قاسم محمد داود
وربة وبوبيان جزيرتان نشأتا بفعل الترسبات النهرية لشط العرب وقد طالب بهما العراق في العهد الملكي..
لم تتوقف مطالبة الحكومة العراقية بإعادة الكويت بعد مقتل الملك غازي وإنما استمرت عندما صار الأمير عبد الإله بن علي وصياً على العرش، لصغر سن فيصل الثاني بن غازي الأول الذي نصب ملكاً على عرش العراق خلفاً لوالده، والذي استمر في الوصاية على العرش من عام1939 الى عام 1953. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1939 استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير البريطاني في بغداد وابلغته رسميا بان العراق ينوي تأسيس ميناء في جزر بوبيان ووربة. ولكي نعرف مدى قرب هذا الجزر واهمية موقعهما وقربهما من ميناء أم قصر العراقي، نذكر شيئاً عنهما.
جزيرة بوبيان، هي أكبر جزيرة كويتية وتقع في أقصى شمال غرب الخليج العربي. وتعد ثاني أكبر جزيرة في الخليج بعد جزيرة قشم (1). تبلغ مساحتها 5% من المساحة الكلية للكويت وهي 890 كم² وتقع في الشمال الشرقي. وترتبط حالياً بجسر حديدي مع اليابسة. وتعود نشأة جزيرة بوبيان إلى الترسبات النهرية من شط العرب، ولا يزيد ارتفاع سطحها عن مستوى سطح البحر، عن 4 أمتار، ويتميز بالاستواء الرتيب؛ لذا نجد أن ظاهرة المستنقعات منتشرة على سطح الجزيرة. كما أن مشكلة سوء الصرف الطبيعي، وظاهرة النشع المرتبطة باقتراب مستوى الماء الباطن المالح من السطح، جعلت تربة الجزيرة عالية الملوحة؛ إذ تراوح ملوحتها بين 70 ـ 100 ألف جزء في المليون، وهي ملوحة تزيد على ضعف ملوحة مياه الخليج العربي، الذي يعد بدوره من أشد بحار العالم ملوحة، نظراً لوقوعه في منطقة صحراوية حارة، إضافة إلى شبه انعزاله عن المحيطات. تشرف الجزيرة على خور عبد الله، الذي يتحكم في الملاحة بين الخليج العربي وميناء أم قصر، الواقع على خور الزبير، ونظراً لهذا الموقع الإستراتيجي؛ فقد طالب العراق بالجزيرة منذ استقلاله عن الاستعمار البريطاني عام 1932. ففي العشرين من شهر مارس 1973، عبرت القوات العراقية الحدود الكويتية، واحتلت المكتب الحدودي الكويتي في سامطا. وقد كان الدافع وراء ذلك، ازدياد الصادرات النفطية من حقل الرميلة الشمالي في جنوبي العراق عن الطاقة التصديرية للموانئ العراقية، بما فيها ميناء البصرة، وميناء أم قصر، وميناء الفاو، ذات المياه الضحلة، التي لا تصل إليها سفن النقل الكبيرة، وشعور العراق بحاجة إلى بناء ميناء في المياه العميقة، على ساحل جزيرة بوبيان. وفي عام 1975، أكد العراق حقه في احتلال أو استئجار جزيرتي وربة وبوبيان؛ لحماية قاعدة العراق البحرية في ميناء أم قصر، على خور الزبير. وفي عام 1990، وبعد أن احتل العراق جميع الأراضي الكويتية، ضم حقل الرميلة وجزيرتي وربة وبوبيان إلى محافظة البصرة، في الأيام الأولى من الاحتلال، مما يؤكد الرغبة الشديدة للعراق في السيطرة على هاتين الجزيرتين الإستراتيجيتين، خاصة أن منافذ العراق محدودة على الخليج العربي، إضافة إلى النزاع العراقي الإيراني المستمر على الحدود في شط العرب، وهذا ما يحتم على العراق إيجاد منافذ آمنة على الخليج العربي.
أما جزيرة وربة فهي جزيرة تقع في شمال الكويت قبالة السواحل العراقية حيث تبعد مسافة كيلومتر واحد عن ميناء أم القصر العراقي. تقع هذه الجزيرة الصغيرة في أقصى الشمال الشرقي من الكويت ويبلغ طولها حوالي 12.5 كم وعرضها 3.5 كم وإجمالي مساحتها 37 كم، وهي آخر جزيرة تابعة للكويت من جهة الشمال، وتربتها رملية وسواحلها طينية منخفضة وهي جزيرة خالية من السكان. جزيرة وربة مثلثة الشكل تقريبا، يحيط بها من جهة الجنوب الشرقي خور عبد الله، ومن الجنوب خور الصبية، كما يفصلها عن الحدود العراقية خور شيطانة وهو مجرى مائي ضيق بين الكويت والعراق، يبلغ أقصى ارتفاع للجزيرة عن سطح البحر نحو عشرة أقدام، ويميل البحر إلى العمق عند طرفها الجنوبي الغربي الذي تتجه فيه أرضها إلى الانحدار قليلا. تحيط بسواحلها رواسب طينية من جراء تأثير طمي شط العرب لذا تكون المياه القريبة منها مليئة بالغرين، كما تخلو شواطئها من الشعاب المرجانية. أما البر العراقي، الواقع إلى الشمال من الجزيرة، فيفصلها عنه ممر مائي ضيق يعرف الجزء الشرقي منه بخور عبد الله، والجزء الغربي بخور شيطانة، المتصل بخور الزبير، الذي يمتد داخل الأراضي العراقية، والذي يقع عليه ميناء أم قصر، أحد أهم الموانئ العراقية.
تشرف الجزيرة على خور عبدالله وخور شيطانة اللذين يتحكمان في الملاحة بين مياه الخليج العربي وخور الزبير المؤدي إلى ميناء أم قصر العراقي، ونظراً لهذا الموقع الاستراتيجي طالب العراق بسيادته على كل من جزيرتي وربة وبوبيان، وكنتيجة لهذه المطالبات حاول العراق الاستيلاء على جزر الكويت الشمالية مرارا وتكرارا لتوسيع مداخله على مياه الخليج العربي، ومن هذه المحاولات حادثة الصامتة التي حدثت في عام 1973 حيث قام العراق باجتياح مركز الصامتة الحدودي الكويتي محاولاً الاستيلاء على المنطقة الحدودية الشمالية المحتوية على جزيرتي وربة وبوبيان بالإضافة إلى حقل الرتقة النفطي او كما يسمى بالعراق بحقل الرميلة، وكما اسلفنا عن جزيرة بوبيان عندما حاول العراق في المحاولة الثانية في عام 1975، كما كرر العراق مطالبته بالجزيرتين وحقه في احتلالهما او استئجارهما وذلك لحماية قواعد العراق البحرية في ميناء أم قصر. وتعتبر المحاولة الثالثة هي احتلال العراق لدولة الكويت عام 1990 حيث أنها ضمت كل من جزيرتي وربة وبوبيان وحقل الرتقة الكويتي مباشرة إلى محافظة البصرة العراقية وذلك يؤكد أهمية واستراتيجية هاتين الجزيرتين لكل من الدولتين.
وفي العودة إلى الحديث عن طلب العراق أنشاء ميناء على هذه الجزر والتي بينا موقعها وأنها نشأت من طمي وترسبات شط العرب، ففي يونيو 1940 احتج العراق رسميا لدى المندوب السياسي البريطاني لدي الكويت ديكسون على رسم الحدود بين العراق والكويت من قبل المستعمر البريطاني. وقد طالب العراق في الفترة من 1940 الى 1952 بريطانيا بإعادة الكويت الى الوطن الام من دون تدخل عسكري.
في 7 تشرين الاول 1940 ,وعندما كان نوري السعيد وزيرا للخارجية، وجهت السفارة البريطانية ببغداد رسالة اليه مباشرة ابدت فيها رغبة الحكومة البريطانية تخطيط الحدود بين العراق ومحمية الكويت، على اساس الرسالة المنسوبة الى نوري السعيد لعام 1932 ,وطلبت السفارة من وزارة الخارجية العراقية ارسال مذكرة تؤكد هذه الحدود.
فكانت اجابة نوري السعيد كالآتي:
((وزارة الخارجية
بغداد
رقم 2635 /265 /7/19648
21 /11/1940
الى سفارة صاحب الجلالة – بغداد
تهدي وزارة الخارجية تحياتها الى سفارة صاحب الجلالة البريطانية في بغداد، وبالإشارة الى مذكرة السفارة رقم 487 بتاريخ 7 اكتوبر 1940 تتشرف بأن تبين انها تعتبر ان الاقتراح الوارد في مذكرة السفارة مستوحى من بحث مسألة الحدود العراقية-السعودية. ونظرا لان المسألة قد تأجلت في الوقت الحاضر فأن الوزارة تعتقد ان من المناسب تأجيل بحث المسألة المطروحة للبحث في مذكرة السفارة.
نوري السعيد
وزير الخارجية))
وبذلك أهمل نوري السعيد تماما الاشارة الى الرسالة المنسوبة اليه، واعتبر الموضوع مستوحى من مسالة الحدود العراقية - السعودية، مما اغضب السفير البريطاني ببغداد بازل نيوتن الذي كتب الى وزير الدولة للشؤون الخارجية والكومنولث البريطاني إدوارد وود هاليفكس، في 29 تشرين الثاني 1940 قائلا ان نوري السعيد يختلق الذرائع، وان العراق يريد بتأخيره تخطيط الحدود ان يتمكن من الحصول " على منطقة او منطقتين بالطريقة التي قام بها مؤخرا بإزالة مركز الحدود عند صفوان وربما حتى الاستيلاء على جزيرتي وربة وبوبيان". واضاف السفير انه قبل تسلمه الرد العراقي فان مستر ادموندز (أحد المستشارين البريطانيين في العراق) قد احاطه علما بان وزارة الدفاع العراقية ابدت عدم الموافقة على تخطيط الحدود بين العراق والكويت حتى تتم تسوية مسألة تخلي الكويت للعراق عن جزيرتي وربة وبوبيان لكي يتسنى له التحكم التام في المداخل المؤدية الى الميناء المقترح في ام قصر. وناقش السفير اهمية الكويت في المستقبل القريب بالقول:
((انها نقطة اساسية ليس فقط على الطريق الى بغداد وما وراءها، ولكن ايضا على اي طريق جوي او بري قد يتم اقامته بين الاردن والخليج. بالإضافة الى ذلك فأن الكويت تبدو غنية بالنفط وربما تكون مياه الكويت في خور عبد الله مناسبة لأفضل ميناء محتمل نقيمه في الجانب الغربي من الخليج))
في 17 شباط 1941 ,اي بعد خروج نوري السعيد من الوزارة واستلام طه الهاشمي رئاسة الوزارة ووزارة الخارجية العراقية التي اتخذت الموقف ذاته واجابت في آذار من السنة نفسها انها ترى ان تخطيط الحدود يجب ان تسبقه تسوية مسائل اخرى متعلقة بالكويت. وهكذا وللمرة الثانية لم تعترف الحكومة العراقية بتوصيف الحدود الذي نسبته بريطانيا الى رسالة نوري السعيد لعام 1932, بل انها لم تشر اطلاقا الى الرسالة ذاتها. كما ان وزارة الخارجية البريطانية لم تصر في مراسلاتها اللاحقة على موضوع الرسالة المنسوبة الى نوري السعيد بل ناقشت الموضوع بدون الاستناد اليها، فقد ارسلت في 29 و31 آذار 1941 برقيات حول تحكم العراقيين في مداخل خور عبد الله واوضحت ان من صالح بريطانيا وصالح الكويت الابقاء على تحكم الكويت في مداخل الخور وعدم فعل ما من شأنه اضعاف المركز الهام للكويت وذلك لأهمية مركز بريطانيا حاليا ومستقبلا هناك.
وتطرقت البرقيات ايضا الى زيارة توفيق السويدي الى لندن في تشرين الاول 1938 واجتماعه مع اللورد هاليفاكس والذي قال عنه العراق ان هاليفاكس وافق في هذا اللقاء على تخلي الكويت للعراق عن جزيرة وربة وبوبيان لكن الخارجية البريطانية انكرت هذا الامر بالقول انه لا يوجد في سجلاتها ما يؤيد ذلك ولكن الوثائق البريطانية التي اطلعنا عليها تشير الى ان شيخ الكويت قد وافق على تسليم جزيرة بوبيان للعراق مقابل تحديد الحدود كما وافق على مقترح آخر بتأجيرها للعراق لمدة طويلة.
ان كل هذه المراسلات تؤكد ان العراق لم يحدد حدوداً له مع محمية الكويت منذ تأسيس الدولة العراقية مرورا بفترة العشرينات والثلاثينات والاربعينات من القرن العشرين وكان يعتبر جزيرتي وربة وبوبيان جزءا من اراضيه لأهميتهما كمنفذ بحري، ووافق الكويتيون بشروط، الا ان بريطانيا كانت تريد منذ عام 1940 ان تقيم ميناءا على الجانب الغربي من خور عبد الله حماية لمصالحها وهو المعروف حاليا بميناء مبارك. ولمصب خور عبد الله اهمية استراتيجية بالنسبة للعراق، لأنه يعتبر ممرا حيويا لنحو 80 % من واردات وصادرات العراق.
وللتوضيح فإن خور عبد الله، ممرا مائيا ضيقا يفصل بين العراق والكويت، ويمثل أحد أبرز ملفات ترسيم الحدود بين البلدين، ويقع الخور شمال الخليج العربي، بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية.
وهذه المنطقة طالما كانت محل نزاع كما أسلفنا بين البلدين حتى قبل استقلال الكويت عن بريطانيا عام 1961، بالنظر إلى عدم امتلاك العراق سواحل طويلة على الخليج، والتي لا تتجاوز 58 كيلومترا. ووجود جزيرتي وربة وبوبيان قبالة سواحل العراق، وعلى مسافة قريبة منها، يحرمه من امتلاك موانئ عميقة واستقبال السفن العملاقة، أو أن تكون له منطقة اقتصادية واسعة، أو بناء قوة بحرية كبيرة تنافس نظيرتها في إيران مثلا، باستثناء شبه جزيرة الفاو.
ولذلك استعاضت بغداد عن الجزيرتين من خلال إنشاء ميناء أم قصر على ضفاف خور الزبير، الذي يعتبر امتدادا طبيعيا لخور عبد الله لكن داخل الأراضي العراقية، كما اقترحت بغداد تأجير الجزيرتين خلال الحرب ضد إيران (1980 -1988). كما أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، طالب الكويت بالتنازل عن الجزيرتين لبلاده، إلا أن طلبه قوبل برفض كويتي.
بعد الغزو الأميركي للعراق وبعد جدل سياسي طويل بين البلدين استمر لأكثر من عامين، أقر مجلس الوزراء العراقي في يناير عام 2013، اتفاقية مع الكويت تتعلق بتنظيم الملاحة في خور عبد الله المطل على مياه الخليج العربي. وصادق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية الحدودية في وقت لاحق من العام ذاته لتتدخل حيز التنفيذ بصفة رسمية، رغم أنها تحظى بمعارضة واسعة لدى سياسيين عراقيين. وتنص الاتفاقية على تقسيم مياه خور عبد الله بالمناصفة بين البلدين، انطلاقا من قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة "833" الصادر عام 1993 الذي أعاد ترسيم الحدود في أعقاب الغزو العراقي على الكويت. ويعترض عراقيون على هذه الاتفاقية لأنهم يعتبرون أنها تعطي الكويت أحقية في مياه إقليمية داخل العمق العراقي، مما يعيق حركة التجارة البحرية أمام الموانئ المحدودة للبلاد، وإنها اتفاقية مجحفة وتضر بمصالح البلاد العليا. وبعد 10 سنوات من الشد والجذب السياسي داخل العراق حول بنود الاتفاقية، قررت المحكمة الاتحادية العراقية بعدم دستورية التصويت على المعاهدة في جلستها المنعقدة هذا اليوم الاثنين الموافق 4 /9 / 2023 في الدعوى المرقمة ( 105 وموحدتها 194/ اتحادية /2023 ) الحكم بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله رقم (42) لسنة 2013 .وتعتبر لاغية وإن المحكمة أصدرت قرارها لمخالفة احكام المادة ( 61 / رابعاً ) من دستور جمهورية العراق التي نصت على ( تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسَّن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب ".
بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 بدأ الحديث في الاروقة السياسية العراقية عن مد انبوب للنفط العراقي عبر الكويت وآخر لتزويد الكويت بمياه شط العرب والاستفادة من ميناء الاحمدي للصادرات والواردات العراقية. الا ان بريطانيا ابلغت وكيلها السياسي في محمية الكويت عدم تشجيع شيخ الكويت على اتخاذ اي خطوة تربطه بالعراق مراعاة للمصالح الإستراتيجية البريطانية. وعندما الح نوري السعيد عام 1956 على ضرورة تنفيذ انبوب النفط العراقي عبر الكويت بعد ان توقف تصدير النفط العراقي عبر انبوبه المار بسوريا خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، أو أزمة السويس وهو أسم الحرب التي قامت ما بين مصر من جهة و بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل من جهة أخرى في سنة 1956. وكانت اسبابها تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس ودعم مصر لثوره الجزائر التي قامت من أجل التحرير من الاستعمار الفرنسي. وهذه الحرب تعرف ايضا بحرب 1956 وازمة السويس. اشترطت بريطانيا ان يعلن العراق اعترافه رسميا بالحدود التي كان برسي كوكس قد رسمها بنفسه عام 1923 مع الكويت، ولم تتم الاشارة الى الرسالة المنسوبة الى نوري السعيد لعام 1932. وابلغ السفير البريطاني نوري السعيد ان آل الصباح لا يوافقون على تنفيذ هذا المشروع ما لم يعلن العراق تنازله عن مطالبه في الكويت. ومع ذلك استمر نوري السعيد بالإلحاح على بريطانيا لمد انبوب النفط عبر الكويت، وفي لقاء له مع وفد لممثلي شركات النفط أعلن نوري السعيد عدم اعترافه باي حدود مع الكويت وقال:
((أن معاهدات بريطانيا مع آل الصباح 1899) و1913) كانت قد تمت في وقت ابرامها مع عدد قليل من الشيوخ الذين كانت سلطتهم لا تتجاوز حدود قلعة مدينة الكويت القديمة، في حين ان بقية المناطق في الكويت انما تعود للعشائر وان هذه العشائر هي عراقية اصلاً، لذلك ليس هناك شيء اسمه حدود الكويت يمكن ان يسبب نزاعا. وإذا ما عزمت شركة (IPC) تنفيذ انبوب النفط فإنني اضمن عدم تدخل الكويتيين في هذا الامر، وانني مستعد لتوفير القوة العسكرية الكافية إذا ما كان ذلك ضروريا لحماية الشركة ومنشآتها)).
نوري السعيد ذهب الى ابعد مدى بالقول ان سور مدينة الكويت هو حدودهم وان العشائر خارج السور هي عشائر عراقية. بمعنى ان وربة وبوبيان عراقية وان خور عبد الله عراقي. وبالمناسبة فان هناك من يقول ان اسم خور عبد الله هو نسبة الى الشيخ عبد الله السالم الصباح، ولكن هذا الاسم موجود قبل مجيء ال الصباح الى الكويت التي كانت تحت سلطة بنو خالد كانوا هم الذين يحكمون قبل آل الصباح. والاسم موجود منذ القدم. ولا علاقة لاسم الشيخ عبد الله الصباح به.
في الثاني من آيار/ مايس 1953 توج فيصل الثاني ملكاً على العراق وظلت الحال على ما هي عليه، أذ لم تستطيع بريطانيا أجبار الحكومات العراقي المتعاقبة ولحد اللحظة على ترسيم الحدود مع محمية الكويت.
وتكشف الوثيقة التالية الحقيقة لتوصيف الحدود من قبل حكومة نوري السعيد الى الحكومة البريطانية في 5 حزيران 1958:
(مذكرة - سري للغاية- مرسلة من الدائرة العربية في وزارة الخارجية، حكومة الاتحاد العربي ببغداد الى السفارة البريطانية ببغداد برقم 4/3023/7 في 5/6/1958
عندما أعلن عن تشكيل وقيام الاتحاد العربي بين العراق والاردن في 14 شباط 1958 أكد السفير الامريكي ببغداد والدمار كالمن ان نوري السعيد قد أخبره انه يفكر بدعوة الكويت للانضمام الى الاتحاد. الا ان الخارجية البريطانية وجهت دبلوماسييها ان يحسبوا حساب استمرار تدفق النفط من الكويت الى بريطانيا وضرورة المحافظة على ودائع شيوخ الكويت في المملكة المتحدة إذا ما طرح العراق فكرة انضمام الكويت الى الاتحاد العربي. كما وجهت شيخ الكويت ان يكون حديثه مع الوصي عبدالاله عند زيارته للكويت على تحسين علاقات الكويت مع العراق ولا يشير مطلقا الى مسالة انضمام الكويت الى الاتحاد العربي.
وعندما أصبح نوري السعيد رئيسا لوزارة الاتحاد العربي وجهت حكومته مذكرة في الخامس من حزيران 1958 الى السفارة البريطانية ببغداد لنقلها الى الحكومة البريطانية في لندن كونها الجهة المسؤولة عن شؤون محمية الكويت لدراستها وابلاغ حكومة الاتحاد عن رأيها بشأنها. تضمنت المذكرة عرضا تاريخيا لطبيعة علاقة الكويت بالدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الاولى، واكدت انها شكلت اقليما تابعا لولاية البصرة بصفة قائمقامية، وان اتفاقية 1913 بين بريطانيا والدولة العثمانية اعترفت بشيخ الكويت قائمقام فيها. وتحدثت المذكرة عن فرض نظام الانتداب على العراق دون ان يشمل الكويت بسبب هيمنة بريطانيا على علاقات وادارة شؤون العراق الخارجية الامر الذي ادى الى ان يصبح العراق امام الامر الواقع وهو يرى الكويت تفصل عنه. واقترحت المذكرة حلين. الاول ضم الكويت الى الاتحاد العربي. اما إذا ارتأت الحكومة البريطانية ان تحقيق امر الانضمام غير ممكن في الوقت الحاضر فان الحل الثاني هو إنها ستقوم بالإجراء الآتي:
(ان حكومة الاتحاد العربي تجد نفسها مضطرة ان تعلن ان جميع الجزر الموجودة في المياه الاقليمية هي من ضمن حدود الاتحاد العربي، وان خط الحدود يبدأ من نقطة التقاء وادي العوجة بوادي الباطن ويتجه شرقا بخط مستقيم حتى يصل الى الجهرة على بحر خليج الكويت. على ان يكون من المفهوم ان حكومة الاتحاد العربي تعترف بجميع امتيازات النفط الموجودة وشروطها الحالية وفيما يختص بالمنطقة المستثمرة من قبل شركات النفط في هذه المنطقة وما نشأ عنها من ترتيبات مالية بين مختلف الفرقاء فأنها ستبقى على حالها عدا ما تحتاج اليه حكومة الاتحاد لسد حاجاتها الضرورية. وتأمل حكومة الاتحاد العربي ان تتمكن الحكومة البريطانية بعد دراستها لهذه المذكرة ان ترشد شيخ الكويت الى اختيار ما هو أصلح له من الحلين المذكورين امامه وبالسرعة الممكنة. فاذا ما اختار شيخ الكويت الحل الاول، أي انضمام الكويت الى الاتحاد العربي فلا يبقى ثمة حاجة لبحث موضوع الحدود. اما إذا اختار الحل الثاني الخاص بالحدود فان حكومة الاتحاد العربي عندئذ على استعداد لعقد معاهدة صداقة وحسن جوار معه)
ان هذه المذكرة، هي اول وثيقة عراقية تبين وصفا رسميا عراقيا لخط حدود مقترح بين الكويت والعراق، وأنها صادرة من مجلس وزراء الاتحاد العربي الذي يترأسه نوري السعيد ولم يأت فيها اي ذكر للرسالة المنسوبة اليه لعام 1932.
اما عن موقف بريطانيا من المذكرة وتوصيف الحدود فيها فان هوامش وشروح المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية قد اوصت بالطلب من العراق سحبها، وفي حالة الرفض فستقدم الحكومة البريطانية احتجاجا على ذلك.
من جانبه كان نوري السعيد مصرا على ضم الكويت الى الاتحاد العربي لدعم الاتحاد بإمكاناته المادية، خصوصا وان بريطانيا طلبت من العراق ان يتحمل المعونة المالية السنوية التي تقدمها بريطانيا للأردن، فطلب من البريطانيين منح الكويت الاستقلال ومن ثم انضمامها الى الاتحاد كدولة مستقلة. وجرت مباحثات في بيروت مع امير الكويت عبدلله السالم لم تأت بنتيجة، ثم دعي الامير لزيارة بغداد واجريت معه مباحثات حضرها الملك فيصل الثاني والوصي عبدالاله وفاتحه بالموضوع الا ان الامير أخبرهم ان الامر يحتاج موافقة بريطانيا، وفوتح السفير البريطاني، لكن الحكومة البريطانية ماطلت في ذلك، مما ادى الى حصول جفاء وتوتر في العلاقة بين بغداد ولندن. إن إلحاح نوري السعيد في هذا الجانب، دفع جميع الأطراف للاتفاق على عقد لقاء في لندن في 24 تموز 1958 يتم البت فيه في هذا الامر، لضرورته للعراق وللاتحاد الهاشمي.
ويكتب السفير البريطاني في بغداد في تلك الفترة، تقريراً لوزارة الخارجية البريطانية يقول فيه" انه سمع ان هناك تفكيراً، بأنه إذا لم توافق الحكومة البريطانية على الطلب الهاشمي، فان الاتحاد الجديد، يستطيع أن يتدخل ويضم الكويت اليه، عارفاً ان بريطانيا لا تستطيع عمل شيء لمقاومة ذلك. وألاّ كان معناه، انها ستحارب الطرف العربي الوحيد الذي يساندها في عدائها لعبد الناصر، الذي يطارد بقايا نفوذها في المنطقة…" ومع ذلك استمرت ضغوط العراقيين عليهم.
يقول توفيق السويدي وزير خارجية الاتحاد الهاشمي ان الضغوط استمرت الى ان جاءني السفير البريطاني "يبلغني عن موافقة حكومته مبدئياً على ضم الكويت الى الاتحاد العربي بعد اعلان استقلالها، وحدد يوم ٢٤ تموز- يوليو ١٩٥٨ موعدا لبدء المباحثات، فأمرت فورا بتشكيل لجنة من الداخلية والدفاع لإعداد مذكرة مسھبة مدعمة بالوثائق والحجج والمعلومات."
ويضيف السويدي انه بينما كان على وشك اذاعة المذكرة في مؤتمر صحفي قبل سفرهم الى لندن، جاءه السفير البريطاني يوم ١١ تموز - يوليو ١٩٥٨ يرجوه وبإلحاح تأجيل الاعلان عن مذكرة انضمام الكويت الى الاتحاد العربي. وبعد ثلاثة ايام فقط سقط النظام الملكي وأعلن النظام الجمهوري يوم ١٤ تموز ١٩٥٨، فذهب الاتحاد العربي ومشروع انضمام الكويت اليه. فقد حانت اللحظة التي فيها نهاية كل حاكم عراقي يحاول تخطي الخط الأحمر أو يفكر في تخطيه، وهكذا ما إن بدأت الدقائق الأولى من صباح يوم 14 يوليو/ تموز 1958 حتى حاصر العسكريون بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وغيرهم من قادة الأفواج الموالية المرافق السيادية في العاصمة بغداد، وأعلنوا من خلال الإذاعة عن قيام الجمهورية والقضاء على الملكية، وحُوصر قصر الرحاب مقر الأسرة الهاشمية، وتمكَّنت القوات المحاصِرة من دخول القصر وإجبار الملك الشاب فيصل الثاني وخاله الأمير عبد الإله وجدّته الأميرة نفيسة وبعض أميرات أخريات على الخروج إلى حديقة القصر، ثم صدرت الأوامر الميدانية بالقضاء عليهم، وبدأ وابل الرصاص في الانهمار، "فتساقطوا جميعا الواحد على الآخر في كتلة بشرية من اللحم والدم… وخرَّ الملك فيصل إلى الوراء على كتف ضحية أخرى"، ثم تقدم مُتولِّي أمر الإعدام الضابط عبد الستار السبع، ووقف فوق الجثث الممدودة أمامه، وأطلق رشاشه من جديد نحو الملك والأمير، فقال له رفيقه: لويش (لماذا؟) فأجاب: حتى أتأكد!!
ورصدت مكافأة 10 آلاف دينار لمن يرشد إلى نوري السعيد، وتوجهت مجموعات من الغوغاء إلى قصر الرحاب لنهب موجوداته، وأخذوا جثة عبد الإله وتم سحلها في شوارع بغداد وقطّعوا أوصاله، وفي اليوم التالي للانقلاب أي يوم 15 تموزغادر السعيد منزلاً لأحد أصدقائه كان مختبئاً فيه خوفاً عليهم، ويقال وأن كنت أشك بذلك أنه كان متنكراً في زي أمراءه ترتدي العباءة والبرقع مشيا على الاقدام، وعندما كشف أمره ركض متنقلاً في الأزقة وبعد تجمع الناس حوله أخرج مسدسه واخذ يطلق النار لإبعادهم عنه وفي هذه الاثناء وصل بعض الجنود فتبادلوا اطلاق النار معه، فأصيب وسقط على الارض، وتعرف عليه أحد العسكريين فهجـم عليه وانتزع مسدسه واطـلق الرصاص على رأسه فقتله حوالي الساعة الرابعة والربع عصراً وبعدها حضرت مفــرزة ارسلها عبد الكريم قاسـم وقد وجدت نوري السعيد قد قُتل ولكن احد ضباط المفرزة ويعتقد بعض المـؤرخين ان هذا الضابط هو المقدم وصفي طاهر مرافق الزعيـم عبد الكريم قاسم وهو الذي اطلق زخة من رشاشته على جثة نـوري السعيد ثم نُقلت جثته الى وزارة الدفاع حيث اطلع عليها الزعيم عبدالكريم وقادة الفرق وكبــار ضباط الجيش. ومن الجدير بالذكر أن نوري السعيد كان يكثر من الصعود الي سطح الدار التي أختبأ فيها، باحثاً عن طائرات انكليزية يأمل وصولها، وكان يردد "إذا انقضي هذا اليوم من دون وصول الانكليز، فمعني ذلك انهم من فعلوها ". لقد سمحت بريطانيا بسقوط نظام موالي لها بانقلاب عسكري من قبل نفر قليل من ضباط الجيش العراقي صباح يوم 14 تموز 1958 لأن مصالحها في كويت مستقل عن العراق تأتي بالدرجة الأولى قبل مصالحها في نظام ملكي قد يزول ذات يوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - جزيرة قشم (يسميها العرب جزيرة جسم أو الجزيرة الطويلة أو قسم) تقع في مدخل الخليج العربي في مضيق هرمز وتتبع محافظة هرمزغان الإيرانية، وهي أكبر جزيرة بالخليج العربي وتبلغ مساحتها 1,491 كم مربع. ذكرها لوريمر في دليل الخليج وقال أن عدد سكانها يبلغ 13,500 نسمة كلهم عرب ينتمون إلى قبائل في ساحل عمان المتصالح ما عدا 500 نسمة من الفرس ويسكنون معظمهم في عاصمة الجزيرة منطقة قشم، وأن اللغة العربية هي لغة الجزيرة. وآخر حاكم عربي الشيخ إبراهيم بن محمد المعيني وتم فقدان وزوال اللغة العربية في الجيل الجديد من السكان بسبب إجبار الدراسة في المدارس الفارسية والمعاملات الحكومية والتجارية في الجزيرة بالفارسية، ويسكنها حاليا ما يقارب من 113,846 نسمة (2010). دارت حروب دامية ولسنوات طويلة ضد كل من الغزو البرتغالي والإنجليزي حيث نجح السكان في إخراجهم من الجزيرة، وتتواجد في الجزيرة القلاع والحصون البرتغالية المدمرة. كانت الجزيرة أول محطة من الحملة البريطانية الأخيرة على القواسم، وذلك لموقعها الإستراتيجي القريب من رأس الخيمة وإيران عند مدخل الخليج العربي بالإضافة لمواردها.
881 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع