بين الذكاء الطبيعي والاصطناعي – الجزء الثاني

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل



بين الذكاء الطبيعي والاصطناعي – الجزء الثاني

إن الذكاء البشري فطري تولد معه قدرات الإنسان العقلية، ورغم ذلك فإن العقل يعمل دائمًا على اكتساب المهارات والمعارف من البيئة. كما أن الإنسان يتأثر بمحيطه انطلاقًا من أسرته وصولًا إلى المجتمع كاملًا ليكتسب منهم التجارب والخبرات التي تنتهي بزيادة الذكاء عند الإنسان تبعًا للمستوى الاجتماعي الذي يعيش فيه.


في الوقت الحاضر يكثر الحديث بين مختلف الأوساط العلمية والأدبية والثقافية عن (الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence) بوصفه أحد العناوين الجذابة ومن سمات العصر الحالي، وقد خطت الولايات المتحدة والصين خطوات واسعة في هذا الميدان.

تتنوع استخدامات الذكاء الاصطناعي حاليا في مختلف المجالات، ويُعتقد أنه سيترك آثارا على مختلف الأصعدة العلمية والاجتماعية، كما سيكون له دوره المؤثر في رسم صورة مستقبلنا وأنماط حياتنا.

إن الذكاء الطبيعي هو الذكاء المنشأ على الفِطرة، وأما الذكاء الاصطناعي فهو أحد علوم الحاسوب والرياضيات والمنشأ أساسا على خوارزميات Algorithms خاصة مُصطنعة لإنجاز فعالية معينة ونماذج رياضيتيهMathematical Models للمحاكاة الذكية والتفكير التلقائي.

إن الذكاء الاصطناعي هو العلم الذي يجعل الآلات تحاكي سلوك البشر وتفكيرهم في كل شيء، كالاستنتاج والتعلم والتطور، بحيث تعمل الآلات والبرامج الحاسوبية بالمستوى البشري نفسه في تعاملها مع أي أوامر تصدرها لإنجاز أي عملية دون تدخل البشر.

ويهدف الذكاء الاصطناعي إلى تطوير أنظمة وبرامج تتمتع بالقدرة على تنفيذ مهام تعتبر عادةً مُحتكمة للذكاء البشري، ومن أهدافه الأساسية تطوير أنظمة ذكية يمكنها القيام بمهام بشكل مستقل بدون تدخل بشري.

لقد تسارعت دول العالم في تضمين الذكاء الاصطناعي ضمن خططها، وهناك سباقاً سريعاً بين البشر والآلات لتمكن الذكاء الاصطناعي في القرن الحادي والعشرين من اختراع كوكبة من التكنولوجيات التي تخدم البشرية؛ مثل الأنظمة الذكية في المدن والروبوتات والسيارات والطائرات الذاتية القيادة ومعالجة المشكلات التي استعصت على العلماء عقوداً طويلة.

لقد تصدت تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ومخرجاته للكارثة العالمية الصحية كوفيدـــ19 عبر التوصل السريع إلى اللقاح الذي أنقذ العالم من الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية.

يؤكد العلماء أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تركز على ثمانية مجالات هي: النقل، روبوتات الخدمات، الرعاية الصحية، التعليم، المجتمعات المنخفضة الموارد، السلامة العامة والأمن، التوظيف والعمل، الترفيه.

والروبوت Robot هو إنسان آلي، وهو آلة ميكانيكية قادرة على القيام بأعمال مبرمجة سلفا، إما بإشارة وسيطرة مباشرة من الإنسان أو بإشارة من برامج حاسوبية.

لقد بينت نتائج إحدى الدراسات التي أجريت على 2500 من المستهلكين وصناع القرار في مجال الأعمال في الولايات المتحدة واتجاهاتهم نحو الذكاء الاصطناعي وآثارها الحالية والمستقبلية، أن الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية للتكنولوجيا الجديدة التي يمكنها التعامل مع التحديات العالمية، وأن %63 من العينة أكدت أن الذكاء الاصطناعي سيساعد في حل المشكلات المعقدة التي تصيب المجتمعات مثل: إغلاق الفجوة التعليمية بين الناس، وإنشاء علاج للسرطان والأمراض الأخرى التي لا يتوافر علاجها.

 

الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence:
ترتكز الفلسفة الأساسية للذكاء الاصطناعي على تقليد ومحاكاة Simulation التفكير لإنجاز فعالية معينة، ويتضمن الذكاء الاصطناعي برامج الحاسوبية تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. وتتضمن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مختلف المجالات الصناعية والطبية والعامة المختلفة؛ وحتى الإنسانية والفنية.

يمكن إرجاع تاريخ الذكاء الاصطناعي إلى التفكير الفلسفي والعلمي المُبكِّر حول طبيعة الذكاء وتطبيقه المحتمل في الآلات. وكانت عالمة الرياضيات البريطانية أدا لوفلايس (1852 - 1815) Ada Lovelace أوَّل مَن أدرك أنَّ الآلة قد تكون قادرةً على حساب المسائل الرياضية المعقَّدة، وهي القدرة التي عُرفت فيما بعد بالذكاء الاصطناعي. وقد بدأ الباحثون في تطوير نظريات ونماذج للذكاء الاصطناعي في منتصف القرن العشرين.

لقد بدأت الدراسة العلمية للذكاء الاصطناعي منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي، وفي العام 1950 قام عالم الرياضيات والحاسوب وعلم المنطق البريطاني وأهم أعمدة علم الحاسوب على الإطلاق آلان تورنغ Alan Turing (1912-1954) بتقديم فكرة "اختبار تورنج للذكاء الاصطناعي"، والذي يعدُّ أول تحدٍ للماكينات لإظهار قدرات الذكاء.

وفي العام نفسه قام تورنغ بإنشاء برنامج آلي يسمى "ماكنة تورنج Turing Machine"، وهو واحد من أولى البرامج التي تقوم بمحاكاة لعبة الشطرنج. وقد قدَّم تورنغ صياغة رسمية لمفهومَي الخوارزمية والحوسَبة باستخدام آلة تورنغ، والتي يُمكن اعتبارها من بينِ النماذج الأولى للحواسيب مثلما هي عليهِ اليوم، ويُنظر إلى تورنغ على نطاقٍ واسعٍ على أنه (أبو علوم الحاسوب النظريّة والذكاء الاصطناعي).

وفي العام 1956، عُقد مؤتمر "الذكاء الاصطناعي" في مدينة دارتموث السياحية الإنكليزية، وهو المؤتمر الذي يُعتبر نقطة البداية لتأسيس هذا المجال كمجال علمي مستقل. وفي العام نفسه أُنشِئ برنامج ذكاء اصطناعي يسمَّى (ELIZA) والذي يمكنه إجراء محادثات يسيرة مع البشر.

منذ ذلك الحين، شهد الذكاء الاصطناعي تطورًا سريعًا وتحسنًا مستمرًا في الخوارزميات والتقنيات. وفي الستينيات، ظهرت أنظمة الاختصاص Expert Systems والتي تستند إلى قواعد مبرمجة تمثل المعرفة الخاصة بمجال معين. وفي الثمانينيات والتسعينيات، تطورت تقنيات التعلم الآلي والشبكات العصبية الاصطناعية Artificial Neural Networks.

ومع تطور الحوسبة وزيادة قوة المعالجة وتوفر كميات كبيرة من البيانات، أصبح بالإمكان تحقيق تطورات هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي. وشهد العقد الأخير تقدمًا ملحوظًا في مجالات مثل التعلم العميق (Deep Learning) والتعلم التعاوني (Cooperative Learning) ومجالات أخرى تستفيد من الذكاء الاصطناعي بشكل واسع النطاق.

واليوم، يستخدم الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من المجالات والصناعات، وهو يتطور باستمرار ليصبح أكثر تطورًا واستخدامًا في المستقبل.

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا مهمًا في العلوم التطبيقية بسبب تأثيره الإيجابي على مجموعة واسعة من المجالات، منها:

• الطب: يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الأطباء في تشخيص الأمراض وتوجيه العلاجات بشكل أكثر دقة. يمكنه أيضًا تحسين إدارة المرضى وتوفير رعاية صحية أفضل وأكثر فعالية.

• الصناعة: يستخدم الذكاء الاصطناعي في الإنتاج والتصنيع لتحسين الإنتاجية وجودة المنتجات وتحسين سلامة العمليات.

• التجارة والمالية: يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات المالية والتنبؤ بالسوق واتخاذ القرارات الاستثمارية الذكية.

• النقل والمواصلات: يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين أنظمة الملاحة والتوجيه وتطوير السيارات ذاتية القيادة.

وعلى الصعيد الإنساني، يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير أيضًا مثل التعليم، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة التعلم للطلاب من خلال تخصيص البرامج التعليمية وتوفير مساعدة تعليمية شخصية.


وفي الآونة الأخيرة، اهتمت العديد من الدراسات بتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات العلمية والإدارية والخدمية المختلفة. وظهرت الحاجة إلى ضرورة التعرّف على دور تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز جودة الحكم بصفة عامة، وتحسين عملية صنع السياسات العامة، والخدمات الحكومية.

إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تؤثر على جودة الحكم من خلال بُعدين: البُعد الأول هو التأثير على دورة صنع السياسات العامة، بينما البُعد الثاني مرتبط بتحسين جودة الخدمات الحكومية وكفاءة الجهاز الإداري.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

https://www.youtube.com/watch?v=oo7pdXVFpbA

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

959 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع