د.عبدالقادر القيسي
ياخذ الاهتمام الحرفي القانوني لرجل الشرطة والاجهزة الامنية، حيزه الواسع من النشاطات التعبوية والتثقيفية العامة في مسلك الشرطة العراقية وبخاصة الاجهزة الامنية، وان اختلفت نسبة هذا الاهتمام بين المراتب والمنتسبين الآخرين من ضباط وموظفين،
وبقدر هذا الاهتمام المعروف فان الملاحظ (بالتشخيص الدقيق للاجراءات المتخذة على صعيد تعزيز وعي المنتسب) ان الجانب النفسي في التكوين المعرفي لرجل الشرطة والأجهزة الأمنية، وفي الاجراءات السلوكية المتبعة لا تعطي الهامش النفسي حيزه المطلوب من تكوين شخصية الشرطي ورجل الامن المهنية، وبرغم من ان التوجهات القانونية والامنية تعطي هذا الحيز المزيد من الاهتمام، فان علينا الاعتراف ان هذا الحيز في اعداد الشرطي ورجل الامن العراقي اعدادا متكاملا ما زال ينقصه الكثير من الجدية والمتابعة، كما ليس لدينا مقاييس اجرائية تقيس اهتمام المنتسبين بهذا الجانب على صعيد العلاقة بين الشرطة والاجهزة الامنية انفسهم وعلاقتهم مع المجتمع، ولا في اطار استخدام علم النفس بالمنظور الايحائي للحصول على صورة واضحة عن الحوادث وانتزاع الاعتراف من مرتكبيها، وتأسيسا على ذلك فاننا لو اخذنا المناهج التي تدرس في كلية ومعاهد الشرطة وقوى الامن الداخلي او في دورات الاعداد عن هذا الجانب، فان الحجم الكلي للمادة المذكورة كما ونوعا وحاجتها لا تتناسب والمهمات المعقدة والمتفرغة التي تقوم بها الشرطة والأجهزة الامنية في حالة اجتماعية واقتصادية ونفسية فرضتها هجمة الارهاب على العراق، ويهمني من تاكيد هذا ان اشير الى عدد من هذه النواقض منها ما يتعلق من تكوين القناعة النفسية بجدوى وقيمة واعتبارية المهمة التي يؤديها رجل الشرطة والآمن، ومع ان هذه القناعة لدى بعض رجال الشرطة والأجهزة الامنية، واضحة ومترسخة؛ إلا اننا نشير الى انها ليست عامة بالنسبة المطلوبة بشكل واضح ودقيق، وهذا بحد ذاته ما يشير الى التفاوت في النظرة ازاء ذلك.
اننا اذ نشير الى ذلك فاننا لا نشطب على ما تحقق لرجل الشرطة والامن من قيمة ريادية في استيعاب اهمية عمله وواجبه القانوني العام وما يحظى به من اهتمام يعبر بصورة وباخرى ان هناك تطورا لا باس به، قد حصل على هذا الجهاز في الميادين التي يخوض بها واجبه، ولنا هنا ان نقف عند اهمية الاستعداد النفسي على الاساس المعرفي وعلى اساس ما يتكون من خبرة ميدانية من خلال تعدد اوجه التعامل في تطبيق القانون وحماية امن المجتمع .
ان المعرفة النفسية، او قل الخبرة العلمية النفسية المتاتية من الدراسة وتراكم التجارب تحقق ما يأتي لرجل الشرطة والأمن :
1. تكوين قاعدة معرفية اجتماعية بالافراد الذين يتعامل معهم جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية، المخبرين عن الحوادث، الشهود، والمتهمين بالقضايا من خلال قياس مصداقية ما يطرح امام رجل الشرطة والأمن.
2. توسيع دائرة الوسائل التي يستخدمها جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية، في انتزاع الاعترافات من المتهمين في الجرائم والابتعاد عن القسر والإكراه، وقد أكدت الكثير من الدراسات ان من اهم العوامل التي تبعد رجل الشرطة والأمن عن استخدام العنف في انتزاع الاعترافات هو امتلاكه قاعدة معرفية بالحوار من خلال تحليل الاشارات النفسية التي تصدر عن المتهمين، وهذا الجانب يفيد ضباط الشرطة والأجهزة الامنية المكلفين بإجراء التحقيقات .
3. الاستدلال على المجرمين ووقائع الجريمة من خلال الحقيقة التي تقول ان كل مجرم يترك اثرا ما على جريمته مهما كانت محكمة التنفيذ، وهذا لا بد وان يقوم الضابط المحقق من خلال المعاينة الميدانية الى التقاط ما يستدل به على الفاعل .
4. تكوين جسر علاقة صحيحة مع المتهمين لان المعرفة النفسية بالاخرين تؤدي الى تفهم حالة المشتبه بهم وبالتالي فان مثل هذه العلاقة تفضي الى اعترافات واسعة من قبل المتهم، اذا وجد من ضابط الشرطة والاجهزة الامنية، نوعا من التعاطف النسبي مع حالته الإنسانية وهنا ياتي دور رجل الشرطة والامن والمحقق في دفع الامور الى تكوين هذه العلاقة من خلال جلسات التحقيق، وفي ذلك ما تناولته مجلة (الدرك الفرنسي) في موضوع الحياد المسلكي في الاصغاء والاستجواب، حيث ان الاصغاء يتيح للشاهد او المتهم ان يعبر عن رايه باسلوب عفوي وعلى المحقق ان يصغي وياخذ الملاحظات بسرعة بالنظر للخبرة المعرفية لديه، بينما الاستجواب يتيح له اكمال ما يريد الحصول عليه، في الوقت الذي يستخدم جسر الثقة مع المتهمين ومع الشهود ايضا، وهنا يأتي الدور النفسي للاسئلة فان ضابطا، يمتلك خبرة معرفية نفسية كثيرا ما يتمكن بشكل او اخر من اعداد الاسئلة في تكوين مسلسل الحادث الذي جرى، فضلا عن اهمية ملاحقة المتهم نفسيا، وعدم اعطائه الفرصة لاعادة ترتيب اولوياته للاستمرار بالكذب، وهنا ياتي دور المحقق في المحاصرة المشروعة للمتهم .
المقترحات إلى معاهد أعداد رجال الشرطة والاجهزة الامنية :
ان برنامج التاهيل المعرفي النفسي بحاجة ماسة الى التوجهات الدراسية الاتية :
1. من خلال المناهج المعتمدة في كلية ومعاهد الشرطة وقوى الامن الداخلي، ويحسن هنا ان تغير طبيعة مناهج دراسة علم النفس الامني على اساس المستجدات والمتغيرات من دون الاخلال بالثوابت .
2. اقامة الدورات التاهيلية المنصبة على الجوانب النفسية المعرفية مع اعطاء اسبقيات للحوادث التي تجري ضمن السقف الزمني للحالة السائدة .
3. اعمام النماذج التحقيقية التي استخدم بها المحققون علم النفس الامني في الوصول الى الوقائع بكل تفصيلاتها الغامضة .
4. اهتمام وزارة الداخلية في تكوين عيادة طبية لعلم النفس الامني ويمكن الاستفادة في ذلك من بعض اطباء التحليل النفسي .
5. اصدار كراس دليل علم النفس الامني واعتماده مادة تثقيفية لرجل الشرطة .
الدكتور
عبدالقادر محمد القيسي
1187 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع