناقش المدخل الثاني الرئيسي المتمثل في مشروع وحدة هذه الأمة. وسنرى أن مشروع بناء الحداثة العربية ذاك سيكون مليئاً بالعقبات وقلة الإمكانيات ما لم يتبنَّ مشروع هذه الوحدة. بدون إطار نوع متفق عليه من الوحدة العربية سيكون الحديث عن التحرر والاستقلال القومي والوطني، وعن التنمية الشاملة المستمرة، وعن الأمن المعيشي، وعن التقدم العلمي والتكنولوجي ضرباً من الآمال الرغائبيّة والإنجازات المحدودة.
ولقد تنبّه العرب إلى أهمية وحدة أمتهم منذ القرن التاسع عشر، لكن المؤامرات الاستعمارية الخارجية وأنانية وانتهازية البعض في الداخل منعت نجاح ذلك المشروع الحيوي. وأنا أحيل شباب الأمة إلى كتاب يتعامل مع جوانب الماضي والحاضر والمستقبل لهذا الموضوع في شكل طرح اسئلة واقتراح إجابات كتبه المرحوم الدكتور سعدون حمادي تحت عنوان عن القومية والوحدة العربية، سألني سائل فأجبت. وهو كتاب متوازن واقعي موضوعي إلى حدّ كبير ومن إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية الثقافية القومية.
وككلّ مشروع كبير متفاعل مع الواقع مرّ مشروع وحدة الأمة في مراحل عديدة.
في يومنا هذا يطرح الكثيرون المشروع ضمن المعطيات الموجزة التالية:
1- فشل الغالبية الساحقة من الأقطار العربية في بناء دولة حرة مستقلة ذات اقتصاد تنموي إنتاجي ونظام سياسي شرعي ديموقراطي وأمن خارجي وداخلي ممّا يستدعي النظر في توحيد الأمة.
2- يدرك الكثيرون أن القفز إلى طرح الوحدة الاندماجية الشاملة أمامه الكثير من الصعاب ولذلك يطرحون أن تبدأ الوحدة بتكوين أربعة تجمعات أو مجالس عربية، في مناطق المغرب العربي ووادي النيل والهلال الخصيب والخليج العربي، لتكوّن توحيداً تدرّجياً متنامياً واقعياً فيما بين أعضائها، وذلك قبل الحديث عن وحدة اندماجية نهائية.
ولكن ذلك لا يمنع استمرار الجامعة العربية وغيرها من المؤسسات المماثلة العمل على قيام تعاون تشاركي، بل وخطوات توحيد تضامني متناسق في كثير من المجالات الممكنة فيما بين الدول العربية كلها.
3- وفي جميع الأحوال يشعر البعض بأن وجود قاعدة اقليمية بزعامة ورئاسة شخصية كاريزمية عروبية، تؤمن بالوحدة العربية وتبذل جهوداً ذاتية كبيرة في سبيل تحققها، سيساعد كثيراً على اقتناع المترددين وفي التفاف الجماهير حول الشعارات الوحدوية التي تطرحها تلك الدولة القاعدة.
ويستشهدون بما حاولت جمهورية مصر العربية فعله في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
4- هناك شبه إجماع بأن كل متطلبات التنمية الأساسية لا يمكن تحققها إلا على المستوى القومي الوحدوي التراكمي في كل المجالات. فتكوين التراكم المعرفي والتقني العربي الذاتي القادر على المنافسة، وبناء اقتصاد إنتاجي غير ريعي في سوق عربي موحد، والأمنين الغذائي والعسكري، ومواجهة كل مصادر التخلف الثقافي بكل مكوناته، والاستقلال القادر على الحماية من التدخلات والإملاءات الخارجية والإقليمية، وعلى الأخص الاستعمارية الغربية والصهيونية منها، لا يمكن تحققها لمنفعة الجميع وبالجميع إلا في إطار وحدة هذه الأمة.
ولأن كل ذلك يهم الفرد المواطن العربي عبر الأرض العربية كلها فان هذا المواطن، وعلى الأخص الشباب منه، مطالب بأن يناضل، كفرد وكعضو في مؤسسة مدنية، بصورة متنامية ومستمرة وبشتى الطرق الممكنة.. يناضل في سبيل بناء مكونات هذا المدخل المفصلي الثاني من مداخل المشروع الحداثي العربي.
1178 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع