الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
بين الذكاء الطبيعي والاصطناعي
يكثر الحديث في الوقت الحاضر بين مختلف الأوساط العلمية والأدبية والثقافية عن (الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence) بوصفه أحد العناوين الجذابة ومن سمات العصر. في هذه المقالة يُسلط الضوء على عنوانين بارزين: أما العنوان الأول فهو الذكاء الطبيعي؛ وهو سمة فردية يتمتع بها بعض أفرد المجتمع بمختلف طبقاته ومجالاته المختلفة. وأما العنوان الثاني فهو الذكاء الاصطناعي؛ وهو علم حديث من إفرازات علوم الحاسوب.
الذكاء Intelligence هو مصطلح عام يشمل القدرات العقلية المتعلقة بالقدرة على التحليل، والتخطيط، وحل المشاكل، وبناء الاستنتاجات، وسرعة التصرف. كما يشمل الذكاء القدرة على التفكير المجرد، وجمع وتنسيق الأفكار، والتقاط اللغات، وسرعة التعلم. ويتضمن الذكاء أيضا حسب بعض العلماء؛ القدرة على الإحساس وإبداء المشاعر وفهم مشاعر الآخرين.
إن المفهوم العام للذكاء السائد عند الناس يشمل جميع هذه الأمور، ومن أنواع الذكاء: الذكاء اللغوي، الذكاء المنطقي (الرياضي)، الذكاء الموسيقي، ...
ولا يُعد التفوق الدراسي دليلا قاطعا على الذكاء، فقد نرى أشخاصا يفشلون في دراستهم ولكنهم ينبغون في مجالات أخرى، مثل السائح العراقي الشهير يونس بحري (1900- 1979) الذي فشل في دراسته المدرسية، ولكن استطاع بذكائه أن يقيم علاقات طيبة مع العديد من ملوك ورؤساء وزعماء العالم في زمانه.
والذكاء الطبيعي ليس مقتصرا على البشر فحسب، بل هو موجود في الكائنات الحيّة من حشرات وحيوانات ونباتات، ويجب أن لا ننسى أن الحمام الزاجل كان يُستخدم في قديم الزمن لتوصيل الرسائل بين المناطق المختلفة، وعبر مسافات شاسعة.
من النماذج البشرية التي اشتهرت بالذكاء في المجال العلمي أمير الرياضيات الألماني غاوس ( Gauss (1777- 1855الذي تمكن في طفولته وهو في الصف الثاني الابتدائي من جمع الأعداد: 1، 2، ...، 100 بفكرة ذكية وبسرعة مذهلة.
لقد قدّم غاوس خلال حياته مساهمات كبيرة وجليلة للعلم؛ ومنها التوزيع الاحتمالي الطبيعي الذي يُكنى باسمه Gaussian Distribution. وقد وجد أحد أحفاده بعد وفاته بنصف قرن مسودات بحث غير منشور لغاوس تتضمن فكرة المعامل Modulus التي يرتكز عليه (علم المحاكاة Simulation)، وهذا العلم هو حجر الأساس في (الذكاء الاصطناعي). وقد قيل بحق ذلك البحث غير المنشور لغاوس: (لو نُشر في وقته لتقدمت الرياضيات نصف قرن)!
من الشعراء الذين عُرفوا بالذكاء والفراسة الشاعر أَبو تَمّام الطائي (803-845م). فقد امتدح أَبو تَمّام ابن الخليفة المعتصم في قصيدة مطلعها:
ما في وقوفك ساعةً من باسِ ... تقضي ذِمامَ الأربُعِ الأدْراسِ
فلما بلغ قوله:
إقدامُ عَمْرٍو في سَماحةِ حَاتِمٍ... في حِلمِ أحنَفَ في ذَكاءِ إِيَاسِ
قاطعه العلّامة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنِدي (805-873م) بجرأة وثبات ناقدًا: "إن الأمير فوق ما وصفت، ولم تزد على أن شبهته بأجلاف العرب، فمن هؤلاء الذين ذكرتهم؟ وما قدرهم؟".
فأطرق أَبو تَمّام قليلاً، فحضره بيتان ارتجلهما، على نفس الوزن والقافية:
لا تنكروا ضَرْبي لَه مَنْ دُونَهُ ... مثلاً شَرُوداً في النَّدَى والباسِ
فاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لنوره ... مثلاً من المِشْكَاةِ والنّبْراسِ
بهذه الإجابة المفحمة ذكّر أَبو تَمّام بأن هؤلاء المشهورين الذين أشار إليهم في معرض مدح الممدوح- جزء من عظمة العرب، وقد ذكرتهم العرب في أمثالها المشهورة، وذلك طبيعي أن نذكر الجزء للدلالة على الكل، فالله تعالى قد اختار المشكاة (كُوّة صغيرة)- لكي يضرب بها المثل على نوره تعالى وهو أبلغ من أن يوصف، فجعل المشكاة التي فيها مصباح لتقريب الصورة لعباده، وذلك في إشارة لآية سورة النور الله نور السموات والأرض: (ۚمَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) (النور: 35).
قيل: لقد أخذ الكندي الرقعة التي كان أَبو تَمّام قد دوّن فيها القصيدة، فلم يجد فيها هذا الرد المفحم فقال متفرسًا: إن هذا الرجل لن يعيش طويلاً، لأنه ينحِت من قلبه"، وفعلا مات أَبو تَمّام وعمره 42 سنة.
للشعب العراقي العريق خصوصية خاصة في عالم الذكاء، ووفقا لدراسة حديثة قام بها علماء نفس أوربيون فإن العراق يتصدر باقي البلدان العربية بمعدل ذكاء 87%، وجاءت الكويت في المرتبة الثانية بمعدل ذكاء 86%، واليمن في المرتبة الثالثة بمعدل ذكاء 85%. وحققت كل من الإمارات والمغرب والسعودية والأردن معدل ذكاء 84%، كما تراجع معدل الذكاء المصري واللبناني.
فلا غرابة أن نجد أن هناك نسبة كبيرة من الأطباء الاستشاريين في بريطانيا تعود أصولهم إلى العراق، وأن هناك 60 ألف طبيب عراقي استشاري فقط في بريطانيا، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع".
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
996 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع