قصة إنشاء مركز الحاسبة الإلكترونية في جامعة الموصل

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل



قصة إنشاء مركز الحاسبة الإلكترونية في جامعة الموصل

يُعد الحاسوب، الحاسبة الإلكترونية، (الكومبيوتر Computer) أحد أهم الإنجازات العلمية في القرن العشرين، وقد سبقته عدد من الأجهزة اليدوية والميكانيكية للعد.

لقد اهتم الإنسان منذ القِدم بالأعداد وعدها، وكانت الأصابع تُستخدم لغرض العد؛ وقد وضع العراقيون القدماء النظام العددي الستيني.

وظهرت أول السجلات في منطقة الهلال الخصيب على هيئة حصوات أو كرات طين في مخاريط من الطين غير المشوي، والغالب أنها استُعمِلت لتدوين الأعداد المرتبطة بالمحاصيل والغلال. واستعمل البابليون أداة بدائية للعد وقد طورها الرومان لاحقا.

وصُنع في العالم الإسلامي خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية الإسطرلاب، واخترع البيروني أول إسطرلاب ميكانيكي فيه تقويم شمسي قمري وتروس متقاطره قرابة سنة 1000 ميلادية.

واخترع ويليام أوتريد المسطرة الحاسبة (السلايد رول Sliderule) في العقد الثالث من القرن السابع عشر بعد فترة قصيرة من نشر مفهوم اللوغاريتم. والمسطرة الحاسبة بالأساس هي حاسوب تماثلي مُشغل يدوياً يُنجز الضرب والقسمة، وأضيف إليها لاحقاً حساب المربعات والجذور التربيعية والمكعبات والجذور التكعيبية بالإضافة للدوال المتسامية؛ نحو دوال اللوغاريتمات والدوال الأسية والزائدية والمثلثية. وكانت المسطرة الحاسبة بمثابة الحاسبة الشخصية لطلبة كلية الهندسة حتى ثمانينيات القرن الماضي.

 

ترجع أصول الحاسوب القابل للبرمجة إلى مهندس الميكانيك والموسوعي الإنكليزي تشارلز بابيج الذي ابتكر مفهوم الحاسوب الميكانيكي القابل للبرمجة وصنعه في بدايات القرن التاسع عشر، لذلك يُنظر إليه على أنه المؤسس الحقيقي لعلم الحاسوب.

ثم كانت ولادة أول حاسوب برنامج مخزون في العالم سنة 1948م في جامعة مانشستر، واُطلق عليه اسم (طفل مانشستر Manchester Baby). وبعد أن ظهرت جدوى تصميم (طفل مانشستر)، بدأ مشروع جديد في الجامعة لتطويره إلى حاسوب يمكن الاستفادة منه عملياً، ونتج عن ذلك الإصدار الأول لحاسوب مانشستر (Manchester Mark 1) الذي يُعد من أوائل أجهزة الحاسوب في العالم ‏. وفي سنة 1953 أكمل فريق جامعة مانشستر إنشاء أول حاسوب في العالم يعمل بواسطة الترانزستور.

لقد كانت دراساتي العليا في جامعة مانشستر (UMIST) التي تُعد من أعرق الجامعات في العالم في مجال الحاسوب. وخلال فترة دراستي هناك في الثمانيات كان في جامعة مانشستر مركز ضخم للحاسوب يُقدم مختلف الخدمات للمستفيدين، كما كانت معظم الحواسيب في أوربا مرتبطة بحاسوب جامعة مانشستر. ومن الأقوال الشائعة عن مدينة مانشستر أنها مشهورة في شيئين: بعراقتها في مجال الحاسوب (الكمبيوتر) وبنادييها العريقان بكرة القدم: مانشستر يونايتد الذي يقع في أولد ترافورد ومانشستر ستي الذي يقع بجوار جامعة مانشستر.

 

مركز الحاسبة الإلكترونية في جامعة الموصل:
لقد نُصبت الحواسيب الأولى في العراق خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي في شركة نفط العراق ومصلحة السكك الحديدية ووزارة الصحة ومصلحة الكهرباء الوطنية وكلية الهندسة في جامعة بغداد والجهاز المركزي للإحصاء والموانئ ومؤسسة المشاريع النفطية والمركز القومي للحاسبات والطاقة الذرية والبنك المركزي، ومن ثم في مؤسسات كثيرة أخرى، وكذلك تم تأسيس المركز القومي
للحاسبات.

لقد أدركت جامعة الموصل منذ نشأتها أهمية التطور النوعي والكمي في أروقتها ونسجت لها سمعة طيبة في المحافل الإقليمية والعالمية.

يُعد المهندس الكهربائي الأستاذ الدكتور محمد زكي محمد خضر مؤسس الحاسوب في جامعة الموصل. وهو من مواليد محلة الميدان في الموصل عام 1944 وحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة بغداد عام 1965.

سافر محمد زكي إلى إنكلترا عام 1969 للدراسة لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة شفيلد القريبة من مانشستر بزمالة كولبنكيان. وقبل عودته إلى العراق في حزيران 1972 حصلت جامعة الموصل على منحة من مؤسسة كولبنكيان لشراء حاسبة IBM 1130 وطُلب من محمد زكي الاتصال بالشركة لغرض التدريب على الحاسبة.

وبعد عودة الدكتور محمد زكي في حزيران 1972 بُدئ بنصب الحاسبة في مبنى كلية الهندسة القديم الذي هو الآن قسم الهندسة المدنية بجامعة الموصل، وعُين الدكتور محمد زكي رئيسًا لقسم الهندسة الكهربائية في تشرين الثاني 1972.

وخلال سنة 1973 كان يشرف على الشؤون المتعلقة بالحاسبة لجنة يرأسها أ.د. حسون حديد الأستاذ في قسم الهندسة المدنية وعضوية الدكتور محمد زكي والدكتور عادل خضر وكان ارتباطها بمساعد رئيس الجامعة الدكتور فخري الدباغ.

وبعد أن استكمل نصب الحاسبة ووضع نظام لإدارة الحاسبة الالكترونية، عُين الدكتور محمد زكي مديرًا لها سنة 1973 إضافة لمهامه كرئيس لقسم الهندسة الكهربائية، وأصبح ارتباطه الوظيفي برئيس الجامعة مباشرة الدكتور محمد المشّاط.

لقد كان يشرف على مركز الحاسبة الالكترونية مجلس إدارة كان بعضويته مساعد رئيس الجامعة الدكتور فخري الدباغ وعضوية الدكتور قبيس سعيد الفهادي عميد كلية الإدارة والاقتصاد في حينه والذي أصبح رئيسًا لجامعة الموصل في فترة التسعينيات. وقد كان أول استعمال تطبيقي للحاسبة الالكترونية في تسجيل درجات الطلبة في الامتحانات في كلية الهندسة.

وفي العام الدراسي 1977/1978 حصل الدكتور محمد زكي على إجازة للتفرغ العلمي لسنة الدراسية في جامعة مانشستر (UMIST)، وفي أثناء هذه الفترة أسند منصب إدارة مركز الحاسبة الالكترونية إلى الدكتور ماهر طه طاقة رئيس قسم الرياضيات والذي كان قبل ذلك معاونًا لمدير الحاسبة الالكترونية، وكان يساعده المهندس نبيل خليل عمر.

من العاملين الأوائل الذين عملوا في مركز الحاسبة الالكترونية: المهندس ضياء النعمة (هندسة كهربائية)، المهندس سنان عطار باشي (هندسة كهربائية)، المهندس نبيل خليل عمر (هندسة كهربائية)، أمل إسماعيل حقي (علوم رياضيات(، ندوى حمدي شريف (إدارة واقتصاد(، يوسف ياسين (علوم رياضيات(، المهندسة سحر عبد العزيز الطالب (هندسة كهربائية)، المهندسة ندى شندالة (هندسة كهربائية(، منال الأورفلي (مُشغلة حاسبة(، غيداء عبد العزيز الطالب (علوم فيزياء)، رواء علي خليل (علوم رياضيات(، سناء سعد الدين (علوم فيزياء(، نجاح عزيز (علوم رياضيات(، سالم عبد الرحمن (مُشغل حاسبة(، بسام علي مصطفى (ماجستير علوم رياضيات)، رعد خيري عبد اللطيف (علوم فيزياء(، صبحي حمدون (علوم رياضيات(، ذنون إسماعيل (هندسة كهربائية(، خليل السيف (هندسة كهربائية(، ماهر النعمة (هندسة كهربائية).

وعلى الرغم من الدور الكبير الذي قام به الأستاذ الدكتور محمد زكي محمد خضر في تأسيس مركز الحاسبة الإلكترونية بجامعة الموصل وإدارة قسم الهندسة الكهربائية، فقد تم نقله إلى خارج أسوار الجامعة مع قرابة الخمسة عشر أستاذا من خيرة أساتذة الجامعة لأسباب غير معروفة وغير سياسية. وقد عمل الأستاذ الدكتور محمد زكي محمد خضر في وزارة الصناعة (السمنت) بين عامي 1981 و 1991، ثم التحق بالجامعة الأردنية كأستاذ وهو يعمل فيها منذ عام 1992.

يذكر الدكتور محمد زكي أن رئيس جامعة الموصل الدكتور محمد مجيد السعيد قد أبلغه شخصيا بقرار نقله إلى وزارة الصناعة وكان حينها منحرجا جدا وقال له بأن إدارة الجامعة لا علم لها بأسباب قرار النقل!!

يعتبر الأستاذ الدكتور محمد زكي محمد خضر من أفضل الشخصيات العلمية في تاريخ جامعة الموصل، وله عدد كبير من الأبحاث والكتب العلمية المؤلفة والمترجمة في حقول الهندسة الكهربائية والحاسوب فضلا عن قيامه بعمل تقويم لأوقات الصلاة في مدينة الموصل وتأليفه عدد من المؤلفات الإسلامية.

لقد استفادت الجامعة الأردنية استفادة كبيرة من خدمات الأستاذ الدكتور محمد زكي محمد خضر من بعد أن فرّط به بلده، وقد شاركتُه بالإشراف على طالبة دكتوراه في قسم علوم الحاسوب/ جامعة الموصل وهو في الأردن سنة 2007، وقد قيّمت الوزارة في بغداد تلك الأطروحة وأعطتها تقدير (امتياز) في ذلك الزمن الذي كان الحصول فيه على مثل هذا التقدير صعب جدا وفي حالات استثنائية.

نسأل الله تعالى أن يبارك بجهود كل المخلصين الذين تركوا إرثا طيبا في هذه المؤسسة العلمية وجعلها الله في ميزان حسناتهم.

(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).

المصادر: لمحات من تأريخ نشأة الحوسبة الإلكترونية في العراق، تأليف نخبة من رواد الحوسبة الإلكترونية وتحرير الدكتور زيد حبة، 2014، ومصادر أخرى.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1274 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع