مفهوم الإمامة في النظرية السياسية في الإسلام: الجزء الثاني:

خالد الدوري

مفهوم الإمامة في النظرية السياسية في الإسلام: الجزء الثاني:

مر معنا في الجزء الأول تعريف ورؤية بعض علماء الأمة امثال الماوردي، وابن خلدون، وابن الأزرق الأندلسي، والكتّاني، عن مفهوم الأمامة وما دَوّنوه في مُصنفاتهم. وسنتعرف هنا – تتبُعًا للمشهد- على رؤية كل من الإمام الجويني، والقلقشندي، ونفكك ونحلل ما في تعريفيهما من خلل وقصور، وما يمكن أن نوجه من نقد، ومدى إتساق اقوالهما مع أقوال من سلف ذِكرهم. لعل ذلك يُسهِم في تشكيل جزء من مفردات الصورة السياسية للخلافة.
3- تعريف الجويني:
وقد عبَّرَ عن ألإمامة "الخلافة" بأنها (رئاسة تامة، وزعامة عامّة، تتعلق بالخاصة والعامّة في مهمات الدين والدنيا).(1) لاحظ أنّ قيد العموم في تعريفه واضح، والغرض منه ابعاد الرياسات الاُخرى المُحَدَّدة، والزعامات المخصوصة ،كرياسة القضاء، وزعامة الجَند، وغيرها مما يمكن تسميتها نيابة عن الإمام. وفي التعريف زيادة غير مجدية وهي قوله: (رئاسة تامة) (وزعامة عامة) حيث يمكن الاستغناء عن احد التعبيرين لدلالة احدهما على الآخر، وكذلك قوله: (تتعلق بالخاصة والعامة) وذلك تحصيل حاصل، اذ ان كونها رئاسة تامة تعني أنها غير ناقصة ولا مُحَدّدة.
وقوله: (وزعامة عامة) المفهوم منها ان تكون على جميع طبقات الامة سواء منهم اهل المناصب، ام الرعاع. والمسلمين ومن في حكمهم. فهي رئاسة وزعامة تشتملهم جميعا بقيد العموم ، والتفصيل في متعلقها حشو زائد يمكن الاستغناء عنه. كما ان التعريف غير متحرز من دخول رئاسة وزعامة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك مما يبعده عن الدقة في تحديد مفهوم الإمامة.
ولا باس من ان نذكر هنا، أنّ اغلب المتصدين لبحث الإمامة، قد اشفعوا تعريفهم لها بأنها عن (الدين والدنيا) في الوقت الذي جمع الدين الإسلامي سياسة الدين والدنيا في اطار واحد، بحيث مزج بين السلطتين مزجا كاد به ان يدخل السلطتين تحت مسمى واحد وهو الدين.(2) كما ان النبي (صلى الله عليه وسلم) القدوه في ذلك، كان يشغل منصب النبوة الديني والزعامة المدنية، جنبا الى جنب، دون تمييز بينهما. فما الذي حدا بالباحثين والعلماء لهذا التفصيل والتمييز بينهما؟....
وللإجابة على ذلك: نعتقد انَّ مرجعه الى اعتماد الفقهاء الأوائل في تصانيفهم الفقهية ، ولأغراض تسهيل البحث والتدوين على الأبواب والإختصاصات، قسّموا البحوث الدينية الى (عبادات ومعاملات)، فإشتملت "العبادات" على أركان الإسلام وفقهها، لإنها علاقة بحتة للإنسان بخالقه. فهي من المصالح المرتبطة ارتباطا وثيقًا بالآخرة. واشتملت "المعاملات" على العقود والبيوع والأموال... وغيرها، لأنها علاقة للإنسان - اكثر ما تكون - بأخيه الإنسان، فهي من المصالح المقصودة دنيويًا.
كان هذا التقسيم لأغراض البحث والتدوين فقط من قبل الفقهاء. فإصطُلِح على الأولى لفظ الدين، وعلى الثانية لفظ الدنيا. وخشية الإلتباس في ذهن المتلقي فقد عَمَد المتكلمون والعلماء والفقهاء الى مجاراة التيار الفقهي العام، في جمع المفهومين، لتوكيد المعنى الأصيل للإمامة، بأنها عن الدين والدنيا. لأن قواعد الاسلام لا يمكن إستبقائها او تنفيذها إلّا في الدنيا، ومن الدنيا يستمد الدين إستقراره وإستبقاءه (وليس هنالك دين من عند الله هو منهج للآخرة وحدها، ليتولى دين آخر من عند غير الله وضع منهج للحياة الدنيا،(3)
4- تعريف القلقشندي:
وقد عرّف ألإمامة بأنها: (الولاية العامة على كافة الأمّة، والقيام بإمورها، والنهوض بأعبائها) (4) ويتفق هذا التعريف في مضمونه مع التعريفين السالِفَين " للجويني والكتّاني" في أنَّ غاية الإمامة: رعاية مصالح المسلمين وحمايتهم وفق المبادئ الإسلامية. وأنّها تفرض سلطتها على كافه رعاياها.
ووضع القلقشندي في تعريفها قَيدَ العموم، تمييزًا بينها وبين الولاية الخاصة، كالولاية على الأمصار والاقاليم ضمن حدود الدولة، او ولاية التعليم والشرطة والقضاء... وغيرها. وكل هذه ولايات خاصة ومقيّدة بالصنعة. إلّا أنَّ التعريف ينسحب بعيدًا ليَدخُل فيه ولاية النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين (5)، لأن التعريف جاء بالولاية العامّة المطلقة ولم يحدّد بأنَّها خلافة للنبوة.
ونرى ان هذا التعريف فيه نوع من المطاطية غير الضَرورية، حيث يوحي بأن الولاية إستحقاق لكل من تسَلّم هذا المنصب دون إعتبار للإختصاصات المؤهلة ، ولا لإسلوب إستلام الحكم، فيما إذا كان بالشورى، بالوراثة، بالوصاية، بالإنتخابات الديموقراطيّة، بالإنقلاب العسكري، بالثورة الشعبية... إلخ.

المصادر والمراجع:
(1) غياث الامم في التياث الظلم لعبد الملك الجويني ص 22 تحقيق ودراسة د.فؤاد عبد المنعم و د. مصطفى حلمي/ دار الدعوة – الاسكندرية.
(2) مقدمة التراتيب الإدارية لعبد الحي الكتاني 1/9 الناشر حسن جعنا/ بيروت.
(3) المستقبل لهذا الدين لسيد قطب ص 16 العدد رقم (4) من السلسلة الصادرة عن الإتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية/ دار القرآن الكريم 1398هـ / 1978م. وانظر كذلك غياث الأمم للجويني ص 183 (مصدر سابق).
(4) مآثر الأنافة في معالم الخلافة لأحمد بن عبد الله القلقشندي 1/8. تحقيق عبد الستار فرّاج/ سلسلة رقم 11 صادرة عن وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت/ 1964م.
(5) يمكن ان يقال هنا ان الإمامة وكالة، وليست ولاية، كما قيل عند ذكر تعريف الكتّاني الذي مر معنا في الجزء الأول من هذا البحث.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

798 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع