محمدصالح البدراني
الحكمة الأخيرة من كريم العراقي
فَإِنْ شَكَوْتَ لِمَنْ طَابَ الزَّمَانُ لَهُ
عَيْنَاكَ تَغْلِي وَمَنْ تَشْكُو لَهُ صَنَمُ
لست اكتب نعيا لكريم العراقي فهو شاعر مخضرم تفاعل مع الظروف وموهبة تصنع الحرف تأخذه تبرا فتجعل منه قلادة من ذهب، غنى له المغنين واطرب المطربون بفيضان المشاعر من شعره، ورغم شهرته فهي خجولة لانه لم ينل إلا بعض قدره وهنا تأتي الغاية من كتابتي هذه المقالة في عراقي مبدع ككثير من العراقيين الذين ينعون أحياء بالإهمال مغمورين.
لكن العراق بلد طارد للطاقات لان ذي الموهبة مسالم منتج يحاول أن يتماهى مع الظرف ليروج لإنتاجه في نفع أهله، وهو أضعف الناس في الدفاع عن نفسه لذا عندما يتغلب المغامرون على مدى تاريخ هذا البلد بعد الملكية نجد انه ذلك الطارد للطاقات أو البلد الذي يئد عباقرته، فتراهم متهمون بأوصاف تسفه وتسطح قيمتهم وإبداعهم أو انهم يعانون من ضيق العيش والحال أو معذبين في الغربة لا يملكون حتى الكفاف، فان فلتت منهم كلمة شكوى لم يفهمهم من حاله غير حالهم فيطالب الشاعر بالبقاء على المبادئ والقيم وهو عيشه في كلمته، ويطالب صاحب الفكر الصمود وهو تنهار كرامته فكيف يدافع عن كرامة الأمة أو يعلمها القيم.
عندما كان الرسول ص ينصح الناس بالصبر والثبات لم يك هو ثريا مكتفيا وإنما هو يحتاج الصبر وصابرا محتسبا ينصح بما يفعله إلا كيف يقتنع الناس بإنسان ينصحهم بان يتحملوا الجوع وهو شبعان ويتحملوا الأخطار وهو بأمان، هذا كما كريم عراقي عَيْنَاكَ تَغْلِي وَمَنْ تَشْكُو لَهُ صَنَمُ، والبلاغة في هذا البيت أتت الامتلاء بثروة الفكرة والتجربة، قال صنم أي يجد نفسه نموذجا مقدسا وفي ذات الوقت لا يحس بليد المشاعر تجاه معاناتك.
عندما يتقدم المبدع بإنتاجه يتصور ذاك الصنم انه يتسول، لا ينظر إلى إنتاجه أصلا لانه وصل لمكانته ويظن كما ظن قارون انه يستحق ما أتاه وليس بحاجة للمزيد بل إن ما يناله له وهو لا يقدم للناس إلا الكلام، أما المبدع فهو يريد تحويل سلبية الظرف إلى إيجابيه في خدمة أهله، وكم من مبدعينا عرفهم الناس بغربتهم، لقد كانت شهرة العراقي واسعة لكنها عرّفت كثنائي رائع وفق ما أرى مع الفنان الساهر واستطاع إبداع الاثنين أن يجعل من الاثنين في القمة إن افترقا أو التئما، هكذا يكون الإبداع عندما يعتبر شريكا وليس متسولا والمثقف أو المفكر لا يرى إلا أن يقدم ما عنده قبل أن يقول وداعا أو ينطق الشهادتين.
إلى متى يبقى مبدعونا تبرزهم حاضناتهم خارج عراقهم الذي يتغنون به أو يسمون به وينشدون له إلى متى يبقى هذا البلد يسمح للمغامرين أن يعدموا المثقفين وان يجعلونهم كالعقيم رغم إنتاجهم أو يغلفونهم بأوصاف تبعدهم عن طريق خدمة بلدهم فيموتون في الحياة.
اللهم اغفر له واجعل مرضه تكفيرا لذنوبه فقد أوفى بملكة منحتها له إنك أنت الغفور الرحيم
795 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع