عبد يونس لافي
من رسائلِ مملكةِ ماري/ إدارةُ المملكة
الرسالةُ الرابعة
من حاكمِ طَرْقا إلى سيِّدِه
نموذجٌ آخرُ من الرسائلِ الإدارية،
التي كان يتبادلُها المسؤولونَ في مملكةِ ماري،
نقدِّمُها هنا،
علَّها تُعينُ القارئَ،
على اسْتِشْعار ما كانت عليه الحياةُ،
في تلك الحقبةِ الموغلةِ في القِدَم.
اللوحُ الذي نحن بصدده،
انطوى على خطابِ حاكمِ مدينةِ طَرْقا،
أرسلهُ الى سيِّده،
يحيطُهُ علمًا بما يحصلُ فيها.
الخطابُ يُبرِزُ الجهدَ الذي بذلهُ هذا الحاكم،
ويبدو أنَّ الرجلَ كان حاكمًا حريصًا،
على إنفاذ ما كُلِّفَ به، خدمةً للشعب،
إلّا أنه جوبِهَ بمشاكلَ خارجَ سيْطرتِه.
المشاكلُ هذه، تتمثَّلُ في عصيانِ الجنود،
من مملكةِ يَمْخَد،
وعسكرتِهم حول اطرافِ مدينةِ طرقا،
خلافًا لما حدَّدَهُ لهم،
في البقاء في بلدة مُلخي، بدلا من طرقا،
حتى ينتهي حصادُ الشعير،
في السهول المحيطة بمدينة طرقا.
لم يلترمْ هؤلاء الجنودُ بما حدَّد،
ولذا فليس له إلِّا أن يستنجدَ بسيِّدِه،
لإصدارِ اوامرَ إلى قادةِ هؤلاء الجنود،
ليغادروا طرقا، ويمكثوا في منطقة مُلخي،
ريثما ينتهي الحصاد.
الملاحَظُ أنَّ الحاكمَ وضع خطَّتَه لجمع الشعير،
بعدما رأى الطالعَ واعدًا،
ويبدو أنَّ اعْتمادَ قراءةِ الطالعِ والتَّكهُّنات،
كان آنذاك في عداد المسَلَّمات.
فاندفع لإعلان النفيرِ العام،
لأهل المدينة صغارًا وكبارًا،
للمشاركةِ في حصادِ السهولِ المحيطة.
اعتمد ايضًا على الميسورينَ من أهلِ طرقا،
وزوَّدهم بالطعام،
ثم وزَّعهم على نقاطِ الحراسة،
واوصاهم باليَقَظَةِ، لاحْتماليَّة هجومِ قطّاعِ الطُّرُق.
إليك الرسالة:
"أخبِرْ سيِّدي:
خادمُك كبري – دَگان (Kibrī-Dagan)،
حاكمُ طرقا (Terqa1)، يُرسلُ الرسالةَ التالية:
الآلهة دَگان (Dagan2)،
وإكروب – إيل (Ikrub - El3)
هما بخير،
ومدينةُ طرقا، والمدن ُ المحيطةُ بخير.
الآن فيما يتعلَّق بالمسألة التي بين أيدينا:
في اليوم الذي أرسلتُ هذا اللوحَ الى سيِّدي،
كانت لديَّ قراءةُ الطّالعِ بشأنِ حصادِ الشعيرِ،
في السُّهولِ المحيطةِ بمدينةِ طرقا،
وكان الطّالعُ ملائِمًا على مدى ثلاثةِ أيام.
لذلك قمتُ سريعًا بتجميعِ المدينةِ كلِّها،
بما فيهم شبابها،
وأرسلتُهم لحصادِ الشعير في السُّهول.
كما زوَّدْتُ الأثرياءَ من مواطني طرقا بالطَّعام،
ووضعتُهم عند نقاطِ الشرطة،
وأعطيتُهم أوامرَ صارمةً،
ليكونوا على يَقَظَةٍ وحَذَر،
ضدَّ قُطّاع الطُّرُق.
كما حذَّرَني سيِّدي،
فإنَّ الجنودَ من إقليم يَمْخَد (Yamḫad4)،
الذين يتمرْكزون في بلدةِ شَلبّاتِم (Šalabbatim)،
ظهروا هنا،
وكانت لدي قراءةٌ للطّالعِ بما يخصُّ هذا،
والتَّكَهُّنات كانت ملائمةً، لذلك أنَّبْتُهم قائلًا:
"عليكم البقاءَ في بلدةِ مُلْخي (Mulḫē)،
حتى يتُمَّ جمعُ شعير السُّهول! "
هذا ما قلتُه لهم لكنَّهم لم يطيعوني.
ألَمْ أقُلْ ألّا جنودَ يدخلون مدينةَ طرقا؟
ومع ذلك فهم لا يطيعون،
ويقيمون على أطرافِ المدينة.
الآن، يتطلَّبُ الموقفُ من سيِّدي،
إرسالَ أمرٍ لا لَبْسَ فيه،
إلى قائدِ هؤلاءِ الجنود،
لكي يبقى الجنود في بلدة مُلخي."
انتهت الرسالة.
العِبْرة:
الوقتَ الوقتَ أيًّا كنتَ يا حصيف،
وإيّاكَ إيّاكَ والجنوحَ الى التَّسويف.
1 طرقا (Terqa) هي عاصمة خانة (Ḫana)، إحدى الممالك السورية القديمة، تقع في منطقة الفرات الأوسط.
2 دگان (Dagan) أو دگون (Dagon) هو إله خصوبة المحاصيل، وكان ممن يعبد في تلك الحقبة، ويأتي بالمرتبة الثانية أهميَّةً بعد الإله المتقدم إكروب – إيل.
3 إكروب – إيل (Ikrub - El) أو يكروب – إيل (Yakrub - El)، إله النعم والبركات، الذي كان يعبد في طرقا، ايام الدولة البابلية القديمة، في حضارة وادي الرافدين.
4 يَمْخَد او يمحاض (Yamḫad) احدى الممالك السامية التي قطنت في حلب سوريا اليوم.
926 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع