وفاة سيدة الأدب الكاريبي الكبرى ومؤرخة الشتات الأسود، ماريز كوندي، عن ٩٠ عاماً

 ترجمة: د. رمضان مهلهل سدخان

وفاة سيدة الأدب الكاريبي الكبرى ومؤرخة الشتات الأسود، ماريز كوندي، عن ٩٠ عاماً

هاريسون سميث

توفيت ماريز كوندي، المؤلفة التي تكتب باللغة الفرنسية، من غوادلوب والتي أصبحت تُعرف باسم السيدة الكبرى للأدب الكاريبي أثناء كتابتها روايات وصفية غزيرة تستكشف الإرث الوحشي للعبودية والاستعمار، [توفيت] ليلة الأول من نيسان في مستشفى في أبت، في جنوب فرنسا. كانت تبلغ من العمر 90 عاماً.
وأعلن خبرَ وفاتها زوجُها ريتشارد فيلكوكس الذي ترجم العديد من كتب الدكتورة كوندي إلى اللغة الإنكليزية. ولم يذكر سبباً لتلك الوفاة، ولم يكن من الواضح ما إذا كانت الدكتورة كوندي قد توفيت في أواخر الأول من نيسان أو بداية اليوم الثاني منه.
كانت تعيش في السنوات الأخيرة في قرية جورد الفرنسية، بالقرب من أفينيون، وكانت تعاني من اضطراب عصبي تنكسي جعل من الصعب عليها التحدث والرؤية، مما دفعها إلى إملاء كتابيها الأخيرين على زوجها.
كتبت الدكتورة كوندي، وهي مؤرخة أدبية للشتات الأسود، روايات مكثفة ومليئة بالتفاصيل، مستمدة إلى حدّ ما من السنوات التي عاشتها في غرب إفريقيا وأوربا والولايات المتحدة، وقبل كل شيء، منطقة البحر الكاريبي. لقد أعطت الكثيرُ من أعمالها صوتاً لشعب غوادلوب وتاريخه، وهي مقاطعة خارجية تابعة لفرنسا وصفتْها بأنها "جزيرة صغيرة ليس لها رأي في القضايا الدولية" – وهو ذلك المكان الذي "لا يُذكَر إلاّ عندما يكون هناك إعصار".
الدكتورة كوندي، الحاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن والأستاذة الفخرية للغة الفرنسية في جامعة كولومبيا، كتبت أكثر من عشرين كتاباً، بما في ذلك المسرحيات ومجموعات المقالات وكتب الأطفال والمذكرات، روت فيها طفولتَها في غوادلوب (إذ كانت الأصغر بين ثمانية أطفال) وشغفها بالطهي، الذي بدأ كتحدٍّ لأمها التي أصرت على أن "الأغبياء فقط هم من يحبون الطبخ".
لكنها اشتهرت برواياتها، بما في ذلك "سيغو" Segu (1984)، وهي ملحمة عائلية تدور أحداثها في غرب أفريقيا في القرن التاسع عشر؛ و"أنا، تيتوبا: ساحرة سالم السوداء"I, Tituba: Black Witch of Salem (1986)، وهي رواية عن امرأة مستعبدة ثنائية العرق متهمة بممارسة السحر (تضمَّنَ الكتاب ظهوراً قصيراً لهيستر براين، بطلة "الشارة القرمزية")؛ و"مرتفعات ويندوارد" (1995)، وهو إعادة صياغة لرواية "مرتفعات ويذرينغ"، وهو الكتاب الذي ألهمَ الدكتورة كوندي لتصبح روائية، إذ نقلت الأحداث من مستنقعات يوركشاير إلى جزر كوبا وغوادلوب.
وكتبَ المؤلف هوارد فرانك موشر في العام 1992: "من المستحيل أن تقرأ رواياتها ولا تخرج منها بفهم أكثر حزناً وإبهاراً للقلب البشري، بكل تعقيداته السرية وتناقضاته وعجائبه". "أنا، تيتوبا" ورواية أخرى متعددة الأجيال لكوندي بعنوان "شجرة الحياة" كتبتْها لصالح صحيفة نيويورك تايمز.
كما حظيت الدكتورة كوندي بشهرة كبيرة في أواخر حياتها عندما كانت في الرابعة والثمانين من عمرها، عندما حصلت على جائزة الأكاديمية الجديدة في الأدب لعام 2018. ووصفت الجائزة، التي تمنحها مجموعة من الشخصيات الثقافية السويدية، بأنها بديل لجائزة نوبل، خلال عام لم تمنح فيه جائزة نوبل في الأدب بسبب فضيحة سوء السلوك الجنسي التي هزت الأكاديمية السويدية.
وعند تسليم جائزة الأكاديمية الجديدة، وصفت رئيسة لجنة التحكيم آن بالسون الدكتورة كوندي بأنها "راوية القصص الكبرى" التي "تنتمي إلى الأدب العالمي"، مضيفة بأنها "تصف ويلات الاستعمار وفوضى ما بعد الاستعمار بلغة تجمع بين الدقة والسطوة".
وأثارت الدكتورة كوندي، التي أعلنت ذات مرة بأن اللغة الفرنسية "جرى صياغتها من أجلي وحدي"، [أثارت] إحساساً قوياً بالمكان في رواياتها. لقد نقلت القراء إلى مقابر غوادلوب في رواية "شجرة الحياة" – وأطلقت على المقابر اسم "مدن الموتى، حيث تظل شجرة الفيلاو، شجرة خشب البقر الجميلة، تبكي على الراحلين" – وإلى شوارع لندن المزدحمة في رواية "سيغو" Segu، حيث تفسح المتاجر الفاخرة في منطقة ستراند المجال أمام "أكواخ مليئة بحطام السفن البشرية التي تنام وتتزاوج على أكوام من القش أو الخرق التي تدبّ عليها الحشرات".
في روايتها الثالثة "سيغو"، روت قصة كانت مؤثرة ومترامية الأطراف في آن واحد، حيث قفزت بين عشرات الشخصيات أثناء دراسة الفترة التي انتشر فيها الإسلام وتجارة الرقيق عبر غرب أفريقيا. وتركزت الرواية، التي ترجمتْها باربارا براي إلى الإنكليزية، على أبناء دوسيكا تراوري الأربعة، وهو أرستقراطي في إمبراطورية بامبارا (الموجودة في مالي الحالية)، وتناولت قضايا العرق والطبقة والدين، بالإضافة إلى مسائل الموت وما بعد الموت.
"لقد غادرت روح دوسيكا جسده"، هكذا كتبت الدكتورة كوندي في أحد المقاطع، مقدِّمة رثاءً لبطريرك الكتاب. "كل نفس، متجددة الهواء وغير مرئية للعين البشرية، تمتعت ببضع لحظات قصيرة من الحرية قبل أن يستعيدها الكهنة الصنميون وإرجاعها إلى موطنها الجديد في جسد طفل حديث الولادة. خلال تلك الفترة، كان يطفو فوق الأنهار، ويحلّق فوق التلال، ويتنفس دون ارتعاش الضباب الكثيف الذي يتصاعد من المستنقعات، ويحط في زوايا المجمعات الأكثر سرية. المسافة لا تعني شيئاً بالنسبة له. إذ لم تكن رقعة الشطرنج الكبيرة للحقول سوى نقطة في مساحة لا قياس لها. لقد كان يهتدي بالنجوم.
ووفقاً لمعظم التقديرات، ولدت ماريز ليليان أبولين بوكولون في بوانت-آه-بيتر، المركز الاقتصادي لغوادلوب، في 11 شباط 1934. كانت والدتها معلمة، وكان والدها مصرفياً. فضل والداها اللغة الفرنسية على لغة الكريول وعلّماها اعتناق فرنسا باعتبارها "البلد الأم"، وتجنبا المناقشات حول العرق والاستعمار وأرسلاها إلى المدرسة الثانوية في باريس.
وقالت إنها كبرت، وكانت "غافلة عن العالم الخارجي". لكن ذلك بدأ يتغير بعد أن قرأت رواية جوزيف زوبيل شبه السِيَرِية "زقاق الكوخ الأسود" (1950)، التي تدور حول صبي فقير اسمه خوسيه يعيش بالقرب من مزرعة قصب السكر المملوكة للبيض في المارتينيك.
وكتبت في مذكراتها "حكايات من القلب" (1998): "قراءة جوزيف زوبيل، أكثر من أي خطاب نظري، فتحتْ عيني. أدركتُ حينها بأن البيئة التي أنتمي إليها ليس لديها ما تقدّمه على الإطلاق، وبدأتُ أكرهها. لقد أصبحتُ شاحبة وفاقعة البياض، وبسبب ذلك، أصبحتُ تقليداً سيئاً للأطفال الفرنسيين الصغار الذين كنت أتسكع معهم".
لقد درست اللغة الإنكليزية في جامعة السوربون، وفي العام 1958 تزوجت من الممثل الغيني مامادو كوندي. وانتقلا إلى غرب أفريقيا، حيث عاشت لأكثر من عقد من الزمن، إذ قامت بتدريس اللغة الفرنسية في غينيا وغانا والسنغال واختلطت مع الناشطين والقادة اليساريين، بما في ذلك تشي جيفارا ومالكولم إكس. وعند عودتها إلى فرنسا، أكملت درجة الدكتوراه في الدراسات المقارنة في الأدب في جامعة السوربون عام 1975. وفي العام التالي، نشرت روايتها الأولى "هيريماخونون"، المستوحاة من السنوات التي قضتها في غرب أفريقيا وخيبة أملها من الجيل الأول من قادة المنطقة بعد الاستقلال، بما في ذلك الرئيس الغيني أحمد سيكو توري، الذي حكم كدكتاتور.
وفي مقابلة أجرتها الباحثة الناطقة بالفرنسية فرانسواز بفاف في العام 1982، قالت الدكتورة كوندي بأنها أخذت عنوان الرواية، وهي كلمة مالينكية تُترجَم على أنها "في انتظار السعادة"، من اسم متجر متعدد الأقسام في غينيا. "من الناحية النظرية، كان هذا المتجر يقدّم كل ما يحتاجه الناس، لكنه لم يكن لديه سوى الألعاب الصينية ذات الجودة الرديئة. وبالنسبة لي كان ذلك رمزاً للاستقلال".
رسخت رواية "سيغو" حسن نواياها الأدبية، وأصبحت من أكثر الكتب مبيعاً وأدت إلى تكملة بعنوان "أطفال سيغو" (1985). حصلت الدكتورة كوندي على منحة فولبرايت للتدريس في الولايات المتحدة، ثم انضمت إلى هيئة التدريس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة ميريلاند قبل مجيئها إلى كولومبيا في العام 1995.
وأصبحت الرئيس المؤسس لمركز كولومبيا للدراسات الفرنسية والفرانكوفونية وتقاعدت من التدريس في العام 2005، بعد فترة وجيزة من تعيينها من جانب الرئيس الفرنسي جاك شيراك لرئاسة اللجنة الوطنية لذاكرة وتاريخ العبودية في البلاد.
وانتهى زواج الدكتورة كوندي الأول بالطلاق. وفي العام 1982 تزوجت من مترجمها فيلكوكس. ولم تتوفر معلومات عمن بقي على قيد الحياة.
وجرى ترشيحها مرتين لجائزة البوكر الدولية، المرة الأولى كانت في العام 2015 عن كامل أعمالها ثم بعد ذلك في العام 2023 عن روايتها الأخيرة المنشورة "الإنجيل وفقاً للعالم الجديد".

المصدر: جريدة الوشنطن بوست، عدد 11 نيسان، 2024.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

704 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع