عبدالكريم إبراهيم
الطرب الاصيل بين منديل أم كلثوم ومسبحة داخل حسن
يمارس بعض المطربين الكبار طقوساً، اصبح فيما لازمة تميزهم عن اقرانهم .لعل لجوء هؤلاء العمالقة لاعتماد هذا الاسلوب؛ لانهم وصلوا مبلغا من الوجد التطريبي جعلت سيدة الغناء العربي أم كلثوم تشدُ منديلها بكل شجن، بعدما سرى في أوصالها الغناء حتى الثمالة. في حين يحاول المطرب الريفي الكبير داخل حسن أن يلاعب مسبحته، وهو فركها بكلتا راحته بصورة دائرية يجعل الفرقة الموسيقية تنسجم مع هذا الماسترو السومري صاحب (البحة) المميزة. المستمعون في المقابل لا يجدون سوى أن يتفاعلوا مع هذه الوصلات الغنائية التي كانت تمتد لساعات طويلة دون ملل. هذه العلاقة نجدها غير موجودة اليوم بين مطرب يملك الاحساس المرهف، وجمهور متذوق يستمع بكل هدوء لهذه الاصوات الرائعة. أحياناً يفقد أحدهم السيطرة على نفسه؛ فيصفق بحرارة أو يخلع (سترته) مُلوحاً بها عن إعجابه بهذا الابداع الذي لا يتكرر.
بعد أن غادر التطريب الذوقي عالم الغناء، لم يعد من منديل أم كلثوم، وسبحة داخل حسن سوى الذكريات التي مازال يحتفظ بها الكثير، وكيف كان الغناء إمتاع للسامع، يذوب معه مع مرور الوقت كالسكر في الشاي. والعجيب أن ذلك الجيل كلما استمعت لمطربيه، تتجدد الرغبة في معاودة الكرة اخرى؛ لان مقومات النجاح مكتملة :الصوت ، اللحن، الكلام الجميل .
هذا الثلاثي لمْ يكن يفترق يوماً من الايام، والا كيف يفسر خلود هذه الاغاني برغم مرور كل هذه السنوات؟ بل اصبحت هذه الاغاني مدارس قدمت نموذجاً يمكن ان تكون مداعاة للتأمل واخذ العبرة الفنية .في حين نجد تاريخ الصلاحية مدون على أغاني اليوم لتأتي موجة اخرى تذهب بالأولى، وهكذا دواليك. كأن الناس يتعاملون مع (موديل) ليس مع احساس ومشاعر جسدتها الاغنية العربية في مرحلة معينة.
ربما حاول بعض المطربين المعاصرين أن يخترعوا لازمة يعرفون بها عن غيرهم (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا)، حتى هؤلاء مهما فعلوا من لبس أكسسوارات وملابس غربية كي يبهروا بها الجمهور لكنهم يأتوا بإحساس أم الطرب كوكب الشرق وبحة داخل حسن.
768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع