بيوتاتناالجميلة وذكرياتها التي لاتنسى بعد أن تركناها عنوة

                                        

                         سرور ميرزا محمود

      

  ((بيوتاتنا الجميلة وذكرياتها التي لاتنسى بعد أن تركناها عنوة))

                           

       
 الغربة واقع حقيقي بدأنا  نتعامل معها عاطفياً وأجتماعيا، ومن لم يجرب الغربة يصعب عليه فهمها، فهل الغربة تقاس بالجسد أم بالروح أم بالعين أم بالعقل؟،

فالبعد عن الوطن جرح وألم يصعب تطبيبه، ومع ذلك تأقلمنا بالمستجدات وتحملنا أعباء الحياة في الخارج وبمشاعر صادقة، وكنا نعتقد بأن غربتنا ستكون مؤقتة بالرغم كونها غير طوعية بعد أن أجبرنا لمغادرة بلدنا العزيز الجميل بأرضه وجباله وسهوله وصحرائه وأهواره، ففي كل زاوية لنا ذكريات وتحت ظل كل ركن لنا أوقات مليئة بالأفراح واللحظات التي لا تنسى، ذكريات الأهل، ذكريات الدراسة، ذكريات العمل، ذكريات الأصدقاء، ذكريات السياسة، كتبنا ذكريات جزء من حياتنا عن الأعظمية كمنطقة حيث ولدنا وترعرعنا فيها وهي لازالت عالقة في الذهن والقلب وتدمع الأعين عند ذكر أسمها، فيها من الشوق والحنين الذي لا يوصف، كتبنا عن رياضييها وقادة الحركة الرياضية، كذلك عن مرحلة دراستنا في كلية العلوم التي ما زلنا نفتخر لها لمكانتها العلمية وأساتذتها وطلابها الذين ساهموا في نهضة العراق مع رديفاتها من الكليات الأخرى، كتبنا عن الأعياد فيها، كتبنا عن مطاعمها ومقاهيها.
في دائرة حياتنا في الوقت الحاظر ومع مرور الوقت ومع الالتقاء ببعض الأصدقاء القدامى نتذكر أيام الزمن الجميل وما أروعه التي ذهبت وليتها تعود لأن جمالها كان في النفوس، والبساطة، والمشاعر، والألفة والمحبة ، ونستكمل مسيرة ذكريات حياتنا وعن بيتنا الذي تركناه ولم يودعنا الأ برحيل مرغم، كما حدث للكثيرين من كافة شرائح المجتمع العراقي بعد الأحتلال وما نجم عنه.
في منتصف السبعينات من القرن الماضي أقدمت الدولة العراقية بسن قانون رعاية الكفاءات لتشجيع حملة الشهادات العليا من درجة الماجستير والدكتوراه بالحصول على قطعة أرض مساحهتها 600 متر مربع بسعر رمزي، والحصول على سيارة بدون كمرك سواء بالأستيراد الشخصي أو عن طريق شركة السيارات التابعة لوزارة التجارة، وزعت الأراضي في المنطقة الممتدة  جزء منها من العامرية وجزء من الخضراء وجزء من الغزالية وسميت بحي الكفاءات، أعطيت مبالغ للبناء على أن تسترد بأقساط  بعد مضي ثلاث سنوات دون أية فائدة، وهو قرض عقاري يكفي لبناء الدار السكنية، وأصبح الحي من المناطق الجميلة وحدائقها مزهرية كثيرة الألوان والثمرات وكانت الأشكال الهندسية تتماشى مع الحدائة والاصالة وبتنسيق رفيع المستوى نظراً لمكانة وذوق حاملي الشهادات من حيث كفائتهم وتطلعهم لبناء بلدهم وحياتهم التي ينتظرونها ولتربية أولادهم بالمستوى اللائق لهم وبجو مثالي، مظهر الواجهات الخارجية جميل وداخلها أنيق، بنينا بيتنا هناك وجعلناه مريحا فيه مواصفات السكن الدائم بحيث توفرت فيه الحديقة الداخلية المليئة بالنباتات وتتوسطها نافورة جميلة ويمكن النظر أليها من المطبخ وغرفة الأستقبال والطعام وغرفة المعيشة أو الجلوس، في الأستقبال يوجد فيها موقد نار مؤطر بالزخارف ويشعل الحطب بداخله شتاءً ميزته  أطر الجمال لمنظر الحطب المشتعل الباعث للحرارة وأنبعاث الضوء الجميل الطبيعي وأحيانا كثيرة نتلذذ مع وجود الكستناء المشوي

   

توجد في البيت طرمتان في اليمين واليسار، أطرت الطرمة في اليسار بالزجاج وتم تحويلها لغرفة مشرفة على الحديقة وعلى فسحة الزهور...

    

وهي مكان شتوي للأفطار وشرب القهوة وفيها من النباتات الجميلة،جدران غرف الأستقبال والغرف الأخرى والممرات مؤطرة بالصور الزيتية المتنوعة متماشية مع جو الغرفة وأثاثه، ومن شرفة المنزل

        

يمكن مشاهدة ميدان سباق الخيل أيام الجمعة والأحد والأربعاء بواسطة المنظار(الدوربين)، وكذلك تدريب الخيل،..

  

الحديقة كبيرة وفيهاأشجار الزيتون والليمون والنارنج والبرتقال والكريب فروت ، خارج البيت أيضا حديقة صغيرة مسيجة بالياس وبأشكال هندسية جميلة لكون البيت مطل على الشارع العام الذي يربط العامرية بالغزالية والمسمى بشارع البصرة، وحوالي البيت وخلفه أيضاً مزين بالنباتات والأشجار والورود حيث ما تجلس أو تتمشى تسمع زقزقة وأصوات البلابل والعصافير والحمام، وعلى بعد 300 متر يوجد مكان أيواء الخيل والمسمى( بالطولة) الذي يكون مكانا جميلا لمعاينة الخيل والجلوس الليلي وقضاء الأوقات مع مالكي الخيل ومربيهم وراكبيهم، وكنت أقضي سهرات جميلة هناك نظراً لكون أخي كان يملك خيل هناك، وأنت جالس ترى جمال ومشية خيولنا الرشيقة لتستعرض أمام المالكين ومحبي الخيل.
لقد زرعنا أحلامنا فوق السحب الجميلة لمكان في خيالنا وفي تقاعدنا لنقضي فيه أياما وسنيين الراحة بعد عناء العمل، لكن ما حدث أصبح في عداد الذكريات، لقد أنتشرت عادات وقيم غير حضرية ستؤثر في أخلاقيات وسلوك ساكنيها من الأولاد ، فهذه البقعة الجميلة في بغداد حدث لها كما في المناطق الأخرى سيجت بأكثر من حائط كونكريتي عال وبدأت معالمها تتغير بعد غياب دور المؤسسة المعنية الرقابي والموجه وهي أمانة بغداد وبلدياتها التي يديرها جهلة وسارقين، ونظراً للزحف العشوائي للبشر خلاف ماهو مخطط له ولأسباب عديدة، بدأت البيوت والحدائق تتقسم  وتبنى فيها بيوتا من الأقفاص ضاربين عرض الحائط التخطيط العمراني والبييء وأصول البناء والمساحة المطلوبة، فأصبحت المساحة للبيت المبني هو خمسون مترا بدلا من مئة وخمسون مترا وبشكل يفتقد الى الجمال والألوان المتجانسة، كما تحولت بعض الواجهات الى مخازن أومحال تجارية ومحال لتصليح السيارات وأنشأت أسواق شعبية عشوائية، فضاعت الهوية العمرانية وخلقت صورة مشوشة تبتعد عن كل مفهوم هندسي وبييء، وأصبحت المنطقة ملاذاً للكلاب السائبة ومرعى للأغنام والدواب.

  

هذه حالة منطقة سكنانا التي هجرها أكثر الكفاءات وحاملي الشهادات العليا لأسباب عديدة ومعروفة، وهذه الحالة وعلى سبيل المثال تشبه ما يحصل في مناطق كثيرة في الكرخ والرصافة في الاعظمية وزيونة والكاظمية واليرموك وشارع فلسطين وغيرها، لقد تدمرت صروح المدينة المدنية والعلمية وجاءت   أيضاً البيوتات والمباني التراثية التي تتعرض للهدم العشوائي بشكل منظم ومقصود بغية جعل مدينة بغداد بلا ذكريات ولا أرث حضاري لتمسح روحها وأصالتها،فيا أسفا على بغداد التي كتب عنها المؤرخون وتغزل فيها الشعراء.
خارج بغداد ضمن الحزام الأخضر والذي أصبح  حزاماً أجرباً ممتلأً بالسكن العشوائي مما أدى الى ضياع الأراضي الزراعية من البساتين وغيرها مما خلق آثاراً بيئية سيئة من الصعب تجاوزها،ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

938 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع